الخميس، 18 سبتمبر 2014
ذكر الله .. مدرسة للتربية الذاتية
بقلم : مرعي حميد / مفكر وباحث
للكثير من الأعمال الصالحة غايات أخرى غير ثوابها المباشر من حسنات و أعطيات بحسبها عمل صالح تمت تأديته ابتغاء مرضاة الله وثوابه .
إنّ كل عمل تعبدي بيّنت الأحاديث الصحيحة له أجر فإن له غاية تتجاوز ذاتيته ، فلا يكون ذلك العمل مطلوب لذاته فحسب ولكن له غاية أخرى وجُعل الأجر دافع للقيام به لبلوغ الغاية التي من وراءه . وذكر الله من أكثر الأعمال التعبدية التي بينت السنة أجرها مجملة وبينت أجر بعضه مفصلاً لأهميته وحيويته ومحوريته في عموم العمل التعبدي مثل : ((من قال : سبحان الله العظيم و بحمده غرست له بها نخلة في الجنة )) والحديث صحيح .
ما أهية الذكر :
كل مُحب يتعلق قلبه بمحبوبه فيذكره على الدوام فلا ينساه ، إنّ ذكر محبوبه ونجواه حلاوة لا تغادر شفاهه وعذوبة لا تُبارح روحه ، وهو في ذكره يُعدد مناقبه ويتذكر صفاته ويتعرف عليه و إليه . وأعظم محبوب هو العظيم جل في علاه وقد بيّن لهم سيد العباد والمُحبين وإمامهم كيف يذكرونه تعالى .
وذكر الله هو ذكر أسمائه وتنزيهه وتقديسه ، و تذكر صفاته والتفكر فيها ، و نعمه و آلائه و شكره وحمده عليها ، والتوجه إليه بالدعاء والتضرع . وعرّفه محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني في سُبل السلام بقوله : (( الذكر مصدر ذكر وهو ما يجري على اللسان والقلب والمراد به ذكر الله )) .
مكانة ذكر الله :
يطلب الله من عباده أن يذكرونه فيقول تعالى : (( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ )) ، ويذكر صفات أولي الألباب فتكون أولها : ((الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ )) ، ويعيب على قوم لا يذكرونه إلا قليلاً فيقول جل جلاله : ((وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا )) ، و فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا : (( أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَال : ذِكْرُ اللَّهِ )) . وقد صححه الإمام الألباني . وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم : (( إذا استيقظ أحدكم فليقل : الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي وأذن لي بذكره )) ، وهنا تجد نعمة ((أذن لي بذكره )) ، وكأن وظيفة الإنسان في الحياة هي ذكر الله تعالى .
يقول الإمام ابن القيم في ( مدارج السالكين ) : (( الذكر منشور الولاية ، الذي من أعطيه اتصل ، ومن منعه عزل ، وهو قوت قلوب القوم الذي متى فارقها صارت الأجساد قبوراً )) .
وإذا كان للذكر في عمومه أهمية ومكانة كبيرة ، فإن كل صيغة من صيغ الذكر تحمل أهميتها ومضمونها المتميّز ، ومن هنا كان تعدد الصيغ وتنوع ثواب الذاكر فيها . وأفضل صيغ الذكر هي الواردة في القرآن الكريم أو السنة المُطهرة .
أنواع الذكر :
و لذكر الله أنواع متعددة هي :
أولاً : الصلاة : قال الله تعالى : ((إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي )) وقال : ((وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ )) ، و الصلاة تحتوي من أنواع الذكر الشيء الكثير كقراءة القرآن والدعاء والتسبيح ، وقد قال الإمام ابن القيم في (الوابل الصيب ) : ((ولما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتم الوجوه كانت أفضل من كل من القراءة والذكر والدعاء بمفرده لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الأعضاء )) .
ثانياً : تدبر القرآن و تلاوته وحفظه والانصات إليه : سمّى الله تعالى القرآن الذكر : ((ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ)) ، و يقول الله تعالى : ((ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ )) ، ((وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ)) .
ثالثاً : الذكر المُطلق و المُقيّد : والأول هو ما لا مناسبة بالضرورة له ولا توقيت و لا عد ولا صياغة بالضرورة كالتسبيح والتكبير والتهليل و الحوقلة ، و الدعاء المُقيد كأذكار الدخول والخروج ، و أذكار الصباح والمساء ، و أذكار الأكل والشرب والنوم والاستيقاظ ونحوها .
رابعاً : الدعاء : الدعاء هو التوجه المباشر إلى الله بسؤاله و رجائه ، وفيه ذكر لله ، و خطاب له بأسمائه وصفاته ، وهو نوع تجلي لثمار معرفة الله المتحصلة بوسائل متعددة ومنها الذكر ذاته كما سيأتي .
خامساً : طلب العلم : بحضور دروسه ومحاضراته وحلقه ، وقد أسماها الرسول صلى الله عليه وسلم حلق الذكر و أوصى المسلمين بأن يرتعوا فيها : (( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا . قال : وما رياض الجنة ؟ قال : حلق الذكر)) ، وعن معاوية رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال ما أجلسكم قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا ، قال آلله ما أجلسكم إلا ذلك قالوا آلله ما أجلسنا إلا ذلك قال أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبرائيل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة )) رواه مسلم والترمذي والنسائي .
وكلما كان الذكر بذهن حاضر جاءت ثمرته ناضجة و وفيرة ، والعكس صحيح ، حتى يكون القلب ساه غافل عن ما تردده اللسان ، وذكر الله بالقلب واللسان معاً هو الأكمل وهو الذكر الذي يعود على القلب بالفوائد التي لا تُحصى و أنسام القرب والنجوى من ومع العلي الأعلى .
الأثر التربوي :
إننا إذا ذهبنا نتأمل منزلة ومكانة ذكر الله بين الشعائر التعبدية و تأملنا الحديث الصحيح الذي صححه الإمام الالباني : ((سبق المفردون . قالوا : يا رسول الله ! ومن المفردون ؟ قال : الذين يهترون في ذكر الله )) ، وتأملنا الحديث الصحيح : (( أنّ أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم إنّ شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فأنبئني منها بشيء أتشبث به قال لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز و جل )) ، سنتسأل : لماذا كان ذكر الله تعالى بهذه المثابة العالية ؟؟ ، ولماذا سبق المفردون وبماذا سبقوا ، إنّ الأمر يتعدى الأجر الكبير لذكر الله تعالى ليصل إلى ما يترتب عليه من آثار تربوية يجنيها (( الذاكرون الله كثيرا و الذاكرات)) .
إنّ ذكر الله مدرسة خاصة مستمرة في كل الفصول للتربية الذاتية كلما واضب عليها المسلم والمسلمة وحرص على أن يحضر فيها قلبه ، وهو يترقى فيها ليبلغ ذروة الكمال فيذكر الله كأنه يراه . ونحاول استعراض الآثار التربوية لذكر الله تعالى في هذه السطور :
1) معرفة الله و زيادة الإيمان به : معرفة الله أصل في الإسلام ، والعمل من أجل معرفة الله و زيادة الإيمان به هو أحب العمل إلى الله تعالى كما ورد في الحديث ، وتكون تلك المعرفة وهذه الزيادة بالإقبال على الأعمال الصالحة و الفرار من المعاصي والآثام فبهما معاً يزيد الإيمان وبنقيضهما ( الإعراض وانتهاك حرمات الله ) ينقص الإيمان ويضمحل ويتلاشى ، ومن أرفع الأعمال الصالحة ذكر الله تعالى الذي يكاد يمثل نصف الإسلام فهو ترديد شهادة التوحيد و الصلاة وقراءة القرآن والدعاء ...الخ ... ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )) . و حينما تمر بالمسلم والمسلمة صفات المؤمنين والمؤمنات على كل منهما أن يسأل نفسه عن مدى اتصافه بما يخصه منها ، و حين تمر بهما صفات المُعرضين عن الله أن يسألا نفسيهما عن مدى خلو كل منهما من تلك الصفات ، لا أن يمرا عليها وكأنها فقط تعني أشخاص آخرين .
2) الشعور بمعية الله : أن يستشعر العابد أنه مع الله قريب منه و أن يستشعر معية الله الحي القيوم له ذلكما مكوّن المعية ، ومن أهم وسائل ادراكها وتحصيلها الإكثار من ذكر الله عز وجل ، فحينها يجد العابد من نفسه معيتها لله كما يستشعر أنّ الله تعالى يذكره في حال هو مُستغرق في ذكره ، وهذا مصداق للحديث : (( أنا معه إن ذكرني وتحركت به شفتاه )) وهو مصداق لقول الله تعالى : ((فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ )) . كما أنّ صيغ الخطاب المباشر في الدعاء توفر هذه المزية نحو : ((اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت )) و هو سيد الاستغفار وهو موشى بعشرة مواطن لخطاب الحاضر فتأمله ، ((سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك )) و (( اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء )) (( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )) ((اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت ..... )) ((رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها )) ((اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور )) ((اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك )) ((اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر )) ((باسمك اللهم أموت وأحيا )) ((اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك ...)) ، وكل دعاء يبدأ بصيغة (( اللهم )) وكل دعاء حوى ضمير المُخاطب العاقل ( الكاف ) داخل في هذا النوع من الدعاء ، ومن المهم أن يكون للعبد حظ منها في ذكره لمولاه .
3) خلق شعور المراقبة : الذي يواظب على ذكر الله يبقى لديه الشعور بمراقبة الله واطلاعه عليه حياً متدفقاً يردعه ويحول بينه وبين كثير أو كل المعاصي والآثام ، وهذا الشعور المُهيمن هو خير وقاية من الوقوع في التقصير والتعدي والظلم و براثن الإجرام والخيانة ، و حينما نتأمل مضامين العديد من صيغ الذكر مع الصلاة نجدها تُنشئ وترسخ وتعزز هذه المعرفة الإيمانية ، ومنها : (( اللهم اغفر لي ما قدمت و ما أخرت ، و ما أسررت و ما أعلنت ، و ما أنت أعلم به مني ، إنك أنت المقدم و المؤخر ، لا إله إلا أنت )) (( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم )) ((اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يُجهل علي )) وقد ورد الزلل و الظلم هنا تصريحاً ..(( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ))
4) خلق دوافع الزيادة في الطاعة : وهو من ثمار الدعاء المُتقبل ومن إيحاءاته ، (( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك )) و (( اللهم استخدمني في طاعتك )) و في الدعاء الذي صححه الإمام الالباني : ((اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُل قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا )) ...
5) التأدب مع الله بالاعتراف بنعمه و شكرها ومحبته تعالى : ((أبوء لك بنعمتك عليّ )) وهو من سيد الاستغفار ، و في أذكار الصباح والمساء ((اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد و لك الشكر )) ((ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه )) وهو من أدعية بعد الاعتدال من الركوع في الصلاة ، و يُستحب أن يبدأ الدعاء بذكر طائفة من نعم الله وصفاته ، مثل : (( اللهمَّ أنتَ خلقتَ نفسِي وأنتَ توفَّاها، لكَ مماتُها ومحياها، إن أحييتَها فاحفظها، وإن أمتَّها فاغفِر لها. اللهمَّ! إنَّي أسالُك العافِيةَ)) .
6) تعلق القلب بالآخرة ، في تذكر الجنة و سؤال الله إياها والتعلّق بما أعد الله لعباده الصالحين في الآخرة و تحديث النفس بالجنة دافعية عجيبة لزيادة التقرب من الله تعالى و الضفر برؤية وجهه الكريم والعيش بسلام من خاتمة سوء ، وذلك بالتعرف على الجنة وما أعد الله لأهلها فيها ، ويجد العبد وصف ذلك في كتاب الله ويجد تفصيله في أحاديث النبي الأمين حين يطالعها ويتعلمها ، ويجد ذلك في المحاضرات وفي حلق الذكر ، كما يجد وهجه في أدعية طلب الجنة ((اللهم اسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل )) ((وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك )) ((فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس)) وتوجيه نبوي مقتبس من حديث على شرط الشيخين البخاري ومسلم و أخرجه البخاري .
7) استجلاب الصبر : و حين يُدرك المؤمن خلق الصبر على محاب الله ومرضاته و يتطبع به تسهل عليه الكثير من الطاعات التي فيها مشقة وتعب وحرمان مؤقت للنفس من بعض مشتهياتها ، وفي الحديث ((وما أعطي أحدٌ عطاءٌ خيراً وأوسع من الصبر)) ومن وسائل إدراك خصلة الصبر معرفة مكانتها وثمرتها وسير أهلها و يجد المؤمن هذا مبثوثاً في كتاب الله الذي يتلوه ويستمع إليه في صلاته و يرتله في خلوته معه و يحفظه مُستظهراً له ، كما يطلب من الله تعالى أن يرزقه الصبر .
8) استمطار الإعانة والتوفيق : يسأل المُصلي مولاه : ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )) ، و يسئله بُعيد فراغه من صلاته أن يُعينه على ذكره وشكره مُستجيباً للهدي النبوي الذي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم به معاذاً : ( يا معاذ ، إني أحبك في الله ، فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) .
9) تحقيق التوكل على الله ونيل ثمرة التوكل ، ففي مدرسة الذكر يتعمق للعابد اليقين بقدرة الله التي لا حدود لها إلا مشيئته وحكمته ، و يوقن بضعفه وحاجته إلى الله تعالى يُعينه ويهديه ويُثبته ويشرح صدره و يُيسر أمره ، ويخرج من بيته فيقول من قلب حاضر : ((بسم الله آمنت بالله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله )) و يدعو الله تعالى : (( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ، و أصلح لي شأني كله ، و لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا ))
10) تعميق روحية التواضع : من دروس مدرسة الذكر أنّ العابد يُدرك مقدار ذاته ويعرف عظمة الله فيتواضع له أبداً ، كما يُدرك أن الله تعالى صاحب الكبرياء و العظمة والجبروت ، و أنّ الله تعالى لا يُحب من كان مختالاً فخوراً فيتواضع للناس من غير تذلل . يركع العابد لله فيقول : (( سبحان ربي العظيم )) ، ويضع وجهه ويمكن راحتي يديه وأصابع قدميه من الأرض ساجداً ويردد : (( سبحان ربي الأعلى وبحمده )) .
11) تحصيل طمأنينة القلب : لا يطمئن قلب المؤمن إلا بذكر الله ، فالله مولاه ومالك أمره وهو القدير جبار الأراض والسماوات فإليه يلجأ و به يحتمي ويلوذ ، ويثق بمولاه : نصره وتوفيقه ففي الحديث القدسي ((قال الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي وأنا معه إذا دعاني )) . في رحاب الله يجد المؤمن طمأنينة قلبه وسكون روحه وهدأة ضميره وانشراح خاطره ، وهذا مصداق لقول الله تعالى (( الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )) ، وقد كان سيد الخلق ينادي مؤذنه بلال الحبشي لُيقيم الصلاة قائلاً : ((أرحنا بها يا بلال !)) ، وهذا مقام الصلاة التي يحرص المسلم أن يرتفع إلى مستواها لا أن تكون عنده حمل ثقيل يسعى أن يصليه فيرتاح منه ، أنه هنا يغدو حمل لا صلاة في الحقيقة يتصل فيها إلى بمولاه وتعرج فيها روحه فتسبح في رحابه ، نعم يهتم ويكون همّه صلاته أن يؤديها لا أن يرتاح منها بحسبها حملاً ...
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)