الأربعاء، 29 أكتوبر 2014
كر السنين
( وقفة بمناسبة العام الجديد )
بقلم / مرعي حميد / مفكر وباحث
تمر بنا الاعوام تلو الأعوام ،نستقبل العام الجديد من عمرنا او من اعوام السنة الميلادية او الهجرية بعد أن انتهى سابقه من معركته معنا، فماذا اعددنا للقادم وماذا كسبنا في معركتنا مع المرتحل؟ ،تلك وقفة ينبغي لكل حريص وحصيف ان يقفها مع نفسه ليحصي مكاسبه وخسائره حتى لا تكون عاقبة امره خُسراً .الأكياس لا يتركون انفسهم مكشوفة في معركتها مع الأيام والسنين في كرها وتكرارها ولكنهم يستعدون لها بحسبان الموقف وتقدير الحاجة إلى غُنمها و تحديد وسائل كسبها وعلى الدوام،هؤلاء لهم في كرها الفوائد والقلائد ولغيرهم المرارات والحسرات.
فرصة لكسب معركة جديدة حينما يحل العام ،و فرصة للانتشاء في حمد للعليم الجليل والفرح بكسب معركة مضت بعد كفاح مستميت واستيعاب متكامل لفرصها أو معظمها،هكذا هي السنون إما غنائم يجنيها الفرد منا فيها ،وهذا هو الاصل في المؤمن ،واما خسائر تزري بصاحبها دنيا و اخرى.
اننا حين نتحدث عن مكاسب وخسائر فإننا نعني ما يتصل منها بالدنيا وحياتنا فيها وما يتصل بالآخرة ومصيرنا المرتقب فيها .وفي زمن وداع لعام واستقبال لآخر فرصة للمحارب منا أن يخلو بنفسه وينصب لها ميزان العدل ليتعرف على أي كفتيه هي الراجحة ليتدبر في قادم عامه ما يزيد من رجحان توفيقه ويقلل من اخفاقه بل يتجاوزه مرة واحدة إن هو استطاع .
وفي الهجرة التي تتوافق مع بداية العام دعوة لنهجر قليل النجاح الى كثيرة فهنالك مراغما كثيرة و سعة فقط يحتاج منا هذا إلى بذل الأسباب في صبر ومصابرة و تيقظ كامل على بديع العاقبة ان احسنا وحرصنا على الثمر المستطاب و رديئها ان قصرنا وفرطنا وانتظرنا الثمار من غير غراسها وكدحها.
معركتان
ان الكسل والرضى بالدون والخوف من المجهول و التشاؤم بماض لم يكن كما نريد كلها مُعدات تُستخدم ضدنا في معركتنا الحياتية افرادا كنا ام جماعات ومجتمعات.
إنّ علينا ونحن ندب على ظهر البسيطة أن نكسب معركتين :معركتنا مع الأيام التي سرعان ما تبادرنا ان لم نبادرها باستغلال وانتهاز ،ومعركتنا مع انفسنا الآمرة بالسوء والتسويف الناهية عن العزمة الماضية التي تجدها متعبة لها جالبة عليها بخيل الطموح ورجل الإصرار.
ان الانسان حصاد كسبه ونتاج سعيه واغتنام وقته كما هو حصاد اهتمام الآخرين ورعايتهم له في حين من دهره ،وكلما ازداد حصاد الانسان كماً ونوعا وهو يخوض معركة الحياة التي لا تتوقف كلما ازدادت قيمته بنظر نفسه والناس و رب الناس .
وقتنا فرصتنا
((الوقت هو الحياة)) هكذا تحدث الإمام حسن البناء ،ولكم كان صادقاً كعادته ،فبقدر كسبنا للوقت يكون كسبنا للحياة وبقدر تفريطنا يكون فيها التفريط ،اننا نحيا بمقدار الوقت الذي نمضيه في العمل والكفاح ،وللمحارب وقت يستريحه هو ضروري ليتصل كفاحه فلا تنهد قواه ولا تسيخ قوائم طموحه في بيداء الانهاك .
و لما كانت الحياة الحقيقية الممكنة للإنسان هي هنالك في الدار الآخرة كان تسخير وقت الدنيا المحدود صنعة الفطناء النجباء وذلك في ما يعود عليهم بأعظم الخير يوم يعرضون على الله تعالى كما يُعرض سائر الناس فيحشرون الى دار الخلد تستقبلهم الملائكة وتحوطهم الرحمات وتحتضنهم الملذات الحقة بمقدار سعيهم في الدنيا في طاعة الواحد الديان جل جلاله.
الناجح من يتعاظم انجازه ويتراكم تحصيله كلما مرت به السنون وخاض معترك الحياة وذلك على مستوى الفكر و الخبرات والمعارف والعلوم و الحسنات والقربى من الله والثروة في احيان كثيرة ،وفي المقابل يقل لديه الخسران والميل عن الجادة .
ان وقتنا المتاح لنا في الحياة إما ان يطير بناء للمعالي او أن يهبط بنا وذلك بحسب سلوكنا فيه وكسبنا خلاله .إنّ الحياة فرصة للإنجاز واجتراح المآثر والمسعى الجميل ،ومُخطئ من ظنها غير ذلك ومخطئ اكثر من جعلها لغير هذا ،انه هنا يقع في دائرة الظلم لنفسه ولمن يتأثر بهم فعله وكسبه .إن حياة احدنا مجلد فلينظر ماذا هو مدون فيه :الإيجابية ام السلبية ،المثابرة الخلاقة ام الإخلاد الى الدعة والراحة وربما سفاسف الامور والافعال والنيات.
أصناف أربعة
الناس في قضائهم لأعمارهم المكتوبة لهم على أربعة اضرب :متميّز وعادي و خامل ومتجاوز...وقد كانوا كذلك ويكونون لطريقتهم في قضاء اعمارهم :فالخامل قضاها متسكعاً لاهياً لا هدف يسعى له ،عالة على شقاء غيره وكد سواه ،اما العادي فقضاها يكد ليعيش ومن يعول بكرامة في تمسك بمبدأ يعتنقه وخلق يلتزمه ،اما المتميّز فهو صاحب رسالة متعدية لذاته واسرته متجاوزاً ومحلقاً في سماوات المجتمع والوطن والأمة و الفكر والمبدأ والعلم والمعرفة ،أما المتجاوز فهو من تجاوز حدود الأدب و الفضيلة ووقع في براثن الإجرام و الفجور، همّه بئس الهم ،واهتمامه اشباع غرائزه الحيوانية كشخص غير موفرا في سبيل ذلك لا قيمة ولا خلقاً.
وليس يمنع الانسان و يصرفه ان يكون رسالياً الا نفسه التي تنكفئ على ذاتها وربما المحيط الأقرب ،انه يفتقد في غالب الاحيان الهم الرفيع المتجاوز والمحلق وتقتصر ارادته ومثابرته على دائرته تلك او ذاته في اكثر الاحوال وهو يفتقر الى خيال الانجاز لصالح المجموع متقوقع في فقاعة الانجاز الفردي وشبه الفردي ،وفي معظم الاحيان يكون المستوى التعليمي و المعرفي حاسم تجاه ان يكون رسالياً فهو شرط لازم ولكنه في آن ليس بكاف انما هناك الطموح والحلم وروح المجموع الساكنة بين جوانحه كنفع لهم وإفادة لا إستئثار بمقدراتهم و إرادتهم وخيراتهم.
يكون للسنين وقعها المتهادي و رنينها المحبب وانجازها البهيج لدى الرسالي وهو يمضي في التحام مع رسالته التي يجد نفسه فيها ونذر نفسه للقيام بها وعلى افضل ما يُرام ،يستذكر في محطات وداع حاضرها واستقبال آتيها جميل ما انجز وفي الأفق يناجي حلم الغد المنتظر لواقع اليوم ان يستحيل حقيقة وقد كان كذلك حلما .قد يستبد به التعب والنصب ويشارف هاوية المهلكة ولا يتردد ان يضحي بمباهج امثاله وأقرانه فقد ارتقت طموحاته واستحالت مباهجه مباهج من يستهدف بحلمه وعمله وجهده وجهاده .
تمضي السنون و الرسالي يراكم فيها انجازه على الصعيد الذي اختار ساعياً الى آفاق الانجاز الاكثر رحابة والذي يكون فيه للحياة اكثر معنى وصدى وجمال وعاقبة حسنة نظرة مُشرقة ،تصبح الحياة مستحقة ان يعيشها لا بل ويستوعب كل سنيها وشهورها ولياليها ونهاراتها دافعاً بكل حب ضريبة الرسالية،ترضى نفسه منه ذلك فحسب فهنالك راحتها التي تريد على الدوام.
الأكياس من الناس
الأكياس هم من ادركوا النقص في هذه الحياة ،وادركوا انها الى نهاية مهما امتد بهم العمر و حافظوا على استيقاظهم على هذه الحقيقة فلم يخلدوا للدنيا مهما انتظروا من عمر يطول وسنون بهم تمتد وصحة في اجسادهم تبقى ومال في ايديهم يستمر وافرا ،و في المقابل ادركوا و أيقنوا أن الكمال اقامة وصحة ونعمة ونعماء ونعيم في الجنان فشمروا لها وعملوا من اجل مزيدها ،انهم نجوا من ان تفتنهم الدنيا بملذاتها وشهواتها ..
ان من عوامل عدم اكتراثنا بمرور السنين عدم ادراكنا لأهمية الوقت باعتباره ظرف للإنجاز الدنيوي و الأخروي و كلما كان الانسان اقل رسالية او منعدمة لديه لم يعبأ بمرور الايام والسنين و كلما زادت مكانة الانسان زادت قيمة وقته ،والإنسان في معظم الاحيان هو من يقرر ان تكون مكانته ،فالإنسان حيث ما يضع نفسه ويمضي به عزمه وعمله ،ولكل انسان فرصة واحدة فقط أن يحيا هنا.
الدنيا مزرعة
الدنيا مزرعة الآخرة ،وبقدر ما يزرع احدنا من الصالحات يحصد من الحسنات وجميل المكرمات ممن لا يضيع اجر من احسن عملا ،بل نجد عنده ان احسنا جزاء الضعف والحسنة بعشر امثالها الى اضعاف كثيرة بقدر اخلاص احدنا وهو يعمل من الصالحات ،قال الله تعالى :((وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ)) انه يجزي بالإحسان احسان ،القائل تعالى ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ )) وعلى لسان يوسف عليه السلام :((إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ))
ان حياتنا فرصة كلية لنا لنعمل الصالحات ونزيد منها كماً وكيفاً من دون تسويف او إبطاء وذلك بقدر وسعنا في سباق خلاق للفوز برضوان وجنات المنعم المتفضل علينا بكل النعم الظاهرة والباطنة ،وهي تتضمن فرص جزئية من اضاعها اضاع الدنيا كفرصة كلية فأيامها فرص جزئية وكذلك شهورها ،و ان يجي وقت صلاة جماعة فهذه فرصة جزئية ان نغتنمها،وان يجيئ علينا يوم صيام مفروض او مسنون فتلك فرصة وان تمر بنا ايام او ليال فاضلة فهذه فرصة وان نصلي على جنازة ونشيعها فرصة و زيارة مريض فرصة وكذلك زيارة اخ في الله وصدقة على طالبها ممن نرى فيه الحاجة و امر بمعروف فرصة ومثلها نهي عن منكر بوسائله المشروعة وبلين وحكمة ،وتلاوة لآيات القرآن فرصة،تلك فرص في الاعمال الظاهرة وفي الباطنة فرص :ان نحب الله و ان نحب رسوله ،ان نخلص لله ونجدد الاخلاص له ونجدد له التوبة ،ان نزيد من قربنا القلبي اليه عبر السير اليه ،ان نزيد من يقيننا وتوكلنا وصبرنا واصطبارنا في سبيل مرضاته ،تلك فرص جزئية كثيرة كلما اغتنمناها اغتنمنا حياتنا و سنيننا وكلما ضيعناها ضيعنا حياتنا وسنينا ،ان هذه الحياة لهي فرصة ان لا نكون ممن يروي الحق تعالى على السنتهم ساعة الاحتضار ((حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ))
إنّ التسويف وطول الأمل خصمين لدودين يحولان بيننا وبين اغتنام السنين وهي تتوالى علينا تترا ينصرم بها من اعمارنا مقدار ما ينصرم منها سواء عملنا فيها بما يليق بنا ام قصرنا وفرطنا وآثرنا الخلود الى راحة الخمول و دعة الجلوس دون الانجاز والمآثر والمكاسب الدنيوية و الأخروية
( الجهاد ) الذي تركه الاخوان المسلمون
بقلم : مرعي حميد / مفكر وباحث
كثيراً ما تحدث الاخوان المسلمون وغيرهم عن سر فشل الاخوان في اقامة دولة اسلامية ، وقد تبين لي أخيراً ان سبب ذلك يرجع الى ان الجماعة قد وضعت من ضمن اهدافها اهداف سياسية لا يمكن تحقيقها الا بالجهاد القتالي وهما اقامة الدولة الاسلامية واستعادة الخلافة الاسلامية ، ورغم طابع الجهاد القتالي الذي يصبغ الحركة وشعارها خير دليل ، الا ان الجماعة تخلت عملياً عن الجهاد القتالي منذ زمن بعيد يرجع الى الخمسينيات .
ويؤكد انقلاب الطغمة الحاكمة في مصر مع التآمر المستمر ضد الاخوان في ليبيا و غيرها للحيلولة دون تمكن الاخوان من الحكم الحقيقي وتكوين جيش رسمي على أعينهم باعتباره ركيزة ثانية لتحقيق الاستعصاء الذي يمنع قمعهم ، والركيزة الاولى هي تحقيق الانجازات التنموية على جميع الاصعدة وخاصة صعيد الدخل الفردي و ترسيخ الامن وتشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية ، و نموذج العدالة والتنمية على هذا الصعيد خير مثال .
وكون الجهاد القتالي في ظل تنظيم عسكري مسلح اثبتت تجارب الجماعات الجهادية المسلحة استحالة نجاحه ،اصبح لزاماً على الاخوان ان يخفضوا السقف ويعلنوا جماعتهم كجماعة مدنية هدفها الاسهام في تنمية الاوطان بالقدر الذي تستطيع ، وترك الحديث غير المُجدي ـ في ظل استحالة وسيلته ـ عن الدولة الاسلامية والخلافة الاسلامية ... وكفى بالاسهام في تنمية الاوطان هدفاً سامياً جليلاً يستحق السعي والعمل من أجله وهذا هو اهم ما تنتظر شعوب الامة من الاخوان النهوض به و قيادة عملية تحقيقه وانجازه لها مع قدر من العزة والكرامة تخليصاً لها من تخلفها وتبعية حكامها ، وقد سبق ان كتبت ونشرت رؤية تجديدية لفكر الاخوان المسلمين تستلهم الواقع السياسي المعاصر .. وهي منشورة على الرابط ادناه :
http://nashwannews.com/articles.php?action=view&id=9471
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)