الخميس، 1 يوليو 2010

ما هكذا نحتفي بتريم !!!

ما هكذا نحتفي بتريم ؟
بقلم : مرعي حميد ـ كاتب وباحث من حضرموت
جهد مشكور أثمر كتاب جميل جمع ما تفرق عن الغناء تريم ، ذلك هو كتاب : [ تريم عاصمة الثقافة الإسلامية ] الذي جاء في نحو مئة صفحة ، لولا أمرين : أولهما عابر يتمثل في تعديد المزارات والقباب ص 33 وخاصة أنها خارج نطاق مدينة تريم ، وإلا قدها فرصة للتذكير بها ؟؟ ، ولم يبق أن يذكر إلا ما يُقال انه قبر هود ـ عليه السلام ـ ، ومن ثم تلك المزارات ليست من الثقافة الإسلامية التي نحتفي بها ويحتفي بها مسلمو العالم ، وثاني الملاحظات المقدمة التي كتبت بنفس طائفي ، المقدمة لم يرد أنها مقدمة إلا في فهرس الكتاب ودون أسفلها (( لجنة إعداد الكتاب )) بالرغم من أنها مسربلة بضمير المتكلم المفرد منذ مطلعها (( تريم .. هذا العنوان الذي ارتج أمامه )) مروراً بـ (( الذي أنا بصدد تقديمه )) وصولاً إلى (( وأنا إذ أتوجه إليهم )) ، وهذه بعض الوقفات على المقدمة التي جاءت في أربع صفحات :
أولاً : النفس الطائفي العصبوي تطالعه في (( تراكمت عليها منارات الافتئات )) ومن هذا الذي يفتئت على تريم ؟ .....لا احد ، ولكن هناك من ينتقد بعض المحسوبين على التصوف ، وما هم بمتصوفة ، فهل أصبحت المدينة هم ، وهم المدينة ؟ إذاً ماذا بقي لغيرهم من أهل المدينة ؟
ثانيا: يتحدث عن تريم فيقول : ((لتبقى مرادفاً أزلياً للحب و............و الاعتدال والوسطية في كل الأمور )) ويرد وصف (( الوسطية والاعتدال )) في معظم الأدبيات المعاصرة ليقصد به التصوف المبتدع المشحون بالشركيات والأحاديث والروايات المكذوبة والموضوعة ، الذي يتبناه الغرب والحكومات الوطنية الآن ويدعم بلا حدود أحياناً ، مثلما هو حاصل وواضح في المملكة المغربية ، باعتباره الأفضل لهم من تيارات الرفض والمقاومة ، كونه يعتبر كل تسلط وكل فساد قضاء وقدر ينبغي القبول به فلا مدافعة له ليزول ولا مقاومة ، وهو تفضيل له تاريخ يبرز في الصراع بين الاستعمار وأهل القطر الواحد مثل الجزائر .
ثالثا : أورد الكاتب التريمي بيت للأستاذ محمد بن هاشم وصف تريم فقط باعتبارها مكان لعدد كبير من آل البيت ـ الذين نحبهم قدر الخير فيهم إضافة إلى نسبهم المحمدي ـ وهذا غير مناسب في سياق حديث عن تريم كلها ، والبيت يقول :
هذي تريم مُعشعشُ القوم الأُلى وُصفوا بانّهم الكثير الطيبُ
رابعا : ثم يقول (( وقد اختيرت عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2010 ، وما كان ذلك لولا أنها مُعشعش أولئك النفر ، ومنطلقهم الأصل ، من رحابها سرت قوافلهم ، قوافل النور و الهداية والعرفان والمحبة والحضارة والوسطية )) لقد حجّرت واسعاً ، و تريم ليس منطلق من نحبهم بل هي مستقر أبناء احمد بن عيسى المهاجر، الم يسمى المهاجر ؟ وذلك لكونه هاجر من العراق إلى اليمن مرحباً به ومسهلاً .
خامسا : ثم يقول (( حق لها ان تباهي من عاداها )) إنها لغة الكره لا المحبة التي يدندن بها الكاتب ، إنهاء لغة تفترض وجود أعداء لتريم المدينة الفاضلة ، إنها لغة الرياء والمباهاة و المباهاة بالعمل الصالح ولم تكن تريم يوماً كذلك ، لان الأصل في صالح الأعمال التقرب به خالصاً إلى الله لا طلباً لشهرة أو مغنم أو النجاة من مغرم وان لم يكن كذلك فهو هباءً منثوراً .
سادسا : ثم يقول (( ان منتسبي الإسلام ومعتنقيه لرجالها بالنفس أو بالواسطة في كل أرجاء الأرض العامرة ، يتعدون نسبة تضاهي 60% اليوم . )) والمبالغة أمر لا يحمده احد ولا ترضاه العقلية السليمة ، فسكان اندونيسيا 235 مليون [ عشرهم على الأقل غير مسلمين 23.5 مليون ] وماليزيا 23 مليون نصفهم مسلمون ، المجموع 224 مليون مسلم ، فهل هذا الرقم هو 60% من مليار و200 مليون هو عدد المسلمين اليوم ، ولو أضفنا إلى هذا الرقم 50 مليون احتياط فسنصل إلى 274 مليون ، والـ 60% حق مليار و200 مليون هو 660 مليون ، أي النسبة في حدود 25% وليس 60% ، لماذا نبالغ ؟ يكفينا ربع عدد المسلمين في العالم لنثبت فتح الله على الحضارم الأوائل الذين اسلم على أيديهم الملايين من سكان جنوب شرق آسيا وخاصة اندونيسيا وماليزيا . ولو جئنا إلى هذا الباب من أصله لقلنا طيب ومن الذي دعا الحضارم للإسلام ؟ فله الفضل في ذلك كله الى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
سابعا : ثم يشير إلى أسباب هذا التأثير ويقول (( عدا ما اتصف به أولئك القوم ، ولا اصدق ولا اعدل مما وصفه [ هكذا في المطبوع والصحيح ، والصحيح وصفهم ] الله به في كتابه (( الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا )) و (( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ))و (( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ))، وكل مسلم صادق يسر بوجود تلك الصفات في إخوانه المسلمين لكن ان نقول ان تلك الصفات متصفة بها طائفة من الناس ـ كلها وعن بكرة أبيها في ماض أو حاضر ـ فهذا لا ينبغي ، ويُقال في هذا الباب (( ينطبق عليهم وصف الله.... )) لا أن نقول : (( وصفهم الله )) ، والمعلوم ان الحضارم كسبوا أهل جنوب شرق آسيا بأخلاقهم وليس بالضرورة باتصافهم بتلك الصفات .
ثامنا : ويتساءل الكاتب : (( كيف استطاعت تريم ان تقدم هذا الأنموذج المؤثر في أغوار أصقاع العالم البعيدة و أنجادها ، وتحقق به الهداية في تلك الأصقاع ، لتشرق الأرض بنور ربها [ وكأنّ كل مسلم على الأرض هو نتاج لدعوة أهل تريم ] ويضيف مباشرة (( حين عجز المال والسلطان والنفوذ من قبل وحتى يوم الناس هذا ؟)) وهو يكاد هنا ان يقول (( حين عجز الوهابيون )) والمسلم يجب عليه أن يحرص على ان ينتشر الإسلام والاستمساك بهدي الإسلام بواسطته أو بواسطة غيره ، ويفرح بذلك ويُسر ، والمهم عنده أنّ ذلك يتم ، ويحزن أن ينسد قلب أو مكان فلا يقبل دعوة الإسلام أو يفرط في تعاليم الإسلام . وأضاف الكاتب مباشرة (( ماذا سيفعل مدعو ذلك ممن ركبوا موجة التطرف والغلو وجروا لإسلامنا العظيم تهمة الإرهاب ، حين ذهب بهم الأمر شططاً بعيداً ؟ )) وهو هنا اقرب إلى التصريح منه إلى التلميح فأهل الغلو عنده هم من يحاربون البدع والمحدثات أي( الوهابيون ) بدرجة أساسية ، و خلط وصفهم بوصف القاعدة وهذا خلط سقيم وتدليس .
وأن يكتب شخص افتتاحية الكتاب الرسمي عن تريم بهذه المناسبة لهو مؤشر مؤشر خطير على التجيير الذي سيحصل للمناسبة وفعالياتها، من أولها ، والتي ستمتد لفترة عام كامل ، وهذا مما يفقد الاحتفاء بتريم بريقه ولمعانه ، ويتحمل مسؤولية ذلك من يسمحون بذلك .
ملاحظات فنية :
1: قال الكاتب : (( تراكمت عليها منارات الافتئات )) فكلمة منارات لا يصح التعبير بها هنا ،مهما اختلفنا أو اتفقنا مع مضمونه ، فكيف يكون للافتئات منارات تنير ؟ إنّ له ان وجد سراديب وجحور وشبهات .
2 : قال الكاتب (( وهي مراجع متاحة للراغب في الإحاطة بتلابيب هذا الاسم (تريم ) المتوهج في آفاق الكون شيئاً ولو يسيراً و طرفاً ولو ضئيلاً )) وفي هذه العبارة خطاءين : الأول : ( الإحاطة بتلابيب ) تعبير لا يستقيم مطلقاً في هذا المقام ، فلا يؤخذ بتلابيب إلا المكروه من الأشياء والحالات ، والمراد التخلص منه ، وهل تريم المدينة الفاضلة كذلك ؟ ، حاشا وكلا ، قال ابن منظور في لسان العرب :
(( والتَّلْبيبُ من الإِنسان ما في موضع اللَّبَبِ من ثيابه ولَبَّبَ الرجلَ جعل ثيابه في عُنقِه وصدره في الخصومة ثم قَبَضَه وجَرَّه وأَخَذَ بتَلْبيبِه كذلك وهو اسم كالتَّمْتِينِ التهذيب يقال أَخَذ فلانٌ بتَلْبِيبِ فلان إِذا جمَع عليه ثوبه الذي هو لابسه عند صدره وقَبَض عليه يَجُرُّه وفي الحديث فأَخَذْتُ بتَلْبيبِه وجَرَرْتُه [ ص 734 ] يقال لَبَّبَه أَخذَ بتَلْبيبِه وتَلابيبِه إِذا جمعتَ ثيابَه عند نَحْره وصَدْره ثم جَرَرْته وكذلك إِذا جعلتَ في عُنقه حَبْلاً أَو ثوباً وأَمْسَكْتَه به ))
والثاني : كيف يحيط بتاريخ المدينة شيئا ولو قليلا وطرفا ولو ضئيلاً فهذا تناقض فالإحاطة تعني الكثرة لا القلة و لا الضآلة ، والذي يبدو انه تعبير أعجب الكاتب فأورده في غير موضعه ، وهذا لا يصح فالعدل وضع الشي في مكانه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق