لعصيان المدني، الدواء الناجع لداء العصر: بولات جان
- تعريفات عامة، خصائص و قراءات نقدية
- سقراط
- أنتيغونا
- النفس السامية
- مارتن لوثر
- هنري ديفيد
- وسائل و سبل العصيان المدني
- أمثلة عن عمليات مختلفة من العالم
- العصيان المدني شرقياً
- بالحروف
- نار الجسد
- اللغة الممنوعة
- الصوم
أحد سبل المقاومة و المعارضة و الضغط على السلطات و الحكام. و هو سبيل اللاعنف في انتهاك الحقوق و القوانين الرسمية عن دراية و علم تامين، سلمي، هادف، وجداني، جسور، صريح و علني للرأي العام، هادئ و لكنه مؤثر إلى أبعد الحدود يقوم به عدد محدد من الاشخاص المعنيين بالأمر والمؤازرين لهم من أشخاص و مؤسسات و تجمعات تتحمل كل النتائج و العواقب سلبية كانت أم ايجابية. عمليات العصيان المدني بعيدة و منزهة عن الحقد والضغينة والكراهية والانانية. العصيان المدني ليس هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة واضحة للوصول إلى الهدف الأساسي، أ لا و هو الحياة الكريمة و العدالة والإنسانية. هذا تعريفي للعصيان المدني، و قد تختلف التعريفات و تتشعب تفاصيلها وأسلوب الاتيان بها، لكنها من حيث الروح و الجوهر فهي لا تخرج عن إطار التعريف الذي أوردناه للتو!
العصيان المدني كمصطلح، أستخدم أول الأمر في القرن التاسع عشر من قِبل هنري دافيد ثورو(Henry David Thoreau). أما كفعل،فجذوره ضاربة بعمق في التاريخ البشري، رافق المسيرة الانسانية و بقي ملازماً له حتى يومنا هذا. و ستكون ما دام الانسان بحاجة للتعبير عن رفضه و معارضته لأي شيءٍ كان في العالم. استنتجت من دراساتي للعصيان المدني و أمثلته و أعلامه، أن العصيان المدني كفعل و ممارسة مبرمجة هادفة بدأت في اليونان القديمة و بالأخص مع حادثة محاكمة سقراط الفيلسوف و أنتيغون التي واجهت القوانين و دفنت أخاها الثائر على الملك. و بذلك تكون اليونان ملهمة العصيان المدني. أي إن الغرب من أوجد العصيان المدني. حيث نلحظ ترتيب مدهش لقادة و أعلام العصيان المدني. سقراط و أنتيغون، مارتين لوثر كينج، هنري دافيد ثورو و أخيراً و ليس أخراً يضعون الشرقي مهاتما غاندي نهاية القائمة. مع العلم بأن مهاتما غاندي يعد أكبر رائد لأكبر عصيان مدني في العالم. مع أنني لا أرى هذا التصنيف (الغرباوي) لنشأة و ممارسة العصيان المدني في محله حيث أعتبر هذا النوع من المقاومات السلمية نابعة من جوهر الشرق و تحمل كل سماته و خصائصه الروحية الاصيلة، و مع ذلك سأفرد و حسب التصنيف الغربي مساحة لكل من الرواد الذين مرّ ذكرهم، و سأعتمد قدر المستطاع ما أتوا به هم من جميل الكلام و نبيل الفعل و عظيم النتائج و ما تركوه من إرثٍ خالد للعائلة الإنسانية.
عناصر العصيان المدني
المحبة و الحقيقة و الجرأة؛ المحبة تكون بمثابة المركز للتصرفات و السلوك اللاعنيف، فالمحبة و الحقيقة و الجرأة دعائم قوية البنيان في العمليات، ترشدنا طوال حياتنا. فهي تعني الوجود، أي الوصول إلى حياة ممكنة العيش ضمنها... لكل عميلة عناصرها الخاصة بها، و كذلك الأمر بالنسبة لعمليات العصيان المدني فهي مأطرة ضمن قواعد و حاضنة لعناصر أساسية و أخرى فرعية سنأتي على ذكرها جميعاً. الدور الرئيسي لهذه المبادئ هو الحفاظ على سلمية العملية و إيصالها إلى النتيجة المفيدة. و هذه العناصر هي:
- مخالفة القانون و خرقه.
- اللاعنف.
- علانيتها للرأي العام
- تقرب سياسي و أخلاقي مستند لفكرة الحقوق الكونية
- المشاركة في إصلاح و تحسين القوانين-المنتهكة و تحمّل عواقبها
- النفسانية الجماعية للعصيان المدني
- مخالفة القوانين و خرقها:
انتهاك القانون عن علم و تفكير و تخطيط استناداً إلى القيم السامية و الاعراف الانسانية الراقية شرط أساسي من شروط العصيان المدني. الوقوف بوجه بعض القوانين و مواد الدستور و معارضتها يكون من خلال خرقها و انتهاكها(كـعدم تسديد ضريبة خاطئة أخلاقياً و لكنها منصوصة عليها بالقانون)و كذلك الامر بالنسبة(لقنوات الراديو و التلفزيون الغير مرخصة إذا كانت الدولة لا تسمح لها بالبث بسبب بعض القوانين...)
- اللاعنف:
اللاعنف يعد العنصر الاساسي و العلامة الفارقة بين عمليات العصيان المدني و عمليات المعارضة الاخرى. حتى لو تم استخدام العنف من قِبل المعادين ضد نشطي العصيان المدني فلا يجب اللجوء إلى العنف بل أن يفضلوا التعرض للعنف على استخدامه! الشخص الذي لا يلجأ إلى العنف لا يعني بتاتاً بأنه ضعيف و خامل و جبان، بل بالعكس تماماً، فهو شجاع و مِقدام لأنه لا يلجأ إلى سبيل لا حضاري-العنف. و حتى العملية السلمية يجب ألا تلحق الضرر بالصالح العام، ليس مناسباً أن تسد طريق المستشفى للضغط على السلطات.
- الصراحة و العلنية: من العناصر الموجب توفره في عمليات العصيان المدني هي الصراحة و وضوح نوع و هدف و مكان و وقت العملية. و كذلك يجب أن تكون مفتوحة أمام الجميع للمشاركة فيها و كذلك أن لا يقوم القائمون بها بإخفاء هويتهم و تمويه أنفسهم. يحق لكل راغب المشاركة بمثل هذه العمليات العادلة، ليعبروا عن رفضهم و معارضتهم حتى لو لم يكونوا معنيين بالدرجة الاولى بالأمر أو القانون. فمثل هذه العمليات ليست حكراً على فئة او أشخاص او شريحة دون غيرها. هذا لا يعني بأننا نلغي الخصوصيات و نغض النظر عن الاستقلالية.
- القيم الكونية:
تدخل عمليات العصيان المدني على المدار حينما تتعرض القيم الانسانية و الحقوق الكونية المتعارف و المتفق عليها دولياً للانتهاك من قِبل الانظمة و السلطات و الحكومات. كل القيم الإنسانية كالوجدان و الاخلاق و حق التعبير و حق الحياة و الحرية و الحماية و كل ما اُتفق عليها في اللوائح و المعاهدات الدولية، تكون في الوقت عينه مبادئٍ للعصيان المدني و في حال انتهاكها يحق للنشطاء الاعتراض عليها.
- العمل على تحسين القوانين المنتهكة:
اي تحسينها بعد أن يتم تغييرها او تبديلها او حتى إلغاءها. ومن العلامات الفارقة بين عمليات العصيان المدني و عمليات المعارضة الأخرى هي تحمّل العواقب و ما يتمخض عنها من نتائج.وبما فيها التعرض للعقوبات. العصيان المدني ليس عملاً فوضوياً(انارشيست) بل لها أصولها و قواعدها المعلنة. و ما فعله سقراط خير مثال على ذلك.
- السيكولوجية الجماعية للعصيان المدني:
لا يجب غض النظر عن العالم الداخلى للإنسان أو اهماله. حيث تكون جميع التصرفات و المواقف نابعة من إيمانٍ عميق. اعتناق الفرد لأهداف الجماعة ضمن العملية أمر ضروري و مهم جداً. إذا لم يكن الفرد منظماً بكل عنفوان و عميق الإيمان، فلن يكون جريئاً في النضال و لن يضحى في سبيل الاهداف العظيمة. بقدر ما تكون عمليات العصيان المدني امتحاناً اجتماعياً فهي امتحان تشحذ الفرد و تقويه وتطوره.
أول امتحان لنا في بداية العملية يتمثل في الايمان بأهداف نزاعنا. والامتحان الثاني هو محاولتنا قدر المستطاع فهم المعادي و إفهامه بأننا نريد تفهمه و فهم ما يطرحه و يدافع عنه. مثلاً كأن نقول له:" هل تعني أن نفهمك بهذا أو ذلك الشكل؟". يجب أن توضح بأن هذا النزاع او العملية لا يستهدف تعميق الكراهية و تحريض المعادي لإظهار العداوة و الخشونة، بل على العكس كي نبرهن له أن العملية فرصة للتعارف و الجدال معه... أثناء مثل هذه العمليات ترتفع وتيرة التوتر و شدّ الاعصاب و القلق و تزداد الحرارة ضمن الجماعة و تتولد عن كل ذلك طاقة كبيرة جداً. لا يجب أن يترك عقالها بل أن يتم توجيهها بحيث تخدم الهدف الرئيسي للنزاع.
لمن يوجه نشاط العصيان المدني ؟
"إن هدف النشاط هو خلق الحوار بيننا وبين أنفسنا، بيننا وبين الجماهير، بيننا وبين النظام. فالنشاط ليس هدفاً لذاته".
بإدراك المعنى السابق يمكن أن نحدد العدو المستهدف بأنشطتنا، وسيجد الدارس أن هذا العدو هو:
1- النفس
2- المجتمع
3- النظام
- ليس صحيحاً أن"كل ما أُخذ بالقوة لا يُستعاد إلا بالقوة"!
هذا خطأ!
القوة لا تعني العنف و الممارسات الشديدة. فالقوة أوسع و آفاقها أرحب بكثير من التحديد بالعنف. الإصرار قوة، المحبة قوة، المعارضة السلمية و العقلانية قوة، الحوار قوة و العصيان المدني أكبر قوة. يجب أن تكون القوة بجانب الحق و ليس الحق بجانب القوة. إذاً القوة ليست عبارة عن النار و البارود فحسب، حتى ان الرد الوجداني للظلم و العنف تشكل قوة كبيرة. إذاً تبقى مقولة "كل ما أُخذ -بالقوة لا يُستعاد إلا بالقوة" صحيحة و ستبقى.
- يجب احترام القانون و الامتثال له مهما كان:
هذا خطأ!
الاحترام المفرط للقوانين يؤدي بالانسان إلى سن قوانين معادية لنفسه بنفسه. و هذه القوانين تجعل منه مسيّراً لا مخيّراً، أي تجعله آلياً كـ الروبوت. ليس الرضوخ الاعمى للقوانين بل القيام بما يراه الوجدان مناسباً. لأن الوجدان هو القانون الاسمى من كل شيء.
- المال يقويّ الوجدان:
هذا خطأ!
المال، يجعل الانسان يهمل الكثير من الاسئلة التي تحتاج إلى أجوبة و يتركها جانباً. و بالتالي يفقد الفرد وجدانه. لنأخذ ضريبة من الضرائب المفروضة على الشعب. قد تكون ضريبة كيفية جائرة. الفقير لا يمكنه تسديد الضريبة او يصعب عليه ذلك و ينهك كاهله، و لذا تراه يحاكم هذه الضريبة منطقياً و وجدانياً. فهو يتساءل" لمن تذهب هذه الضريبة؟ من المستفيد الرئيسي منها؟ هل تخدمني أو تخدم جماعتي و محيطي؟ و هل بمقدور الجميع تسديد هذه الضريبة؟" فإن وجدها محقة و ضرورية يمتثل لها و إن كانت باطلة و جائرة فأنه يرفضها أو يتهرب منها. أما الغني صاحب المال الكثير فأنه لا يهتم بها كثيراً. فبمقدوره دفعها دون أي تأثر و لا يحمل نفسه عناء التفكير بحقانيتها أو بطلانها. و لا يفكر هل بمقدور جاره الفقير تسديد هذه الضريبة. أي انه لا يجري لها محاكمة وجدانية. و إن عارضها فذلك نابع عن الجشع ليس إلا!
الغاية تبرر الوسيلة:
هذا خطأ!
منطق ٌقاله ميكافلي. يقدم الغاية مهما كلف الأمر، وإنه أشبه بالانتهازية والمصلحية النفعية و لا مجال له في العقل والذكاء العاطفي و الإنساني و بالأخص في الموروث الشرقي الاصيل. فإن كانت الوسيلة عنيفة و دموية فهي تسيء إلى الهدف مهما كان نبيلاً و تفتح جروحاً لا تندمل سريعاً. و إن كانت الوسيلة نبيلة وإنسانية سلمية، فإنها تزيد من حقانية الحق و تقوي ظهر الساعي إليه. فالعنف لا يولد إلا التأخر و تشويه السمعة(كما يقول الإمام الشيرازي). و يقول أوجلان "بقدر ما تكون الغاية نبيلة يتوجب نُبل الوسيلة".
________________________________________
رواد العصيان المدني و الصراع اللا عنيف
سقراط: (470-399 ق م)
لا يختلف الكثيرون و أنا خارجهم، عن أن أولى عمليات العصيان المدني بدأت مع ما قام به سقراط الفيلسوف! لكن ما الذي فعله سقراط ليكون أول عاصي مدني في التاريخ و مثالاً يُتبع إلى يومنا هذا؟
" أثينا كالحصان و أنا ذبابة أظل أطنّ حوله كي أوقظها" سقراطٌ قائلها! فقد كان يتجول في الجادات و الاسواق، يستوقف المارة من العامة و يطرح عليهم أسئلته بديهية ظاهراً و فلسفية باطناً. فقد كان يعرض كل البديهيات و ثوابت المنطق للمساءلة و إعادة النظر بها من جديد. كان يطرح سؤالاً على شخصٍ ما و يتركه في حيرة من أمره... فقد كان"الذبابة" التي تطنّ دائماً لإيقاظ"الحصان" الغافل! كان هدفه الرئيسي محاكمة المنطق العام و إعادة تشكيل العلاقات الاجتماعية بين الطبقات الدنيا و العليا و بين البشر و الآلهة من جديد... فقد كان يرفض المسلمات من الأمور و يعمل على نبش كل ما في المنطق من بديهيات الفكر. كان محور فلسفته معرفة الإنسان لنفسه(أعرف نفسك)آمن به العديد من الشبان و تتلمذوا على أفكاره و اعتنقوا فلسفته. كان الحكام ينظرون إلى سقراط بريبة و هلع و يتوجسون خيفة من فلسفته و محاكماته للمنطق و الثابت في الفكر الجماعي لأثينا و انتقاده للحكم. أتهمه خصومه بالزندقة. أُلقي القبض عليه و أودع السجن بتهمة إخراج الشباب عن طريق الصواب و تضليلهم. جرت له محكمة و تحولت هذه المحكمة إلى مناظرة فلسفية و فكرية تاريخية. لم يدافع سقراط قط عن نفسه ضد التهم الموجهة ضده، بالرغم من أنه كان يعلم بأن عقوبة تضليل الشباب هو الموت حسب قوانين أثينا. كان يدافع عن أفكاره و حوّل المحاكمة إلى منبر دافع من خلالها عن حرية الفكر و التعبير و أهمية الحرية الفكرية لضمان الحياة و حماية للمدينة. صدر بحقه عقوبة الموت و ذلك باجتراع السم. لم يعترض على جزائه و لم يهرب من السجن بالرغم من توفر كافة الظروف لذلك، فقد كان يحترم قوانين مدينته و يعرف بأن المعرفة و الفلسفة بحاجة إلى التضحية و كان مستعداً لذلك. حتى أنه تجرع السم بنفسه ضارباً أروع مثال على العصيان المدني و المعارضة السلمية ضد نظام الحكم و سفسطة السفطاء و جهل العامة. فقد أبلى بلاءً حسناً حين ارتشف السم بنفسه و لم يحتقر جلاديه، فقد بيّن احترامه للقانون و كان تصرفه هذا بمثابة انتقاد أخلاقي و سياسي موجه للنظام. هذا الموقف الجليل بات عماداً من أعمدة العصيان المدني و مبدأ اساسياً فيه.
قد تتساءلون: " كيف هذا و قد بيّنت ضمن تعريفك للعصيان المدني بأنه ينتهك القانون؟ فكيف يكون احترام سقراط للقانون مثالاً يُحتذى به في عمليات العصيان المدني؟ هل يعني هذا أن نحترم القوانين الخاطئة؟" سؤالٌ محق انهمكت لإيجاد جوابٍ شاف له. و النتيجة تتلخص في النقاط التالية:
1- العصيان المدني ليس ضد كل القوانين بل ضد قوانين بحد ذاتها و تنتهكها لتغيره أو إلغاءها. كقانون منع الزنوج من ارتياد بعض الاماكن. انه قانون و لكنه قانون خاطئ و من واجب العصاة المدنيين و بالأخص الزنوج أن يرتادوا تلك المناطق لانتهاك ذلك القانون.
2- لم يكن سقراط معارضاً لقانون" يعاقب كل من يضلّ الشباب عن درب الصواب" و كل من له ضمير لن يقبل تضليل الشباب و خداعهم. و من المعروف بأن سقراط كان محبٍ لمدينة أثينا و محترماً لقوانينها و لذلك لم يعترض على العقوبة الصادرة حسب ذلك القانون أو النص المعني به. فعمليته نابعة من النزاع بين منطق إدارة أثينا و مفهوم سقراط للحرية و المعرفة!
3-رسالة أخرى علينا فهمها من موقف سقراط، أ لا و هي الوقوف بوجه كل من يحاول خداع الشباب و إضلالهم باستغلال عواطفهم و مشاعرهم الفتية.
4-موقف سقراط من العقوبة و شربه للسم بنفسه و عدم فراره من السجن كان بمثابة نداء لمجتمع أثينا فقد ترك أثراً في ضمير المجتمع حتى يومنا هذا. فلو هرب أو ركع للحكام كي يعفوا عنه أو أعلن عن خطأه و طلب المغفرة، لماَعرفنا شيء أسمه سقراط الفيلسوف اليوم و ما كان ليصل إلى يومنا هذا. و شيء آخر يعلمنا إياه فيلسوف المعرفة. و هو أن تكون مستعداً لتقديم كل غالي و نفيس فداء أفكارك و أهدافك العظيمة حتى لو كان الثمن روحك.
أنتيغونا(Antigone):
الفتاة التي واجهت القوانين الظالمة و المتناقضة مع الوجدان الإنساني و القيم الأخلاقية العليا . أنتيغونا هي ابنة أوديب و أخت پولينيس من مدينة طيبة(Thiba) اليونانية. تمرد پولينيس على خاله الملك(Kreon) و حدث بينهم صراع أنتهى بهزيمة پولينيس. قُتل پولينيس في هذا الصراع و بالرغم من موته لم يشف غليل خاله الملك كرون و لذا-كي يعتبر الآخرون- أمر بعدم دفن جسد پولينيس و أقرّ قانوناً أن من يتجرأ على دفنه فسوف يلقى عقوبة الموت تواً؛ و هكذا بقي جثمانه دون دفن. أنتيغون لم ترض بهذا الأمر لِما له من احتقار للقيم و الحس الإنساني و الأخلاقي. فهي لم تنتفض لموت أخيها و لكنها ضربت بالقانون الذي أقره الملك عرض الحائط ووضعت عقوبة الموت نصب عينيها و قامت بدفن جثمان أخيها پولينيس. مما أغضب كرون أيما غضب، خاصةً أنه رأى ذلك هتكاً للقانون و عصيان لأوامره، لم يرضَ السكوت عن فعلة أنتيغونا المنافي لقانون الملك، لذا فقد حكم بالموت عليها. لم تلجأ أنتيغونا لمعارضة الجزاء و لم تدافع عن نفسها. أنتيغونا لم تكن تخشى المنية، لكنها كانت ترفض هتك الحس و الكرامة الإنسانية و القيم الأخلاقية و الوجدانية. فقد رفعت القانون الغير مكتوب، أي الوجدان فوق كل الاعتبارات و الدساتير و القوانين و المصالح. فليس من الأخلاق الإنسانية التشهير بجسد الأموات مهما كانوا عليه من صفات و رغم ما قاموا به من أعمال و ممارسات في حياتهم. يجب احترام الموت و الميّت كيفما و لمن كان.
ما قامت به أنتيغونا يعد مثالاً تاريخياً للعصيان المدني الأخلاقي و الوجداني، وتعد عملية سلمية لم يتضرر منها أحد، وضعت أنتيغونا نصب عينيها العواقب الوخيمة و المنتظرة جراء فعلتها الهاتكة لقانون الملك. كانت أنتيغونا تمكث في الزنزانة قبل تنفيذ القصاص بها، فقامت بعملية عصيان مدني أخرى كإتمام لعمليتها الأولى. فقد نفذت حكم الموت بنفسها و انتحرت في معتقلها و لم تتح لقانون الملك الفرصة بالقصاص منها. ضربت أنتيغونا مثلاً في مدى التمسك بالقيم الكونية في الأخلاق و الوجدان الإنسانى دون أن تضر بأحد.
تعد عمليتي كل من سقراط و أنتيغونا مثالين بارزين للعصيان المدني في اليونان القديمة و في كل أنحاء المعمورة و على مر مئات السنين و كانتا انطلاقة جسورة لرفض الخاطئ و السيئ من القوانين و المنطق.
النفس السامية(مهاتما) غاندي:
موهانداس كرمشاند(1869-1948). من أكبر دعاة السلام و النضال السلمي في العالم. تعرف على العصيان المدني أثناء فترة تعليمه بجامعة إكسفورد. خاض غاندي نضالاً سلمياً مريرا دام ثلاثين سنه حيث توجت جهوده باستقلال الهند عام 1947. يعد غاندي المعلم العصري وفيلسوف النضال السلمي، أي العصيان المدني النابع من الإرادة الانسانية و الأيمان بالقضية و تحمل كل الصعوبات لأجل الوصول إلى لهدف السامي، أ لا وهو الحرية. لم يرفع غاندي سلاحاً بوجه الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس و مع ذلك فقد أجبرها على الجلاء عن وطنه الهند إثر عصيانٍ مدني شامل في الهند كافة. قد يكون مهاتما متأثراً بمبادئ العصيان المدني و النزاع السلمي الخاصة بـ هنري ثورو السابقين من رواد العصيان المدني و لكن هذا لم يمنع غاندي من نسج تعاليمه الفلسفية و العملياتية الخاصة به في العصيان المدني . قام غاندي بمزج مبادئ العصيان المدني السلمي لكل من هنري ثورو و تولستوي مع الموروث الوطني للمجتمع الهندي من أخلاق و قيم روحية، حسب رؤية فلسفية خاصة به و أسماها ساتايغراها(Satyagrahe)هذه الكلمة تعني (اعتصام الحقيقة)أو(تمالك النفس) و قوانينه تُعتبر دليلاً لكل العصاة المدنيين و مناضلي اللاعنف. جوهر ساتياغراه قريب جداً من اسلوب نضال عيسى المسيح. التعاليم الإنسانية و الخلقية و الوجدانية و المحبة تعد أعمدة الاساس للعصيان المدني. و لأهميتها فقد ارتأينا ايراد ملاحظات و تعاليم المهاتما الواردة في ساتياغراه.
معايير غاندي للنزاع
(ملاحظات للمناضل)
النزاع و الهدف
- تحرك على هدى ضوء ايمانك.
- أوضح معنى نزاعك بشكلٍ قاطع.
- أعلن عن أهدافك بشكلٍ واضح.
- حاول فهم أهداف معاديك.
- أكد على أهداف ممكنة الاشتراك و المساومة عليها.
- أفصح عن النواحي الايجابية للنزاع.
- فكّر بأن النزاع وسيلة لمواجهة معاديك.
- أقتنع بأن النزاع سيكون فرصة لإعادة تشكيل المجتمع.
- فكّر بأن النزاع فرصة لإعادة تشكيل شخصك.
فترة النزاع
- لا تلجأ لاستخدام العنف.
- أبتعد عن العمليات الجارحة أو الضارة.
- أبتعد عن الأفكار الجارحة أو الضارة.
- أعمل دائماً على إضافة عنصر التقدم البنّاء إلى النزاع.
- أسلك السبل النضالية المفيدة في إظهار أهداف النزاع.
- لا تتستر، لا تتخفى، تصرّف بوضوح و علنية.
- قم بتوجيه النضال إلى الهدف الرئيسي.
- لا تتعاون مع المؤسسات التي تعمل على إدامة السوء.
- لا تتعاون مع الاشخاص المتخاذلين عن رفض و معارضة السوء.
- لا تتهرب من المعاقبة. - كن مستعداً للتضحية و الفداء بنفسك في الحالات الاستثنائية.
- أبتعد عن فتح جبهات غير ضرورية في النزاع.
- أعلم التفريق بين الخصومة و المعاداة.
- أعلم كيف تفرّق بين الشخص كـفرد وبين مكانته(موقعه).
- اعمل على الشعور بما يحس به معادييك.
- لا تهن احداً و لا تأذن لاحد بإهانتك. - لا توسع من أهداف النزاع.
- أستخدم أكثر سبل النضال ليونةًً في النزاع.
حلّ النزاع
- أوصل بالنزاع للحل و لا تطله.
- جاهد للتحولات الايجابية للمجتمع.
- جاهد للتحولات الانسانية في ذاتك و ذات معادييك.
- لا تصرّ على ما ليس له علاقة بالجوهر، بل على الامور المتصلة بالجوهر ذاته.
- لا تأذن بالمساومة على الجوهر.
- كن مستعداً للمساومة على الامور التي ليست لها علاقة بالجوهر.
- أنظر إلى نفسك على أنها قد تنهزم.
- أقبل أخطاءك بعلنية و صراحة.
- كن ودوداً و متسامحاً مع معادييك. - لا تستغل نقاط ضعف معادييك.
- وفر الاجواء المناسبة لتجعل معادييك مطمئناً. لا تجبره بل اعمل على إقناعه.
- ابحث دائماً عن حلول مناسبة لك ولمعادييك.
- جاهد على إقناع معادييك بما تؤمن به من أفكار.
هذه الملاحظات أو المعايير تؤلف فلسفة حياة و محور التفكير المهاتمي. ليست قوانينً لإرضاخ المعاديين للقبول بما نريده فقط؛ لا بل تعدُّ هذه المعايير بمثابة محاكمة داخلية لضمير ووجدان الإنسان في كل لحظة من الحياة. فهي قبل كل شيء موجهة إلى ذواتنا. أي أنها عمليات سلمية ضد النفس الإنسانية قبل أن تكون ضد الحكّام و السلطات و القوانين! هذه القوانين تندمج كلياً مع الإنسان و تنصر مع أعماقه و توجهه أثناء العمليات. و لن نكون مبالغين إن قلنا بأنها تصبح جزءاً منه و تصل إلى اعماق شخصيته و تتحكم بكل عواطفه و مشاعره.
لعبة الفأر و القطة!
أقرّت سلطات الاحتلال الانجليزي قراراً يقضي بمنع المواطنين الهنود من انتاج الملح. و احتكرت هذه الصناعة لشركاتها. هذا القرار أثّر سلبياً على الكثيرين. و لإجبار السلطات على التراجع عن هذا القرار قام غاندي مع رفقه بتبخير مياه البحر و استخراج الملح منها. و ما هي إلا أيام معدودات حتى حذا الكثيرون حذوه. هذا الأمر أزعجت السلطات كثيراً فما كان منها إلا إلقاء القبض على مهاتما غاندي و المئات من اتباعه. لم يتوقف غاندي في السجن، فقد أعلن إضراباً مفتوحاً عن الطعام، فحذا حذوه كل الهنود في الخارج. أقلق حالة غاندي -المضرب عن الطعام- السلطات الانجليزية التي كانت تخشى موته في السجن و ما سيترتب عن ذلك من عواقب؛ لذا أخُليّ سبيله. عاود غاندي بانتهاك القانون بفعلته بتبخير المياه و استخراج الملح، أٌلقي القبض عليه و أدخلوه السجن و أضرب بدوره عن الطعام و أطلقوا سراحه من جديد، عاد بدوره إلى انتهاك القانون و استخراج الملح، حتى باتت كلعبة الفأر و القطة. اضطرّت السلطات العدول عن قرارها و إلغاءه. كان هذا انتصارا لقوة و إصرار غاندي ومن وراءه الشعب الهندي على رفض القرارات الجائرة.
مارتن لوثر كينغ (M. L. King):1929-1968
الراهب لوثر قاد أكبر حركة عصيان مدني ضد التمييز العرقي(العنصرية)و الديني في أمريكا. أوقد نار الأخوة و المحبة و المساواة بين الجماهير و ناضل في سبيل إلغاء كل القوانين المبنية على أسس العنصرية. سعيه السلمي الحثيث و نضاله لأجل الخير و المساواة جعله يستحق جائزة نوبل للسلام عام 1964.
قُتل سنة 1968. و حتى بعد مقتله أستمر تأثيره الكبير على النضال ضد التمييز العرقي. كان الراهب لوثر يعظ و يخطب في الجماهير قائلاً:"كل الناس مرتبطين بنقاط مشتركة ومن المستحيل التخلص أو الانفكاك منها. أنهم مرتبطين بقدرٍ موحد. فما من أحد تأثراً من أمرٍ ما، حتى يتأثر الآخر بشكلٍ من الأشكال. فإذا لم تمسوا كما يجب أن تكونوا، فلن أمسِ كما يجب أن أكون؛ و ما دمتُ لم أمسِ كما يجب، فلن تمسوا أنتم أيضاً كما يجب"
و من خاطرة له كتبها في واشنطون سنة 1963 نقتطع هذه الجملة و نشارككم اياها" دائماً أحلم و أتخيل. أنه في يومٍ من الأيام يجلس على قمم جورجيا الحمراء أبناء الأسرى و أبناء المأسورين سوياً على مائدة الألفة و الأخوة".ربما لم يتحقق خيال لوثر بشكلٍ كامل و لكن جزء كبير منه أصبح واقعاً معاشاً.
هنري ثورو: (1817-1862)
"كلما تحادثت مع أكثر جيراني تحرراً، أدركت أنه أياً كان ما قد يقولون في سعة المسألة وجدِّيتها، ومهما كان مبلغ اعتبارهم للأمان العام، فإن لبَّ المسألة هو أنهم لا يستطيعون أن يستغنوا عن حماية الحكومة الحالية، وهم يخشون عواقب عصيانها على أملاكهم وعائلاتهم."
يُعتبر ثورو قدوة العصيان المدني-حسب رأي الكثيرين-كان عضواً في مجموعة مكافحة العبودية بقيادة رالف امرسون. و له بعض الآثار حول العصيان المدني و كان أول من أطلق هذا المصطلح و له تأثير لا يستهان به على أفكار و اسلوب عمليات غاندي و مارتن لوثر. نريد أن ننشر نصاً له حول جوهر العصيان المدني:
" 1- توجد قوانين أسمى و فوق كل قوانين أية دولة كانت. ألا و هو"الوجدان". و الوجدان هو الصوت النابع من الداخل.
2- احياناً يتناقض قانون الدولة مع هذا القانون السامي(الوجدان)، حينه يكون وظيفة الفرد الامتثال لهذا القانون و معارضة قانون الدولة عن علم و معرفة و دراية.
3- يتحتم عليه(المعارض)أن يضع نصب عينيه نتائج عصيانه و معارضته للقانون حتى لو ادى به ذلك إلى السجن.
4- ليكن بالعلم أن السجن ليس بالأمر السيئ دائماً كما يُظن! فهو يُفيد في جذب انتباه الطيبين إلى أي قانونٍ سيئ و العمل على مجابهته و إلغاءه."
و في إحدى مقالاته يقول: " يجب أن نكون إناساً و بعدها مواطنون" و في مكانٍ آخر يقول" دائماً يقال بأن (الاكثرية من الشعب ليس متعلماً بما فيه الكفاية). مع العلم بأن الاقلية ليست دائماً أعقل من الاكثرية و لا أفضل منها... يوجد الكثير من القوانين الباطلة. هل علينا الامتثال و الرضوخ له؟ أم العمل على تغييرها؟ يقف الناس حيارى أمام هذه الحالات على النحو التالي:(لننتظر حتى ينضم الجميع لفكرة القيام بتغيير هذا القانون. فقد تولد نتائج أسوء و أخطر من القانون ذاته إذ ما عارضناه)و أنا اقول سائلاً: إذاً لِمَ يُصلب عيسى المسيح؟"
في احدى الايام ذهب ثورو إلى البلدة لقضاء بعض الحاجيات. هناك يوقفه الشرطة و تطلب منه تسديد ضريبة الفرد(الخراج). لكن ثورو يرفض دفع النقود، ليس لطمعٍ في نفسه او إقتار او فقر، لكن لأنه يؤمن بأن دفعه للضريبة تدعم و تسهل عمل دولة عبودية... و نتيجة رفضه يُلقى به في السجن. استفاد من دخوله السجن بجذب الانتباه لقضية العبودية في أمريكا. لم يمكث طويلاً في السجن لأن أحدهم سدد الضريبة بدلاً منه( هذا ازعجه بكل الاحوال) حتى أنهم اخرجوه عنوةً من السجن و بعد خروجه كتب نصا بعنوان "علاقة الفرد بالدولة" وقدمه خلال محاضرة في مدينة كونكورد في شهر كانون الثاني/يناير 1848. ؟ في السطور الاولى من مساجلته يشير الى ان وجود الحكومة لا يجب ان يعني تخلي المواطنين عن الاحتكام الى ضمائرهم. ويؤكد "ان المفروض عليّ تحديدا هو الاحتكام الى فكرتي عن الخير والانسجام معها". و إذا ما سأله احد عن سبب دخوله السجن كان يجيب:" و لِمَ لم تدخله أنت؟"
من أكبر العلامات الفارقة بين منطق ثورو و سقراط هو احترام سقراط للقانون(و هذا موضع نقد) و أما منطق ثورو فيتلخص في الجملة التالية"ليس الطاعة العمياء للقوانين بل القيام و الامتثال لما يراه مناسباً وجدانياً" و يعرّف ثورو العصيان المدني بـ"العملية التي ليس مهماً بتاتاً هل هي فردية أم جماعية. و قرار التحرك بالعملية مأخوذة من وجدان المجتمع. لا تحوي العنف و العنوة، مسالم و لكن مؤثرة جداً".
________________________________________
وسائل و أساليب
العصيان المدني السلمي
للعصيان المدني العشرات من السبل و الوسائل المختلفة جداً و الغنية أيضاً. فهي غير محددة بأسلوب واحد فالابداع يلعب دوره لايجاد سبل جديدة للعصيان المدني. و بشكلٍ عام فإن عمليات العصيان المدني تنقسم ثلاثاً، وهي:
1- أساليب الاحتجاج والإقناع باستخدام اللاعنف (مثل التظاهر والمسيرات السلمية وتوزيع النشرات ووضع ألوان معينة ...)
2- أساليب اللا تعاون (وتعني رفض التعاون مثل الإضرابات والمقاطعة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لمؤسسات الدولة.....)
3- أساليب التدخل اللاعنيف (تعطيل الأعمال الاعتيادية واحتلال المكاتب وإنشاء مؤسسات وحكومة موازية ....)
ليس من المعقول أن نسهب في الشرح أو الاتيان بالامثلة على كل نوع من هذه العمليات. و سنكتفي ببعضها، عل و عسى تفي بالتعرّيف على هذا النضال الحضاري.
الإعلام اللاقانوني و العصيان المدني:
كما نعلم بأن لكل دولة أو سلطة أو حزب مبادئ و قوانين خاصة بها تفرضها على اجهزة الإعلام كافة و يعاقب كل مؤسسة تخترق هذه القوانين. دول كـسوريا و إيران و تركيا معروفة جداً بقوانينها الجائرة في المجال الإعلامي. يمنع في تركيا مؤسسات الإعلام من التحدث باللغات غير التركية، كاللغة الكردية مثلاً(رغم السماح بها على الورق) أما في سوريا فممنوع منعاً باتاً إصدار مجلات أو جرائد أو البث الإذاعي من قبل اي جهة غير السلطة، ناهيك عن الإعلام السياسي الحر او الوطني للقوميات غير العربية. و في الايران فالأمر أكثر تراجيدياً حيث تمنع بث و نشر أي شيء خارج أحاديث الملالي و مدائحهم. أي إن هذه الدول لا تسمح بإعلام شبه مستقل و لا تأذن لأحد بذلك. لذا يقوم الكثير من الإعلاميين بنشر مجلات و جرائد و بث قنوات الراديو و التلفاز المحلي دون ترخيص؛ أي"إعلام القرصنة" كما تسميها السلطات. مثل هذه الوسائل لا تتقيد بقيود و قوانين مؤسسة او وزارة الإعلام في تلك الدولة، لا بل تنشر و تبث كل ما تراه مناسباً للجمهور. و كثيراً ما تلجأ السلطات لاعتقال القائمين عليها و توجيه التشويش التقني على محطات البث الإذاعي، و مع ذلك يصر "إعلام القرصنة" على متابعة دربها. يتوفر شروط العصيان المدني في هذه المؤسسات، من حيث السلمية، عدم إيذاء الوجدان و الضمير الجمعي للمجتمع و انتهاك قوانين جائرة. الكثير من دول العالم اضطرت إلى إجراء تعديلات على قوانين النشر و الإعلام في دساتيرها، و قامت على إثرها تلك المؤسسات اللاقانونية بالحصول على تراخيص رسمية للعمل أو حتى وضع نقطة(أنتهى)على إصداراتها و بثها؛ لسبب بسيط، ألا و هو عدم الحاجة لصيرورتها. و لكن أين هي دول الشرق الأوسط(ما عدا العراق)من كل ذلك؟
بعض الأمثلة على عمليات العصيان المدني في العالم
فرنسا: قامت حركة عصيان مدني بالتظاهر السلمي و بشكلٍ مدهش ضد تجارب فرنسا النووية في بحر الباسفيك. فقد قامت المنظمة المعروفة(Greenpeace) بحملة تحت شعار" اضربوه في أضعف نقطه" وقامت بحملة إعلانات و دعاية واسعة النطاق منادية" لا تشربوا الشراب الفرنسي"
الدانمارك: عقب احتلال الجيش النازي للدانمارك، أصدروا قانوناً بوجوب لبس اليهود صدريات عليها نجوم صفراء و ذلك بهدف التعرّف عليهم اليهود بسهولة. لم يرضَ الشعب الدانماركي بهذا القرار اللاإنساني، و لكي يهتكوا هذا القرار و يفرغوه من جوهره فقد قام كل ابناء شعب الدانمارك و بضمنهم الملك كريستيان نفسه بلبس تلك الصدريات المنجمة. بهذا الشكل عسر على النازيين التعرف على اليهود. و لإرضاخ الشعب الدانماركي لقرارات سلطة الاحتلال فقد سجنوا الملك داخل قصره. تمادوا بإثارة و تخويف الشعب بإعلانهم عن أن مرضاً عضالاً قد ألمّ بملكهم. بدل أن ييئس الشعب، بدءوا بالدعاء للملك بالشفاء و إرسال باقات الورود إليه. راح كل الشعب الدانماركي بإرسال الورود إلى قصر الملك. توقفت الحياة في البلاد ما عدا العربات المحملة بالورود المُرسلة للملك(المريض). عطلت الشوارع و شلت الحياة في المدن و الشعب مستمر بإرسال الورود. في النهاية رضخت سلطة الاحتلال لإرادة الشعب العظيمة و اعلنت عن شفاء الملك فجأةً. كان ذلك انتصاراً لإرادة الشعب بكل شرائحه و مذاهبه.
أمريكا: لأمريكا باع طويل في عمليات الاحتجاج السلمي و أكثرها شهرة هي تلك العمليات التي قامت ضد التمييز العنصري و قد تطرقنا إليها إلى جزء منها. كذلك ضد حرب الفيتنام و حرب العراق... فقد قام الشباب المعارضون للحرب الفيتنامية باحراقهم بلاغات الالتحاق بالجندية كاعتراض على الحرب و هذا ما يسمى في الفقه المدني بـ(الرد الوجداني). و أيضاً تبرع الألوف النقود لحركات العصيان المدني بدلاً من تسديد الضرائب، كدعم لحركات العصيان المدني و كرفض للضرائب.
الثورة المخملية: أو ثورة الورد الاحمر و هي حركة العصيان المدني السلمية التي قام بها الشعب الجورجي بقيادة ميخائيل سكاشفيلي ضد الرئيس السابق ادوارد شفاتنيزا. حيث أعتصم المتظاهرون امام مبنى البرلمان و بعدها اقتحموا البرلمان لمنع اداء شفاتنيزا لقسم الرئاسة. رفض الجيش استخدام العنف و العنوة ضد المتظاهرين المسالمين. و بسبب حمل المتظاهرين للورود الحمراء أثناء اقتحام البرلمان فقد سميت عمليتهم بـ(الثورة المخملية) بغض النظر عمن كان خلف هذه الحركة من القوى الدولية. و نفس الشيء حدث في أوكرانيا و لبنان و انتهت بنتائج ترضي الجماهير دون لجوءهم للعنف. أثبتت هذه الحركات قوة الجماهير و مدى تأثير اساليب اللاعنف السلمية أي العصيان المدني على تغيير الانظمة و إجبارها على الاصلاح او التنحي عن السلطة. هذه الاحداث أثبتت أمراً آخر، و هو أن حكومات تلك البلدان لم تكن ديكتاتورية و لا دموية. و خير برهان على ذلك عدم قمعهم و قتلهم للمتظاهرين العزّل كما ألفنا رؤيتها في سوريا و تركيا و الايران و الدول العربية الأخرى! هذا نابع من جبن و خساسة هذه الدول المرعوبة من الشعب، لأن الضعفاء و الجبناء وحدهم يلجئون للعنف ضد مواطنيهم العزّل!
________________________________________
العصيان المدني شرقياً
الذين نهبوا منا التاريخ و المعرفة باتوا يسوقونها لنا معلباً و محوّراً. يعرضونها علينا بكل السبل و كأنهم من أوجدوها. العقلية الغربية الناكرة لجميل الشرق ترى نفسها مركز كل شيء و انطلاقة كل ما هو مفيد للإنسانية. و نحن الشرقيون نسمّر فاغري الفاه، مندهشين و مأخوذون بمدى روعة و عظمة هذه الحضارة، مع أننا نحن مبدعوها و أصحابها الحقيقيون. أوقعوننا في مصيدة رؤية كون كل شيء غربياً. فإن قالوا من ابدع الفن المسرحي، سنقول اليونان! إن قالوا من أوجد العربة، سنقول اليونان. و إن قالوا من أوجد الفلسفة، سنقول اليونان... هكذا الموسيقى و الرواية و الدين و الآلهة الأولى والملاحم... قد تكون اليونان هي انطلاقة الحضارة الغربية و لكن علينا أن لا ننسى بأن الحضارة اليونانية بحد ذاتها وليدة الشرق و طفلة حضارة سومر و فينيق و النيل...
الشيء نفسه يقال عن العصيان المدني على أنه بدعة غربية بحتة و من ثم جاءت إلى الشرق. حيث يدّعون بأن سقراط الفيلسوف هو أول من قام بها و بأن هنري ثورو أول منظريها! هكذا يعلموننا لا بل يبرمجوننا. فالعصيان المدني، أو لنقل النزاع السلمي، الصراع اللاعنيف و كل ما يمثلها من تصرفات و عمليات كالاعتصام و الاحتجاج و الاضراب و الاعتزال...الخ موجودة بكثافة في تراث الشرق الاوسط منذ بدأ التاريخ المكتوب. عندما لم يكن هناك شيء اسمه الحضارة الغربية! و نشكر الرقيمات الطينية و اللوحات المسمارية و الصحاف الجلدية على إيصالها للكثير من الامثلة إلينا. الشرق الاوسط كانت مهد حضارة الامومة و الربات الإناث. و هذه الحضارة مدموغة بالإنسانية و العطف و المحبة و حب الطبيعة و الحيوان و التسامح و الزراعة و تقديس الطبيعة و كل عناصرها. أي أن الشرق الاوسط كان الحامي الاول للبيئة و كان صديقاً للحيوان.
- فالنبي ابراهيم قام بأكبر عصيان مدني و ثورة وجدانية في التاريخ. ألم يحطّم هياكل المستبد نمرود كي يبين للناس حقيقة أنها ليست سوى هياكل حجرية لا تنفع و لا تضرّ؟ و ما تعني تركه و رحيله عن (أورـ فا)؟ ألم يكن عصياناً مدنياً ضد استعباد الانسانية و تأله الملك المستبد؟ فهل أستخدم ابراهيم العنف و السلاح ضد تأله نمرود و العبودية؟ لا! فقد قضى على العبودية سلمياً و أصبح نقطة انعطاف في الفكر و الوجدان الانساني.
وأين الآخرون من قول زرادشت(رسول النور و عاشق الطبيعة و الزراعة) :"الفكر الصالح و القول الصالح و العمل الصالح"؟
- أين هم من صبر سيدنا أيوب على البلاء الذي ألمّ ببلاده؟ أ فلم يكن صبره و جَلَده عصياناً ضد التفاوت في المجتمع الهارب نحو الطبقية؟
- أين هم من موسى وهو يجادل الطاغية فرعون كي يكون عادلاً... و بعدما يئس موسى من إصلاحه، أخرج شعبه من مصر؟ أ فليس اعتزال الشرير و هجره عصياناً سلمياً ضده؟
- و أين هم من المسيح الناصري وهو يتحمل آلامه العظيمة صبوراً لا يجادل و لا يدافع عن نفسه لا بل يحنو على جلاديه و المنادين بقتله. أ فليس حركة سيدنا عيسى و نضاله و تعاليمه و حياته كلها دروس و مبادئ عظيمة في اللين و اللاعنف و رد الظلم و العفو قائلاً(إن صفعك أحدهم فأدر له طرفك الآخر)... أ فليس هو الصراخ الأخير النابع من وجدان الإنسانية المعذبة؟ أ فليس هو الذي حمل على عاتقه آلام الإنسانية و نبذ الكره و الحقد و الضغينة و العنف و القتل... و أمر بالمحبة و بالمحبة تمكن من تغيير سير التاريخ. أ فليس هو الذي لم يمنعه محنته وآلامه على الصليب كي يدعوا(يا إلهي أعفو عنهم فهم لا يعلمون)؟
- أين هم من النبي محمد (صلعم) و هو يهجر المتكبرين من الجاهلية(الكفار حسب المصطلح الديني)؟
- أين هم من جماعة المعتزلة الذين اعتزلوا السنة و الأئمة لخلافٍ فكريٍ بينهم؟ أ فليس الاعتزال عصياناً من الاقلية ضد الاكثرية؟
- أين هم من الحلاج المنصور، القديس المتألم لصرخته(أنا الحق) و مجابهته الفلسفية لكل المتكلفسين في الدين؟ فهل خشي الموت؟ لا و الله! بل دافع عن فكره و فلسفته و ظلّت(أنا الحق)تتردد في كل أصقاع المعمورة. فأن تاب حينه و كفر عن ذنوبه و تخلى عن فلسفته و اعلن حقانية القضاة المتكلفسين لما كانوا يقتلونه. لكنه فضّل الموت شهيداً وهو يقول" هؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعصباً لدينك، وتقرباً إليك، فاغفر لهم".
أين هم من كل ذلك؟ أ فليست هذه كلها عمليات عصيانٍ مدني؟
و قد يقول قائل بإنها تحركات فردية و مفردة و ليست لها نظام و لا نظرية و لا مبادئ! سأقول له: أن هذا لكلامٌ باطل! فصفحات آفستا و القرآن و الانجيل و احاديث النبي و سير الصحابة مليئة بالمبادئ التي ينادي بها منظروا الصراع السلمي في الغرب.
و هاكم الأمثلة:
يقول الإمام الصادق:" من زرع العداوة حصد ما بذر".
و يقول الرسول(صلعم) "اللهمّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون." و يقول أيضاً -حسب رواية الإمام الشيرازي: "من علامات المؤمن اللاعنف"
ويورد لنا الإمام زين العابدين (ع) صورة من صور المسالمة واللاعنف بقوله: (حق من أساءك أن تعفو عنه، وإن علمت أن العفو عنه يضر، انتصرت)
قال لقمان الحكيم ينصح ولده:"يا بنيّ صاحب مائة و لا تعاد واحداً. تعلّم محاسن الأخلاق"
و من الآيات القرآنية: ((خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ)). ((فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الاَْمْرِ)). ((وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً)). ((وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)).
و هنا قصة علي بن أبي طالب مع ابن ملجم، قاتل علي. فبعد أن يفيق عليٌ من الضربة و يحادث قاتله قليلاً يلتفت إلى ولده الحسن ويقول له: ارفق يا ولدي بأسيرك وارحمه، وأحسن إليه وأشفق عليه...
فيقول له الإمام الحسن: يا أبتاه قد قتلك هذا اللعين الفاجر وافجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق فيه؟
فيقول له: نعم يا بني! نحن أهل البيت لا نزداد على المذنب إلينا إلاّ كرماً وعفواً، والرحمة والشفقة من شيمتنا، بحقّي عليك أطعمه يا بني ممّا تأكله، واسقه ممّا تشرب... (و للقصة دوام)
فهذا الموقف إن دلّ على شيء، فهو النبل المتجذر في الإنسان الشرقي. و كان للتراث الشرقي تعريفهم للحلم و العفو و المغفرة و المسامحة وإلى ما هنالك. حيث يقول الإمام الشيرازي: (السلام هو الأصل، والعنف خلاف الأصل، وعلى الذين يريدون تطبيق الإسلام أن يتحلوا بملكة السلام واللاعنف). و قال أيضاً: (بل من اللاعنف أن يتجنب كل ما يشين الطرف، ولو بالكتابة والتعريض، أو التلويح، فإن ذلك كله عنف). و يعرّف الإمام اللاعنف بقوله: " هو الطريقة التي يعالج بها الإنسان الأشياء سواء كان بنّاءاً أو هدّاماً بكل لين ورفق، حتى لا يتأذى أحد من العلاج"
________________________________________
يا ترى ما هو سبب ضيق نطاق عمليات العصيان المدني في الشرق الأوسط؟
لنأخذ تركيا مثالاً. يقول ناطق مبادرة (المواطن لأجل التنوير) في تركيا أرغين جيمن:"من الطبيعي عدم تطور مثل هذه العمليات في الدول الظالمة. فالدولة تظهر ردات فعل عنيفة و شديدة جداً ضد كل حركة أو تحرك مهما كان صغيراً... لذا فإن ابناء الشعب لا يحبذون الولوج او المشاركة بمثل هذه العمليات." و يتابع ارغين قوله:" مثل هذه العمليات(يقصد العصيان المدني) يتم القيام بها في الدول اللا ديكتاتورية والتي تحوي مشاكل و أخطاء في قوانينها... العصيان المدني حق من الحقوق الديمقراطية للأفراد و التجمعات في تلك البلدان". هل نفهم من قول ارغين بأن القيام بعمليات العصيان المدني تحتاج إلى وجود دول و أنظمة ديمقراطية؟ و إن قبلنا بهذا الأمر فأن الشرق الأوسط سيبقى على حاله؛ لأبسط سبب، ألا وهو أن الدول في الشرق الأوسط مستبدة إلى آخر درجة! حتى و لو كانت السلطة ديكتاتورية فيجب القيام باستخدام كل السبل و الوسائل النضالية. و نهر عمليات المدني لا ينضب أبداً. لقد استخدم الثوار و المعارضون اسلوب العنف الثوري ردحاً طويلاً من الزمن و قد حصلوا على ما سعوا إليه و لكنهم خلّفوا بيئة مناسبة للعنف و الاستبداد و الجروح التي لا تندمل! قد لا تكون السلطة ديمقراطية، حينه يكفي أن تكون المعارضة ديمقراطية و صادقة و هادفة حقاً للحل السلمي و السمو و العدالة و ليس ان تسعى لهدم سلطة لتتولى السلطة بنفسها.
أتوا لأجل إحلال السلام بحسن نية فوجدوا أنفسهم في السجن!
كما تعلمون بأن الجانب الكردي أعلن عن وقف للحرب الدائرة بينه و بين الجيش التركي سنة 1999 و سحب جل قواته و أنصاره خارج حدود تركيا. و بدأ الطرف الكردي (حزب العمال الكردستاني) بالنضال السلمي لحل المسألة الكردية بالسبل الديمقراطية و الحوار. و كبادرة حسن نية فقد أُرسل مجموعتي سلام من بين قواتها العسكرية و كوادرها السياسية. المجموعة التي ذهبت من بين الأنصار بقيادة على صابان مع كافة عتادها العسكري و بلاغات سلمية وودية للحكومة و الجيش و الإعلام التركي. ذهبت هذه المجموعة بإرادتها إلى تركيا كبرهان على صدق الطرف الكردي للحل السلمي للمسائل كافة. هذه المبادرة السلمية النابعة من المحبة و الشعور بالمسؤولية لم تلق صدراً رحِباً لقبولهم بل قابلتهم الدولة التركية كأسرى و عاملتهم "كإرهابيين" و أنزلت بهم عقوبات بالسجن ما بين المؤبد و عشرين سنة.
ان مبادرة علي سابان و رفاقه تعد من الأمثلة البارزة و حتى الجسورة على العصيان المدني. فهم على علم تام بالقوانين العرفية للدولة التركية و ما ينتظرهم و مع ذلك لم يتوانوا عن الذهاب إلى تركيا كرمز للسلام و الأخوة و الحل الديمقراطي. و قد فقد أحدهم حياته بسبب الظروف الصعبة للسجن.
العصيان بلغة ممنوعة و محرمة:
اللغة الكردية ممنوعة في تركيا و سوريا منعاً باتاً. فلا يحق للأكراد تعلم لغتهم لا بل يُمنعون من التحدث بلغتهم و كل من يتحدث بهذه اللغة التي يتكلم بها اربعون مليون إنسان فقط! يتهمونه بالانفصالية و الارهاب. هذه السياسية مطبقة منذ انتهاء الحرب العالمية الاولى. منع اللغة الكردية منصوص عليه في الدستور و القوانين. على إثر انقلاب الثاني عشر من ايلول و اعتقال المئات من خيرة الشبيبة الكرد و سوقهم للمحاكم الاستثنائية، استغلها الشباب الكرد المعتقلين كي يخرقوا قوانين الدولة اللاانسانية. فقد رفض الكثير منهم التحدث في المرافعة باللغة التركية و اصروا على التكلم باللغة الكردية. بهذا الشكل ضربوا بهذه القوانين الشوفينية عرض الحائط. و تلتهم الناشطة الكردية المعروفة ليلى زانا التي كانت نائبة في البرلمان التركي. ففي الجلسات الاولى للبرلمان، حيث كان يتم أداء القسم باللغة التركية، و كان الدور قد وصل إلى ليلى زانا، فقامت هي بأداء القسم(اليمين)باللغة الكردية. مما الهب البرلمان و اصبح موقفها هذا بداية تحول كبير في العقلية الشوفينية للدولة التركية. أُودعت عقب ذلك في السجن و بقيت أكثر من عشرة سنوات بتهمة(الانفصالية و دعم الارهاب).
العصيان المدني بالحروف:
وضع الشرق الاوسط مضحك بقدر ما هو مبكي! فالدولة(الإلهية) في الشرق الأوسط تحارب الحروف بتهمة إنها حروفٌ (ارهابية و انفصالية)! نعم... نعم هذا ما يحدث في تركيا. نعلم أن اللغة التركية(مع احترامنا لكل اللغات)ضيقة و أبجديتها لا تلبي حاجة كل اللغات الغنية و العريقة للشعوب الأخرى، كالارمنية و الكردية. فبعض الاحرف الخاصة باللغة الكردية غير موجودة في الابجدية التركية. كذلك يمنع الدستور التركي تداول هذه الاحرف(الانفصالية و الارهابية) كـحرف(القافQ و الخاءX و الدبليوW). مع العلم بأن الاسماء الكردية ممنوعة في دستور تركيا بحجة أنها أسماء(اجنبية) تشجع الانفصال. ضد هذا الوضع قام عشرات الآلاف من الكرد بإطلاق حملة احتجاجية على هذه القوانين الجائرة. حيث ذهبوا إلى دوائر سجل الاحوال المدنية و قاموا بتغيير أسماءهم القديمة بأسماء كردية و كانوا ينتبهون لاختيار الأسماء التي تحتوي الأحرف الكردية(Q.X.W.U.I.E) كـ(welat. Xebat. Xelat. Xanim.berxwedan. Serxwebûn…). في البداية تعرّض الكثيرون منهم للمسائلة القانونية، لكن بعدما تجاوز العدد الألوف كفّت الدولة عن ملاحقتهم و رضخت لهم. صحيح بأنها لم تقبل بالأحرف الكردية و لكنها قبلت إلغاء النصوص المعادية للأسماء الكردية من الدستور. مع العلم بأن الكثير من المثقفين و الشخصيات التركية آزروا هذه العملية السلمية و سموا أنفسهم تسميات كردية.
العصيان المدني صوماً حتى الموت!
الصوم ركن ديني لتهذيب النفوس و قتل الشرور. شرقنا الأوسط أول من أوجد هذا السبيل لتربية النفوس و كركن ديني هام. أنا أعتبر الصوم عصياناً مدنياً بحد ذاته. و هذا العصيان موجه للنفس و (الأنا السفلى) و هي موجهة ضد التفاوت الاجتماعي و ضد الفقر المدقع و الغنى الفاحش. يقال للصيام اللاديني بـ(الاضراب عن الطعام). يكون الاضراب عن الطعام بهدف استمالة قلوب و ضمائر الآخرين أو لرفض قانونٍ او ممارسةٍ او معاملةٍ ما. فكثيراً ما نرى قيام البعض بالاضراب عن الطعام كي يضغطوا على السلطات. أو لكي يثير قضيتهم في الرأي العام عبر جذب انتباه الإعلام.
عمليات الاضراب عن الطعام غالباً ما تكون مؤقتة او تنتهي مع تلبية طلباتهم. لكن من النادر أن يصادفنا اضراباً حتى الموت عن الطعام. فهذا ما حدث في سجون تركيا. قام عدد من السجناء الثوريين الترك و الكرد بإعلان الاضراب عن الطعام حتى الموت. كان ذلك عام 1982. استمروا بعمليتهم(مدة شهرين) حتى آخر ثانية من حياتهم و أصبحوا مثالاً يتمثل بهم كل السجناء في تركيا.
كل بيئة و كل محيط و كل نظام يختلف من حيث نوع العمليات. فكل العمليات الاحتجاجية في السجون تكون في قمة المسالمة و المدنية. عدم ارتداء الالبسة الموحدة ورفض ترديد شعارات السلطة و القيام بالكتابة على الجدران و الغناء بصوتٍ عالي للاغاني الثورية و الكردية و عدم تناول طعام ادارة السجون و إلى ما هنالك من تصرفات هي قمة العصيان المدني السلمي و النابع من الضمير و الوجدان...
العصيان بنار الجسد!
ليس سقراط وحده من فضّل الموت لحفظ كرامته الإنسانية(حيث سمي فيما بعد موقفه هذا بالعصيان المدني الأول في التاريخ)؛ فما فعله الشاب الكردي الثوري مظلوم دوغان أعظم مما فعله سقراط بكثير! مظلوم دوغان شاب كردي و ثائر ضد العنجهية التركية و كان مناضل لأجل تحرر شعبه من نير الاحتلال و الصهر القومي. ألقي القبض عليه و أودع السجن. تعرض في السجن لأبشع صور التعذيب و التحقير التي يتقزز لها الانسان. لم يترك الجلادين صورة أو أسلوب للتعذيب الجسدي و النفسي و الروحي إلا و مارسوه ضد مظلوم دوغان و الألوف من الشباب الكرد و الترك التقدميين. كان الهدف الاساسي للطغمة العسكرية قتل العزيمة في هؤلاء الشبان الثوريون. فقد كانت الدولة تعدهم إن هم رضخوا لها و تخلوا عن أفكارهم التقدمية بأن تهب لهم سبل الحياة الناعمة. فقد كانت تستخدم أسلوبي الترهيب و الترغيب معهم. و قد تخلى بعضهم عن أفكاره و أنضم لجانب الدولة. و كعصيان و احتجاج وجداني ضد عنجهية الدولة و خيانة الآخرين فقد قرر دوغان القيام بواحدة من أعظم أشكال العصيان المدني في التاريخ الكردي الحديث. و كان التاريخ المقرر لتنفيذ العملية هو ليلة عيد النوروز. كان نوروز ممنوعاً تماماً في تركيا و سوريا و الكثير من البلدان الأخرى. نوروز هو العيد القومي التاريخي للشعب الكردي و الشعوب الآرية الأخرى. و كان مكان العملية حجرة انفرادية مظلمة و باردة في سجون دياربكر. ففي ليلة العشرين من آذار جعل مظلوم دوغان من نفسه شعلة نارٍ أضاءت الحجرة و السجن و دياربكر و كل كردستان. فقد أعلن بنار جسده بداية الاحتفال بالنوروز. و لذا يسميه الكرد بـ كاوا العصر! عملية مظلوم دوغان كانت موجهة للدولة التركية و للشعب الكردي أيضاً... فقد كانت نداءً لهم بالسعي للحرية و الكرامة و رفض الشر و الظل و الهوان.
امهات السلام:
مبادرة امهات السلام مبادرة مدنية نسائية شكلتها النساء الكرديات في تركيا للضغط على الاطراف المتحاربة لإنهاء الحرب. لهذه المبادرة الكثير من الفروع و قامت بنشاطات مثيرة. كل عملياتها الاحتجاجية و الاعتصام تكون ضمن مبادئ العصيان المدني ضد الحرب و القتل و النزاع الدموي الدائر في البلاد. و من احدى عملياتهنّ العملية الاحتجاجية التي قمن بها ضد الحرب الدائرة في كردستان و ذلك باعتصامهن على اكبر الجسور التركية(الواصلة بين الطرف الآسيوي و الاوروبي)و قطعن بذلك اكثر الطرق حيوية في تركيا.
امهات السبت
كانت أمهات المفقودين و المقتولين على يد سلطات الدولة التركية يجتمعن كل يوم سبت في شارع الاستقلال باستنبول كي تُسمعنّ صوتهنّ للرأي العام العالمي. داومنّ على عادتهنّ و اجتماعهنّ كل سبت، حتى سميينّ بأمهات السبت. كانت عبارة عن عملية عصيان مدني سلمية، و من ألين السبل النضالية. كانت الامهات بعملياتهن تلك تهدفن إلى إنهاء حالة الحرب الدائرة رحاها في كردستان و كفّ الدولة عن قتل و خطف و تعذيب المواطنين الكرد الأبرياء. و معظم الأمهات المشاركات كنّ معنيات بالأمر مباشرةً .
"إذا كنت تمنع أخي الكردي من التحدث بلغته فسوف أخترق قانونكم هذا و أتعلم الكردية!"
إنها مقولة رائعة و لكن ليس من قائلٍ لها بين الأخوة الترك و العرب. إنها أمنية و خيال يدغدغ أفكاري، فحبذا لو قام أحدهم و أعلن على الملأ هذه المقولة. أ لم نرى ما الذي فعله الشعب الدانماركي لحماية اليهود؟ فهل نضبت أرضنا الولود من الشرفاء و أصحاب الضمير؟ هل أنكر أولاد الشرق ماضيهم الإنساني العريق؟ و هل...؟
كليّ ثقة بأن أرضنا البكر ملئ بالشرفاء الذين بأمكانهم الصراخ بأعلى صوتهم قائلين:"كفى و ألف كفى" للظلم و الطغيان و اللاعدالة. و ها هي أبواب العصيان المدني مفتوحة على مصراعيها أمامنا...
و السؤال المهم هو: ما هي الأساليب الخاصة بالعصيان المدني التي يمكننا استخدامها في الشرق الأوسط؟
- الاحتجاج: تحويل كل المناسبات و الاعياد الوطنية و الدينية و الاجتماعية لمناسبات التظاهر و التعبير عن الاحتجاج السلمي بالطرق الهادئة. كجعل عيد الأم مناسبة للمطالبة بحقوق المرأة في الشرق الأوسط. جعل الأول من ايلول مناسبة لإرساء السلام الاجتماعي. جعل عيد النوروز مناسبة للمطالبة بالحقوق الوطنية للكرد...
- المقاطعة: عقد محاكم الصلح الاجتماعية دون اللجوء لمحاكم النظام المصابة بالخلل و التي تكيل بمكيالين، و بذلك تضطر الأنظمة لإعادة النظر في قوانينها. مقاطعة الانتخابات و الاقتراع و اجراء انتخابات رمزية كبديل شعبي لانتخابات السلطة.
- خرق القوانين: إصدار الجرائد و المجلات و الإرسال الاذاعي الغير رسمي شرط أن تكون لسان حال الجماهير.
-التظاهر و جذب انظار الرأي العام: بإشعال الشموع و القيام بعمليات إطفاء الانوار، تعليق اللافتات المعبرة عن الرفض، رفع الرايات و الاعلام الممنوعة قانوناً، وضع باقات من الشوك أو الخميلة السوداء أمام الاماكن الرسمية، رسم و تعليق صور و لوحات تعبر عن الرفض أو التعاضد مع صاحب الصورة، الاستماع الجماهيري لأغاني و موسيقا ممنوعة أو محذرة و إلى آخره من وسائل جذب إنتباه عدسات المصورين و أقلام الصحفيين الفضوليين أصلاً!
على المستوى الفردي: يستطيع الإنسان الفرد القيام بكثير من عمليات العصيان المدني المؤثرة جداً لوحده أو مع نفر قليل جداً. مثلاً قيام النساء بقص شعورهن أو تسريحها بشكل مغاير و مثير و كذلك الامر بالنسبة للرجال، كصبغ الشعور و إطلاق اللحى. انتعال احذية خشبية أو معدنية الكعب لإصدار اصوات مثيرة. ارتداء الملابس مقلوباً أو حتى العري الجزئي أو الكلي. و قد تم استخدام اسلوب التعري في العصيان المدني بكثرة ضد حرب العراق و كذلك ما فعلته الفنانة السورية في امريكا مثال آخر على دور اسلوب التعري في العصيان المدني. عدم ارتداء الحجاب في الدول الدوائر الحكومية التي تفرضه على المرأة سبيل آخر من سبل العصيان المدني.
العصيان المدني فنياً: الكاريكاتور اقوى السبل و أكثرها تأثيراً في مجال العصيان المدني الفني. بالإضافة إلى المقالات الساخرة و الاشعار الهجائية و الموسيقا و الغناء و الرسم و كما يجب أن لا ننسى دور الكوميديا و الدراما في التعبير عن الرفض و المطالبة بالتجديد. لذا فأن كسب الفنانين من قِبل القائمين بعمليات العصيان المدني ذو فائدة كبيرة و تأثير بليغ للعملية. سبل متفرقة: مقاطعة بعض السلع التجارية و حتى الدعاية ضدها، عزل بعض الاشخاص اجتماعياً و عدم السلام عليهم و عدم التكلم معهم، المسيرات الصامتة، لصق الافواه، التخيّم بالقرب من المعسكرات، الصيام و الاضراب عن الطعام و العشرات من السبل الأخرى يمكن للمرء استخدامها في عمليات العصيان المدني في الشرق الأوسط. المهم هو أن نعلم المعاديين و بالأخص السلطات اللين و اسلوب الحوار و الابتعاد عن العنف و العنوة. فمن واجبنا أن نقلّم اظافر الضغينة و نخنق الحقد و الكراهية في قلوب و أفئدة المعادين- الدولة في غالب الاوقات. و هذا سيكون فرصة عظيمة أمام المجتمع للتعبير عن ذاته دون انتظار التدخل الاجنبي، و فرصة ذهبية امام السلطات للقيام بالاصلاحات و تحقيق آمال و متطلبات الجاهير الشرق الاوسطية... و إلا! و إلا فأن مصير هذه الانظمة لن يكون أفضلاً من ما آل إليه الحالة العراقية.
________________________________________
المصادر:
1- مجلة(Genc Bakis) ايار 2001
2- العصيان المدنيّ! هنري دافيد ثورو
3- العصيان المدني: حق أم واجب؟ تييري باكو
4- دور القوة في الكفاح اللاعنيف! جين شارب
5- الاحاديث الشريفة
6- آيات قرانية
السبت، 26 فبراير 2011
كلام في العصيان المدني 1
كلام في العصيان المدني
جمع مرعي حميد
بغير اللجوء إلى العنف. وهو أحد الأساليب الأساسية للمقاومة السلمية.;ا لعصيان المدني هو تعمُّد مخالفة قوانين وطلبات وأوامر محددة
: نشاط شعبي متحضر يعتمد أساساً على مبدأ اللاعنف. يعرف بير هيرنجرين العصيان المدني في كتابه "طريق المقاومة ..ممارسة العصيان المدني" بأنه
أنشطة العصيان المدني هي عبارة عن تحدٍ لأمر ما أو لقرار ما حتى ولو كانت غير مقيدة بالقانون. هدف النشاط المباشر هو أن يحافظ على ظاهرة معينة أو أن يغير ظاهرة معينة في المجتمع. النتائج أو التبعات الشخصية هي جزء مهم من النشاط ولا ينظر إليها على أنها نتيجة سلبية. ويجب الانتباه إلى أن العصيان المدني تقوم أنشطته على التحدي، فلا تقيده قوانين النظام، أوقراراته، وإن كان أحياناً يتم عبر القوانين. ومن ثم لا يستطيع النظام أن يفرض على حركة العصيان نشاطاً بعينه أو يمنعها من نشاط، أو يفرض عليها ميداناً بعينه. [1]
الاستعمال المبكر للمصطلح
كان أول من استعمل مصطلح العصيان المدني وأشار إلى فكرته هو الكاتب الأمريكي هنري ديڤيد ثورو في مقاله الشهير ‘العصيان المدني’ المنشور في سنة 1849. وقد كتب مقاله الشهير هذا عقب امتناعه عن دفع ضرائب الحرب احتجاجاً على العبودية والقمع والاضطهاد والحرب التي كانت تخوضها الولايات المتحدة ضد المكسيك. ولم يكن الامتناع عن دفع الضرائب بالفكرة الجديدة وإنما استعملها مناهضو الاسترقاق وآخرون غيرهم. وكذلك لجأ كارل ماركس إلى هذه الفكرة حين حاول أن ينظم حملة لإقناع الأوربيين بعدم دفع الضرائب خلال الثورة التي اجتاحت أوروبا عام 1848م.
كان لمقالة ثوريو هذه تأثير كبير على المهاتما غاندي في الهند. ففي عام 1906م قاد في جنوب إفريقيا معارضة سلمية دون استخدام العنف للتفرقة العنصرية ضد الآسيويين في ترانسفال. وبعد ذلك قاد الشعب الهندي في إضرابات ومسيرات احتجاج ومعارضة، لتحرير أنفسهم من الحكم البريطاني، فحصلوا على الاستقلال عام 1947م.
في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين قام مارتن لوثر كنج وآخرون من المشتغلين بالحقوق المدنية، بمخالفة عن عمد لقوانين الجنوب الخاصة بالفصل العنصري، وذلك كوسيلة لمحاربة التفرقة العنصرية. كما قام كثير من المعارضين لحرب فيتنام (1957 - 1975م) بأعمال غير قانونية، في محاولة لتغيير سياسة الولايات المتحدة الأمريكية.
رفض بعضهم دفع الضرائب، ورفض آخرون تسجيل أسمائهم في الخدمة العسكرية الإجبارية. وخلال الثمانينيات من القرن العشرين قامت احتجاجات دون استخدام العنف ضد سياسة الفصل العنصري لحكومة الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا.
مارس الناس العصيان المدني على مدى مئات السنين؛ ويقال إنه حينما أمرت الحكومة حواريي عيسى عليه السلام بإيقاف تعليمهم الناس، فأجابوا أن طاعة الله أفضل من طاعة البشر. وخلال القرن الثالث عشر الميلادي، أعلن رجل الدين النصراني توما الأكويني أنه يلزم الناس عصيان حكام الأرض حينما تتعارض قوانين الدولة مع قوانين الطبيعة أو الإله. وخلال القرن السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، عرفت بعض الطوائف الدينية بعصيانها المدني، وعلى سبيل المثال في المستعمرات الأصلية التي تشكلت منها أمريكا رفضت طائفة الكويكرز دفع الضرائب للأغراض العسكرية، وذلك لعدم موافقتهم على الحرب. وفي الخمسينيات من القرن التاسع عشر عصى أنصار مذهب إلغاء تجارة الرقيق في الولايات المتحدة الأمريكية قانون هروب العبيد، الذي كان يهدف إلى إلزام العبيد الهاربين بالعودة بالقوة.
استخدمت كثير من قيادات حركة حقوق المرأة العصيان المدني لإثارة الانتباه إلى مطالبهن. قادت إميلين بانكهيرست في بريطانيا خلال أوائل القرن العشرين النساء المناديات بمنح المرأة حق الاقتراع في حملة للحصول على حقوق انتخاب مساوية للرجل.
العصيان المدني والعمل المباشر
وبحسب استجابة الخصم تكون طبيعة النشاط . فقد يكون من الضروري أحياناً أن يأخذ العصيان المدني صورة العمل المباشر الرمزي، بمعنى أن يصبح الهدف هو الوسيلة. ومن الأمثلة على الفعل المباشر الرمزي ما قامت به حركة السلام في السويد عندما قامت بإعاقة جدية لتصدير السلاح في عام 1983، حيث تمكنت مجموعة من النشطاء – رغم ضعفها التنظيمي - من تعطيل سفينة محملة بالسلاح لمدة ساعة، مرسلة برسالة رمزية بضرورة وقف تصدير السلاح كليةً، وفي نفس الوقت فقد حققت هدفها بشكل رمزي ومنعت تصدير السلاح فعلاً في هذا النشاط.
وعندما تقوم حركة ما بإيواء مجموعة من المشردين ممن لا مأوى لهم فإنها بذلك تسلط الضوء على قضية المشردين، وفي نفس الوقت تحقق هدفاً من أهدافها ألا وهو إيجاد مأوى لهؤلاء المشردين. وعندما ينام عدد من النشطاء على شريط سكة حديد معترضين سير قطار محمل بأغذية مسرطنة، فهم إنما يمنعون ذلك بأجسادهم، كما يعبرون عن ضرر هذه الأغذية وعن رفضهم لها.
ويجب الإشارة هنا إلى أن العمل المباشر لا يحظر الاستعمال الرمزي للقوة. فلقد قامت مجموعة من النشطاء المسيحيين بربط أنفسهم بالسلاسل، ومن ثم ربطوا هذه السلاسل بأبواب قواعد عسكرية معروفة في بريطانيا. وهم لا يعنون بذلك أن يحققوا هدفاً باستخدام قوة السلاسل؛ وإنما يريدون أن تصل رسائلهم إلى الرأي العام البريطاني والعالمي.
الهدف
بعض الناس يستخدمون العصيان المدني شكلاً من أشكال الاحتجاج لإثارة الانتباه إلى ما يعتقدون أنها قوانين وسياسات غير عادلة لا تتفق والدستور، ويأملون أن يحرك عملهم هذا الآخرين، لإصلاح مالا يتفق والعدالة. وأناس آخرون يعدون العصيان المدني مسألة اعتقاد فردي ديني أو أخلاقي. وهم يرفضون إطاعة القوانين التي يعتقدون أنها تنتهك مبادئهم الشخصية.
النظريات والتقنيات
أمثلة
الهند
كان العصيان المدني أحد أهم أساليب الحركات القومية في المستعمرات البريطانية السابقة في أفريقيا و آسيا قبل نيلها استقلالها. فقد نمى المهاتما غاندي و أمار باتيل العصيان المدني كوسيلة مناهضة للاستعمار. قال غاندي "إن العصيان المدني هو حق أصيل للمواطن في أن يكون متمدنا، و هو ينطوي على ضبط النفس، و العقل، و الاهتمام، و التضحية". تعلّم غاندي العصيان المدني من مقالة ثورو الكلاسيكية و التي ضمّنها في فلسفة ساتياگراها السلمية. كانت حياة غاندي في جنوب أفريقيا و حركة الاستقلال الهندية أول تطبيق ناجح على نطاق واسع للعصيان المدني.
جنوب أفريقيا
دعا كل من الأسقف دزموند توتو و ستيف بيكو إلى العصيان المدني، و تمثلت النتيجة في وقائع مشهورة مثل مظاهرة المطر البنفسجي عام 1989، و مسيرة كيب تاون السلمية التي أنهت الفصل العنصري.
الولايات المتحدة
تبنى مارتن لوثر كنج، أحد قادة حركة الحقوق المدنية في الولايات الأمريكية المتحدة الجنوبية الشرقية في ستينيات القرن العشرين، أسلوب العصيان المدني، كما تبناه النشطاء مناهضو الحرب أثناء حرب فيتنام. و منذ سبعينيات القرن العشرين مارست الجماعات المناهضة للإجهاض المقنن في الولايات المتحدة العصيانَ المدنيَ.
اوروپا
استخدم الثوار العصيان المدني في ما عرف إجمالا بالثورات الملونة التي غشيت دولا شيوعية سابقة في وسط و شرق أوروبا و وسط آسيا، و هي الثورات التي تأثرت بأفكار جين شارب المعروف باسم "مكيافيلي اللاعنف" و "كلاوسفيتس الحرب السلمية".
من أمثلة ذلك خلع سلوبودان ميلوسوفتش في صربيا في 2000 و الذي استخدم الثوار فيه أسلوبا كان قد طبق من قبل في انتخابات برلمانية في بلغاريا عام 2000، و سلوفاكيا عام 1998، كرواتيا عام 2000. كذلك مثل الثورة الوردية في جورجيا التي أدت إلى خلع إدوارد شفرنادزه في 2003 و التي دعمتها حركة المقاومة المدنية كمارا، و كذلك الثورة البرتقالية في أكرانيا التي تلت الخلاف على نتائج انتخابات 2004 البرلمانية و التي قادتها حركة پورا.
و أيضا الثورة البنفسجية التي سبقت ذلك في تشيكوسلوفاكيا عام 1989 و التي هاجمت الشرطة فيها طلابا من جامعة تشارلز و التي ساهمت في سقوط النظام الشيوعي في تشكوسلوفاكيا السابقة.
بنگلادش
تايلند
أمثلة دينية
أحيانا يكون دافع ممارسي العصيان المدني إلى ذلك دينيا، كما يشارك رجال الدين أو يقودون ممارسات العصيان المدني، من الأمثلة الشهيرة على ذلك فيليب بِرِجان و هو كاهن كاثوليكي أمريكي سابق اعتقل عشرات المرات في أفعال عصيان مدني مناهضة للحرب.
العصيان المدني هو تعمُّد مخالفة قوانين وطلبات وأوامر محددة لحكومة أو قوة احتلال بغير اللجوء إلى العنف. وهو أحد الأساليب اﻷساسية للمقاومة السلمية.
في أكثر أشكاله مسالمة، المعروف بالاسم الهندي "أهيمسا" (بالديفنگاري: अहिंसा) أو "ساتياگراها" (بالسنسكريتية: सत्याग्रह) فإنه يُفسَّر بأنه "تضامن في شكل خلاف محترم".
العصيان المدني هو أحد الطرق التي ثار بها الناس على القوانين غير العادلة، وقد استخدم في حركات مقاومة سلمية عديدة موثّقة؛ في الهند (مثل حملات غاندي من أجل العدالة الاجتماعية وحملاته من أجل استقلال الهند عن الإمبراطورية البريطانية)، وفي جنوب أفريقيا في مقاومة الفصل العنصري، وفي حركة الحقوق المدنية الأمريكية، وفي حركات السلام حول العالم.
و بالرغم من اشتراك العصيان المدني مع الإضراب (و خصوصا الإضراب العام) في كونهما وسيلتان تستخدمهما الجماهير للمطالبة برفع ظلم أصابها، إلا أن الإضراب متعلق بحقوق العمال في مواجهة صاحب العمل (و الذي يمكن أن يكون هو الحكومة).
تمثلت إحدى أبكر تطبيقات العصيان المدني وأوسعها نطاقا في لجوء المصريين إليه ضد الاحتلال البريطاني في ثورة 1919 السلمية
شروطه
لعصيان لا يحدث إلا في شروط موضوعية، منها:
1- وجود قضية حادة تمس الجماهير مباشرة. (في المجتمعات الأوربية يمكن أن يتحرك الناس لقضايا مثل الحريات، لكن في الدول النامية عادة لا تشكل هذه القضايا دافعاً يحرك الشعب).
2- وعي قيادات التغيير بفكرة العصيان المدني وعياً عميقاً، وآليات وعقبات وفرص حدوثه. واستراتيجيات صناعته، وتوعية الجمهور به كأداة فعالة.
4- سوء إدارة النظام للصراع بينه وبين المعارضة وإيصال الأوضاع إلى سبل مشدودة تماماً.
4- النجاح في إحداث ثورة في العقول حتى يستجيب الناس للدعوة إلى العصيان، وينتقلوا إلى مفعد الفاعل مؤمنين بإمكانية الفعل. لذلك تسبق العصيان عادة أنشطة قد تستمر لفترة يتركز هدفها في تحرير العقول.
5- قدرة تنظيمية على تفعيل القاعدة الجماهيرية الكبيرة المتضررة بشكل كبير.
6- قدرة تخطيطة على إجابة سؤال وماذا بعد العصيان؟
7- المبادرة بالفعل وعدم الوقوع في أسر رد الفعل.
8- وجود البنى التحتية القادرة على خلق العصيان ثم دعمه، ثم حمايته، فالكثير من الإضرابات الناجحة على سبيل المثال يتم تمويلها من قبل حركات التغيير أو طرف خارجي، فليس هدف العصيان هو وضع المقاومين في مأزق إعالة أسرهم، لكنه يخلق للمقاومين شكلاً مختلفاً للحياة بعيداً عن سلطة الدولة.
9- كلما كان هناك رصيد من التجربة لدى الشعب كلما كانت قابليته لاستخدام هذا الأسلوب أكبر، والشعوب التي لم تجرب مثل هذه الوسائل، يكون التحدي أمامها هو بداية التجربة، وليس القيام بعصيان شامل.
10- توفر فرص أكبر للنجاح مثل الظرف الدولي غير الداعم للحكومة أمام حركة العصيان.
هذه من أهم الشروط الموضوعية، فالعصيان الناجح هو ثمرة جهد كبير على ساحة المشروع التغييري، من خلق البنية التحتية من علاقات ومال وإعلام وحشد، يتوافق مع عجز الحكومة وحلفائها عن تلبية مطالب الجماهير. وقدرة قادة التغيير على دفع الجماهير في مسار واضح.
__________________
مفهوم العصيان الدني
العصيان المدني هو تعمُّد مخالفة قوانين وطلبات وأوامر محددة لسلطة سياسية بغير اللجوء إلى العنف. وهو أحد الأساليب الأساسية للمقاومة السلمية.
في أكثر أشكاله مسالمة، المعروف بالاسم الهندي "أهيمسا" أو "ساتياگراها" فإنه يُفسَّر بأنه "تضامن في شكل خلاف محترم".
العصيان المدني هو أحد الطرق التي ثار بها الناس على القوانين غير العادلة، وقد استخدم في حركات مقاومة سلمية عديدة موثّقة؛ في الهند (مثل حملات غاندي من أجل العدالة الاجتماعية وحملاته من أجل استقلال الهند عن الإمبراطورية البريطانية)، وفي جنوب أفريقيا في مقاومة الفصل العنصري، وفي حركة الحقوق المدنية الأمريكية، وفي حركات السلام حول العالم.
و بالرغم من اشتراك العصيان المدني مع الإضراب (و خصوصا الإضراب العام) في كونهما وسيلتان تستخدمهما الجماهير للمطالبة برفع ظلم أصابها، إلا أن الإضراب متعلق بحقوق العمال في مواجهة صاحب العمل (و الذي يمكن أن يكون هو الحكومة).
تمثلت إحدى أبكر تطبيقات العصيان المدني وأوسعها نطاقا في لجوء المصريين إليه ضد الاحتلال البريطاني في ثورة 1919 السلمية.
أصوله الفكرية :
كان الكاتب الأمريكي هنري ديفيد ثورو (Henry David Thoreau) هو رائد النظرية الحديثة في هذه الممارسة في مقالته المنشورة عام 1849 بعنوان "العصيان المدني" (بالإنجليزية: Civil Disobedience) والتي كان عنوانها الأصلي "مقاومة السلطة المدنية" (بالإنجليزية: Resistance to Civil Government"). وكانت الفكرة الدافعة وراء المقالة هي الاعتماد على الذات وكيف أن الموقف الأخلاقي للفرد يكون سليما إذا كان بوسعه "مفارقة غيره" عند اختلافه معه؛ أي أنه ليس على الفرد محاربة الحكومة، لكن عليه أن لا يدعمها في أي شيء وأن لا يستفيد من دعمها له في أي شيء إن كان معارضا لها. كان لهذه المقالة أثر بالغ في عديد من ممارسي العصيان المدني لاحقا. في هذه المقالة يفسر ثورو أسبابه في رفض دفع الضرائب كفعل احتجاج ضد العبودية وضد الحرب المكسيكية الأمريكية.
كذلك كانت مقالة "منهج العبودية الاختيارية" (بالأوسيتية: Discours de la servitude volontaire) التي وضعها القاضي الفرنسي إتيَن لابوَتي (Étienne de La Boétie)، أحد المصادر المبكرة التي دفعت بفكرة أن الطغاة يحوزون القوة لأن الناس يمنحوها لهم، وأن "هجرَ المجتمعِ الحريةَ يتركه فاسدا مفضلا عبودية المحظيات على حرية من يرفض التسلط ويأبى الخضوع". وبهذا فقد ربط لابوَتي بين النقيضين التسلط والخضوع وهي العلاقة التي سيؤطرها فيما بعد المفكرون اللاسلطويون (الفوضويون). وبالدعوة إلى حل يتمثل في بساطة في رفض دعم الطاغية فإنه يكون أحد أبكر من دعوا إلى العصيان المدني والمقاومة السلمية. كتب لابوَتي المقالة عام 1552 أو 1553 عندما كان لا يزال طالبا في الجامعة في الثانية والعشرين من عمره، وجرى تداولها سرا ولم تطبع حتى 1576 بعد موت لابوَتي عام 1563
نظريات وأساليب :
عند اللجوء لاستخدام نمط فعال من العصيان المدني قد يتم اللجوء إلى المخالفة العمدية لبعض القوانين، مثل سد الطرق على نحو سلمي أو احتلال منشآت بشكل مخالف للقانون. يمارس المحتجون هذا النوع من الشغب غير العنيف بهدف دفع السلطات إلى اعتقالهم أو حتى مهاجمتهم أو الاعتداء عليهم. وعادة ما يتلقى المحتجون تدريبات مسبقة على كيفية التصرف عند اعتقالهم أو مهاجمتهم بحيث تأتي أفعالهم بمسلك يَنمُّ عن مقاومة ورفض هادئين للسلطة لكن دون تهديد ودون اعتداء ولو حتى بغرض الدفاع عن النفس.
على سبيل المثال، فقد وضع غاندي القواعد التالية:
المقاوم المدني (ساتياجراهي) لن يُداخله أي غضب.
أنه سيتحمل غضب الخصم.
أنه في سبيل ذلك سيحتمل هجوم الخصم عليه ولن يرد مطلقا، لكنه لن يخضع خوفا من العقاب إلى أي أمر يُوّجه إليه في غضب.
عندما يعمد أي شخص في السلطة إلى اعتقال المقاوم المدني فإنه سيخضع طوعا للاعتقال كما أنه لن يقاوم مصادرة متاعه.
إن كان أي من متاع المقاوم السلمي أمانة مودعة عنده فإنه سيرفض تسليمها حتى لو فقد حياته دون ذلك، لكنه مع ذلك لن يردّ هجوما.
رد الهجوم يشمل السباب واللعن.
لذا فإن المقاوم المدني لن يعمد إلى إهانة خصمه مطلقا، لذا فهو لن يشارك في أي من الصيحات التي تخالف روح فلسفة أهيمسا.
المقاوم المدني لن يحيي علم الاتحاد ولن يهينه أو يهين الموظفين البريطانيين أو الهنود.
خلال النضال إن أهان أحد موظفا أو اعتدى عليه فإن المقاوم المدني سيحمي الموظف من الإهانة أو الاعتداء حتى لو دفع حياته ثمنا.
أمثلة:
الهند....
كان العصيان المدني أحد أهم أساليب الحركات القومية في المستعمرات البريطانية السابقة في أفريقيا وآسيا قبل نيلها استقلالها. فقد نمى المهاتما غاندي وأمار باتيل العصيان المدني كوسيلة مناهضة للاستعمار. قال غاندي "إن العصيان المدني هو حق أصيل للمواطن في أن يكون متمدنا، وهو ينطوي على ضبط النفس، والعقل، والاهتمام، والتضحية". تعلّم غاندي العصيان المدني من مقالة ثورو الكلاسيكية والتي ضمّنها في فلسفة ساتياگراها السلمية. كانت حياة غاندي في جنوب أفريقيا وحركة الاستقلال الهندية أول تطبيق ناجح على نطاق واسع للعصيان المدني.
جنوب أفريقيا...
دعا كل من الأسقف دزموند توتو وستيف بيكو إلى العصيان المدني، وتمثلت النتيجة في وقائع مشهورة مثل مظاهرة المطر البنفسجي عام 1989، ومسيرة كيب تاون السلمية التي أنهت الفصل العنصري.
الولايات المتحدة .....
تبنى مارتن لوثر كنج، أحد قادة حركة الحقوق المدنية في الولايات الأمريكية المتحدة الجنوبية الشرقية في ستينيات القرن العشرين، أسلوب العصيان المدني، كما تبناه النشطاء مناهضو الحرب أثناء حرب فيتنام. ومنذ سبعينيات القرن العشرين مارست الجماعات المناهضة للإجهاض المقنن في الولايات المتحدة العصيانَ المدنيَ.
أوروبا ....
استخدم الثوار العصيان المدني في ما عرف إجمالا بالثورات الملونة التي غشيت دولا شيوعية سابقة في وسط وشرق أوروبا ووسط آسيا، وهي الثورات التي تأثرت بأفكار جين شارب المعروف باسم "مكيافيلي اللاعنف" و"كلاوسفيتس الحرب السلمية".
من أمثلة ذلك خلع سلوبودان ميلوسوفتش في صربيا في 2000 والذي استخدم الثوار فيه أسلوبا كان قد طبق من قبل في انتخابات برلمانية في بلغاريا عام 2000، وسلوفاكيا عام 1998، كرواتيا عام 2000. كذلك مثل الثورة الوردية في جورجيا التي أدت إلى خلع إدوارد شفرنادزه في 2003 والتي دعمتها حركة المقاومة المدنية كمارا، وكذلك الثورة البرتقالية في أكرانيا التي تلت الخلاف على نتائج انتخابات 2004 البرلمانية والتي قادتها حركة پورا.
و أيضا الثورة البنفسجية التي سبقت ذلك في تشيكوسلوفاكيا عام 1989 والتي هاجمت الشرطة فيها طلابا من جامعة تشارلز والتي ساهمت في سقوط النظام الشيوعي في تشكوسلوفاكيا السابقة.
مصر....
تمثلت إحدى أبكر تطبيقات العصيان المدني وأوسعها نطاقا في ثورة 1919 وأيضاً ثورة 25 يناير 2011 ضد نظام حسني مبارك وقد عرفت بثورة اللوتس
مبادئ العصيان المدني ________________________________________
إن مبادئ كل فن عشرة.........................الحد والموضوع ثم الثمرة
ونسبة وفضله والواضع.....................والاسم الاستمداد حكم الشارع
مسائل والبعض بالبعض اكتفى ............ومن درى الجميع حاز الشرفا
أي ينسبْ هذا العلمُ إلى أيِّ شيءٍ , أهوَ من العلومِ العربية ؟
ما معنى الواضع، ومتى يكون الإنسان ويعتبر واضعا للفن.
من الذي وضع وابتكرَ هذا العلم, كالفراهيدي فهو الذي ابتكرَ علم العروض, والدؤلي للنحو, ويعرف هذا بالتنصيص أو الشهرةِ أو التاريخ .
الاستمداد.
فكيفَ يكتسبُ هذا العلمِ , كنهرِ الأردن مستمده: بحرُ الميتِ -على سبيل المثال- , وعلم المصطلح مستمد من كلام المحدثين.
ما معنى الحد، وما مزالق الناس فيه، وكيف يعتبر الحد حدا، وما تعريف الحد.
الحدُّ معناه : التعريف. فما تعريف علم العروض؟ والحدُّ يكون بأمورٍ , إما بالمثال , أو التقسيم , أو غير ذلك .
ما هو الموضوع، وكيف يعرف موضوع العلم.
فعن أي شيءٍ يصبي إليه هذا العلم! وعن أي شيءٍ يتكلَّم , في الفقهِ المقارنْ ؟!
وما هي الثمرة وهل هي المقصود بها الدنيوية أم الأخروية...
هل ثمرةُ وفائدة هذا الفن سلامة اللسان في النطق! وذاكَ في "علم النحو" !
إلى آخر هذا...
الحد في اصطلاح المناطقة : الجامع المانع
أي الجامع لجميع أفراده، ومانع من دخول غير أفراده فيه،
والحد إما تام أو ناقص
والتام : يتركب من جنس قريب ، وفصل
والناقص : يتركب من جنس بعيد ، أو متوسط ، وفصل ، أو من قريبين ( جنس وفصل ) ، غير مرتبين،
وأنا أن يكون التعريف :بالرسم
فيكون فصل وخاصة، أو غيرها
وهو أما بالتقسيم ، أو بالمثال ، أو باللفظي
هذا باختصار شديد
وجزاكم الله خيرًا
__________________
والله لوعلموا قبيح سريرتي**لأبى السلام عليَّ من يلقاني
ولأعرضوا عني وملُّوا صحبتي**ولبؤتُ بعد كرامةٍ بهوانِ
:
ا
الحد في اصطلاح المناطقة : الجامع المانع
أي الجامع لجميع أفراده، ومانع من دخول غير أفراده فيه،
والحد إما تام أو ناقص
والتام : يتركب من جنس قريب ، وفصل
والناقص : يتركب من جنس بعيد ، أو متوسط ، وفصل ، أو من قريبين ( جنس وفصل ) ، غير مرتبين،
وأنا أن يكون التعريف :بالرسم
فيكون فصل وخاصة، أو غيرها
وهو أما بالتقسيم ، أو بالمثال ، أو باللفظي
جمع مرعي حميد
بغير اللجوء إلى العنف. وهو أحد الأساليب الأساسية للمقاومة السلمية.;ا لعصيان المدني هو تعمُّد مخالفة قوانين وطلبات وأوامر محددة
: نشاط شعبي متحضر يعتمد أساساً على مبدأ اللاعنف. يعرف بير هيرنجرين العصيان المدني في كتابه "طريق المقاومة ..ممارسة العصيان المدني" بأنه
أنشطة العصيان المدني هي عبارة عن تحدٍ لأمر ما أو لقرار ما حتى ولو كانت غير مقيدة بالقانون. هدف النشاط المباشر هو أن يحافظ على ظاهرة معينة أو أن يغير ظاهرة معينة في المجتمع. النتائج أو التبعات الشخصية هي جزء مهم من النشاط ولا ينظر إليها على أنها نتيجة سلبية. ويجب الانتباه إلى أن العصيان المدني تقوم أنشطته على التحدي، فلا تقيده قوانين النظام، أوقراراته، وإن كان أحياناً يتم عبر القوانين. ومن ثم لا يستطيع النظام أن يفرض على حركة العصيان نشاطاً بعينه أو يمنعها من نشاط، أو يفرض عليها ميداناً بعينه. [1]
الاستعمال المبكر للمصطلح
كان أول من استعمل مصطلح العصيان المدني وأشار إلى فكرته هو الكاتب الأمريكي هنري ديڤيد ثورو في مقاله الشهير ‘العصيان المدني’ المنشور في سنة 1849. وقد كتب مقاله الشهير هذا عقب امتناعه عن دفع ضرائب الحرب احتجاجاً على العبودية والقمع والاضطهاد والحرب التي كانت تخوضها الولايات المتحدة ضد المكسيك. ولم يكن الامتناع عن دفع الضرائب بالفكرة الجديدة وإنما استعملها مناهضو الاسترقاق وآخرون غيرهم. وكذلك لجأ كارل ماركس إلى هذه الفكرة حين حاول أن ينظم حملة لإقناع الأوربيين بعدم دفع الضرائب خلال الثورة التي اجتاحت أوروبا عام 1848م.
كان لمقالة ثوريو هذه تأثير كبير على المهاتما غاندي في الهند. ففي عام 1906م قاد في جنوب إفريقيا معارضة سلمية دون استخدام العنف للتفرقة العنصرية ضد الآسيويين في ترانسفال. وبعد ذلك قاد الشعب الهندي في إضرابات ومسيرات احتجاج ومعارضة، لتحرير أنفسهم من الحكم البريطاني، فحصلوا على الاستقلال عام 1947م.
في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين قام مارتن لوثر كنج وآخرون من المشتغلين بالحقوق المدنية، بمخالفة عن عمد لقوانين الجنوب الخاصة بالفصل العنصري، وذلك كوسيلة لمحاربة التفرقة العنصرية. كما قام كثير من المعارضين لحرب فيتنام (1957 - 1975م) بأعمال غير قانونية، في محاولة لتغيير سياسة الولايات المتحدة الأمريكية.
رفض بعضهم دفع الضرائب، ورفض آخرون تسجيل أسمائهم في الخدمة العسكرية الإجبارية. وخلال الثمانينيات من القرن العشرين قامت احتجاجات دون استخدام العنف ضد سياسة الفصل العنصري لحكومة الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا.
مارس الناس العصيان المدني على مدى مئات السنين؛ ويقال إنه حينما أمرت الحكومة حواريي عيسى عليه السلام بإيقاف تعليمهم الناس، فأجابوا أن طاعة الله أفضل من طاعة البشر. وخلال القرن الثالث عشر الميلادي، أعلن رجل الدين النصراني توما الأكويني أنه يلزم الناس عصيان حكام الأرض حينما تتعارض قوانين الدولة مع قوانين الطبيعة أو الإله. وخلال القرن السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، عرفت بعض الطوائف الدينية بعصيانها المدني، وعلى سبيل المثال في المستعمرات الأصلية التي تشكلت منها أمريكا رفضت طائفة الكويكرز دفع الضرائب للأغراض العسكرية، وذلك لعدم موافقتهم على الحرب. وفي الخمسينيات من القرن التاسع عشر عصى أنصار مذهب إلغاء تجارة الرقيق في الولايات المتحدة الأمريكية قانون هروب العبيد، الذي كان يهدف إلى إلزام العبيد الهاربين بالعودة بالقوة.
استخدمت كثير من قيادات حركة حقوق المرأة العصيان المدني لإثارة الانتباه إلى مطالبهن. قادت إميلين بانكهيرست في بريطانيا خلال أوائل القرن العشرين النساء المناديات بمنح المرأة حق الاقتراع في حملة للحصول على حقوق انتخاب مساوية للرجل.
العصيان المدني والعمل المباشر
وبحسب استجابة الخصم تكون طبيعة النشاط . فقد يكون من الضروري أحياناً أن يأخذ العصيان المدني صورة العمل المباشر الرمزي، بمعنى أن يصبح الهدف هو الوسيلة. ومن الأمثلة على الفعل المباشر الرمزي ما قامت به حركة السلام في السويد عندما قامت بإعاقة جدية لتصدير السلاح في عام 1983، حيث تمكنت مجموعة من النشطاء – رغم ضعفها التنظيمي - من تعطيل سفينة محملة بالسلاح لمدة ساعة، مرسلة برسالة رمزية بضرورة وقف تصدير السلاح كليةً، وفي نفس الوقت فقد حققت هدفها بشكل رمزي ومنعت تصدير السلاح فعلاً في هذا النشاط.
وعندما تقوم حركة ما بإيواء مجموعة من المشردين ممن لا مأوى لهم فإنها بذلك تسلط الضوء على قضية المشردين، وفي نفس الوقت تحقق هدفاً من أهدافها ألا وهو إيجاد مأوى لهؤلاء المشردين. وعندما ينام عدد من النشطاء على شريط سكة حديد معترضين سير قطار محمل بأغذية مسرطنة، فهم إنما يمنعون ذلك بأجسادهم، كما يعبرون عن ضرر هذه الأغذية وعن رفضهم لها.
ويجب الإشارة هنا إلى أن العمل المباشر لا يحظر الاستعمال الرمزي للقوة. فلقد قامت مجموعة من النشطاء المسيحيين بربط أنفسهم بالسلاسل، ومن ثم ربطوا هذه السلاسل بأبواب قواعد عسكرية معروفة في بريطانيا. وهم لا يعنون بذلك أن يحققوا هدفاً باستخدام قوة السلاسل؛ وإنما يريدون أن تصل رسائلهم إلى الرأي العام البريطاني والعالمي.
الهدف
بعض الناس يستخدمون العصيان المدني شكلاً من أشكال الاحتجاج لإثارة الانتباه إلى ما يعتقدون أنها قوانين وسياسات غير عادلة لا تتفق والدستور، ويأملون أن يحرك عملهم هذا الآخرين، لإصلاح مالا يتفق والعدالة. وأناس آخرون يعدون العصيان المدني مسألة اعتقاد فردي ديني أو أخلاقي. وهم يرفضون إطاعة القوانين التي يعتقدون أنها تنتهك مبادئهم الشخصية.
النظريات والتقنيات
أمثلة
الهند
كان العصيان المدني أحد أهم أساليب الحركات القومية في المستعمرات البريطانية السابقة في أفريقيا و آسيا قبل نيلها استقلالها. فقد نمى المهاتما غاندي و أمار باتيل العصيان المدني كوسيلة مناهضة للاستعمار. قال غاندي "إن العصيان المدني هو حق أصيل للمواطن في أن يكون متمدنا، و هو ينطوي على ضبط النفس، و العقل، و الاهتمام، و التضحية". تعلّم غاندي العصيان المدني من مقالة ثورو الكلاسيكية و التي ضمّنها في فلسفة ساتياگراها السلمية. كانت حياة غاندي في جنوب أفريقيا و حركة الاستقلال الهندية أول تطبيق ناجح على نطاق واسع للعصيان المدني.
جنوب أفريقيا
دعا كل من الأسقف دزموند توتو و ستيف بيكو إلى العصيان المدني، و تمثلت النتيجة في وقائع مشهورة مثل مظاهرة المطر البنفسجي عام 1989، و مسيرة كيب تاون السلمية التي أنهت الفصل العنصري.
الولايات المتحدة
تبنى مارتن لوثر كنج، أحد قادة حركة الحقوق المدنية في الولايات الأمريكية المتحدة الجنوبية الشرقية في ستينيات القرن العشرين، أسلوب العصيان المدني، كما تبناه النشطاء مناهضو الحرب أثناء حرب فيتنام. و منذ سبعينيات القرن العشرين مارست الجماعات المناهضة للإجهاض المقنن في الولايات المتحدة العصيانَ المدنيَ.
اوروپا
استخدم الثوار العصيان المدني في ما عرف إجمالا بالثورات الملونة التي غشيت دولا شيوعية سابقة في وسط و شرق أوروبا و وسط آسيا، و هي الثورات التي تأثرت بأفكار جين شارب المعروف باسم "مكيافيلي اللاعنف" و "كلاوسفيتس الحرب السلمية".
من أمثلة ذلك خلع سلوبودان ميلوسوفتش في صربيا في 2000 و الذي استخدم الثوار فيه أسلوبا كان قد طبق من قبل في انتخابات برلمانية في بلغاريا عام 2000، و سلوفاكيا عام 1998، كرواتيا عام 2000. كذلك مثل الثورة الوردية في جورجيا التي أدت إلى خلع إدوارد شفرنادزه في 2003 و التي دعمتها حركة المقاومة المدنية كمارا، و كذلك الثورة البرتقالية في أكرانيا التي تلت الخلاف على نتائج انتخابات 2004 البرلمانية و التي قادتها حركة پورا.
و أيضا الثورة البنفسجية التي سبقت ذلك في تشيكوسلوفاكيا عام 1989 و التي هاجمت الشرطة فيها طلابا من جامعة تشارلز و التي ساهمت في سقوط النظام الشيوعي في تشكوسلوفاكيا السابقة.
بنگلادش
تايلند
أمثلة دينية
أحيانا يكون دافع ممارسي العصيان المدني إلى ذلك دينيا، كما يشارك رجال الدين أو يقودون ممارسات العصيان المدني، من الأمثلة الشهيرة على ذلك فيليب بِرِجان و هو كاهن كاثوليكي أمريكي سابق اعتقل عشرات المرات في أفعال عصيان مدني مناهضة للحرب.
العصيان المدني هو تعمُّد مخالفة قوانين وطلبات وأوامر محددة لحكومة أو قوة احتلال بغير اللجوء إلى العنف. وهو أحد الأساليب اﻷساسية للمقاومة السلمية.
في أكثر أشكاله مسالمة، المعروف بالاسم الهندي "أهيمسا" (بالديفنگاري: अहिंसा) أو "ساتياگراها" (بالسنسكريتية: सत्याग्रह) فإنه يُفسَّر بأنه "تضامن في شكل خلاف محترم".
العصيان المدني هو أحد الطرق التي ثار بها الناس على القوانين غير العادلة، وقد استخدم في حركات مقاومة سلمية عديدة موثّقة؛ في الهند (مثل حملات غاندي من أجل العدالة الاجتماعية وحملاته من أجل استقلال الهند عن الإمبراطورية البريطانية)، وفي جنوب أفريقيا في مقاومة الفصل العنصري، وفي حركة الحقوق المدنية الأمريكية، وفي حركات السلام حول العالم.
و بالرغم من اشتراك العصيان المدني مع الإضراب (و خصوصا الإضراب العام) في كونهما وسيلتان تستخدمهما الجماهير للمطالبة برفع ظلم أصابها، إلا أن الإضراب متعلق بحقوق العمال في مواجهة صاحب العمل (و الذي يمكن أن يكون هو الحكومة).
تمثلت إحدى أبكر تطبيقات العصيان المدني وأوسعها نطاقا في لجوء المصريين إليه ضد الاحتلال البريطاني في ثورة 1919 السلمية
شروطه
لعصيان لا يحدث إلا في شروط موضوعية، منها:
1- وجود قضية حادة تمس الجماهير مباشرة. (في المجتمعات الأوربية يمكن أن يتحرك الناس لقضايا مثل الحريات، لكن في الدول النامية عادة لا تشكل هذه القضايا دافعاً يحرك الشعب).
2- وعي قيادات التغيير بفكرة العصيان المدني وعياً عميقاً، وآليات وعقبات وفرص حدوثه. واستراتيجيات صناعته، وتوعية الجمهور به كأداة فعالة.
4- سوء إدارة النظام للصراع بينه وبين المعارضة وإيصال الأوضاع إلى سبل مشدودة تماماً.
4- النجاح في إحداث ثورة في العقول حتى يستجيب الناس للدعوة إلى العصيان، وينتقلوا إلى مفعد الفاعل مؤمنين بإمكانية الفعل. لذلك تسبق العصيان عادة أنشطة قد تستمر لفترة يتركز هدفها في تحرير العقول.
5- قدرة تنظيمية على تفعيل القاعدة الجماهيرية الكبيرة المتضررة بشكل كبير.
6- قدرة تخطيطة على إجابة سؤال وماذا بعد العصيان؟
7- المبادرة بالفعل وعدم الوقوع في أسر رد الفعل.
8- وجود البنى التحتية القادرة على خلق العصيان ثم دعمه، ثم حمايته، فالكثير من الإضرابات الناجحة على سبيل المثال يتم تمويلها من قبل حركات التغيير أو طرف خارجي، فليس هدف العصيان هو وضع المقاومين في مأزق إعالة أسرهم، لكنه يخلق للمقاومين شكلاً مختلفاً للحياة بعيداً عن سلطة الدولة.
9- كلما كان هناك رصيد من التجربة لدى الشعب كلما كانت قابليته لاستخدام هذا الأسلوب أكبر، والشعوب التي لم تجرب مثل هذه الوسائل، يكون التحدي أمامها هو بداية التجربة، وليس القيام بعصيان شامل.
10- توفر فرص أكبر للنجاح مثل الظرف الدولي غير الداعم للحكومة أمام حركة العصيان.
هذه من أهم الشروط الموضوعية، فالعصيان الناجح هو ثمرة جهد كبير على ساحة المشروع التغييري، من خلق البنية التحتية من علاقات ومال وإعلام وحشد، يتوافق مع عجز الحكومة وحلفائها عن تلبية مطالب الجماهير. وقدرة قادة التغيير على دفع الجماهير في مسار واضح.
__________________
مفهوم العصيان الدني
العصيان المدني هو تعمُّد مخالفة قوانين وطلبات وأوامر محددة لسلطة سياسية بغير اللجوء إلى العنف. وهو أحد الأساليب الأساسية للمقاومة السلمية.
في أكثر أشكاله مسالمة، المعروف بالاسم الهندي "أهيمسا" أو "ساتياگراها" فإنه يُفسَّر بأنه "تضامن في شكل خلاف محترم".
العصيان المدني هو أحد الطرق التي ثار بها الناس على القوانين غير العادلة، وقد استخدم في حركات مقاومة سلمية عديدة موثّقة؛ في الهند (مثل حملات غاندي من أجل العدالة الاجتماعية وحملاته من أجل استقلال الهند عن الإمبراطورية البريطانية)، وفي جنوب أفريقيا في مقاومة الفصل العنصري، وفي حركة الحقوق المدنية الأمريكية، وفي حركات السلام حول العالم.
و بالرغم من اشتراك العصيان المدني مع الإضراب (و خصوصا الإضراب العام) في كونهما وسيلتان تستخدمهما الجماهير للمطالبة برفع ظلم أصابها، إلا أن الإضراب متعلق بحقوق العمال في مواجهة صاحب العمل (و الذي يمكن أن يكون هو الحكومة).
تمثلت إحدى أبكر تطبيقات العصيان المدني وأوسعها نطاقا في لجوء المصريين إليه ضد الاحتلال البريطاني في ثورة 1919 السلمية.
أصوله الفكرية :
كان الكاتب الأمريكي هنري ديفيد ثورو (Henry David Thoreau) هو رائد النظرية الحديثة في هذه الممارسة في مقالته المنشورة عام 1849 بعنوان "العصيان المدني" (بالإنجليزية: Civil Disobedience) والتي كان عنوانها الأصلي "مقاومة السلطة المدنية" (بالإنجليزية: Resistance to Civil Government"). وكانت الفكرة الدافعة وراء المقالة هي الاعتماد على الذات وكيف أن الموقف الأخلاقي للفرد يكون سليما إذا كان بوسعه "مفارقة غيره" عند اختلافه معه؛ أي أنه ليس على الفرد محاربة الحكومة، لكن عليه أن لا يدعمها في أي شيء وأن لا يستفيد من دعمها له في أي شيء إن كان معارضا لها. كان لهذه المقالة أثر بالغ في عديد من ممارسي العصيان المدني لاحقا. في هذه المقالة يفسر ثورو أسبابه في رفض دفع الضرائب كفعل احتجاج ضد العبودية وضد الحرب المكسيكية الأمريكية.
كذلك كانت مقالة "منهج العبودية الاختيارية" (بالأوسيتية: Discours de la servitude volontaire) التي وضعها القاضي الفرنسي إتيَن لابوَتي (Étienne de La Boétie)، أحد المصادر المبكرة التي دفعت بفكرة أن الطغاة يحوزون القوة لأن الناس يمنحوها لهم، وأن "هجرَ المجتمعِ الحريةَ يتركه فاسدا مفضلا عبودية المحظيات على حرية من يرفض التسلط ويأبى الخضوع". وبهذا فقد ربط لابوَتي بين النقيضين التسلط والخضوع وهي العلاقة التي سيؤطرها فيما بعد المفكرون اللاسلطويون (الفوضويون). وبالدعوة إلى حل يتمثل في بساطة في رفض دعم الطاغية فإنه يكون أحد أبكر من دعوا إلى العصيان المدني والمقاومة السلمية. كتب لابوَتي المقالة عام 1552 أو 1553 عندما كان لا يزال طالبا في الجامعة في الثانية والعشرين من عمره، وجرى تداولها سرا ولم تطبع حتى 1576 بعد موت لابوَتي عام 1563
نظريات وأساليب :
عند اللجوء لاستخدام نمط فعال من العصيان المدني قد يتم اللجوء إلى المخالفة العمدية لبعض القوانين، مثل سد الطرق على نحو سلمي أو احتلال منشآت بشكل مخالف للقانون. يمارس المحتجون هذا النوع من الشغب غير العنيف بهدف دفع السلطات إلى اعتقالهم أو حتى مهاجمتهم أو الاعتداء عليهم. وعادة ما يتلقى المحتجون تدريبات مسبقة على كيفية التصرف عند اعتقالهم أو مهاجمتهم بحيث تأتي أفعالهم بمسلك يَنمُّ عن مقاومة ورفض هادئين للسلطة لكن دون تهديد ودون اعتداء ولو حتى بغرض الدفاع عن النفس.
على سبيل المثال، فقد وضع غاندي القواعد التالية:
المقاوم المدني (ساتياجراهي) لن يُداخله أي غضب.
أنه سيتحمل غضب الخصم.
أنه في سبيل ذلك سيحتمل هجوم الخصم عليه ولن يرد مطلقا، لكنه لن يخضع خوفا من العقاب إلى أي أمر يُوّجه إليه في غضب.
عندما يعمد أي شخص في السلطة إلى اعتقال المقاوم المدني فإنه سيخضع طوعا للاعتقال كما أنه لن يقاوم مصادرة متاعه.
إن كان أي من متاع المقاوم السلمي أمانة مودعة عنده فإنه سيرفض تسليمها حتى لو فقد حياته دون ذلك، لكنه مع ذلك لن يردّ هجوما.
رد الهجوم يشمل السباب واللعن.
لذا فإن المقاوم المدني لن يعمد إلى إهانة خصمه مطلقا، لذا فهو لن يشارك في أي من الصيحات التي تخالف روح فلسفة أهيمسا.
المقاوم المدني لن يحيي علم الاتحاد ولن يهينه أو يهين الموظفين البريطانيين أو الهنود.
خلال النضال إن أهان أحد موظفا أو اعتدى عليه فإن المقاوم المدني سيحمي الموظف من الإهانة أو الاعتداء حتى لو دفع حياته ثمنا.
أمثلة:
الهند....
كان العصيان المدني أحد أهم أساليب الحركات القومية في المستعمرات البريطانية السابقة في أفريقيا وآسيا قبل نيلها استقلالها. فقد نمى المهاتما غاندي وأمار باتيل العصيان المدني كوسيلة مناهضة للاستعمار. قال غاندي "إن العصيان المدني هو حق أصيل للمواطن في أن يكون متمدنا، وهو ينطوي على ضبط النفس، والعقل، والاهتمام، والتضحية". تعلّم غاندي العصيان المدني من مقالة ثورو الكلاسيكية والتي ضمّنها في فلسفة ساتياگراها السلمية. كانت حياة غاندي في جنوب أفريقيا وحركة الاستقلال الهندية أول تطبيق ناجح على نطاق واسع للعصيان المدني.
جنوب أفريقيا...
دعا كل من الأسقف دزموند توتو وستيف بيكو إلى العصيان المدني، وتمثلت النتيجة في وقائع مشهورة مثل مظاهرة المطر البنفسجي عام 1989، ومسيرة كيب تاون السلمية التي أنهت الفصل العنصري.
الولايات المتحدة .....
تبنى مارتن لوثر كنج، أحد قادة حركة الحقوق المدنية في الولايات الأمريكية المتحدة الجنوبية الشرقية في ستينيات القرن العشرين، أسلوب العصيان المدني، كما تبناه النشطاء مناهضو الحرب أثناء حرب فيتنام. ومنذ سبعينيات القرن العشرين مارست الجماعات المناهضة للإجهاض المقنن في الولايات المتحدة العصيانَ المدنيَ.
أوروبا ....
استخدم الثوار العصيان المدني في ما عرف إجمالا بالثورات الملونة التي غشيت دولا شيوعية سابقة في وسط وشرق أوروبا ووسط آسيا، وهي الثورات التي تأثرت بأفكار جين شارب المعروف باسم "مكيافيلي اللاعنف" و"كلاوسفيتس الحرب السلمية".
من أمثلة ذلك خلع سلوبودان ميلوسوفتش في صربيا في 2000 والذي استخدم الثوار فيه أسلوبا كان قد طبق من قبل في انتخابات برلمانية في بلغاريا عام 2000، وسلوفاكيا عام 1998، كرواتيا عام 2000. كذلك مثل الثورة الوردية في جورجيا التي أدت إلى خلع إدوارد شفرنادزه في 2003 والتي دعمتها حركة المقاومة المدنية كمارا، وكذلك الثورة البرتقالية في أكرانيا التي تلت الخلاف على نتائج انتخابات 2004 البرلمانية والتي قادتها حركة پورا.
و أيضا الثورة البنفسجية التي سبقت ذلك في تشيكوسلوفاكيا عام 1989 والتي هاجمت الشرطة فيها طلابا من جامعة تشارلز والتي ساهمت في سقوط النظام الشيوعي في تشكوسلوفاكيا السابقة.
مصر....
تمثلت إحدى أبكر تطبيقات العصيان المدني وأوسعها نطاقا في ثورة 1919 وأيضاً ثورة 25 يناير 2011 ضد نظام حسني مبارك وقد عرفت بثورة اللوتس
مبادئ العصيان المدني ________________________________________
إن مبادئ كل فن عشرة.........................الحد والموضوع ثم الثمرة
ونسبة وفضله والواضع.....................والاسم الاستمداد حكم الشارع
مسائل والبعض بالبعض اكتفى ............ومن درى الجميع حاز الشرفا
أي ينسبْ هذا العلمُ إلى أيِّ شيءٍ , أهوَ من العلومِ العربية ؟
ما معنى الواضع، ومتى يكون الإنسان ويعتبر واضعا للفن.
من الذي وضع وابتكرَ هذا العلم, كالفراهيدي فهو الذي ابتكرَ علم العروض, والدؤلي للنحو, ويعرف هذا بالتنصيص أو الشهرةِ أو التاريخ .
الاستمداد.
فكيفَ يكتسبُ هذا العلمِ , كنهرِ الأردن مستمده: بحرُ الميتِ -على سبيل المثال- , وعلم المصطلح مستمد من كلام المحدثين.
ما معنى الحد، وما مزالق الناس فيه، وكيف يعتبر الحد حدا، وما تعريف الحد.
الحدُّ معناه : التعريف. فما تعريف علم العروض؟ والحدُّ يكون بأمورٍ , إما بالمثال , أو التقسيم , أو غير ذلك .
ما هو الموضوع، وكيف يعرف موضوع العلم.
فعن أي شيءٍ يصبي إليه هذا العلم! وعن أي شيءٍ يتكلَّم , في الفقهِ المقارنْ ؟!
وما هي الثمرة وهل هي المقصود بها الدنيوية أم الأخروية...
هل ثمرةُ وفائدة هذا الفن سلامة اللسان في النطق! وذاكَ في "علم النحو" !
إلى آخر هذا...
الحد في اصطلاح المناطقة : الجامع المانع
أي الجامع لجميع أفراده، ومانع من دخول غير أفراده فيه،
والحد إما تام أو ناقص
والتام : يتركب من جنس قريب ، وفصل
والناقص : يتركب من جنس بعيد ، أو متوسط ، وفصل ، أو من قريبين ( جنس وفصل ) ، غير مرتبين،
وأنا أن يكون التعريف :بالرسم
فيكون فصل وخاصة، أو غيرها
وهو أما بالتقسيم ، أو بالمثال ، أو باللفظي
هذا باختصار شديد
وجزاكم الله خيرًا
__________________
والله لوعلموا قبيح سريرتي**لأبى السلام عليَّ من يلقاني
ولأعرضوا عني وملُّوا صحبتي**ولبؤتُ بعد كرامةٍ بهوانِ
:
ا
الحد في اصطلاح المناطقة : الجامع المانع
أي الجامع لجميع أفراده، ومانع من دخول غير أفراده فيه،
والحد إما تام أو ناقص
والتام : يتركب من جنس قريب ، وفصل
والناقص : يتركب من جنس بعيد ، أو متوسط ، وفصل ، أو من قريبين ( جنس وفصل ) ، غير مرتبين،
وأنا أن يكون التعريف :بالرسم
فيكون فصل وخاصة، أو غيرها
وهو أما بالتقسيم ، أو بالمثال ، أو باللفظي
السبت، 19 فبراير 2011
الامام حسن البنا في ذكراه
الإمام حسن البنّا في ذكراه
بقلم : مرعي حميد
في فبراير تمر بنا ذكرى استشهاد الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ، كان البنا فريداً في إيمانه العميق بربه ، وطموحه وهمته و ذكائه وفكره والتوفيق الذي انعم الله به عليه وعلى الأمة الإسلامية التي مثل لها رائد التغيير المنشود .
لقد خسرت امتنا برحيله ، مغتالاً على أيدي الشر والفساد في الأرض في 12 فبراير 1949 م ، قامة فذة كان لها بفضل الله عز وجل وتوفيقه شرف تربية جيل إسلامي جديد و وضع أسس فكر إسلامي وسطي و تأسيس كبرى الجماعات الإسلامية العاملة في الساحة .
و هذا طرف من شخصية الإمام البنا بهذه المناسبة من خلال ابرز وابر عمل وإسهام له في حياته الحافلة إنّه تأسيس وانشأ جماعة الإخوان المسلمين .
لقد امتازت تلك الجماعة المباركة عن ما سواها من الجماعات الإسلامية السابقة لها تأسيا و اللاحقة بالميزات الثلاث الآتية :
أولاً : أخذها الإسلام بشموله فكراً وممارسة :
فالإسلام جاء لينظم حياة الناس في كل مجالات حياتهم : إعتقادية ، سياسية ، اقتصادية ، عسكرية ، تعليمية ، اجتماعية ، و حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لم يقل لأبي بكر الصديق أو غيره من الصحاب ان يتولوا شؤون إدارة الدولة ويتفرغ هو لتلقي الوحي وتعليم الناس أمور دينهم ، بل كان صلى الله عليه وسلم هو زعيم الدولة في الوقت الذي يتلقى الوحي ويعلم الناس أمور دينهم . وقد جاءت فكرة الفصل بين الدين والسياسة من خارج حدودنا ، من أوروبا التي عانت الأمرين من رجال الدين المسيحي الذي تم تحريفه وأصبح حرباً على البحث العلمي والتطور المعرفي فما كان من رموز التطوير والتحديث إلا ان عزلوا الكنيسة عن أمور الدين كواحد من نتائج النهضة الأوروبية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ، بينما الإسلام هو دين العلم وهو الدين الذي تكفل الله بحفظه من أي تبديل أو تحريف . و جماعة الإخوان المسلمين مثلما آمنت بشمولية الإسلام فكراً فقد آمنت به ممارسة ، فالإخوان كانت لهم ولا تزال ـ ومنذ أيام الإمام المؤسس ـ إسهامات ومحاولات للإسهام في مجال نشر العلم الشرعي عبر علمائهم وفقهائهم وفي المقدمة منهم الشيخ سيد سابق مؤلف كتاب فقه السنة ، و الشيخ محمد الغزالي والشيخ عبدالفتاح أبوغدة والشيخ الدكتور يوسف القرضاوي صاحب أكثر من مئة مُصنف في شتى علوم الشريعة وفنونها والشيخ عبد المجيد الزنداني مؤسس ورئيس جامعة الإيمان اليمنية والشيخ محمد احمد الراشد والشيخ راشد الغنوشي و للأستاذ سيد قطب كتابه الموسوعة [في ظلال القران ]، وما أكثر ما قدمه علماء الإخوان من كتب إلى المكتبة الإسلامية فهي زاخرة بإنتاجهم العلمي والدعوي والتربوي والسياسي والاقتصادي الفذ ، وحين سُئل الإمام البناء : لماذا لا تؤلف الكتب ؟ ، أجاب : أنا أؤلف الرجال الذين يؤلفون الكتب .
والى جانب الكتب هناك الصروح العلمية كالجامعات والكليات والمعاهد و المدارس والحلقات القرآنية . وفي مجال العمل السياسي شارك الإخوان في مصر ودول أخرى في المواسم الانتخابية و كانت لهم بصماتهم الواضحة في الحياة السياسية و في أحيان شاركوا في الحكومات الوطنية في أقطارهم كاليمن والسودان والجزائر وفلسطين . وفي مجال التربية الروحية كان اهتمام الإخوان متواصلاً بالترقي بأفرادهم في مدارج العبودية لله عز وجل ويتبين ذلك من نشاطاتهم التي تستهدف هذا الجانب كالإعتكافات و المبيتات وزيارات المقابر و المواظبة على أذكار الصباح والمساء والورد القرآني اليومي وصيام التطوع ، وفي مجال العمل الخيري الإنساني لا يجادل منصف في الدور الكبير للإخوان أينما حلوا في هذا الجانب ، وفي المجال العمل الجهادي شهدت فلسطين ولا تزال بطولات الإخوان الفذه : الشيخ احمد ياسين ، عبدالعزيز الرنتيسي ومحمود صيام و صلاح شحاذة و في أفغانستان برز في الجهاد ضد الاحتلال الروسي وهناك التمعت قائمة جهادية كبرى هي الشيخ عبدالله عزام ، وشهدت قناة السويس جهاد الإخوان ضد الاحتلال البريطاني في ( حرب الاستنزاف ) ، و في مجال التبليغ لم يدخر الإخوان جهداً لتبليغ دعوة الله إلى الناس بالحكمة والموعظة الحسنة و الجدل بالتي هي أحسن ، وفي كل مجال للإخوان سهم ونصيب
ثانياً : اعتمادها فكرة التنظيم الحركي :
جاء الإمام البناء بفكرة التنظيم الحركي الذي يضم بين جوانحه شباب الدعوة وقياداتها و يؤطرهم بما يضمن استيعاب اكبر وامتن لطاقاتهم و قدراتهم ، لقد شهد العالم الإسلامي من قبل الإمام البناء مشايخ و مفكرين إسلاميين كبار مثل رشيد رضا و محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ولكن فكرهم سرعان ما يذبل وينزوي ، أما البناء فقد جاء بفكرة التنظيم الإسلامي الذي يحفظ على الفكرة حية مُحيية ولو توارى صاحبها الأول ، تؤتي أكلها كل يوم بإذن ربها وتوفيقه وتأييده رغم المحاولات من خصوم الدعوة و أعدائها لوأدها و القضاء عليها سواء في مصر أو تونس أو سوريا أو قطاع غزة وغيرها .
المرحلية والتدرج في الخطوات واحدة من ابرز صفات جماعة وفكرة الإخوان المسلمين التي ميزتها ، والتدرج له مراحل ومستويات متعددة منها المتعلق بأولويات التغيير المجتمعي : تكوين الفرد المسلم و الأسرة المسلمة والمجتمع الإسلامي والخلافة الراشدة ، ومن مستويات التدرج ، التدرج في انجاز مشروع التغيير المنشود الذي يوفر للأمة شروط مجدها و عزتها و أمنها و استرداد كرامتها ، وذلك صدى للحديث النبوي (( ان المنبت لا ارض قطع ولا ظهر أبقى )) فالعجلة دائماً مآلها الفشل والندامة وفي التأني النجاح والسعادة ، وقد قيل (( من استعجل شيء قبل أوانه عوقب بحرمانه )) ، و أثبتت التجارب أنّ سياسة حرق المراحل مصيرها الفشل وضياع الجهود والطاقات
انتشر فكر الإخوان من مصر أم الدنيا إلى أنحاء الدنيا عبر أربعة معابر ، وفكر الإخوان اليوم ومدرسة الإخوان المسلمين تنتشر اليوم في نحو ثمانين دولة في العالم ، والمعابر الأربعة هي :
1ـ إرسال الدعاة من مصر إلى خارجها مثلما أرسل الإمام البناء الأستاذ الفضيل الورتلاني إلى اليمن مطلع أربعينيات القرن المنصرم وكان له تأثير بالغ في قيام أول ثورة ضد الاستبداد الأمامي هي الثورة الدستورية في فبراير من عام 1948م ولكنها فشلت لضعف الوعي الشعبي بها وبأهدافها وبالظرف الذي نشأت فيه .
2ـ إخراج قادة الإخوان ورموزهم من مصر من قبل الأنظمة التي توالت الحكم في مصر .
3ـ الكتب التي ألفها الإخوان المسلمين وانتشرت في بقاع العالم ومنها رسائل الإمام الشهيد حسن البناء .
4 ـ الطلبة الوافدين إلى مصر من مختلف الأقطار العربية والإسلامية وسواها للدراسة بجامعاتها و معاهدها .
بقلم : مرعي حميد
في فبراير تمر بنا ذكرى استشهاد الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ، كان البنا فريداً في إيمانه العميق بربه ، وطموحه وهمته و ذكائه وفكره والتوفيق الذي انعم الله به عليه وعلى الأمة الإسلامية التي مثل لها رائد التغيير المنشود .
لقد خسرت امتنا برحيله ، مغتالاً على أيدي الشر والفساد في الأرض في 12 فبراير 1949 م ، قامة فذة كان لها بفضل الله عز وجل وتوفيقه شرف تربية جيل إسلامي جديد و وضع أسس فكر إسلامي وسطي و تأسيس كبرى الجماعات الإسلامية العاملة في الساحة .
و هذا طرف من شخصية الإمام البنا بهذه المناسبة من خلال ابرز وابر عمل وإسهام له في حياته الحافلة إنّه تأسيس وانشأ جماعة الإخوان المسلمين .
لقد امتازت تلك الجماعة المباركة عن ما سواها من الجماعات الإسلامية السابقة لها تأسيا و اللاحقة بالميزات الثلاث الآتية :
أولاً : أخذها الإسلام بشموله فكراً وممارسة :
فالإسلام جاء لينظم حياة الناس في كل مجالات حياتهم : إعتقادية ، سياسية ، اقتصادية ، عسكرية ، تعليمية ، اجتماعية ، و حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لم يقل لأبي بكر الصديق أو غيره من الصحاب ان يتولوا شؤون إدارة الدولة ويتفرغ هو لتلقي الوحي وتعليم الناس أمور دينهم ، بل كان صلى الله عليه وسلم هو زعيم الدولة في الوقت الذي يتلقى الوحي ويعلم الناس أمور دينهم . وقد جاءت فكرة الفصل بين الدين والسياسة من خارج حدودنا ، من أوروبا التي عانت الأمرين من رجال الدين المسيحي الذي تم تحريفه وأصبح حرباً على البحث العلمي والتطور المعرفي فما كان من رموز التطوير والتحديث إلا ان عزلوا الكنيسة عن أمور الدين كواحد من نتائج النهضة الأوروبية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ، بينما الإسلام هو دين العلم وهو الدين الذي تكفل الله بحفظه من أي تبديل أو تحريف . و جماعة الإخوان المسلمين مثلما آمنت بشمولية الإسلام فكراً فقد آمنت به ممارسة ، فالإخوان كانت لهم ولا تزال ـ ومنذ أيام الإمام المؤسس ـ إسهامات ومحاولات للإسهام في مجال نشر العلم الشرعي عبر علمائهم وفقهائهم وفي المقدمة منهم الشيخ سيد سابق مؤلف كتاب فقه السنة ، و الشيخ محمد الغزالي والشيخ عبدالفتاح أبوغدة والشيخ الدكتور يوسف القرضاوي صاحب أكثر من مئة مُصنف في شتى علوم الشريعة وفنونها والشيخ عبد المجيد الزنداني مؤسس ورئيس جامعة الإيمان اليمنية والشيخ محمد احمد الراشد والشيخ راشد الغنوشي و للأستاذ سيد قطب كتابه الموسوعة [في ظلال القران ]، وما أكثر ما قدمه علماء الإخوان من كتب إلى المكتبة الإسلامية فهي زاخرة بإنتاجهم العلمي والدعوي والتربوي والسياسي والاقتصادي الفذ ، وحين سُئل الإمام البناء : لماذا لا تؤلف الكتب ؟ ، أجاب : أنا أؤلف الرجال الذين يؤلفون الكتب .
والى جانب الكتب هناك الصروح العلمية كالجامعات والكليات والمعاهد و المدارس والحلقات القرآنية . وفي مجال العمل السياسي شارك الإخوان في مصر ودول أخرى في المواسم الانتخابية و كانت لهم بصماتهم الواضحة في الحياة السياسية و في أحيان شاركوا في الحكومات الوطنية في أقطارهم كاليمن والسودان والجزائر وفلسطين . وفي مجال التربية الروحية كان اهتمام الإخوان متواصلاً بالترقي بأفرادهم في مدارج العبودية لله عز وجل ويتبين ذلك من نشاطاتهم التي تستهدف هذا الجانب كالإعتكافات و المبيتات وزيارات المقابر و المواظبة على أذكار الصباح والمساء والورد القرآني اليومي وصيام التطوع ، وفي مجال العمل الخيري الإنساني لا يجادل منصف في الدور الكبير للإخوان أينما حلوا في هذا الجانب ، وفي المجال العمل الجهادي شهدت فلسطين ولا تزال بطولات الإخوان الفذه : الشيخ احمد ياسين ، عبدالعزيز الرنتيسي ومحمود صيام و صلاح شحاذة و في أفغانستان برز في الجهاد ضد الاحتلال الروسي وهناك التمعت قائمة جهادية كبرى هي الشيخ عبدالله عزام ، وشهدت قناة السويس جهاد الإخوان ضد الاحتلال البريطاني في ( حرب الاستنزاف ) ، و في مجال التبليغ لم يدخر الإخوان جهداً لتبليغ دعوة الله إلى الناس بالحكمة والموعظة الحسنة و الجدل بالتي هي أحسن ، وفي كل مجال للإخوان سهم ونصيب
ثانياً : اعتمادها فكرة التنظيم الحركي :
جاء الإمام البناء بفكرة التنظيم الحركي الذي يضم بين جوانحه شباب الدعوة وقياداتها و يؤطرهم بما يضمن استيعاب اكبر وامتن لطاقاتهم و قدراتهم ، لقد شهد العالم الإسلامي من قبل الإمام البناء مشايخ و مفكرين إسلاميين كبار مثل رشيد رضا و محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ولكن فكرهم سرعان ما يذبل وينزوي ، أما البناء فقد جاء بفكرة التنظيم الإسلامي الذي يحفظ على الفكرة حية مُحيية ولو توارى صاحبها الأول ، تؤتي أكلها كل يوم بإذن ربها وتوفيقه وتأييده رغم المحاولات من خصوم الدعوة و أعدائها لوأدها و القضاء عليها سواء في مصر أو تونس أو سوريا أو قطاع غزة وغيرها .
المرحلية والتدرج في الخطوات واحدة من ابرز صفات جماعة وفكرة الإخوان المسلمين التي ميزتها ، والتدرج له مراحل ومستويات متعددة منها المتعلق بأولويات التغيير المجتمعي : تكوين الفرد المسلم و الأسرة المسلمة والمجتمع الإسلامي والخلافة الراشدة ، ومن مستويات التدرج ، التدرج في انجاز مشروع التغيير المنشود الذي يوفر للأمة شروط مجدها و عزتها و أمنها و استرداد كرامتها ، وذلك صدى للحديث النبوي (( ان المنبت لا ارض قطع ولا ظهر أبقى )) فالعجلة دائماً مآلها الفشل والندامة وفي التأني النجاح والسعادة ، وقد قيل (( من استعجل شيء قبل أوانه عوقب بحرمانه )) ، و أثبتت التجارب أنّ سياسة حرق المراحل مصيرها الفشل وضياع الجهود والطاقات
انتشر فكر الإخوان من مصر أم الدنيا إلى أنحاء الدنيا عبر أربعة معابر ، وفكر الإخوان اليوم ومدرسة الإخوان المسلمين تنتشر اليوم في نحو ثمانين دولة في العالم ، والمعابر الأربعة هي :
1ـ إرسال الدعاة من مصر إلى خارجها مثلما أرسل الإمام البناء الأستاذ الفضيل الورتلاني إلى اليمن مطلع أربعينيات القرن المنصرم وكان له تأثير بالغ في قيام أول ثورة ضد الاستبداد الأمامي هي الثورة الدستورية في فبراير من عام 1948م ولكنها فشلت لضعف الوعي الشعبي بها وبأهدافها وبالظرف الذي نشأت فيه .
2ـ إخراج قادة الإخوان ورموزهم من مصر من قبل الأنظمة التي توالت الحكم في مصر .
3ـ الكتب التي ألفها الإخوان المسلمين وانتشرت في بقاع العالم ومنها رسائل الإمام الشهيد حسن البناء .
4 ـ الطلبة الوافدين إلى مصر من مختلف الأقطار العربية والإسلامية وسواها للدراسة بجامعاتها و معاهدها .
تونس .. الثورة التحررية
تونس المدرسة التحررية
بقلم : مرعي حميد
أراد زين العابدين بن علي ، وأراد حلفائه في الغرب ، من تونس مدرسة للتحرر من القيم والفضائل ، مدرسة لاستضعاف التدين والمتدينين ، حمل وديع ، مطيع ، منقاد ، لرغبات المعسكر الغربي ، ولكن أراد الله ، ثم أراد الشعب التونسي ، شيئاً آخراً ، فهاهي تونس اليوم مدرسة ، تأصلت فيها ، وتُشيع أجواء التحرر وقيم الاستمساك بقيم الانتصار من الظلمة ونُصرة الحق ، مدرسة تحررية للإنعتاق من نير الاستبداد والطغيان والتفسخ والارتزاق المستبيح لمقدرات الأمة لصالح القلة المتأصل الإجرام في ضميرها وعقلها ، و مع تلك الثورة التحررية المستمرة في العنفوان ، هذه الوقفات والتأملات :
الأولى : عظيمة يا تونس عظيمة :
كم أنت عظيمة يا تونس ، كم أنت بديعة يا تونس ، أعظم بك شعب تونس ، شعب الإباء والشمم ، شعب الصمود والتصدي اليومي في وجه الطغيان وأذياله و أذنابه المرعوبة ومحاولاتهم للالتفاف على الثورة ، لقد ضربتم للشعوب العربية اكبر نموذج في النضال السلمي لإسقاط الجبابرة المعاصرين وكنس مخلفاتهم إلى مزبلة التاريخ ، لقد أنجز ذاك الشعب العربي العظيم ثورة تُضاهي الثورة الفرنسية الشهيرة صاحبة الكلمات الثلاث (الحرية ، العدالة ، المساواة ) لقد (( أحدثت الثورة الفرنسية تغييرات كبيرة في المجتمع الغربي بشكلٍ عام وفي نظام الحكم الفرنسي بشكل خاص. وكانت لها آثار بعيدة المدى على بقية أوروبا أيضًا. وقد أدخلت الثورة الفرنسية المُثُل الديمقراطية إلى فرنسا لكنها لم تجعل الدولة ديمقراطية. ومع ذلك فقد أنهت الحكم المطلق للملوك الفرنسيين، وجعلت الطبقة المتوسطة قوية. وبعد قيام الثورة ما كان لأحد من ملوك أوروبا أو نبلائها أو أي جماعة مميزة أخرى، أن تنظر إلى سلطاتها كشيء مطلق أو أن تتجاهل مُثُل الحرية والمساواة.)) هكذا كتبت الموسوعة العربية العالمية وهي تعرّف بتلك الثورة ، وإذا كانت الثورة الفرنسية نبراس الغرب ونموذجه الذي احتذاه ، فلتكن الثورة التونسية نبراس الشرق ونموذجه المُحتذى المتألق .
والمطلوب اليوم من الشعب التونسي وقواه الحية ، ونحن بتاريخ 21/1/2011 ، هو الإصرار على إبعاد من بقي من العهد البائد عن منصة الحكم وإسقاط الحكومة المُعلنة و إرغام الوزير الأول على الاستقالة لإعماله و خطواته العملية ، هو ورفاقه من العهد البائد ، المثيرة للشك والريبة ، والمؤكدة استمساكهم بزمام السلطة ليكونوا هم من يقتطف ثمرة الثورة لا الشعب الذي صنعها ، مع الحفاظ على قائد جيش البر رشيد بن عمار إن استمر في تحييد الجيش ، وترك لبقية أوراق بن علي تتساقط و تتحاتت كورق الخريف ، مع وقوفه مع الشعب ان لزم الأمر، وله شرف كبير في ما مضى ، وينتظره ما بقي من دور وطني يُعلي كلمة بني وطنه المُفدى ، و المطلوب ـ وبدون تأخيرـ تكوين حكومة وحدة وطنية تضم كل ألوان الطيف الفكري والسياسي والنقابي التونسي وبرئاسة شخصية محايدة لها رصيدها ومواقفها النضالية ، وتتولى الحكومة مباشرة رفع العمل بالدستور الراهن وتمضي سريعاً إلى تشكيل جمعية تأسيسية من كل ألوان الطيف تضع مشروع دستور جديد لتونس ، وتعرضه للشعب في استفتاء عام تتولى إدارته لجنة للانتخابات والاستفتاء محايدة و وفق قانون مؤقت للانتخابات والاستفتاء جديد يعتمد نظام القائمة النسبية ، مع نسبة من مقاعد البرلمان للمستقلين ، من بعده تُجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وبصورة متزامنة وبمشاركة كل من يرغب من ألوان الطيف ، وفي ظل رقابة دولية ، فيضمن الشعب التونسي النجاح التام والمؤزر والنهائي للثورة التونسية ، مُلهمة الشعوب العربية في كل مكان عشعش فيه الطغيان وفرّخ .
الثانية : للعزة ثمن :
78 شهيد أو أكثر تصدوا بصدورهم العارية ـ إلا من إصرارهم المتين على اقتلاع الدكتاتور والديكتاتورية ـ لرصاص قوات الأمن التي حاولت الاستماتة للحفاظ على حكم الطاغية ، شهداء أبرار قدمتهم تونس لتتفلت من استبداد وطغيان بن علي ، و بعض اضطرابات و آلام رافقت الثورة ، وأضرار طالت الكثير من الممتلكات على يد عصابات بن علي بعد فراره بجلده ، وفي ذلك الجو حاول البعض النيل من ثورة الشعب التونسي وتخويفه من عواقب ثورته والهشاشة المتوقعة لثمرتها و تخويفهم بمصير كمصير العراق بعد إسقاط صدام حسين ونظامه ، متناسين الفرق الكبير بين سقوط وسقوط ، سقوط على يد أعداء الشعب ، الطامعين في ثروته وأرضه ، وسقوط على يد الشعب صاحب المصلحة في السلطة والثروة ، إنه (( لابد للميلاد من مخاض ولابد للمخاض من آلام )) كما قال المفكر الإسلامي العملاق سيد قطب ، وهذا ما كان في تونس ذات الفجر التحرري الوليد ، و كما قال سيد كذلك أنّ (( للعزة ضريبة ،ولكن ضريبة الذل أفدح )) .
الثالثة : إنجلى ليل بن علي و ولّت ليلاه :
أيقونة غدا بيت أبو القاسم ألشابي (( إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد ان يستقيم القدر )) ، و مع هذا فإنا لو ذهبنا للبيت الذي يليه لوجدنا معناً إضافياً يخص ثورة شعبه الجبار : (( ولابد لليل ان ينجلي ولابد للقيد ان ينكسر )) فقد انجلى عن تونس ليلها الأليلِِ ، ليل الطاغية بن علي ، بصبح وما الإصباح منه بأمثل ـ على حد تعبير امرؤ القيس ، ومع بن علي فرت ليلاه ( ليلى بن علي ) ، الكوافيرة السابقة ، القرين المتبجح بطغيان قرينه ، لقد جاء بن علي إلى السلطة بعد انقلاب ابيض على زعيمه الحبيب بورقيبة ، فتظاهر بالمسكنة و(( إعادة الاعتبار للهوية العربية الإسلامية لتونس)) و (( دولة القانون والمؤسسات ، سيادة الشعب ، المصالحة الوطنية ، احترام الحريات الأساسية ، التعددية ، العدالة الاجتماعية )) ـ كما جاء في (( بيان السابع من نوفمبر)) غداة وصوله للسلطة ، ولكن سرعان ما تبدل الحمل ذئب ، والقط الوديع ظاهراً ثعلباً ماكراً يُجيدُ فن النصب على شعبه ، ويوهمهم بالرفع ، سرعان ما قلب للشعب التونسي وقواه الحية ظهر المجن وفصّل لنفسه دستوراً على مقاسه ، فانشأ دكتاتورية كالحة من طراز فريد وألبسها لبوس الديمقراطية البيضاء والحرية الحمراء . ولم يكن بن علي رئيساً غشوماً لتونس فقط ، ولكنه كان إمبراطوراً لإمبراطورية بن علي وآلـ الطرابلسي المالية التي كونها وزوجته وأصهاره من مال الشعب التونسي ومُقدراته ، مُعتقداً أنّه في مأمن من الشعب و وعيه وغضبته ، و البغيُ مرتعه وخيم ، والطغيان لا يبقى ولا يدوم لأنه باطل ، وسُنة الله تعالى في الباطل أن يزهق ويتلاشى وتتبخر سنيه و تتصرم لياليه الحوالك
ليلْ كأنَّ نجومهُ ×× ×××× بكل مغار الفتل شُدت بيذبلِ
كأن الثريا عُلِّقت في مصامها×× بأمْراسِ كتّانٍ إلى صُمّ جَندَلِ
كما قال امرؤ القيس في معلقته ، لتشرق على الناس شمس الحق والخير والحرية .
وهكذا (( الدكتاتوريون يذهبون في النهاية . دائما يهربون من اجل حياتهم مثل شاوشيسكو في رومانيا )) وهذا الكلام الجميل ، العجيب فيه والمدهش والمثير في آن أنّه للمخلوع زين العابدين بن علي نفسه وقاله في حوار مع مدير وكالة ( يونايتد برس انترناشيونال ) وأعادت نشر أجزاء منه جريدة المستقلة اللندنية العدد 3474ـ 12/7/2000م ، لقد فعلها بن علي فأراً فارّاً من نقمة بني وطنه ، فعلها كما فعلها من قبله شاه إيران وهيلاسيلاسى إمبراطور الحبشة ومحمد البدر إمام اليمن ، و الصومالي سياد بري ، وكما سيفعلها طغاة دكتاتوريين سيلحقون بهم إلى مزبلة التاريخ .
الرابعة : لندعو لصاعق الثورة :
حوّل الشاب محمد البوعزيزي جسده إلى صاعق ، وهو لم يدر بخلده أن يكون كذلك ، صاعق لقنبلة الغضب التونسي المحبوس في قمقمه ، و موقف الشرع الحكيم من هكذا عمل وتصرف معلوم ، ولكن علينا كأمة عربية إسلامية مؤمنة وجدت في هذا الشاب الجامعي ، بائع الخضار على عربته ، الذي تعرضت له شرطية بالضرب على وجهه ـ شُلت يديها ورجليها ولا أراها الله سرورا في حياتها ما عاشت وجزاها ما تستحق على دناءتها وخستها ـ فوجد نفسه محترقاً احتجاجاً منه على فعل ووضع مزرٍ لم تحتمل كرامته معهما عيش ، علينا نحن العرب الذين وجدناه صاعقاً فجر قنبلة الغضب الشعبي العارم في تونس الأبية لتضرب لنا أروع نموذج معاصر نحن أحوج ما نكون إليه في الثورة والتثوير الذي يعصف بالجبابرة المعتقدين في ذواتهم البقاء متسلطين جاثمين على أعناق شعوبهم ، لا بل ويورثون استبدادهم وتسلطهم لإقربائهم ، علينا كأمة عربية إسلامية أن لا ننسى أن نبتهل إلى الله عز وجل في صلاتنا سجوداً خصوصاً ، وفي غيرها ان ندعو لمحمد البوعزيزي بالرحمة والمغفرة وان يصفح الله عنه ويتجاوز عنه ونتوسل إليه جل جلاله الرحيم الودود من اجل ذلك ، وهذا اكبر عرفان ممكن نقدمه للشاب التونسي عزيز النفس محمد البوعزيزي ، وليكفل الموسرين في العالم العربي أسرته المكلومة أو لتفعلها الحكومة التونسية ، وفي المقابل فانه شرعاً لايجوز ولا ينبغي لإي عربي أن يقدم من بعده على فعل كفعله فهو كان بجسده الصاعق لقنبلة الشعب التونسي و كفى بها وحدها صاعقاً يفجّر كل الشعوب العربية الواقعة تحت عسف الطغاة وأذنابها ، ومثال شعوبنا وتونس و البوعزيزي من دنيا العلوم قنبلة هيدروجينية صاعقها قنبلة نووية وصاعقها فتيل بداخلها ، البوعزيزي صيّر جسده الفتيل والشعب التونسي القنبلة النووية ولنكن نحن الشعوب العربية القنبلة الهيدروجينية .
الخامسة : فجر جديد لحركة النهضة :
في 22 ديسمبر عام 1990م ، وبعد سنتين من المراوغة البنعليه ، بدأت وفي كامل التراب التونسي الاعتقالات والمداهمات لرجال ونساء حركة النهضة الإسلامية المنتمية ، وبقيادة المفكر الإسلامي البارز راشد الغنوشي ، إلى مدرسة الإخوان المسلمين و في 4 يناير صادرت مجلة الفجر لسان حال النهضة ، و خرج زعيمها راشد الغنوشي من تونس عام 1990 واستقر في الجزائر ، وبضغط من بن علي على السلطات التونسية انتقل في يونيو 1991الى السودان ، ويحدث نفس الأمر فيخرج منها إلى لندن ، وهناك منحته الحكومة البريطانية حق اللجوء السياسي ، وحين طالب به بن علي نصحته بريطانيا ان لا يتدخل في شؤونها الداخلية . وحكمت محكمة الطاغية بالسجن بالمؤبد حضورياً على 25 شخص في مقدمتهم صادق شورو أمير حركة النهضة المنتخب في مؤتمر 1988م ، وحكمت بالمؤبد غيابياً على تسعة من قيادات النهضة وفي مقدمتهم راشد الغنوشي و الدكتور صالح كركر ، وابتكرت السلطة المستبدة أبشع وسائل التعذيب ، وذلك كله لاستئصال هذه الحركة التي حصدت في عام 1998 أصوات للناخبين لم يرضها بن علي وحزبه و أعلن فقط حصول المستقلين ـ المرشحين المدعومين منها إذ لم يسمح لها بالمشاركة باسمها ـ على 18% من الأصوات ، رغم التزوير وتسخير إمكانيات الدولة لحزب الحاكم ، ليس هذا فحسب بل كان للنهضة الحضور الحقيقي في المنافسة مع حزب بن علي حيث أعلن الديكتاتور حصول الأحزاب الستة المشاركة على 2% من الأصوات .
ومُنع الحجاب في الإدارات والمدارس والمستشفيات و تم اعتقال عشرات النساء الإسلاميات وتعذيبهنّ و إهانتهنّ ، وقد قال بن علي لوكالة اليونايتد برس مادحاً ما يصنع ومتبجحاً واصفاً للمجتمع التونسي في ظله (( مجتمع حديث متحول حيث الحجاب ممنوع في مكاتب الدولة حيث تتبوأ النساء 20في المئة من المناصب البلدية و منصبين وزاريين )) ، لقد جرّد بن علي حرب شعواء ضد النهضة ، وهاهو بن علي يسقط من عليائه المزعوم ويهرب من وجه شعبه ليذوق منذ الآن مرارات كان يحاول تجريعها لغيره ، تخنقه حسرته على مجده الآفل وعزه المكين وعربدة كان يتفنن فيها ، وفي الوقت نفسه تعود البلابل المهجّرة إلى أعشاشها وأوطانها ، يُطل فجر جديد على تونس تحتضن فيه رجال النهضة ونسائها مُعززين مُقدرين مُحترمين يرفلون في ثياب الحرية التي حرمهم منها الطاغية الذي طالما عربد في تونس وضن أنه مانعته حصونه وقصوره من غضبة الجبار المنتقم ، و من ثم غضبة الشعب التونسي الأبي ، وهاهو في جدة أو أينما حل مع من بقي من حاشيته مطاردين من غضبة الشعب التي لن تتوقف حتى يٌقتص من بن علي وزوجته ورجال عهده البائد الذين أوغلوا في دماء وأعراض وأموال وممتلكات الشعب التونسي . و لقد آن للإسلاميين في تونس وفي كل الدنيا ان يغادروا عزوفهم عن السلطة والهروب منها وتركها لغيرهم ، فيحل الفساد والاستبداد ثم يعودوا ليكتووا بنيرانه من جديد ، وهكذا دواليك ، إنّ على الإسلاميين في كل العالم ان يسعوا وعبر النضال السلمي الدءوب ليكون لهم نصيبهم المقدر المؤثر الحاسم من السلطة ليس ذلك لسواد عيون السلطة ، تباً لها من ضجيعة ، ولكنها وسيلة لابد منها لتحقيق الغايات النبيلة للإسلاميين ولشعوبهم المغلوبة على أمرها ، ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فإنّ حرص الإسلاميين على ذلك القدر من السلطة ـ على الأقل ـ هو أمر يوجبه الشرع ، ولتكن للإسلاميين قدوة في تركيا وفلسطين المحتلة .
الخامسة : الجزيرة صوت الحق المُزلزل :
مع كل إطلالة شمس تكبر قناة الجزيرة الإخبارية والجزيرة مباشر في قلوب وأعين العرب الشرفاء ، ومعها تكبر محبة الرئيس القطري صاحب الأيادي البيضاء التي يشهد لها كل مُنصف ، الجزيرة كانت المؤازر الإعلامي الأول إلى جانب الشعب التونسي وهو يثور على جلاديه ، مأثرة أضافتها الجزيرة إلى سجلها الناصع وهي تواكب ثورة الشعب التونسي ولا تزال ، كم كانت الجزيرة رائعة جسورة وهي تنقل وعلى الهواء مباشرة توجيهات الرموز الحرة للشعب التونسي حتى يواصل ثورته ليجني ثمرتها الحلوة المفعمة بنشوة النصر المظفر والمجد المؤثل . كان الطاغية بن علي يرهب الجزيرة وهو لازال على عرشه وغارق في قصوره و مروجه التي يبكي عليها دماً اليوم وهو يحاكي فأر، جرذ ،مرعوب ، قابع في جحره . قال عنها في حوار مع مدير وكالة ( يونايتد برس انترناشيونال ) : (( إنها لغز . فهناك عدة أصوليين يعملون في هذه الشبكة ولا يمكن ان يكونوا سعداء بالطريقة التي كافحنا بها التطرف الأصولي في تونس ، آخرون يقولون أنها مسخّرة من الموساد . وآخرون يرون ان وكالة المخابرات المركزية (سي أي أي ) تحاول تسريع الأنظمة الإقطاعية في الخليج . وفريق آخر يقول أنها قطر الصغيرة تستعرض عضلاتها ولا احد يعرف حقا )) المستقلة العدد 3474 ـ 12/7/2000م .
لقد جمعت هذه ( الجزيرة ) بين أحضانها الدافئة ، ولأول مرة ـ بعد اندحار الطاغية الدكتاتور ـ وفي تونس المحررة ـ جمعت أطياف المشهد السياسي التونسي في ندوة مركز الجزيرة للدراسات : [ تونس ..الثورة ورؤى المستقبل ] لتدخل الجزيرة مباشرة على ساحة الفعل بعد ان أتقنت نقل الفعل والرأي والتوجيه والتفاعل وبصورة فاعلة ، وهي بتنظيم تلك الندوة عملت احد المطاليب العاجلة على الساحة التونسية بعد الثورة الظافرة المجيدة .
لقد كانت الجزيرة في طليعة وصدارة المنابر الإعلامية المقاتلة لنجاح و إنجاح ثورة تونس ، وقد التحق بهذا الركب الإعلامي المناصر والمؤازر للثورة التونسية منابر أخر اقل شهرة ، مثل قناة الحوار وقناة المستقلة و جريدة القدس العربي .
السادسة : إعلام في ركاب الطغاة :
حين عدت إلى إرشيفي الشخصي وجدت كم كانت بعض المنابر الإعلامية وقود للطغاة ان يواصلوا مشوار طغيانهم ، وجدت مجلات تصقل وجوه الطاغية المستبد بن علي وفي المقدمة مجلة الرجل اليوم الإماراتية و مجلة الرجل السعودية ، وحوادث الراحل كرم مُلحم كرم ، وجدتها تُقدس المدنس وتقدمه للآخرين أن يقدسوه ، مجلة الرجل اليوم كان غلافها صورة بن علي المفضلة لديه قابضاً على يديه وكأنه يشير إلى أنّ شعبه في قبضته فلا خوف ولا وجل وهو من هيأ سُبل فرارة من أول يوم وصوله إلى الحكم [ العدد 21 ـ 1/3/2006م ] صوفية الهمامي أسمت الباغي الذي دارت عليه الدوائر : (( ابن الشعب )) الذي (( ما انفك يصغي باستمرار إلى مشاغل كل فئات المجتمع وشرائحه )) و (( شرّع بن علي أبواب الحريات والديمقراطية وتوفق بفضل التفاف الشعب حوله بكافة شرائحه وحساسياته السياسية والفكرية في تأسيس مناخ من الوفاق الوطني )) وكتب أنيس الجمالي في مجلة الرجل [العدد 89 ـ فبراير 2000م ] عن بن علي (( يكره الأبهة و يحرص على الفصل بين حياته الخاصة ومهامه على رأس الدولة )) وكأنه عمر بن عبدالعزيز الذي يُطفئ شمع المسلمين حين ينتهي من النظر إلى مصالحهم . وتقرأ في مجلة الحوادث اللبنانية العجب : عنوان )) بن علي في شهادات دولية لا تعرف المجاملة : حاكم صادق ..إرادة الانجاز حاضرة في كل تصرفاته )) [ العدد 2565 30/12/2005 ] ، عنوان (( إشعاع عالمي متجدد لمقاربات بن علي الإنسانية )) [ العدد 2691 30/5/2008] ، عنوان : (( إنسانية بن علي تشع عالميا )) [ العدد 2410 10/1/2003] ، عنوان : (( إصلاحات بن علي تعزز مصداقية بلاده في الخارج )) طبعاً هو الصحيح إصلاحات بن علي تعزز مصداقية بن علي في الخارج ، أما الداخل فسيادة (الزين ) لا قيمة عنده لشهادته [ العدد 2399 25/ 10/2002 ] ، ولم يخلو عدد من الحوادث من عنوان تُحفه عن تونس ورئيسها لتقرير يكتبه مراسلها في تونس زهير القمبري أو [ ز.ق] .
وبُعيد إعلان الثورة التونسية تلعثم إعلام الطغاة واحتار في ألفاظه ومصطلحاته لنشر أحداث تونس بالرغم ان الطريق السهل عند البعض كان في الصمت المطبق على ما يحدث بالرغم أنّ الخبر تصدر الصحف والنشرات والبرامج اليومية التلفزيونية في العالم وسمعه وشاهده ويسمعه ويشاهده ، وحذفت القناة اليمنية ـ كما قيل لي ـ شريط الأخبار من على الشاشة .
السابعة : تونس أولاً :
كل زعيم دولة عربية قدم (رشا) جماعية لمواطنيه من خلال مُكرمات الثورة التونسية فان هذا هو علامة ضعف كبير وخور هائل لذلك الزعيم وإدراك منه أنّ شعبه إن ثار فلن يملك إيقافه ، والجدير بالشعوب أن تأبى الرضوخ والاستكانة وقد بدر من ناهبي خيراتها ما بدر من ضعف وهلع ، وأن تستغل الفرصة وتتلقف إشارة الضعف وتعلنها ثورة عربية مضافة إلى الانجاز التونسي في قائمة الحركة التحررية العربية من نير طغيان الحكام كإضافة مهمة و راقية للتحرر من الاستعمار العسكري الأجنبي المباشر والسيطرة السياسية عبر صنائعه .
المؤكد أنّ الطغاة اليوم ترتجف قلوبهم وترتعش أوصالهم لما يشاهدون ويسمعون طاغية زميل يسقط ، واستبداد شقيق ينقشع ، وليتني ادري كم استغرق الزعماء العرب وهم يتدارسون الدرس الجزائري وهم يجتمعون في شرم الشيخ في القمة الاقتصادية الثانية ، وليتني ادري ماذا دار بينهم ، ولعل تلك القمة جاءت في وقت هم أحوج ما يكونون لمثلها ، وازعم أنهم انقسموا إلى فريقين : فريق يدعو للاستفادة من الدرس ، وفريق خائف منه مرتبك وجل ان تصل كرسيه نيران الثورة ويسير شعبه في هدى نورها الوضاء و سناء برقها الساري في ليل الحيارى ، لاشك أنّ قليل الحكام العرب لا يخشون شيئاً وهم الحكام الذين جهدوا وجاهدوا ليوفروا لشعوبهم أقصى ما يستطيعون من كرامة وعزة وتنمية وحرية نراها ونسمعها في قطر والسودان وسوريا ، و لنفرض جدلاً أنّ بن علي قد وفر لشعبه مستوى اقتصادي ممتاز ـ كما أدمنت الحديث في هذا منابر إعلامية عديدة ـ إذن لماذا ثار الشعب ؟ ثار بسبب البطالة 13% ، والكبت الهائل وحرمان الحريات ، ولاستخذى تونس وإذلالها وتحويل بعض بقاعها إلى ماخور ليُنسي شعبها كل قيم الإيمان والكرامة ، ويعيشها في نعيم وهمي ، والعديد من الدول العربية تعاني الأمرين من كرامة لأوطانهم مُهدرة مسفوحة ، واستبداد و تسلط ينظر إلى الشعب أنهم مجرد حملان في حظيرة لا يهما سوى بطونها وفروجها و(( ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان )) ، صحيح قد لا يتطابق الحال مع تونس ، ولكن هناك قواسم مشتركة عديدة أهمها غياب الديمقراطية ومصادرة حق الشعب في التحكم بثروة بلاده التي يعيش فيها وينتسب ، منذ الميلاد وحتى الرحيل إلى دار البقاء . لقد كانت الثورة التونسية بمثابة الإعلان أننا نحن الشعوب العربية نستطيع التخلص من الحكام المستبدين ان جمعنا كلمتنا معاً ضدهم لا كأشخاص ولكن كمستبدين وناهبي خيرات أوطاننا ، وإنه آن لنا ان نثور ونقتلع هذا الطغيان المدعوم من الغرب الذي يحافظ على امتنا العربية والإسلامية مهانة لا كرامة لها ، تعيش ولكن بروح مهزومة داخلياً ، امة خانعة يائسة من التخلص من واقعها المزري وحالها الأسيف ، امة مهيضة الجناح مستباحة الدماء والكرامة والثروات ، امة استمرأت الذل والخنوع ، وآن لمواطن عربي ثان وثالث ورابع أن يخرجوا في شوارع عواصم عربية يرددون كما ردد المحامي التونسي عبدالناصر العويني : (( الشعب الفلاني حر ، الشعب ....ما يموتش ، يا..... معاد فيش خوف، المجرم هرب ، فلان هرب ، فلان هرب ، يا شعبنا يا عظيم ، يا شعبنا يا كبير اتحررنا و .....هرب ، يا شعبنا خلاص تحررنا ، تحيا الحرية ، والمجد للشهداء ))
الثامنة : تونس و اليمن :
هناك ثلاثة قواسم مشتركة بين وضعنا في اليمن والوضع التونسي : أولاً : حكم استبدادي ، ثانياً : حكم فاسد ، ثالثاً : بطالة ، ولكن هناك ثلاثة اختلافات جوهرية :
الشعب التونسي شعب متعلم الأمية فيه اقل من 2% ونحن غير ، شعب امتلكت نسبة كبيرة منه زمام التكنولوجيا والتوصيل والتواصل عبر الانترنت ، حولوا تونس إلى ساحة فعل ثوري هذا أولاً ، وثانياً الشعب التونسي شعب كبته بن علي طويلاً ماعدا أحزاب وهمية مصنوعة على عين الطاغية المستبد ونقابات مُفرّغة من المضمون الجدير بها ، فصار الشعب كالقدر الذي يغلي وممنوع بخاره من التسرب فيصبح قنبلة قابلة للانفجار كلما تطاول الكبت ، ونحن لدينا قدر من التنفيس من خلال الانتخابات على ديكوريتها وحرية في التعبير والتظاهر وتكوين الأحزاب والنقابات و مؤسسات المجتمع المدني عموماً مع بعض مضايقة وقمع وشق مدعوم ومحمي من السلطة . وثالثاً بن علي بإعلانه الأحمق الحرب على (الأصولية ) ومسعاه إلى (تجفيف منابع التدين ) إنما كان يعلن الحرب على الله تعالى ، لقد منع كل مظاهر التدين باستثناء إمكانية الصلاة في مسجد تحدده لك وزارة الداخلية و ببطاقة محدد فيها اسم المسجد ، منع المكتبات من بيع الكتاب الإسلامي بما في ذلك كتاب الله المجيد القران الكريم ، ومنع الحجاب ، و اعتقل من حركة النهضة الإسلامية أكثر من 30 ألف رجل وامرأة وسامهم سؤ العذاب وقتل بعضهم تحت التعذيب ، وفي المقابل شجع بن علي على التفسخ والعري والفساد الأخلاقي ، أما في اليمن فلم يعلن الحاكم حرب كهذه ، وعلينا ان نكون منصفين مع الآخرين مثلما نحب ان يكونوا منصفين معنا ، لدينا الكلية العليا للقران الكريم وفروعها وجامعة الإيمان وفروعها و المساجد مفتوحة للصلاة ولتعلم كتاب الله و الخطابة والدرس والحديث إلى عموم المصلين ؛ لا بل للرئيس جوائز خاصة لحفظة القران الكريم من المدنيين والعسكريين . وقد كانت حرب بن علي تلك، كما اعتقد والله اعلم ، سبب لنقمة الله على هذا الطاغية الأرعن واجتثاث حكمه واقتلاع مجده الزائف من ارض تونس بهذه السرعة التي لم تكن تتوقعها حتى دوائر حكومية غربية راسخة في التنبؤ وقياس نبض الشعوب .
التاسعة : التجمع الدستوري و المؤتمر الشعبي :
(( نريد حكومة شفافة بدون حزب سرّاق )) هكذا كُتب على احد اللافتات التي رفعها الشعب التونسي بعد هروب بن علي ، وبني وطني يعتقدون أنّ عندنا حزب مشابه ، بل مقر لجنته الدائمة في حي الحصبة الطويل العريض يقع في هذه الدائرة ، وهذا شوقي طبيب محامي تونسي يُعدد لبرنامج ما وراء الخبر ، مساء الخميس 20 /1/2011م على قناة الجزيرة ، صفات التجمع الدستوري الحاكم سابقاً في تونس : كان آلة للتصفيق والتجمعات ، معظم أعضاءه إلـ 2,4 مليون [ مصفق ] انضموا إليه رغباً أو رهباً , لم يكن له إسهام في الحياة السياسية ، ذهابه لن يترك فراغاً سياسياً ، كان عبارة عن عصابة مافيا ، ولديه 15 ألف متفرغ من موظفي الجهاز الإداري للدولة التونسية يصرف عليهم من خزائن الشعب ، لو تأملنا هذا ، وعقدنا بين هذه الصفات وبين صفات الحزب الحاكم في اليمن ـ المؤتمر الشعبي ـ ماذا سنجد ؟ هذا السؤال ، ومنكم الإجابة .
العاشرة : اليمن والدرس التونسي البليغ :
على اللقاء المشترك أن يرفض كل ما يقدمه المؤتمر الشعبي من تنازلات بعد الدرس التونسي ، وأن يوصّل للسلطة رسالة واضحة أن : يا سلطة لنتحاكم إلى الشعب ليقول كلمة الفصل ، والشعب فقط وفقط ، ولتكوني على أتم الاستعداد أيتها السلطة المعلومة الفساد والاستبداد للهزيمة في انتخابات قادمة بعد إدخال التعديلات اللازمة على قانون الانتخابات والدستور بما يخدم مصلحة الشعب وليس الجاثمين على صدره ، إما هذا أيتها السلطة ، وإما ان ندعك والشعب يقرر فيك قراره مادام إصرارك على الغرور الأجوف والاستكبار الأرعن و الاستمساك بسلطة استبحت بها مقدرات الشعب وخيراته . إن على اللقاء المشترك ان يشرع تواً في إعداد مشروع دستور جديد لليمن يليق بشعبه وتاريخه المجيد ، دستور يُفصّل على مقياس الشعب لا على مقياس (الصالح ) الذي يلهث ليُخرج و يُنتج ويُنجز [ دستور الصالح ] ، مثلما أنتج وأنجز : مؤسسة الصالح و جامع الصالح ، وحرس الصالح غير المُعلن ، و مدائن الصالح ، ومشروع الصالح ، وغيرها . وكأني بأبيات أبي الأحرار محمد محمود الزبيري بالأمس قد كُتبت :
روح الإمامـة تجـري فــي مشاعـرهـم
وإن تـغـيــرت الأشــكـــال والأُسُـــــسُ
كفـى خـداعـا فعـيـن الشـعـب صاخـبـة
والناس قد سئموا الرؤيـا وقـد يئسـوا
وانـــتـــمُ طــبــعــة لـلـظــلــم ثــانــيــة
تـداركـت كــل مـا قـد أهـمـلـوا ونـســوا
وأنّ صـــوت الـخــراب الـفــظ أغـنـيـة
تــرتــاح أنـفـسـكـم مـنـهــا وتـأتـنــسُ
قانونـكـم لاغتـصـاب الشـعـب مهـزلـة
كـنــزهــة لإمـــــامٍ مــســـه الــهـــوسُ
والحـكـم بالـغـصـب رجـعــي نـقـاومـه
حـتـى ولــو لـبـس الـحـكـام ما لـبـسـوا
والـظـلــم يـُلـعـنـه الـقـانــون نـفـهـمـه
ظلمـا وإن زينـوا الألـفـاظ واحتـرسـوا
يـلـفـقــون قـوانــيــن الـعـبــيــد لـــنـــا
ونـحــن شـعــب أبـــي مـــارد شـــرس
كما أنّ على المشترك ان يسارع إلى تقديم مشروع قانون انتخابات جديد يضمن الحفاظ على إرادة الشعب لا قانون يحرص على مصادرتها كما هو حاصل اليوم ويريد الحاكم المزيد من سد منافذ الإرادة الشعبية عبر قانونه الجديد .
و نحن في هذه الأجواء الهادرة يحلو للبعض القول : لماذا لا يخرج اللقاء المشترك إلى الشارع في مظاهرات عارمة كما فعل التونسيون ؟!! ، ويذهب ذلك البعض لينال من المشترك ويتهمه بالأباطيل والخُزعبلات ونسج الخيال ، لقد قال ألشابي أبو القاسم : (( إذا الشعب يوماً أراد الحياة )) ولم يقل إذا أرادت رموز الشعب الحياة فلابد ان يستجيب القدر ، إنّ الهبة الشعبية لا يملك معها الطغاة صرفاً ولا عدلاً ، أمّا أن يدعو حزباً ما أو مجموعة أحزاب لثورة وطنية فإنّ أحسن الاحتمالات أن يستجيب الشعب ويقف مع هذه الأحزاب ويصبر معها و يُصابر ويتلقى الأذى المحتمل معها وينتصر معها ، ولكن الاحتمال الثاني أن لا يستجيب العدد الكافي واللازم من الجماهير لهذه الدعوة وبالتالي يتعرض الداعي أو الداعين للثورة إلى حملة إبادة وتجفيف منابع ، بمبررات ستنطلي على الكثيرين ، ويتعرض العشرات من أفراد الشعب ومن صفوف الداعي أو الدعاة للقتل والتعذيب والتنكيل ، وبدون جدوى ، بل الغالب أنّ الحاكم سيزيد في قسوته وجبروته وطغيانه وهو آمن من ثورة شعبية أو مُعارضة حقيقية ردحاً آخراً من الزمن ، وقد قال الله عز وجل ((وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) وقال الناظم :
قَدَّرْ لِرجْلِكَ قَبْلَ الخَطْو مَوْضِعَها ... فَمَنْ عَلاَ زَلَقاً عَنْ غِرَّةٍ زَلَجَا
ولنا نحن اليمانيون تحديداً عبرة في الثورة الدستورية اليمنية في فبراير1948 ، فرغم وصول الثوار إلى السلطة إلا أنّ جهل الشعب ، مع مكر ولي العهد احمد ـ الإمام من بعد ـ أودى بالثورة التي قامت من أجل أن تخلص شعبها من الظلم والاستبداد والفساد والجهل والمرض ، وفي التاريخ دروس كُثر.
والمطلوب من المعارضة في أي بلد ، وجدت شعبها و وطنها في حاجة لازمة إلى ثورة شعبية لتصفية طغيان وإعادة حق إلى نصابه ، مطلوب منها إعداد واستعداد تامين ، يأخذان وقتهما ، يضمنان غالبية شعبية واعية كافية ولازمة تقف معها لإنجاح الثورة وتحقيق مراميها النبيلة . إنه لامناص من دور الشعب الواعي وإرادته للحياة كشرط لازم في كل الأحوال للقيام بالثورة وانتصارها النهائي .
وفي الوقت الذي أتمنى أن يسبق الحاكم في تغيير نواياه وسلوكه مع وطنه ، ويقلع صادقاً عن غروره ، وأن يستمع حقاً إلى صوت العقل والى صوت الشعب الذي يدركه تماماً ، أتمنى أن تخرج الجماهير وتعلن ثورتها الشعبية السلمية وعلى الطريقة التونسية ، فلا تنتظر قيادة ولا رموز ولا إشارة من احد قد تمنعه من ذلك موانع مُعتبره ، وفي نفس الوقت ، على أبناء اليمن شماله والجنوب الإلتحام معاً و أن لا يسمحوا البتة بالكراهية أن تتسلل بينهم وأن تفرق صفهم وتفت في عضدهم ، فالتونسيون انتصروا بتلاحمهم لا بكراهيتهم لبعضهم البعض ، و التنازع مآله الفشل ، والتوحد فيه القوة والعزة والشمم . والذي يجني على الشعب اليمني سلطته الفاسدة المستبدة لا أفراد الشعب المغلوب ـ الغالبية الساحقة منهم ـ على أمرهم . وعلينا الحذر من ألاعيب السلطة ومكرها والتي قد تسعى الآن ، والآن فقط ـ وبجنون لامتصاص النقمة و تفويت الأجواء و المناخات الثورية التحررية التي صنعتها الثورة التي إجترحها الشعب التونسي ، وبعد أن تزول هذه (الغمة) عن السلطة تعود إلى مسيرتها العنجهية الإستكبارية المستندة إلى أغلبيتها الزائفة المزيفة في مجلس النواب ، وأبناء الوطن ، أبناء القوات المسلحة والأمن .
وختاماً ..
لقد كان النشيد مصاحب للتونسيين وهم يقاومون العسف والطغيان ، ونختار من ذلك مقطوعتين ونوردها بكلماتها الدارجة كما هي ، وهي تصور جانب من نضال وإصرار شعب تونس على الانعتاق من براثن الظَلام و الظُلام :
هيا نناضل هيا نناضل حتى الانتصار ×× الحياة كلها تجارب يا شعبي المغوار
الظالم عمره ما يدوم لازم بش يسقط في يوم ×× اصح يا شعبي من نوم وامح عليك العار
هيا نزيل التبعية نرتاح و نطمان ×× ونزيل الدكتاتورية ونعيش في أمان
لا تونس تبقى مرعيه لا إرهابي لا خوان ×× دولة عربية إسلامية وأولادها أحرار
شدوا إيدينك كبير وصغير نهب بعزم جديد ×× الوعي سلاح فيه الخير قوة الشباب احديد
كل واحد على وطنه يغير ×× إحنا بأيدينا المصير وبأيدينا القرار
يلزم طاقتنا نسخرها نمحي بها العار ×× خُطة الباغي نفشلها وتتكشف الأسرار
**************************************************************************************************
يا خضراء مهما طال ليل الظالم وجار ×× يطلع زهر الآمال و ينوّر الصبار
الطريق اطويل وعالطريق أشواك ×× برغم التضليل يطلع صبحي في سماك
يا ارض الزيتونه حنيني إليك ×× من الغربة يحملني نحوم حواليك
حنيني للتربة ..لإخواني اللي فيك .. ×× في برج الرومي وإلا في كل نواحيك
يا شعبي إمتى تسود والوطن اسير
• برج الرومي سجن من سجون العهد البائد
mraham70@gmail.com ــــــــــــــ 21يناير 2011م
بقلم : مرعي حميد
أراد زين العابدين بن علي ، وأراد حلفائه في الغرب ، من تونس مدرسة للتحرر من القيم والفضائل ، مدرسة لاستضعاف التدين والمتدينين ، حمل وديع ، مطيع ، منقاد ، لرغبات المعسكر الغربي ، ولكن أراد الله ، ثم أراد الشعب التونسي ، شيئاً آخراً ، فهاهي تونس اليوم مدرسة ، تأصلت فيها ، وتُشيع أجواء التحرر وقيم الاستمساك بقيم الانتصار من الظلمة ونُصرة الحق ، مدرسة تحررية للإنعتاق من نير الاستبداد والطغيان والتفسخ والارتزاق المستبيح لمقدرات الأمة لصالح القلة المتأصل الإجرام في ضميرها وعقلها ، و مع تلك الثورة التحررية المستمرة في العنفوان ، هذه الوقفات والتأملات :
الأولى : عظيمة يا تونس عظيمة :
كم أنت عظيمة يا تونس ، كم أنت بديعة يا تونس ، أعظم بك شعب تونس ، شعب الإباء والشمم ، شعب الصمود والتصدي اليومي في وجه الطغيان وأذياله و أذنابه المرعوبة ومحاولاتهم للالتفاف على الثورة ، لقد ضربتم للشعوب العربية اكبر نموذج في النضال السلمي لإسقاط الجبابرة المعاصرين وكنس مخلفاتهم إلى مزبلة التاريخ ، لقد أنجز ذاك الشعب العربي العظيم ثورة تُضاهي الثورة الفرنسية الشهيرة صاحبة الكلمات الثلاث (الحرية ، العدالة ، المساواة ) لقد (( أحدثت الثورة الفرنسية تغييرات كبيرة في المجتمع الغربي بشكلٍ عام وفي نظام الحكم الفرنسي بشكل خاص. وكانت لها آثار بعيدة المدى على بقية أوروبا أيضًا. وقد أدخلت الثورة الفرنسية المُثُل الديمقراطية إلى فرنسا لكنها لم تجعل الدولة ديمقراطية. ومع ذلك فقد أنهت الحكم المطلق للملوك الفرنسيين، وجعلت الطبقة المتوسطة قوية. وبعد قيام الثورة ما كان لأحد من ملوك أوروبا أو نبلائها أو أي جماعة مميزة أخرى، أن تنظر إلى سلطاتها كشيء مطلق أو أن تتجاهل مُثُل الحرية والمساواة.)) هكذا كتبت الموسوعة العربية العالمية وهي تعرّف بتلك الثورة ، وإذا كانت الثورة الفرنسية نبراس الغرب ونموذجه الذي احتذاه ، فلتكن الثورة التونسية نبراس الشرق ونموذجه المُحتذى المتألق .
والمطلوب اليوم من الشعب التونسي وقواه الحية ، ونحن بتاريخ 21/1/2011 ، هو الإصرار على إبعاد من بقي من العهد البائد عن منصة الحكم وإسقاط الحكومة المُعلنة و إرغام الوزير الأول على الاستقالة لإعماله و خطواته العملية ، هو ورفاقه من العهد البائد ، المثيرة للشك والريبة ، والمؤكدة استمساكهم بزمام السلطة ليكونوا هم من يقتطف ثمرة الثورة لا الشعب الذي صنعها ، مع الحفاظ على قائد جيش البر رشيد بن عمار إن استمر في تحييد الجيش ، وترك لبقية أوراق بن علي تتساقط و تتحاتت كورق الخريف ، مع وقوفه مع الشعب ان لزم الأمر، وله شرف كبير في ما مضى ، وينتظره ما بقي من دور وطني يُعلي كلمة بني وطنه المُفدى ، و المطلوب ـ وبدون تأخيرـ تكوين حكومة وحدة وطنية تضم كل ألوان الطيف الفكري والسياسي والنقابي التونسي وبرئاسة شخصية محايدة لها رصيدها ومواقفها النضالية ، وتتولى الحكومة مباشرة رفع العمل بالدستور الراهن وتمضي سريعاً إلى تشكيل جمعية تأسيسية من كل ألوان الطيف تضع مشروع دستور جديد لتونس ، وتعرضه للشعب في استفتاء عام تتولى إدارته لجنة للانتخابات والاستفتاء محايدة و وفق قانون مؤقت للانتخابات والاستفتاء جديد يعتمد نظام القائمة النسبية ، مع نسبة من مقاعد البرلمان للمستقلين ، من بعده تُجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وبصورة متزامنة وبمشاركة كل من يرغب من ألوان الطيف ، وفي ظل رقابة دولية ، فيضمن الشعب التونسي النجاح التام والمؤزر والنهائي للثورة التونسية ، مُلهمة الشعوب العربية في كل مكان عشعش فيه الطغيان وفرّخ .
الثانية : للعزة ثمن :
78 شهيد أو أكثر تصدوا بصدورهم العارية ـ إلا من إصرارهم المتين على اقتلاع الدكتاتور والديكتاتورية ـ لرصاص قوات الأمن التي حاولت الاستماتة للحفاظ على حكم الطاغية ، شهداء أبرار قدمتهم تونس لتتفلت من استبداد وطغيان بن علي ، و بعض اضطرابات و آلام رافقت الثورة ، وأضرار طالت الكثير من الممتلكات على يد عصابات بن علي بعد فراره بجلده ، وفي ذلك الجو حاول البعض النيل من ثورة الشعب التونسي وتخويفه من عواقب ثورته والهشاشة المتوقعة لثمرتها و تخويفهم بمصير كمصير العراق بعد إسقاط صدام حسين ونظامه ، متناسين الفرق الكبير بين سقوط وسقوط ، سقوط على يد أعداء الشعب ، الطامعين في ثروته وأرضه ، وسقوط على يد الشعب صاحب المصلحة في السلطة والثروة ، إنه (( لابد للميلاد من مخاض ولابد للمخاض من آلام )) كما قال المفكر الإسلامي العملاق سيد قطب ، وهذا ما كان في تونس ذات الفجر التحرري الوليد ، و كما قال سيد كذلك أنّ (( للعزة ضريبة ،ولكن ضريبة الذل أفدح )) .
الثالثة : إنجلى ليل بن علي و ولّت ليلاه :
أيقونة غدا بيت أبو القاسم ألشابي (( إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد ان يستقيم القدر )) ، و مع هذا فإنا لو ذهبنا للبيت الذي يليه لوجدنا معناً إضافياً يخص ثورة شعبه الجبار : (( ولابد لليل ان ينجلي ولابد للقيد ان ينكسر )) فقد انجلى عن تونس ليلها الأليلِِ ، ليل الطاغية بن علي ، بصبح وما الإصباح منه بأمثل ـ على حد تعبير امرؤ القيس ، ومع بن علي فرت ليلاه ( ليلى بن علي ) ، الكوافيرة السابقة ، القرين المتبجح بطغيان قرينه ، لقد جاء بن علي إلى السلطة بعد انقلاب ابيض على زعيمه الحبيب بورقيبة ، فتظاهر بالمسكنة و(( إعادة الاعتبار للهوية العربية الإسلامية لتونس)) و (( دولة القانون والمؤسسات ، سيادة الشعب ، المصالحة الوطنية ، احترام الحريات الأساسية ، التعددية ، العدالة الاجتماعية )) ـ كما جاء في (( بيان السابع من نوفمبر)) غداة وصوله للسلطة ، ولكن سرعان ما تبدل الحمل ذئب ، والقط الوديع ظاهراً ثعلباً ماكراً يُجيدُ فن النصب على شعبه ، ويوهمهم بالرفع ، سرعان ما قلب للشعب التونسي وقواه الحية ظهر المجن وفصّل لنفسه دستوراً على مقاسه ، فانشأ دكتاتورية كالحة من طراز فريد وألبسها لبوس الديمقراطية البيضاء والحرية الحمراء . ولم يكن بن علي رئيساً غشوماً لتونس فقط ، ولكنه كان إمبراطوراً لإمبراطورية بن علي وآلـ الطرابلسي المالية التي كونها وزوجته وأصهاره من مال الشعب التونسي ومُقدراته ، مُعتقداً أنّه في مأمن من الشعب و وعيه وغضبته ، و البغيُ مرتعه وخيم ، والطغيان لا يبقى ولا يدوم لأنه باطل ، وسُنة الله تعالى في الباطل أن يزهق ويتلاشى وتتبخر سنيه و تتصرم لياليه الحوالك
ليلْ كأنَّ نجومهُ ×× ×××× بكل مغار الفتل شُدت بيذبلِ
كأن الثريا عُلِّقت في مصامها×× بأمْراسِ كتّانٍ إلى صُمّ جَندَلِ
كما قال امرؤ القيس في معلقته ، لتشرق على الناس شمس الحق والخير والحرية .
وهكذا (( الدكتاتوريون يذهبون في النهاية . دائما يهربون من اجل حياتهم مثل شاوشيسكو في رومانيا )) وهذا الكلام الجميل ، العجيب فيه والمدهش والمثير في آن أنّه للمخلوع زين العابدين بن علي نفسه وقاله في حوار مع مدير وكالة ( يونايتد برس انترناشيونال ) وأعادت نشر أجزاء منه جريدة المستقلة اللندنية العدد 3474ـ 12/7/2000م ، لقد فعلها بن علي فأراً فارّاً من نقمة بني وطنه ، فعلها كما فعلها من قبله شاه إيران وهيلاسيلاسى إمبراطور الحبشة ومحمد البدر إمام اليمن ، و الصومالي سياد بري ، وكما سيفعلها طغاة دكتاتوريين سيلحقون بهم إلى مزبلة التاريخ .
الرابعة : لندعو لصاعق الثورة :
حوّل الشاب محمد البوعزيزي جسده إلى صاعق ، وهو لم يدر بخلده أن يكون كذلك ، صاعق لقنبلة الغضب التونسي المحبوس في قمقمه ، و موقف الشرع الحكيم من هكذا عمل وتصرف معلوم ، ولكن علينا كأمة عربية إسلامية مؤمنة وجدت في هذا الشاب الجامعي ، بائع الخضار على عربته ، الذي تعرضت له شرطية بالضرب على وجهه ـ شُلت يديها ورجليها ولا أراها الله سرورا في حياتها ما عاشت وجزاها ما تستحق على دناءتها وخستها ـ فوجد نفسه محترقاً احتجاجاً منه على فعل ووضع مزرٍ لم تحتمل كرامته معهما عيش ، علينا نحن العرب الذين وجدناه صاعقاً فجر قنبلة الغضب الشعبي العارم في تونس الأبية لتضرب لنا أروع نموذج معاصر نحن أحوج ما نكون إليه في الثورة والتثوير الذي يعصف بالجبابرة المعتقدين في ذواتهم البقاء متسلطين جاثمين على أعناق شعوبهم ، لا بل ويورثون استبدادهم وتسلطهم لإقربائهم ، علينا كأمة عربية إسلامية أن لا ننسى أن نبتهل إلى الله عز وجل في صلاتنا سجوداً خصوصاً ، وفي غيرها ان ندعو لمحمد البوعزيزي بالرحمة والمغفرة وان يصفح الله عنه ويتجاوز عنه ونتوسل إليه جل جلاله الرحيم الودود من اجل ذلك ، وهذا اكبر عرفان ممكن نقدمه للشاب التونسي عزيز النفس محمد البوعزيزي ، وليكفل الموسرين في العالم العربي أسرته المكلومة أو لتفعلها الحكومة التونسية ، وفي المقابل فانه شرعاً لايجوز ولا ينبغي لإي عربي أن يقدم من بعده على فعل كفعله فهو كان بجسده الصاعق لقنبلة الشعب التونسي و كفى بها وحدها صاعقاً يفجّر كل الشعوب العربية الواقعة تحت عسف الطغاة وأذنابها ، ومثال شعوبنا وتونس و البوعزيزي من دنيا العلوم قنبلة هيدروجينية صاعقها قنبلة نووية وصاعقها فتيل بداخلها ، البوعزيزي صيّر جسده الفتيل والشعب التونسي القنبلة النووية ولنكن نحن الشعوب العربية القنبلة الهيدروجينية .
الخامسة : فجر جديد لحركة النهضة :
في 22 ديسمبر عام 1990م ، وبعد سنتين من المراوغة البنعليه ، بدأت وفي كامل التراب التونسي الاعتقالات والمداهمات لرجال ونساء حركة النهضة الإسلامية المنتمية ، وبقيادة المفكر الإسلامي البارز راشد الغنوشي ، إلى مدرسة الإخوان المسلمين و في 4 يناير صادرت مجلة الفجر لسان حال النهضة ، و خرج زعيمها راشد الغنوشي من تونس عام 1990 واستقر في الجزائر ، وبضغط من بن علي على السلطات التونسية انتقل في يونيو 1991الى السودان ، ويحدث نفس الأمر فيخرج منها إلى لندن ، وهناك منحته الحكومة البريطانية حق اللجوء السياسي ، وحين طالب به بن علي نصحته بريطانيا ان لا يتدخل في شؤونها الداخلية . وحكمت محكمة الطاغية بالسجن بالمؤبد حضورياً على 25 شخص في مقدمتهم صادق شورو أمير حركة النهضة المنتخب في مؤتمر 1988م ، وحكمت بالمؤبد غيابياً على تسعة من قيادات النهضة وفي مقدمتهم راشد الغنوشي و الدكتور صالح كركر ، وابتكرت السلطة المستبدة أبشع وسائل التعذيب ، وذلك كله لاستئصال هذه الحركة التي حصدت في عام 1998 أصوات للناخبين لم يرضها بن علي وحزبه و أعلن فقط حصول المستقلين ـ المرشحين المدعومين منها إذ لم يسمح لها بالمشاركة باسمها ـ على 18% من الأصوات ، رغم التزوير وتسخير إمكانيات الدولة لحزب الحاكم ، ليس هذا فحسب بل كان للنهضة الحضور الحقيقي في المنافسة مع حزب بن علي حيث أعلن الديكتاتور حصول الأحزاب الستة المشاركة على 2% من الأصوات .
ومُنع الحجاب في الإدارات والمدارس والمستشفيات و تم اعتقال عشرات النساء الإسلاميات وتعذيبهنّ و إهانتهنّ ، وقد قال بن علي لوكالة اليونايتد برس مادحاً ما يصنع ومتبجحاً واصفاً للمجتمع التونسي في ظله (( مجتمع حديث متحول حيث الحجاب ممنوع في مكاتب الدولة حيث تتبوأ النساء 20في المئة من المناصب البلدية و منصبين وزاريين )) ، لقد جرّد بن علي حرب شعواء ضد النهضة ، وهاهو بن علي يسقط من عليائه المزعوم ويهرب من وجه شعبه ليذوق منذ الآن مرارات كان يحاول تجريعها لغيره ، تخنقه حسرته على مجده الآفل وعزه المكين وعربدة كان يتفنن فيها ، وفي الوقت نفسه تعود البلابل المهجّرة إلى أعشاشها وأوطانها ، يُطل فجر جديد على تونس تحتضن فيه رجال النهضة ونسائها مُعززين مُقدرين مُحترمين يرفلون في ثياب الحرية التي حرمهم منها الطاغية الذي طالما عربد في تونس وضن أنه مانعته حصونه وقصوره من غضبة الجبار المنتقم ، و من ثم غضبة الشعب التونسي الأبي ، وهاهو في جدة أو أينما حل مع من بقي من حاشيته مطاردين من غضبة الشعب التي لن تتوقف حتى يٌقتص من بن علي وزوجته ورجال عهده البائد الذين أوغلوا في دماء وأعراض وأموال وممتلكات الشعب التونسي . و لقد آن للإسلاميين في تونس وفي كل الدنيا ان يغادروا عزوفهم عن السلطة والهروب منها وتركها لغيرهم ، فيحل الفساد والاستبداد ثم يعودوا ليكتووا بنيرانه من جديد ، وهكذا دواليك ، إنّ على الإسلاميين في كل العالم ان يسعوا وعبر النضال السلمي الدءوب ليكون لهم نصيبهم المقدر المؤثر الحاسم من السلطة ليس ذلك لسواد عيون السلطة ، تباً لها من ضجيعة ، ولكنها وسيلة لابد منها لتحقيق الغايات النبيلة للإسلاميين ولشعوبهم المغلوبة على أمرها ، ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فإنّ حرص الإسلاميين على ذلك القدر من السلطة ـ على الأقل ـ هو أمر يوجبه الشرع ، ولتكن للإسلاميين قدوة في تركيا وفلسطين المحتلة .
الخامسة : الجزيرة صوت الحق المُزلزل :
مع كل إطلالة شمس تكبر قناة الجزيرة الإخبارية والجزيرة مباشر في قلوب وأعين العرب الشرفاء ، ومعها تكبر محبة الرئيس القطري صاحب الأيادي البيضاء التي يشهد لها كل مُنصف ، الجزيرة كانت المؤازر الإعلامي الأول إلى جانب الشعب التونسي وهو يثور على جلاديه ، مأثرة أضافتها الجزيرة إلى سجلها الناصع وهي تواكب ثورة الشعب التونسي ولا تزال ، كم كانت الجزيرة رائعة جسورة وهي تنقل وعلى الهواء مباشرة توجيهات الرموز الحرة للشعب التونسي حتى يواصل ثورته ليجني ثمرتها الحلوة المفعمة بنشوة النصر المظفر والمجد المؤثل . كان الطاغية بن علي يرهب الجزيرة وهو لازال على عرشه وغارق في قصوره و مروجه التي يبكي عليها دماً اليوم وهو يحاكي فأر، جرذ ،مرعوب ، قابع في جحره . قال عنها في حوار مع مدير وكالة ( يونايتد برس انترناشيونال ) : (( إنها لغز . فهناك عدة أصوليين يعملون في هذه الشبكة ولا يمكن ان يكونوا سعداء بالطريقة التي كافحنا بها التطرف الأصولي في تونس ، آخرون يقولون أنها مسخّرة من الموساد . وآخرون يرون ان وكالة المخابرات المركزية (سي أي أي ) تحاول تسريع الأنظمة الإقطاعية في الخليج . وفريق آخر يقول أنها قطر الصغيرة تستعرض عضلاتها ولا احد يعرف حقا )) المستقلة العدد 3474 ـ 12/7/2000م .
لقد جمعت هذه ( الجزيرة ) بين أحضانها الدافئة ، ولأول مرة ـ بعد اندحار الطاغية الدكتاتور ـ وفي تونس المحررة ـ جمعت أطياف المشهد السياسي التونسي في ندوة مركز الجزيرة للدراسات : [ تونس ..الثورة ورؤى المستقبل ] لتدخل الجزيرة مباشرة على ساحة الفعل بعد ان أتقنت نقل الفعل والرأي والتوجيه والتفاعل وبصورة فاعلة ، وهي بتنظيم تلك الندوة عملت احد المطاليب العاجلة على الساحة التونسية بعد الثورة الظافرة المجيدة .
لقد كانت الجزيرة في طليعة وصدارة المنابر الإعلامية المقاتلة لنجاح و إنجاح ثورة تونس ، وقد التحق بهذا الركب الإعلامي المناصر والمؤازر للثورة التونسية منابر أخر اقل شهرة ، مثل قناة الحوار وقناة المستقلة و جريدة القدس العربي .
السادسة : إعلام في ركاب الطغاة :
حين عدت إلى إرشيفي الشخصي وجدت كم كانت بعض المنابر الإعلامية وقود للطغاة ان يواصلوا مشوار طغيانهم ، وجدت مجلات تصقل وجوه الطاغية المستبد بن علي وفي المقدمة مجلة الرجل اليوم الإماراتية و مجلة الرجل السعودية ، وحوادث الراحل كرم مُلحم كرم ، وجدتها تُقدس المدنس وتقدمه للآخرين أن يقدسوه ، مجلة الرجل اليوم كان غلافها صورة بن علي المفضلة لديه قابضاً على يديه وكأنه يشير إلى أنّ شعبه في قبضته فلا خوف ولا وجل وهو من هيأ سُبل فرارة من أول يوم وصوله إلى الحكم [ العدد 21 ـ 1/3/2006م ] صوفية الهمامي أسمت الباغي الذي دارت عليه الدوائر : (( ابن الشعب )) الذي (( ما انفك يصغي باستمرار إلى مشاغل كل فئات المجتمع وشرائحه )) و (( شرّع بن علي أبواب الحريات والديمقراطية وتوفق بفضل التفاف الشعب حوله بكافة شرائحه وحساسياته السياسية والفكرية في تأسيس مناخ من الوفاق الوطني )) وكتب أنيس الجمالي في مجلة الرجل [العدد 89 ـ فبراير 2000م ] عن بن علي (( يكره الأبهة و يحرص على الفصل بين حياته الخاصة ومهامه على رأس الدولة )) وكأنه عمر بن عبدالعزيز الذي يُطفئ شمع المسلمين حين ينتهي من النظر إلى مصالحهم . وتقرأ في مجلة الحوادث اللبنانية العجب : عنوان )) بن علي في شهادات دولية لا تعرف المجاملة : حاكم صادق ..إرادة الانجاز حاضرة في كل تصرفاته )) [ العدد 2565 30/12/2005 ] ، عنوان (( إشعاع عالمي متجدد لمقاربات بن علي الإنسانية )) [ العدد 2691 30/5/2008] ، عنوان : (( إنسانية بن علي تشع عالميا )) [ العدد 2410 10/1/2003] ، عنوان : (( إصلاحات بن علي تعزز مصداقية بلاده في الخارج )) طبعاً هو الصحيح إصلاحات بن علي تعزز مصداقية بن علي في الخارج ، أما الداخل فسيادة (الزين ) لا قيمة عنده لشهادته [ العدد 2399 25/ 10/2002 ] ، ولم يخلو عدد من الحوادث من عنوان تُحفه عن تونس ورئيسها لتقرير يكتبه مراسلها في تونس زهير القمبري أو [ ز.ق] .
وبُعيد إعلان الثورة التونسية تلعثم إعلام الطغاة واحتار في ألفاظه ومصطلحاته لنشر أحداث تونس بالرغم ان الطريق السهل عند البعض كان في الصمت المطبق على ما يحدث بالرغم أنّ الخبر تصدر الصحف والنشرات والبرامج اليومية التلفزيونية في العالم وسمعه وشاهده ويسمعه ويشاهده ، وحذفت القناة اليمنية ـ كما قيل لي ـ شريط الأخبار من على الشاشة .
السابعة : تونس أولاً :
كل زعيم دولة عربية قدم (رشا) جماعية لمواطنيه من خلال مُكرمات الثورة التونسية فان هذا هو علامة ضعف كبير وخور هائل لذلك الزعيم وإدراك منه أنّ شعبه إن ثار فلن يملك إيقافه ، والجدير بالشعوب أن تأبى الرضوخ والاستكانة وقد بدر من ناهبي خيراتها ما بدر من ضعف وهلع ، وأن تستغل الفرصة وتتلقف إشارة الضعف وتعلنها ثورة عربية مضافة إلى الانجاز التونسي في قائمة الحركة التحررية العربية من نير طغيان الحكام كإضافة مهمة و راقية للتحرر من الاستعمار العسكري الأجنبي المباشر والسيطرة السياسية عبر صنائعه .
المؤكد أنّ الطغاة اليوم ترتجف قلوبهم وترتعش أوصالهم لما يشاهدون ويسمعون طاغية زميل يسقط ، واستبداد شقيق ينقشع ، وليتني ادري كم استغرق الزعماء العرب وهم يتدارسون الدرس الجزائري وهم يجتمعون في شرم الشيخ في القمة الاقتصادية الثانية ، وليتني ادري ماذا دار بينهم ، ولعل تلك القمة جاءت في وقت هم أحوج ما يكونون لمثلها ، وازعم أنهم انقسموا إلى فريقين : فريق يدعو للاستفادة من الدرس ، وفريق خائف منه مرتبك وجل ان تصل كرسيه نيران الثورة ويسير شعبه في هدى نورها الوضاء و سناء برقها الساري في ليل الحيارى ، لاشك أنّ قليل الحكام العرب لا يخشون شيئاً وهم الحكام الذين جهدوا وجاهدوا ليوفروا لشعوبهم أقصى ما يستطيعون من كرامة وعزة وتنمية وحرية نراها ونسمعها في قطر والسودان وسوريا ، و لنفرض جدلاً أنّ بن علي قد وفر لشعبه مستوى اقتصادي ممتاز ـ كما أدمنت الحديث في هذا منابر إعلامية عديدة ـ إذن لماذا ثار الشعب ؟ ثار بسبب البطالة 13% ، والكبت الهائل وحرمان الحريات ، ولاستخذى تونس وإذلالها وتحويل بعض بقاعها إلى ماخور ليُنسي شعبها كل قيم الإيمان والكرامة ، ويعيشها في نعيم وهمي ، والعديد من الدول العربية تعاني الأمرين من كرامة لأوطانهم مُهدرة مسفوحة ، واستبداد و تسلط ينظر إلى الشعب أنهم مجرد حملان في حظيرة لا يهما سوى بطونها وفروجها و(( ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان )) ، صحيح قد لا يتطابق الحال مع تونس ، ولكن هناك قواسم مشتركة عديدة أهمها غياب الديمقراطية ومصادرة حق الشعب في التحكم بثروة بلاده التي يعيش فيها وينتسب ، منذ الميلاد وحتى الرحيل إلى دار البقاء . لقد كانت الثورة التونسية بمثابة الإعلان أننا نحن الشعوب العربية نستطيع التخلص من الحكام المستبدين ان جمعنا كلمتنا معاً ضدهم لا كأشخاص ولكن كمستبدين وناهبي خيرات أوطاننا ، وإنه آن لنا ان نثور ونقتلع هذا الطغيان المدعوم من الغرب الذي يحافظ على امتنا العربية والإسلامية مهانة لا كرامة لها ، تعيش ولكن بروح مهزومة داخلياً ، امة خانعة يائسة من التخلص من واقعها المزري وحالها الأسيف ، امة مهيضة الجناح مستباحة الدماء والكرامة والثروات ، امة استمرأت الذل والخنوع ، وآن لمواطن عربي ثان وثالث ورابع أن يخرجوا في شوارع عواصم عربية يرددون كما ردد المحامي التونسي عبدالناصر العويني : (( الشعب الفلاني حر ، الشعب ....ما يموتش ، يا..... معاد فيش خوف، المجرم هرب ، فلان هرب ، فلان هرب ، يا شعبنا يا عظيم ، يا شعبنا يا كبير اتحررنا و .....هرب ، يا شعبنا خلاص تحررنا ، تحيا الحرية ، والمجد للشهداء ))
الثامنة : تونس و اليمن :
هناك ثلاثة قواسم مشتركة بين وضعنا في اليمن والوضع التونسي : أولاً : حكم استبدادي ، ثانياً : حكم فاسد ، ثالثاً : بطالة ، ولكن هناك ثلاثة اختلافات جوهرية :
الشعب التونسي شعب متعلم الأمية فيه اقل من 2% ونحن غير ، شعب امتلكت نسبة كبيرة منه زمام التكنولوجيا والتوصيل والتواصل عبر الانترنت ، حولوا تونس إلى ساحة فعل ثوري هذا أولاً ، وثانياً الشعب التونسي شعب كبته بن علي طويلاً ماعدا أحزاب وهمية مصنوعة على عين الطاغية المستبد ونقابات مُفرّغة من المضمون الجدير بها ، فصار الشعب كالقدر الذي يغلي وممنوع بخاره من التسرب فيصبح قنبلة قابلة للانفجار كلما تطاول الكبت ، ونحن لدينا قدر من التنفيس من خلال الانتخابات على ديكوريتها وحرية في التعبير والتظاهر وتكوين الأحزاب والنقابات و مؤسسات المجتمع المدني عموماً مع بعض مضايقة وقمع وشق مدعوم ومحمي من السلطة . وثالثاً بن علي بإعلانه الأحمق الحرب على (الأصولية ) ومسعاه إلى (تجفيف منابع التدين ) إنما كان يعلن الحرب على الله تعالى ، لقد منع كل مظاهر التدين باستثناء إمكانية الصلاة في مسجد تحدده لك وزارة الداخلية و ببطاقة محدد فيها اسم المسجد ، منع المكتبات من بيع الكتاب الإسلامي بما في ذلك كتاب الله المجيد القران الكريم ، ومنع الحجاب ، و اعتقل من حركة النهضة الإسلامية أكثر من 30 ألف رجل وامرأة وسامهم سؤ العذاب وقتل بعضهم تحت التعذيب ، وفي المقابل شجع بن علي على التفسخ والعري والفساد الأخلاقي ، أما في اليمن فلم يعلن الحاكم حرب كهذه ، وعلينا ان نكون منصفين مع الآخرين مثلما نحب ان يكونوا منصفين معنا ، لدينا الكلية العليا للقران الكريم وفروعها وجامعة الإيمان وفروعها و المساجد مفتوحة للصلاة ولتعلم كتاب الله و الخطابة والدرس والحديث إلى عموم المصلين ؛ لا بل للرئيس جوائز خاصة لحفظة القران الكريم من المدنيين والعسكريين . وقد كانت حرب بن علي تلك، كما اعتقد والله اعلم ، سبب لنقمة الله على هذا الطاغية الأرعن واجتثاث حكمه واقتلاع مجده الزائف من ارض تونس بهذه السرعة التي لم تكن تتوقعها حتى دوائر حكومية غربية راسخة في التنبؤ وقياس نبض الشعوب .
التاسعة : التجمع الدستوري و المؤتمر الشعبي :
(( نريد حكومة شفافة بدون حزب سرّاق )) هكذا كُتب على احد اللافتات التي رفعها الشعب التونسي بعد هروب بن علي ، وبني وطني يعتقدون أنّ عندنا حزب مشابه ، بل مقر لجنته الدائمة في حي الحصبة الطويل العريض يقع في هذه الدائرة ، وهذا شوقي طبيب محامي تونسي يُعدد لبرنامج ما وراء الخبر ، مساء الخميس 20 /1/2011م على قناة الجزيرة ، صفات التجمع الدستوري الحاكم سابقاً في تونس : كان آلة للتصفيق والتجمعات ، معظم أعضاءه إلـ 2,4 مليون [ مصفق ] انضموا إليه رغباً أو رهباً , لم يكن له إسهام في الحياة السياسية ، ذهابه لن يترك فراغاً سياسياً ، كان عبارة عن عصابة مافيا ، ولديه 15 ألف متفرغ من موظفي الجهاز الإداري للدولة التونسية يصرف عليهم من خزائن الشعب ، لو تأملنا هذا ، وعقدنا بين هذه الصفات وبين صفات الحزب الحاكم في اليمن ـ المؤتمر الشعبي ـ ماذا سنجد ؟ هذا السؤال ، ومنكم الإجابة .
العاشرة : اليمن والدرس التونسي البليغ :
على اللقاء المشترك أن يرفض كل ما يقدمه المؤتمر الشعبي من تنازلات بعد الدرس التونسي ، وأن يوصّل للسلطة رسالة واضحة أن : يا سلطة لنتحاكم إلى الشعب ليقول كلمة الفصل ، والشعب فقط وفقط ، ولتكوني على أتم الاستعداد أيتها السلطة المعلومة الفساد والاستبداد للهزيمة في انتخابات قادمة بعد إدخال التعديلات اللازمة على قانون الانتخابات والدستور بما يخدم مصلحة الشعب وليس الجاثمين على صدره ، إما هذا أيتها السلطة ، وإما ان ندعك والشعب يقرر فيك قراره مادام إصرارك على الغرور الأجوف والاستكبار الأرعن و الاستمساك بسلطة استبحت بها مقدرات الشعب وخيراته . إن على اللقاء المشترك ان يشرع تواً في إعداد مشروع دستور جديد لليمن يليق بشعبه وتاريخه المجيد ، دستور يُفصّل على مقياس الشعب لا على مقياس (الصالح ) الذي يلهث ليُخرج و يُنتج ويُنجز [ دستور الصالح ] ، مثلما أنتج وأنجز : مؤسسة الصالح و جامع الصالح ، وحرس الصالح غير المُعلن ، و مدائن الصالح ، ومشروع الصالح ، وغيرها . وكأني بأبيات أبي الأحرار محمد محمود الزبيري بالأمس قد كُتبت :
روح الإمامـة تجـري فــي مشاعـرهـم
وإن تـغـيــرت الأشــكـــال والأُسُـــــسُ
كفـى خـداعـا فعـيـن الشـعـب صاخـبـة
والناس قد سئموا الرؤيـا وقـد يئسـوا
وانـــتـــمُ طــبــعــة لـلـظــلــم ثــانــيــة
تـداركـت كــل مـا قـد أهـمـلـوا ونـســوا
وأنّ صـــوت الـخــراب الـفــظ أغـنـيـة
تــرتــاح أنـفـسـكـم مـنـهــا وتـأتـنــسُ
قانونـكـم لاغتـصـاب الشـعـب مهـزلـة
كـنــزهــة لإمـــــامٍ مــســـه الــهـــوسُ
والحـكـم بالـغـصـب رجـعــي نـقـاومـه
حـتـى ولــو لـبـس الـحـكـام ما لـبـسـوا
والـظـلــم يـُلـعـنـه الـقـانــون نـفـهـمـه
ظلمـا وإن زينـوا الألـفـاظ واحتـرسـوا
يـلـفـقــون قـوانــيــن الـعـبــيــد لـــنـــا
ونـحــن شـعــب أبـــي مـــارد شـــرس
كما أنّ على المشترك ان يسارع إلى تقديم مشروع قانون انتخابات جديد يضمن الحفاظ على إرادة الشعب لا قانون يحرص على مصادرتها كما هو حاصل اليوم ويريد الحاكم المزيد من سد منافذ الإرادة الشعبية عبر قانونه الجديد .
و نحن في هذه الأجواء الهادرة يحلو للبعض القول : لماذا لا يخرج اللقاء المشترك إلى الشارع في مظاهرات عارمة كما فعل التونسيون ؟!! ، ويذهب ذلك البعض لينال من المشترك ويتهمه بالأباطيل والخُزعبلات ونسج الخيال ، لقد قال ألشابي أبو القاسم : (( إذا الشعب يوماً أراد الحياة )) ولم يقل إذا أرادت رموز الشعب الحياة فلابد ان يستجيب القدر ، إنّ الهبة الشعبية لا يملك معها الطغاة صرفاً ولا عدلاً ، أمّا أن يدعو حزباً ما أو مجموعة أحزاب لثورة وطنية فإنّ أحسن الاحتمالات أن يستجيب الشعب ويقف مع هذه الأحزاب ويصبر معها و يُصابر ويتلقى الأذى المحتمل معها وينتصر معها ، ولكن الاحتمال الثاني أن لا يستجيب العدد الكافي واللازم من الجماهير لهذه الدعوة وبالتالي يتعرض الداعي أو الداعين للثورة إلى حملة إبادة وتجفيف منابع ، بمبررات ستنطلي على الكثيرين ، ويتعرض العشرات من أفراد الشعب ومن صفوف الداعي أو الدعاة للقتل والتعذيب والتنكيل ، وبدون جدوى ، بل الغالب أنّ الحاكم سيزيد في قسوته وجبروته وطغيانه وهو آمن من ثورة شعبية أو مُعارضة حقيقية ردحاً آخراً من الزمن ، وقد قال الله عز وجل ((وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) وقال الناظم :
قَدَّرْ لِرجْلِكَ قَبْلَ الخَطْو مَوْضِعَها ... فَمَنْ عَلاَ زَلَقاً عَنْ غِرَّةٍ زَلَجَا
ولنا نحن اليمانيون تحديداً عبرة في الثورة الدستورية اليمنية في فبراير1948 ، فرغم وصول الثوار إلى السلطة إلا أنّ جهل الشعب ، مع مكر ولي العهد احمد ـ الإمام من بعد ـ أودى بالثورة التي قامت من أجل أن تخلص شعبها من الظلم والاستبداد والفساد والجهل والمرض ، وفي التاريخ دروس كُثر.
والمطلوب من المعارضة في أي بلد ، وجدت شعبها و وطنها في حاجة لازمة إلى ثورة شعبية لتصفية طغيان وإعادة حق إلى نصابه ، مطلوب منها إعداد واستعداد تامين ، يأخذان وقتهما ، يضمنان غالبية شعبية واعية كافية ولازمة تقف معها لإنجاح الثورة وتحقيق مراميها النبيلة . إنه لامناص من دور الشعب الواعي وإرادته للحياة كشرط لازم في كل الأحوال للقيام بالثورة وانتصارها النهائي .
وفي الوقت الذي أتمنى أن يسبق الحاكم في تغيير نواياه وسلوكه مع وطنه ، ويقلع صادقاً عن غروره ، وأن يستمع حقاً إلى صوت العقل والى صوت الشعب الذي يدركه تماماً ، أتمنى أن تخرج الجماهير وتعلن ثورتها الشعبية السلمية وعلى الطريقة التونسية ، فلا تنتظر قيادة ولا رموز ولا إشارة من احد قد تمنعه من ذلك موانع مُعتبره ، وفي نفس الوقت ، على أبناء اليمن شماله والجنوب الإلتحام معاً و أن لا يسمحوا البتة بالكراهية أن تتسلل بينهم وأن تفرق صفهم وتفت في عضدهم ، فالتونسيون انتصروا بتلاحمهم لا بكراهيتهم لبعضهم البعض ، و التنازع مآله الفشل ، والتوحد فيه القوة والعزة والشمم . والذي يجني على الشعب اليمني سلطته الفاسدة المستبدة لا أفراد الشعب المغلوب ـ الغالبية الساحقة منهم ـ على أمرهم . وعلينا الحذر من ألاعيب السلطة ومكرها والتي قد تسعى الآن ، والآن فقط ـ وبجنون لامتصاص النقمة و تفويت الأجواء و المناخات الثورية التحررية التي صنعتها الثورة التي إجترحها الشعب التونسي ، وبعد أن تزول هذه (الغمة) عن السلطة تعود إلى مسيرتها العنجهية الإستكبارية المستندة إلى أغلبيتها الزائفة المزيفة في مجلس النواب ، وأبناء الوطن ، أبناء القوات المسلحة والأمن .
وختاماً ..
لقد كان النشيد مصاحب للتونسيين وهم يقاومون العسف والطغيان ، ونختار من ذلك مقطوعتين ونوردها بكلماتها الدارجة كما هي ، وهي تصور جانب من نضال وإصرار شعب تونس على الانعتاق من براثن الظَلام و الظُلام :
هيا نناضل هيا نناضل حتى الانتصار ×× الحياة كلها تجارب يا شعبي المغوار
الظالم عمره ما يدوم لازم بش يسقط في يوم ×× اصح يا شعبي من نوم وامح عليك العار
هيا نزيل التبعية نرتاح و نطمان ×× ونزيل الدكتاتورية ونعيش في أمان
لا تونس تبقى مرعيه لا إرهابي لا خوان ×× دولة عربية إسلامية وأولادها أحرار
شدوا إيدينك كبير وصغير نهب بعزم جديد ×× الوعي سلاح فيه الخير قوة الشباب احديد
كل واحد على وطنه يغير ×× إحنا بأيدينا المصير وبأيدينا القرار
يلزم طاقتنا نسخرها نمحي بها العار ×× خُطة الباغي نفشلها وتتكشف الأسرار
**************************************************************************************************
يا خضراء مهما طال ليل الظالم وجار ×× يطلع زهر الآمال و ينوّر الصبار
الطريق اطويل وعالطريق أشواك ×× برغم التضليل يطلع صبحي في سماك
يا ارض الزيتونه حنيني إليك ×× من الغربة يحملني نحوم حواليك
حنيني للتربة ..لإخواني اللي فيك .. ×× في برج الرومي وإلا في كل نواحيك
يا شعبي إمتى تسود والوطن اسير
• برج الرومي سجن من سجون العهد البائد
mraham70@gmail.com ــــــــــــــ 21يناير 2011م
مصر .. الثورة المتصاعدة
رشفات سياسية 8
مصر .. الثورة المتصاعدة
بقلم : مرعي حميد
الأولى : ربيع الغضب :
تعيش شعوبنا العربية فجراً جديداً للحرية ، عصراً جديداً لها كشعوب تعيش بكرامة ، تأبى الخنوع ، ويكن لها العز الذي تنشده ، امة تضع حد لطغيان من هم في سدة السلطة فيها أياً كانت ألقابهم : رؤساء ، ملوك ، امرأ . تعيش كل ذلك وأكثر على وقع الثورتين التونسية والمصرية ، تصحو في كل صباح وتنام في كل مساء وهي تسمع وترى [ ثورة علهواء ] ، انه ربيع (الغضب) العربي ـ فنحن نعيش فصل الربيع و ذلك الغضب هو ربيع الشعب ان أراد الحياة ، وللكاتب الكبير محمد حسنين هيكل كتاب ( خريف الغضب ) ومنه استعرت الوصف ـ غضب عارم فاعل ايجابي على حكام طاب لهم الكرسي وإن اتهموه بأنه نار، حكام استمرءوا الاستبداد ونهب الثروات الخاصة بشعوبهم ، حكام لا يترددون في تحويل أوطانهم إلى خادم لمشروع الحركة الصهيونية في فلسطين ليحظى الحاكم و زبانيته برضاء سادة البيت الأبيض وغفلوا عن الحقيقة الكبرى ان شرعيتهم الحقيقية تكمن في يد الشعب لا أعداء الشعب ومصاصي دمائه .
دروس جديدة قدمتها الثورة المصرية للشعوب والحكام ليس في العالم العربي فحسب ، بل في كل أرجاء المعمورة .
لقد زلزلت الكلمات السحرية (( الشعب يريد إسقاط النظام )) الطغاة على عروشهم وأصابت سر الداء السياسي في دولنا في مقتل .
الثانية : إسقاط رهانات الحكام :
لدى الحكام العرب على وجه التحديد رهانات عديدة راهنوا عليها للبقاء والاستمرار وممارسة نزوات الاستبداد ومصادرة الكرامة والوطن وبيع مواقفه في أسواق النخاسة العالمية لمن يدفع أكثر أو يسكت على جرائم الجاثم على الكرسي أو يضمن بقاء الكرسي تحت الزعيم المحنط أو شبه المحنط ، وهذه الرهانات التي أسقطتها :
1 ـ استحالة الثورة لان الشعب فاقد الحيلة ويأس ولن يدفع ثمنها من قتلى و جرحى وتعذيب بأقسى أساليب التعذيب و الإهانة .
2 ـ إمكانية التوريث ولو عبر انتخابات زائفة .
3 ـ تمازج الوطن والأسرة الحاكمة .
4 ـ تمازج و تماهي الوطن والحزب الحاكم أو حزب الحاكم .
5 ـ إبقاء سراديب العصابة الحاكمة في العتمة بعيدة عن الأضواء ،
6 ـ إمكانية ممارسة الاستبداد وبدون حدود لقمع المعارضين .
7 ـ تأبيد الحكم أو إمكانية تمديده وتمطيطه بذريعة رغبة الشعب ( الجارفة ) أو بحجة ان الحاكم فلتة ويجب الحفاظ عليه في موقعه و بعد الثورة المصرية وقبلها التونسية أصبح تسقيف مدد الحكام ضرورة لازمة لامناص و لا مهرب منها ، وأصبحت القاعدة (( خذ فترتك وامش محترم أحسن لك من ثورة تقلعك )) .
8 ـ الشعب مات ولا حراك فيه ، ولا خوف من ميت ، وبالتالي اصنع ما بدا لك ما دمت مطيعاً لسدنة البيت الأبيض و الحركة الصهيونية .
9 ـ القداسة المصنوعة المنفوخة المتصورة والمتخيل ثباتها وتحققها في قلوب الشعب عبر الصور في كل مكتب وزقاق وعمود كهرباء وعلى صفحات الصحف وعبر الأغاني الوطنية والتهاني الزائفة بمناسبات هي ملك الشعب أصلا وانفضاح الأبواق التي تطبل وتزمر للحكام الظلمة الطغاة العتاة كالقنوات والصحف الرسمية والكتاب المأجورين أمثال مجدي الدقاق و عبدالله كمال .
10 ـ انتخابات صورية ديكورية وفوز بنسبة 99% والذهاب بعدها لوصف الحاكم انه ديمقراطي ولا أروع ، و بذل وصف ( الديمقراطي ) أو (الشعبي ) أو (الديمقراطي ) على الحزب الحاكم أو توليفة من ذلك وغيره . لقد فضحت ثورة 25 يناير المصرية مدى أكاذيب النظام المصري وزيفه وهو يخوض الانتخابات ويعلن فوزه الساحق الماحق ، وهناك أنظمة عربية مماثلة له لعل أوان افتضاحها قد أزف .
الثالثة : للعزة ثمن :
أكثر من 300 شهيد تصدوا بصدورهم العارية ـ إلا من إصرارهم المتين على اقتلاع الدكتاتور والديكتاتورية ـ لرصاص قوات الأمن التي حاولت الاستماتة للحفاظ على حكم الطاغية ، شهداء أبرار قدمتهم مصر الكنانة لتتفلت من استبداد وطغيان حسني مبارك وابنه جمال ، و بعض اضطرابات و آلام رافقت الثورة ولا تزال ، وأضرار طالت الكثير من الممتلكات على يد عصابات آل مبارك ، وفي ذلك الجو حاول البعض ، ولا يزال ، النيل من ثورة الشعب المصري وتخويفه من عواقب ثورته والهشاشة المتوقعة لثمرتها و تخويفهم بل ذهب بعض ( الأكابر) يسمون الثورة الفذة بـ ( الفتنة ) في توصيف معيب يسير في ركاب الطغاة والطغيان أو على الأقل يمثل خور فيهم وتفضيلاً منهم لما يظنون انّ فيه السلامة ، إنه (( لابد للأمة من ميلاد ولابد للميلاد من مخاض ولابد للمخاض من آلام )) كما قال المفكر الإسلامي المصري العملاق سيد قطب ، وهذا ما شهدناه ونشهده في مصر الثورة المتصاعدة ، و كما قال سيد كذلك أنّ (( ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة وأن تكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية وأن الذين يستعدون للموت توهب لهم الحياة وأن الذين لا يخشون الفقر يرزقون الكفاية وأن الذين لا يرهبون الجاه والسلطان يرهبهم الجاه والسلطان )) وقد قال الشاعر التونسي الفذ أبو القاسم الشابي :
وللأوطــان ِ فـي دم كل حر يــدٌ سـَلـَفـَتْ ودَينٌ مُستـَحـَقُ
ومَنْ يـَسقي ويشــربُ بالمنايا إذا الأحرارُ لم يُسقــَوا ويَسقـُوا؟
ولا يبــني الممالكَ كالضحايا ولا يـُدنِي الــحقوقَ ولا يُحِقُ
فــفي القتل ِ لأجيـالٍ حـَياة ٌ وفي الأسرى فدىً لهمو وعـِتقُ
وللـحُريِّةِ الـــحـَمـراءِ بابٌ بكـل ِ يَــدٍ مُضَــرَّجَـةٍ يُـدَقُ
الرابعة : هل يبزغ حكم الإخوان المسلمين ؟ :
لقد كان للإخوان المسلمين في مصر ـ كما الإخوان التونسيين ـ دور مقدر في الثورة يتضح ذلك من نهوضهم بمهمة الحراسات في الإحياء السكنية حين اختفت الشرطة غير مأسوفاً عليها ، ومن خلال حراستهم لمداخل ميدان التحرير بشكل خاص ، وبصمات الإخوان التنظيمية بارزة للعيان في كثير من تفاصيل الثورة ، ولذا نجد الآن ، وأكثر من أي زمن مضى ، يسعى النظام المصري المتعفن المنهار لإقناع العالم ومنه الأحزاب والتيارات المصرية على ضعفها وديكورية بعضها ان أي انتخابات وديمقراطية حقيقية في مصر سيجني ثمرة ذلك الإخوان المسلمين ، ولعله قد تمكن من إقناع الكثيرين بذلك ، ولكنني أقول ان من يحسم هذا الأمر لا حسني و لا الناطق باسمه والمسبح بحمده ( عمر سليمان ) ـ يُسمى نائب رئيس ـ ، ولا تحسمه أمريكا ولا الحركة الصهيونية ولا الحكام العرب المذعورين ، إنما يحسمه الشعب المصري الثائر ثورته العملاقة ، الدرس الذي ننام ونصحو على إيقاعه العبقري ، الفذ . و ان النجاح النهائي للثورة لابد لأجله من كنس كل رموز النظام المتهاوي إلى مزبلة التاريخ دون إعطائهم فرصة لالتقاط الأنفاس . ان الغرب وأذنابه ومنذ القديم لا يحرصون على شيء حرصهم على منع بروز أي نموذج حقيقي لحكم الإخوان المسلمين حتى لا يكون منارة تهتدي بها الشعوب المسلمة التواقة إلى استعادة الحرية والعزة والكرامة .
الخامسة : آن للملكيات أن ترحل :
لقد كان المشهور في عالمنا العربي ان تتحول الجمهوريات عملياً إلى ملكيات ، ولكن في اعتقادي ان الذي حدث في مصر وتونس يعكس هذا التفكير والطرح رأساً على عقب ، لقد آن الأوان لتختفي الملكيات في وطننا العربي لتحل الجمهوريات الحقيقية في كل الأرجاء ، إني أتساءل : من أعطى أولئك الملوك والأمراء الثروات المادية تحت السطح ؟ لا احد ، أم أنهم هم أوجدوها ؟ لا وألف لا ، وهذه الشعوب في دولهم متى امتلكوهم أو استعبدوهم وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ كانت مصر ملكية وسقطت فيها الملكية عام 1952م ، كانت ليبيا ملكية وسقطت فيها الملكية في الفاتح من سبتمبر 1969م ، كان شمال اليمن مملكة وسقطت في 26 سبتمبر 1962م ، و آن للملكيات المتبقية ان ترحل ، انه لابد من قدر كامل أو كبير من الديمقراطية وبالقدر الذي يعيد للناس حاجتهم الماسة للشعور بالكرامة والحرية ، وبما يضمن لهم الأمن الداخلي والعيش الرغيد ، إن الشعب هو صاحب المصلحة الحقيقية في الثروة والسلطة سواء كان الشعب يعيش في جمهورية أو ملكية .
السادسة : دماء جديدة للديمقراطية الكلية :
أثبتت أحداث مصر جدوى النموذج الغربي في الحكم الحديث ، وفضحت الخائفين من الديمقراطية مادامت ستفضي إلى نتيجة لصالح الإسلاميين ، اوليس انتخاب الإسلاميين هو حق للشعب إن أراد ؟ أم أنّ الشعب يصبح بذلك مجنون ، قاصر ، يستحق الحجر عليه بحرمانه هذا الخيار ، أم أنّ ذلك لا يصح وغير مقبول انتخابهم إلا ان كانوا متطرفين صهاينة على شاكلة الأرعن المعتوه أفيغدور ليبرمان . مبدأ غير مكتوب مفاده لنرفض الديمقراطية ما دامت أنها ستأتي بأناس غير ديمقراطيين ، يا أخي ماهو انتم أثبتم أنكم مفلسين من الديمقراطية فلما تريدوا من الآخرين ما انتم فقراء منه [ فاقد الشي لا يتبجح به ] . و يبقى هذا الحديث رمياً بالغيب ، وحيلة قذرة سخيفة للحفاظ على السلطة ، لان أولئك المتلفعين بالديمقراطية يدركون ان الشعوب هويتها إسلامية و طبيعي ان تختار الإسلاميين ان أتيح لها انتخابات حرة ونزيهة ثم ان الإسلاميين سيحكمون الحكم الصالح الرشيد الذي سيجعلهم وباستمرار يحظون بثقة الغالبية من شعوبهم في المواسم الانتخابية وتركيا العدالة والتنمية خير مثال وبالتالي يثق أولئك الأدعياء الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على الشعب ان الانتخابات تضمن خروجهم من السلطة وتضمن عدم عودتهم مرة أخرى فأولوياتهم غير أولويات شعوبهم .
لن تنتظر الشعوب ديمقراطية ينعم بها البيت الأبيض على الشعب مرغماً الحكام عليها ، بل ستهب لتصنع ديمقراطيتها بدون شروط الغرب وألاعيبه وتفضيلاته للأقرب إليه من الأحزاب والتيارات في أوطاننا .
السابعة : زعماء ينتهون بما يليق بهم :
ماذا لو لم يثر الشعب المصري ضد حسني مبارك و طغمته ؟ لاستمر مبارك معزز مكرم حتى يموت فتخرج الملايين الأسيفة تشيعه ، وتتسمر ملايين أخرى متأسفة أمام الشاشات لرحيل قائد الطيران الحربي في معركة الشرف العربي 1973 ، لو كان ذلك حدث لمنح ارفع الألقاب وأصبح قبره مزاراً للجماهير ، ولكن جاءت الثورة المصرية وفضحت الفرعون المحنط و حرمته النهاية التي يعتقد أنها تشرفه وتليق به لينتهي النهاية التي تليق برجل مستبد متجبر مختلس لمال شعبه بل الذي كانت مصر في عهده مجرد بيدق في جيش الحركة الصهيونية ، لقد كان نتيجة عناد حسني مبارك الذي قال عن نفسه أنّ لديه دكتوراه في العناد ، كان نتيجة عناده أن ديست كرامته وفي كل العواصم ، ولعل زعيماً سواه لم يتعرض لما تعرض له من إهانات ولعنات وفي الأخير سيرغم على الرضوخ لرغبة الشعب الذي أراد الحياة وسيرحل أو يتمنى ان لو كان قد رحل ولكن مصيراً أسواء ينتهي إليه .
الثامنة : (( شعب مصر في وجه فرعونه وابنه )) ..
كما كتبت ذلك في مقال نشر مطلع العام الماضي 2010 ـ أو قبل حلوله ـ بعنوان (( قاطعوا مصر يرحمكم الله )) وقد كتبت فيه : ومصر الرسمية وهي تبني جدارها المشين إنما تبني جدار متين بين ماض، به بعض خير إلى جانب كثير من الشر والبغي، وحاضر ومستقبل خالص الشر والبغي لحساب بقاء المبارك للمشروع الصهيوني والانهزامي و الخياني وتوريث ابنه [نعش] الحكم ،الإبن الذي يقتفي خطاء أبيه بل وهو على الاستعداد ليذهب إلى ابعد ما يذهب إليه أبيه في الإخلاص للمشروع الخياني.
واقترحت فيه (( مظاهرات عارمة يحرق فيها علم مصر وصور حسني مبارك وابنه جمال والمجرم الصهيوني الأرعن محمود عباس ،ترفع فيها شعارات نحو : ليسقط النظام المصري ،ليسقط حسني مبارك ، ليسقط العملاء ، ليسقط الخونة ولتسقط الخيانة .
(( كتابة هذه الشعارات في ملصقات ونشرها وتثبيتها في كل مكان :جدران ،سيارات، نشرها في المواقع والمنتديات الالكترونية حتى يقوم شعب مصر في وجه فرعونه وابنه. ))
(( الدعاء على فرعون مصر وابنه وخاصة في الثلث الأخير من الليل ونحن في نوم ليل طويل في أيام الشتاء هذه و بإمكاننا أن ننهض منه من اجل إخواننا في غزة وان ندعو الله أن يعجّل بهلاك الطاغية وابنه .))
(( نشر موجة العداء للنظام المصري العميل أوساط الشعوب العربية والإسلامية ))
وكتبت (( وكل هذا حتى يقف شعب مصر وقفة رجل أو وقفة مقاومة من غزة ، في وجه نظامهم العميل الخائن المتعفن الذي سامهم ويسومهم الويلات )) ، وقد حفلت رشفات سياسية بالحديث عن نظام الفرعون المتعفن .
وكتبت في رشفات سياسية 6 في سياق الحديث عن انتخابات مجلس الشعب المزورة في نوفمبر 2010م (( لقد كان الهدف الأساسي [ من مشاركة الإخوان ] حرمان النظام المصري المتعفن من التبجح بالديمقراطية والمشروعية ، وفي المقابل غدا الإخوان يمثلون إلى حد كبير إرادة الشارع المصري فيما يفتقد الحزب ( الوطني الديمقراطي !!!) أي تمثيل لإرادة الشعب المصري إنما هم حُثالة من اللصوص و الحرامية والبلطجية بل و غدا الأمن المصري في الواقع الجناح العسكري للحزب الوطني الحاكم بالزور والبهتان وأصبح الميل للخيار غير السلمي للوصول إلى السلطة حق وطني للإخوان ولغيرهم في ظل استقوا الحزب الحاكم بالدولة و افتقاده الشرعية والمشروعية و رفضه العملي لمبدأ التداول السلمي للسلطة ))
فبراير2011 ــــــــــــــ mraham70@gmail.com
مصر .. الثورة المتصاعدة
بقلم : مرعي حميد
الأولى : ربيع الغضب :
تعيش شعوبنا العربية فجراً جديداً للحرية ، عصراً جديداً لها كشعوب تعيش بكرامة ، تأبى الخنوع ، ويكن لها العز الذي تنشده ، امة تضع حد لطغيان من هم في سدة السلطة فيها أياً كانت ألقابهم : رؤساء ، ملوك ، امرأ . تعيش كل ذلك وأكثر على وقع الثورتين التونسية والمصرية ، تصحو في كل صباح وتنام في كل مساء وهي تسمع وترى [ ثورة علهواء ] ، انه ربيع (الغضب) العربي ـ فنحن نعيش فصل الربيع و ذلك الغضب هو ربيع الشعب ان أراد الحياة ، وللكاتب الكبير محمد حسنين هيكل كتاب ( خريف الغضب ) ومنه استعرت الوصف ـ غضب عارم فاعل ايجابي على حكام طاب لهم الكرسي وإن اتهموه بأنه نار، حكام استمرءوا الاستبداد ونهب الثروات الخاصة بشعوبهم ، حكام لا يترددون في تحويل أوطانهم إلى خادم لمشروع الحركة الصهيونية في فلسطين ليحظى الحاكم و زبانيته برضاء سادة البيت الأبيض وغفلوا عن الحقيقة الكبرى ان شرعيتهم الحقيقية تكمن في يد الشعب لا أعداء الشعب ومصاصي دمائه .
دروس جديدة قدمتها الثورة المصرية للشعوب والحكام ليس في العالم العربي فحسب ، بل في كل أرجاء المعمورة .
لقد زلزلت الكلمات السحرية (( الشعب يريد إسقاط النظام )) الطغاة على عروشهم وأصابت سر الداء السياسي في دولنا في مقتل .
الثانية : إسقاط رهانات الحكام :
لدى الحكام العرب على وجه التحديد رهانات عديدة راهنوا عليها للبقاء والاستمرار وممارسة نزوات الاستبداد ومصادرة الكرامة والوطن وبيع مواقفه في أسواق النخاسة العالمية لمن يدفع أكثر أو يسكت على جرائم الجاثم على الكرسي أو يضمن بقاء الكرسي تحت الزعيم المحنط أو شبه المحنط ، وهذه الرهانات التي أسقطتها :
1 ـ استحالة الثورة لان الشعب فاقد الحيلة ويأس ولن يدفع ثمنها من قتلى و جرحى وتعذيب بأقسى أساليب التعذيب و الإهانة .
2 ـ إمكانية التوريث ولو عبر انتخابات زائفة .
3 ـ تمازج الوطن والأسرة الحاكمة .
4 ـ تمازج و تماهي الوطن والحزب الحاكم أو حزب الحاكم .
5 ـ إبقاء سراديب العصابة الحاكمة في العتمة بعيدة عن الأضواء ،
6 ـ إمكانية ممارسة الاستبداد وبدون حدود لقمع المعارضين .
7 ـ تأبيد الحكم أو إمكانية تمديده وتمطيطه بذريعة رغبة الشعب ( الجارفة ) أو بحجة ان الحاكم فلتة ويجب الحفاظ عليه في موقعه و بعد الثورة المصرية وقبلها التونسية أصبح تسقيف مدد الحكام ضرورة لازمة لامناص و لا مهرب منها ، وأصبحت القاعدة (( خذ فترتك وامش محترم أحسن لك من ثورة تقلعك )) .
8 ـ الشعب مات ولا حراك فيه ، ولا خوف من ميت ، وبالتالي اصنع ما بدا لك ما دمت مطيعاً لسدنة البيت الأبيض و الحركة الصهيونية .
9 ـ القداسة المصنوعة المنفوخة المتصورة والمتخيل ثباتها وتحققها في قلوب الشعب عبر الصور في كل مكتب وزقاق وعمود كهرباء وعلى صفحات الصحف وعبر الأغاني الوطنية والتهاني الزائفة بمناسبات هي ملك الشعب أصلا وانفضاح الأبواق التي تطبل وتزمر للحكام الظلمة الطغاة العتاة كالقنوات والصحف الرسمية والكتاب المأجورين أمثال مجدي الدقاق و عبدالله كمال .
10 ـ انتخابات صورية ديكورية وفوز بنسبة 99% والذهاب بعدها لوصف الحاكم انه ديمقراطي ولا أروع ، و بذل وصف ( الديمقراطي ) أو (الشعبي ) أو (الديمقراطي ) على الحزب الحاكم أو توليفة من ذلك وغيره . لقد فضحت ثورة 25 يناير المصرية مدى أكاذيب النظام المصري وزيفه وهو يخوض الانتخابات ويعلن فوزه الساحق الماحق ، وهناك أنظمة عربية مماثلة له لعل أوان افتضاحها قد أزف .
الثالثة : للعزة ثمن :
أكثر من 300 شهيد تصدوا بصدورهم العارية ـ إلا من إصرارهم المتين على اقتلاع الدكتاتور والديكتاتورية ـ لرصاص قوات الأمن التي حاولت الاستماتة للحفاظ على حكم الطاغية ، شهداء أبرار قدمتهم مصر الكنانة لتتفلت من استبداد وطغيان حسني مبارك وابنه جمال ، و بعض اضطرابات و آلام رافقت الثورة ولا تزال ، وأضرار طالت الكثير من الممتلكات على يد عصابات آل مبارك ، وفي ذلك الجو حاول البعض ، ولا يزال ، النيل من ثورة الشعب المصري وتخويفه من عواقب ثورته والهشاشة المتوقعة لثمرتها و تخويفهم بل ذهب بعض ( الأكابر) يسمون الثورة الفذة بـ ( الفتنة ) في توصيف معيب يسير في ركاب الطغاة والطغيان أو على الأقل يمثل خور فيهم وتفضيلاً منهم لما يظنون انّ فيه السلامة ، إنه (( لابد للأمة من ميلاد ولابد للميلاد من مخاض ولابد للمخاض من آلام )) كما قال المفكر الإسلامي المصري العملاق سيد قطب ، وهذا ما شهدناه ونشهده في مصر الثورة المتصاعدة ، و كما قال سيد كذلك أنّ (( ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة وأن تكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية وأن الذين يستعدون للموت توهب لهم الحياة وأن الذين لا يخشون الفقر يرزقون الكفاية وأن الذين لا يرهبون الجاه والسلطان يرهبهم الجاه والسلطان )) وقد قال الشاعر التونسي الفذ أبو القاسم الشابي :
وللأوطــان ِ فـي دم كل حر يــدٌ سـَلـَفـَتْ ودَينٌ مُستـَحـَقُ
ومَنْ يـَسقي ويشــربُ بالمنايا إذا الأحرارُ لم يُسقــَوا ويَسقـُوا؟
ولا يبــني الممالكَ كالضحايا ولا يـُدنِي الــحقوقَ ولا يُحِقُ
فــفي القتل ِ لأجيـالٍ حـَياة ٌ وفي الأسرى فدىً لهمو وعـِتقُ
وللـحُريِّةِ الـــحـَمـراءِ بابٌ بكـل ِ يَــدٍ مُضَــرَّجَـةٍ يُـدَقُ
الرابعة : هل يبزغ حكم الإخوان المسلمين ؟ :
لقد كان للإخوان المسلمين في مصر ـ كما الإخوان التونسيين ـ دور مقدر في الثورة يتضح ذلك من نهوضهم بمهمة الحراسات في الإحياء السكنية حين اختفت الشرطة غير مأسوفاً عليها ، ومن خلال حراستهم لمداخل ميدان التحرير بشكل خاص ، وبصمات الإخوان التنظيمية بارزة للعيان في كثير من تفاصيل الثورة ، ولذا نجد الآن ، وأكثر من أي زمن مضى ، يسعى النظام المصري المتعفن المنهار لإقناع العالم ومنه الأحزاب والتيارات المصرية على ضعفها وديكورية بعضها ان أي انتخابات وديمقراطية حقيقية في مصر سيجني ثمرة ذلك الإخوان المسلمين ، ولعله قد تمكن من إقناع الكثيرين بذلك ، ولكنني أقول ان من يحسم هذا الأمر لا حسني و لا الناطق باسمه والمسبح بحمده ( عمر سليمان ) ـ يُسمى نائب رئيس ـ ، ولا تحسمه أمريكا ولا الحركة الصهيونية ولا الحكام العرب المذعورين ، إنما يحسمه الشعب المصري الثائر ثورته العملاقة ، الدرس الذي ننام ونصحو على إيقاعه العبقري ، الفذ . و ان النجاح النهائي للثورة لابد لأجله من كنس كل رموز النظام المتهاوي إلى مزبلة التاريخ دون إعطائهم فرصة لالتقاط الأنفاس . ان الغرب وأذنابه ومنذ القديم لا يحرصون على شيء حرصهم على منع بروز أي نموذج حقيقي لحكم الإخوان المسلمين حتى لا يكون منارة تهتدي بها الشعوب المسلمة التواقة إلى استعادة الحرية والعزة والكرامة .
الخامسة : آن للملكيات أن ترحل :
لقد كان المشهور في عالمنا العربي ان تتحول الجمهوريات عملياً إلى ملكيات ، ولكن في اعتقادي ان الذي حدث في مصر وتونس يعكس هذا التفكير والطرح رأساً على عقب ، لقد آن الأوان لتختفي الملكيات في وطننا العربي لتحل الجمهوريات الحقيقية في كل الأرجاء ، إني أتساءل : من أعطى أولئك الملوك والأمراء الثروات المادية تحت السطح ؟ لا احد ، أم أنهم هم أوجدوها ؟ لا وألف لا ، وهذه الشعوب في دولهم متى امتلكوهم أو استعبدوهم وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ كانت مصر ملكية وسقطت فيها الملكية عام 1952م ، كانت ليبيا ملكية وسقطت فيها الملكية في الفاتح من سبتمبر 1969م ، كان شمال اليمن مملكة وسقطت في 26 سبتمبر 1962م ، و آن للملكيات المتبقية ان ترحل ، انه لابد من قدر كامل أو كبير من الديمقراطية وبالقدر الذي يعيد للناس حاجتهم الماسة للشعور بالكرامة والحرية ، وبما يضمن لهم الأمن الداخلي والعيش الرغيد ، إن الشعب هو صاحب المصلحة الحقيقية في الثروة والسلطة سواء كان الشعب يعيش في جمهورية أو ملكية .
السادسة : دماء جديدة للديمقراطية الكلية :
أثبتت أحداث مصر جدوى النموذج الغربي في الحكم الحديث ، وفضحت الخائفين من الديمقراطية مادامت ستفضي إلى نتيجة لصالح الإسلاميين ، اوليس انتخاب الإسلاميين هو حق للشعب إن أراد ؟ أم أنّ الشعب يصبح بذلك مجنون ، قاصر ، يستحق الحجر عليه بحرمانه هذا الخيار ، أم أنّ ذلك لا يصح وغير مقبول انتخابهم إلا ان كانوا متطرفين صهاينة على شاكلة الأرعن المعتوه أفيغدور ليبرمان . مبدأ غير مكتوب مفاده لنرفض الديمقراطية ما دامت أنها ستأتي بأناس غير ديمقراطيين ، يا أخي ماهو انتم أثبتم أنكم مفلسين من الديمقراطية فلما تريدوا من الآخرين ما انتم فقراء منه [ فاقد الشي لا يتبجح به ] . و يبقى هذا الحديث رمياً بالغيب ، وحيلة قذرة سخيفة للحفاظ على السلطة ، لان أولئك المتلفعين بالديمقراطية يدركون ان الشعوب هويتها إسلامية و طبيعي ان تختار الإسلاميين ان أتيح لها انتخابات حرة ونزيهة ثم ان الإسلاميين سيحكمون الحكم الصالح الرشيد الذي سيجعلهم وباستمرار يحظون بثقة الغالبية من شعوبهم في المواسم الانتخابية وتركيا العدالة والتنمية خير مثال وبالتالي يثق أولئك الأدعياء الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على الشعب ان الانتخابات تضمن خروجهم من السلطة وتضمن عدم عودتهم مرة أخرى فأولوياتهم غير أولويات شعوبهم .
لن تنتظر الشعوب ديمقراطية ينعم بها البيت الأبيض على الشعب مرغماً الحكام عليها ، بل ستهب لتصنع ديمقراطيتها بدون شروط الغرب وألاعيبه وتفضيلاته للأقرب إليه من الأحزاب والتيارات في أوطاننا .
السابعة : زعماء ينتهون بما يليق بهم :
ماذا لو لم يثر الشعب المصري ضد حسني مبارك و طغمته ؟ لاستمر مبارك معزز مكرم حتى يموت فتخرج الملايين الأسيفة تشيعه ، وتتسمر ملايين أخرى متأسفة أمام الشاشات لرحيل قائد الطيران الحربي في معركة الشرف العربي 1973 ، لو كان ذلك حدث لمنح ارفع الألقاب وأصبح قبره مزاراً للجماهير ، ولكن جاءت الثورة المصرية وفضحت الفرعون المحنط و حرمته النهاية التي يعتقد أنها تشرفه وتليق به لينتهي النهاية التي تليق برجل مستبد متجبر مختلس لمال شعبه بل الذي كانت مصر في عهده مجرد بيدق في جيش الحركة الصهيونية ، لقد كان نتيجة عناد حسني مبارك الذي قال عن نفسه أنّ لديه دكتوراه في العناد ، كان نتيجة عناده أن ديست كرامته وفي كل العواصم ، ولعل زعيماً سواه لم يتعرض لما تعرض له من إهانات ولعنات وفي الأخير سيرغم على الرضوخ لرغبة الشعب الذي أراد الحياة وسيرحل أو يتمنى ان لو كان قد رحل ولكن مصيراً أسواء ينتهي إليه .
الثامنة : (( شعب مصر في وجه فرعونه وابنه )) ..
كما كتبت ذلك في مقال نشر مطلع العام الماضي 2010 ـ أو قبل حلوله ـ بعنوان (( قاطعوا مصر يرحمكم الله )) وقد كتبت فيه : ومصر الرسمية وهي تبني جدارها المشين إنما تبني جدار متين بين ماض، به بعض خير إلى جانب كثير من الشر والبغي، وحاضر ومستقبل خالص الشر والبغي لحساب بقاء المبارك للمشروع الصهيوني والانهزامي و الخياني وتوريث ابنه [نعش] الحكم ،الإبن الذي يقتفي خطاء أبيه بل وهو على الاستعداد ليذهب إلى ابعد ما يذهب إليه أبيه في الإخلاص للمشروع الخياني.
واقترحت فيه (( مظاهرات عارمة يحرق فيها علم مصر وصور حسني مبارك وابنه جمال والمجرم الصهيوني الأرعن محمود عباس ،ترفع فيها شعارات نحو : ليسقط النظام المصري ،ليسقط حسني مبارك ، ليسقط العملاء ، ليسقط الخونة ولتسقط الخيانة .
(( كتابة هذه الشعارات في ملصقات ونشرها وتثبيتها في كل مكان :جدران ،سيارات، نشرها في المواقع والمنتديات الالكترونية حتى يقوم شعب مصر في وجه فرعونه وابنه. ))
(( الدعاء على فرعون مصر وابنه وخاصة في الثلث الأخير من الليل ونحن في نوم ليل طويل في أيام الشتاء هذه و بإمكاننا أن ننهض منه من اجل إخواننا في غزة وان ندعو الله أن يعجّل بهلاك الطاغية وابنه .))
(( نشر موجة العداء للنظام المصري العميل أوساط الشعوب العربية والإسلامية ))
وكتبت (( وكل هذا حتى يقف شعب مصر وقفة رجل أو وقفة مقاومة من غزة ، في وجه نظامهم العميل الخائن المتعفن الذي سامهم ويسومهم الويلات )) ، وقد حفلت رشفات سياسية بالحديث عن نظام الفرعون المتعفن .
وكتبت في رشفات سياسية 6 في سياق الحديث عن انتخابات مجلس الشعب المزورة في نوفمبر 2010م (( لقد كان الهدف الأساسي [ من مشاركة الإخوان ] حرمان النظام المصري المتعفن من التبجح بالديمقراطية والمشروعية ، وفي المقابل غدا الإخوان يمثلون إلى حد كبير إرادة الشارع المصري فيما يفتقد الحزب ( الوطني الديمقراطي !!!) أي تمثيل لإرادة الشعب المصري إنما هم حُثالة من اللصوص و الحرامية والبلطجية بل و غدا الأمن المصري في الواقع الجناح العسكري للحزب الوطني الحاكم بالزور والبهتان وأصبح الميل للخيار غير السلمي للوصول إلى السلطة حق وطني للإخوان ولغيرهم في ظل استقوا الحزب الحاكم بالدولة و افتقاده الشرعية والمشروعية و رفضه العملي لمبدأ التداول السلمي للسلطة ))
فبراير2011 ــــــــــــــ mraham70@gmail.com
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)