الثلاثاء، 3 فبراير 2015

الصلة بالله تعالى .. أصول ومضامين

الصلة بالله ... أصول ومضامين مرعي حميد القرب الروحي من الله تعالى و العلاقة العميقة بالله تعالى ، تلك هي الصلة بالله ، و تسمى كذلك ( القرب من الله ) ، وهي رغبة عميقة لديه أن يكون بهذا المستوى من القرب من الله تعالى . الصلة الحسنة بالله شعور روحي عميق بالقرب الروحي والأنس بالله ومع الله تعالى ، هي شعور بالطمأنينة الروحية والسعادة الروحانية ، حال من العيش الفريد وتحقيق الوجود الأروع في الحياة تحلو فيه المناجاة ويعذب فيه ذكر الله ويبلغا ذروة العبقرية والبهاء والسناء والألق . الصلة بالله مطلب عزيز ولكنه يسير لمن قام بأسبابه ، حسن الصلة بالله تأسيساً و ابتداءً حصيلة لتوفيق الله والصدق والإخلاص له ، هي شعور بالعلاقة القوية مع الله تعالى ذي الجلال والجمال والجبروت ، هو حال مع الله تعالى معنوية يستشعر فيها المؤمن معية الله فهو يشهده بروحه ويوقن بأنه عن نظر الله لا يغيب فهو يراه ويعلم به وهو أقرب إليه من حبل الوريد ، شعور غامر بقرب الله تعالى القوي المتين ذي الجلال والإكرام ، إحساس من المؤمن بذكر الله له وهو يذكره ، إن كان في نفسه كان في نفسه ، و إن كان في ملاء كان في ملاء خيراً منهم . الصلة بالله غاية في حد ذاتها ، يقول ابن قيم الجوزية في ( الوابل الصيب ) : وعمال الآخرة على قسمين : منهم من يعمل على الأجر والثواب ومنهم من يعمل على المنزلة والدرجة فهو ينافس غيره في الوسيلة والمنزلة عند الله تعالى ويسابق إلى القرب منه وقد ذكر الله تعالى النوعين في سورة الحديد في قول الله تعالى : { إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم } فهؤلاء أصحاب الأجور والثواب ثم قال : { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون } فهؤلاء أصحاب المنزلة والقرب وجاء في (ميزان العمل ) لحجة الاسلام أبو حامد الغزالي (( وكما يطلب العاشق القرب من معشوقه ، فكذا المريد يطلب القرب من الله تعالى، لا أن ذلك بقرب بمكان أو بتماس سطوح الأجسام، أو بكمال جمال صورة بأن يصير مبصراً حاضراً في القوة الباصرة صورته.)) وفي السطور التالية نبسط الحديث في الأصول الاربعة للصلة الحسنة بالله تعالى : اولاً : المحبة العميقة لله تعالى : الصلة الحسنة بالله شعور عميق بحب الله تعالى واستيلاء ذلك الحب على العقل والروح والسلوك ، وهو حب يُصدقه العمل بمرضاته واجتناب مساخطه ، و دواعيه ، كنعمه ، لا عد لها . هي كذلك شعور طموح في محبة الله التي بيّن الله تعالى صفات أهلها في محكم تنزيله . هي حصيلة للتطهر من ظاهر الإثم وباطنه ، و ذكر لله بالقلب واللسان معاً ، و استئناس بخطاب الله و إصغاء روحي لكلام الله تعالى في كتابه الكريم المبارك ، هي شعور بمحبة الله الصادقة مع استحضار لقربه ولعظمته في كل صفاته من فوق سماواته . قال شيخ الاسلام ابن تيمية في ( إقامة الدليل على إبطال التحليل ) : (( مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى مَحَبَّةَ مَا أَحَبَّ )) و قال ((وَمِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ بُغْضُ مَا يَبْغُضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )) . الأصل أن يحب المؤمن الله تعالى فهو خالقه ورازقه وحاشرة إلى الجنة ومكرمه بكرامته بإذنه تعالى ، كما أنّه تعالى أنعم عليه بكل نعمة وفي مقدمتها نعمة الهداية التي هي أجل نعمة ينعم الله بها على عبده ، وقد قال الشيخ عوض محمد بانجار ، رحمه الله ، إنّ كل نعمة من دون نعمة الهداية قد تتحول نقمة على صاحبها حيث قد يسخرها في معصية الله وبالتالي يكون مصيره جهنم بقدر معاصيه ، أو بمعنى آخر بقدر استخدامه لنعمة الله في معصيته ، فيما أنّه بحصول نعمة الهداية فإن النعم تكون نعم حقاً ويستخدمها المؤمن في طاعة الله وله بها عظيم الأجر متى ما توفر الإخلاص لله منه . إنّ محبة العبد لربه هي أروع و أجل حب في الوجود ، وقد سأل المصطفى صلى الله عليه وسلم ربه هذه المحبة : (( أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك )) كما ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه الإمام الألباني في ( صحيح الترمذي ) . و مدح الله أهل هذا الحب بقوله تعالى : ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ )) . قال ابن عطاء الله السكندري في كتابه تاج العروس صـ 80 ((صحبة الله صحبة أياديه ونعمه : فمن صحب النعم بالشكر، وصحب البلايا بالصبر ، وصحب الأوامر بالامتثال ، والنواهي بالانزجار ، والطاعة بالإخلاص ، فقد صحب الله تعالى ، فإذا تمكنت الصُحبة صارت خِلّة )) وقال صـ 71 : ((ما أطيب عيش المُحِب مع الحبيب إذا لم يطّلع عليه رقيبُ! )) . قال الإمام ابن قيم الجوزية في ( مدارج السالكين ) : (( وأصل التأله التعبد والتعبد آخر مراتب الحب يقال عبده الحب وتيمه إذا ملكه وذلله لمحبوبه )) ، و قال (( وحقيقة العبودية الحب التام مع الذل التام والخضوع للمحبوب تقول العرب طريق معبد أي قد ذللته الأقدام وسهلته )) ، وقال في منزلة المحبة (( ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة المحبة وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون وإليها شخص العاملون وإلى علمها شمر السابقون وعليها تفانى المحبون وبروح نسيمها تروح العابدون فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون )) ولأن المُحب يُحبُ لمحبوبه كل ما يرضيه فإن العبد يسعد حين يتوجه الناس لله بالطاعة والمحبة ، ويصبح ( يُحب في الله ) ، بل إن المُحب لله يحرص على أن يكون سبباً في محبة الآخرين لحبيبه من خلال الدعوة إلى المحبوب والنصيحة والتذكير بما يزيد الناس له طاعة و إجلالاً ، وتبقى غيره من نوع خاص : أن تُنتهك محارم الله . ومن محبة الله الحنان المنان الودود الرحيم ، محبة أخرى تتدفق معه وتنساب ، إنها محبة الحبيب المحبوب الرسول الكريم خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله الصادق الأمين والسراج المنير الرحمة المهداة و النعمة المسداة لنا نحن البشر من ربنا الرحمن الرحيم لينقذنا من ضلالة المعصية إلى نور الهداية ، ومن شقاء العصيان إلى لذة عبادة الواحد الديان ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الإنسان إلى عدل الإسلام ، محمد بن عبدالله الذي تحمل المشاق والعنت والإيذاء و الشدة ، وهو أكرم مخلوق عند الله تعالى، تحمّل ذلك ليصل إليّ واليك نور الوحي وشمس الرسالة فنعيش في نورها الزاهر ولا تلفتنا عنه لذات الدنيا الدنية ولا رغبات النفس الآثمة العجولة لما يشقيها ويفوّت عليها أعظم نعيم في الدنيا والآخرة ، ومن علامات ولوازم محبة الصادق الأمين اقتفاء أثره والاهتداء بهديه والدلالة إليه و عليه ، والصلاة على المصطفى من قلب حاضر . قال الله تعالى : (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ )) وقد عاب الله على قوم أحبوا غيره أكثر منه تعالى و أكثر من مصطفاه الأمين فقال : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )) ومن علامات ولوازم محبة الصادق الأمين اقتفاء أثره والاهتداء بهديه والدلالة إليه و عليه ، والصلاة على المصطفى من قلب حاضر . قال الله تعالى : ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )). ثانيا ً: المسارعة في طاعة الله : الحُب الإنساني ميل قلبي لتملك أو مشاركة أو طاعة أو عطاء أو تميّز إيجابي ومن ثم حرص على المحبوب و ربما إرضائه وطاعته ، ومحبة الانسان لله تعالى أولاً شعور بالامتنان لعطاء الله وفضله الذي لا حدود له ، قال ابن قيم الجوزية في [ الجواب الكافي ] : (( الطاعة توجب القرب من الرب سبحانه وكلما اشتد القرب قوى الانس والمعصية توجب البعد من الرب وكلما زاد البعد قويت الوحشة )) ، وقال في [ الوابل الصيب ] (( والذكر يوجب له القرب من الله عز و جل )) . وقال ابو حامد الغزالي في [ إحياء علوم الدين ] : (( فلا يصلح لملك الآخرة ونعيمها ولا القرب من رب العالمين إلا قلب سليم صار طاهرا بطول التزكية والتطهير )) ، و قال يحيى بن معاذ : (( من أعظم الاغترار عندي التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة وتوقع القرب من الله تعالى بغير طاعة وانتظار زرع الجنة ببذر النار وطلب دار المطيعين بالمعاصي وانتظار الجزاء بغير عمل والتمني على الله عز وجل مع الإفراط )) و (( فيكون تقربه بالنوافل سببا لصفاء باطنه وارتفاع الحجاب عن قلبه وحصوله في درجة القرب من ربه )) ، ومحبة العبد لخالقه وحبيبه الأعلى لا يكفيها الشعور فقط بل تلزمها لوازم لا تكون إلا بها وادعاء تلك المحبة بدونها هي محض زعم و وهم ، ولوازم تلك المحبة : لأن حب الله يتواضع دونه كل حب فانه يقتضي : 1 : أسمى أنواع الطاعة والامتثال ليصبح تعبد ، و الله شكور فانه يجازي عبده برضاه وبمزيد فضله و أجره ومثوبته في الآخرة ، ولأنه حب الله و (عبادته ) فان هذه الطاعة ترتقي باستمرار كماً وكيفاً ، تكون المسارعة إلى طاعة المحبوب ومرضاته و الدلالة عليها مع الإخلاص للمحبوب مع الحرص على نوافل الطاعات التي لا يوجبها على عباده ، يصف الله تعالى حالهم : ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ )) ((إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ )) ((إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا )) و في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري وصححه الألباني : (( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَي عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَي مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَي بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ )) ، و أهم الطاعات على الاطلاق بعد التوحيد الصلاة ، وهي الاساس في خلق الصلة بين العبد ومولاه ، ولذا هي صلاة ..... 2 : الإحسان والإتقان في الطاعات : قال الله تعالى : (( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) والاحسان له معنيين اولهما اداء الطاعة بإتقان وتجويد كالصلاة الخاشعة وكذلك القيام بسائر الاعمال بإتقان وفي هذا المعنى ورد الحديث الصحيح ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)) . و إنّ الشعائر التعبدية حينما تفتقد إلى روحها لا توجد الصلة المرجوة بالله تعالى ، ولا تكون تعبير عنها ولا صدى ، ولذا لا بد من حرص على روحيتها ، فالأهم هو الحضور فيها ، وهذا مصداق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أحمد وصححه الإمام الالباني في السلسلة الصحيحة : (( من توضَّأَ فأحسنَ وضوءَه ، ثمّ قامَ فصلّى ركعتين- أو أربعاً؛ شكَّ سهلٌ-، يُحسنُ فيها الذِّكر والخُشوعَ، ثم استغفرَ الله؛ غُفِرَ له )) . 3 : الفرار من المعاصي كبيرها وصغيرها ... تعصي الإله وأنت تزعم حبه ... هذا لعمري في الفعال بديع لو كان حبك صادقا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع فإذا حدث من العابد لله التقصير في جنب الله أو الوقوع في المعصية فان المطلوب منه التوبة الفورية ، توبة من الغفلة عن الله وطاعاته وتوبة عن المعصية و إقلاع عنها وندم على الوقوع فيها : قال تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ )) ، والتوبة هي الرجوع الى الله تعالى وتجديد معنى ذلك وروحيته في العقل والقلب ، و المطلوب من كل مسلم ان يتوب الى الله حينما يقع في الإثم او المعصية ، وان يجاهد نفسه بصدق وعزيمة و إخلاص على ان لا تقع مرة ثانية فيها ويتخذ الاسباب التي يستطيعها لذلك ويبتعد عن الاسباب المؤدية به إلى حياض المعصية ، و مهم للمسلم ان يحاسب نفسه ويراجعها في اعمالها الظاهرة والباطنة . وعليه ان لا ييأس من توبة الله عليه ومغفرة ذنوبه ما دام يستفرغ جهد في عدم الوقوع في المعصية بعداً عن اسبابها واجوائها . والتطهر أعلى من التوبة وهو نهي النفس وزجرها عن الوقوع في الذنب والتقصير و التوبة عنه اذا حملته نفسه او شيطانه او رفيق السوء على الوقوع فيه ، قال الإمام ابن عطاء الله السكندري : (( كيف يُشرقُ قَلْبٌ صُوَرُ الأكوانِ مُنْطَبِعَةٌ في مرآته ؟ أمْ كيف يرحلُ إلى الله وهو مكَبَّلٌ بشَهواته ؟ أم كيف يطمع أن يدخل حضرةَ الله وهو لم يتطهَّر من جَنَابَةِ غَفَلاتِهِ ؟ أم كيف يرجو أن يفهم دقائقَ الأسرارِ وهو لم يَتُبْ من هَفَواتِهِ ؟ )) ثالثاً : المعرفة بالله تعالى : إنّ الصلة القوية بالله تعالى هي تجلي من المعرفة الروحية العميقة بالله تعالى ، من خلال معرفة اسمائه الحسنى وصفاته العليا : الودود ، الصمد ، اللطيف ، السميع ، البصير ، القريب ، الظاهر ، الباطن ....وغيرها .. وهي حصاد ما ينسكب في الروح من معرفة عبر الشعائر التعبدية كالصلاة والدعاء وتلاوة كتاب الله وذكر الله.. أو بمعنى آخر هو تجلي لمعرفة الله الروحية والسلوكية العملية... كلما عرف المؤمن ربه بأسمائه وتجلياتها وصفاته ودلائلها التي بثها في الحياة والكون ، كان أحرى أن تزداد صلته بالله حسنًا وقوة ، يقول الامام القشيري في الرسالة القشيرية : (( فقُرْب العبد أولاً قرب بإِيمانه وتصديقه. ثم قرب بإحسانه وتحقيقه )) . و جاء في ( الفرقانُ بينَ أولياءِ الرَّحمَنِ وأولياءِ الشَّيْطانِ ) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (( والقرب من الله إنما يتم إذا كان القلب مستغرقاً في نور معرفته ، فإن رأى رأى دلائل قدرته ، وإن سمع سمع آيات وحدانيته ، وإن نطق نطق بالثناء عليه ، وِإن تحرك تحرك في خدمته ، وإن اجتهد اجتهد في طاعته ، فهنالك يكون في غاية القرب من الله - تعالى - ويكون وليا له - سبحانه - )) . سبيل المعرفة : 1. التفكر في كتاب الله المكتوب القرآن الكريم . 2. التفكر في الكون والكائنات ( كتاب الله المفتوح ) 3. القيام بالشعائر التعبدية كالصلاة والدعاء و الذكر المطلق لله تعالى فمنها تنسكب في الروح و العقل مزيد معرفة بالله تعالى . الشعائر التعبدية هي سبيل للمعرفة الروحية بالله تعالى ، غني الله تعالى عن عباداتنا ، ولكن نحن الفقراء إليه ، فقراء إلى معرفته و محبته والأنس به وعونه ولطفه وتوفيقه وحفظه مادياً ومعنوياً والفوز بأجره وثوابه وجنته ، ولذا كانت الشعائر التعبدية وهذا من فضل الله تعالى على الناس أن هيأ وشرع لهم ما يكون سبب في نيل كل ذلك ، بل إنه تعالى قد جعل أجور عظيمة للمقبلين على هذه الشعائر كسبب دافع إلى الحرص عليها وعلى اتمامها واتقانها والإكثار منها وبالتالي الحصول على ثمارها المتعددة . 4. التفكر و التأمل في نتاج الانسان بفعل الاستيعاب التسخيري حيث يتم اكتشاف غوامض وعجائب الإيجاد واستيعابه و استفادة الإنسان منه بقصد أو بغير قصد ،وهناك تسخير واستفادة الحيوان والنبات من تسخير الله له في بيئته التي يعيش فيها وينتقل اليها ... لوازم المعرفة : لمعرفة الله لوازم ذكرها ابن قيم الجوزية في كتابه القيّم : ( طريق الهجرتين ) : (( وكلما كان العبد أقرب إلى الله كان خوفه منه أشد لأنه يطالب بما لا يطالب به غيره ويجب عليه من رعاية تلك المنزلة وحقوقها ما لا يجب على غيره ونظير هذا في المشاهد أن الماثل بين يدي أحد الملوك المشاهد له أشد خوفا منه من البعد عنه بحسب قربه منه ومنزلته عنده ومعرفته به وبحقوقه وأنه يطالب من حقوق الخدمة وأدائها بما لا يطالب به )) و قال في السفر الأنفس : مدارج السالكين : (( فعلى قدر القرب من الله يكون اشتغال العبد به )) . رابعاً : محبة الله تعالى لعبده : محبة الله تعالى للإنسان لها شروط ومستلزمات تتحقق بتحققها في الإنسان المعني ، من يحظون بمحبة الله الحي القيوم ؟؟؟ : 1 ـ الْمُحْسِنِينَ : قال الله تعالى : (( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) ، والإحسان له ثلاثة معان : أولها : أداء الطاعة بإتقان وتجويد كالصلاة الخاشعة وكذلك القيام بسائر الأعمال بإتقان وفي هذا المعنى ورد الحديث الصحيح (( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه )) . ثانيها : تقديم الخير للناس ، جاء في تفسير الشيخ عبدالرحمن السعدي (( وهذا يشمل جميع أنواع الإحسان ، لأنه لم يقيده بشيء دون شيء ، فيدخل فيه الإحسان بالمال كما تقدم . ويدخل فيه الإحسان بالجاه ، بالشفاعات ونحو ذلك ، ويدخل في ذلك ، الإحسان بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعليم العلم النافع، ويدخل في ذلك قضاء حوائج الناس، من تفريج كرباتهم وإزالة شداتهم، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، وإرشاد ضالهم، وإعانة من يعمل عملا والعمل لمن لا يحسن العمل ونحو ذلك، مما هو من الإحسان الذي أمر الله به )) ، ....، فمن اتصف بهذه الصفات ، كان من الذين قال الله فيهم: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } وكان الله معه يسدده ويرشده ويعينه على كل أموره.)) . ثالثها : الإحسان الذي هو مقام الإسلام الأعظم الذي يلي مقامي الإسلام و الإيمان ، كما ورد في حديث جبريل المشهور ، وفيه عرّف الرسول الإحسان بقوله : (( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك )) وهو مرتبتين : المراقبة أي اليقين باطلاع الله تعالى و علمه ، و المشاهدة ( كأنك تراه ) . 2 ــ التَّوَّابِينَ : قال تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ )) ، والتوبة هي الرجوع إلى الله تعالى وتجديد معنى ذلك وروحيته في العقل والقلب ، و المطلوب من كل مسلم أن يتوب إلى الله حينما تحمله نفسه و ينتصر عليه شيطانه فيقع في الإثم أو المعصية ، وأن يجاهد نفسه بصدق على أن لا تقع مرة ثانية فيها ويتخذ الأسباب التي يستطيعها لذلك ، و مهم للمسلم أن يُحاسب نفسه ويراجعها في أعمالها الظاهرة والباطنة فإن وجد خيراً فيحمد الله عليه ، وإن وجد تقصيراً واثماً فليتب وليستغفر . وعليه أن لا ييأس من توبة الله عليه ومغفرة ذنوبه ما دام يستفرغ جهد في عدم الوقوع في المعصية بعداً عن أسبابها وأجوائها . 3 ـــ الْمُتَطَهِّرِينَ : قال الله تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ )) ، وقال تعالى ((وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)) ، والتطهر نهي النفس وزجرها عن الوقوع في الذنب والتقصير وتنقيتها من أدرانه بالاستغفار والتوبة و إبدال السيئة بالحسنة والحسنات ، ويفسر بعض العلماء (المتطهرين) بقوله : المتنزهين عن الآثام وهذا يشمل التطهر الحسي من الأنجاس والأحداث . ففيه مشروعية الطهارة مطلقا ، لأن الله يحب المتصف بها ، ولهذا كانت الطهارة مطلقا، شرطا لصحة الصلاة والطواف، وجواز مس المصحف ، ويشمل التطهر المعنوي عن الأخلاق الرذيلة ، والصفات القبيحة ، والأفعال الخسيسة . 4ـــ الْمُتَّقِينَ : قال الله تعالى : (( فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )) ، والتقوى الحذر من الوقوع في الإثم والمعصية والتقصير ، وتوقي ما يؤدي إلى غضب الله وعقوبته في الدنيا والآخرة . 5 ــ الصَّابِرِينَ : قال الله تعالى : (( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ )) ، والصبر هنا هو قدرة نفسية و عقلية و روحية وجسدية على تحمل مشاق القيام بالطاعة والانتهاء عن المعصية و عدم التسخط لأقدار الله تعالى . 6ـــ الْمُتَوَكِّلِينَ : قال الله تعالى : (( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )) ، والتوكل عمل قلبي يستند صاحبه في عمله و كسبه على الله تعالى القوي المتين الذي هو على كل شيء قدير مما يشاء و مما لا يشاء ، وهو لا يعني عدم بذل الأسباب واستفراغ الجهد الذاتي مهما كان بسيطاً ومحدوداً ،(( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا)) . 7 ـــ الْمُقْسِطِينَ : قال الله تعالى :((وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )) والقسط هو العدل والعدل هو قيمة القيم ، و أس الفضائل ، والأساس المكين للإنسانية في مسعاها للسعادة والتنمية ، وهو القاسم المشترك لكل اصحاب العقول السوية ، ولا يتنكر له إلا ظالم أو ساع إلى ظلم أو مدافع عنه . العدل وضع الشيء في مكانه ، وهو يصبغ حياة الإنسان بالرضاء والطمأنينة على ماضيه وحاضره ومستقبله ،وبالتالي الحيوية والكد والسعي وبذل المجهود في سبيل تطوير الحياة الخاصة والعامة وتيسير سبل ذلك من غير خوف ولا قلق . ومثلما هو من الضروري للعيش في رحاب الله من الاتصاف بصفات من يحبهم الله ، فكذلك لا بد من الترفع عن أوصاف من لا يحبهم الله ، والفرار منها صفات ومحاذرة الاتصاف بها : 1 ــ المعتدين : قال الله تعالى : (( وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) ، والاعتداء هو مجاوز الحد في حق الخلق و الوقوع في حق الخالق و انتهاكه و أن كان تعالى لا تضره معصية المخلوقين ولا فجورهم ، ولا تنفعه طاعتهم وقرباتهم ولكنه يرضها لهم ، وهم المحتاجين للطاعة المتضررين بالمعصية . ونقيضها أن يقف الإنسان على الحق وأن يسعى لما هو حق له وأن لا يتسبب في ضرر يلحق بغيره ، والأروع و الأنبل منه أن يدافع عن الغير ضد المعتدين عليه بحسب اعتدائهم وشدته . 2 ــــ الفساد : قال الله تعالى : (( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ )) ، وقال تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )) ، والفساد هو الخلل والضرر والعيب الشديد الذي قد يتسبب به الإنسان في حق أخيه الإنسان أو في حق متعلقات الناس وحقوقهم الخاصة أو العامة ، ونقيض الفساد الصلاح ، ونقيض المفسدين المُصلحين ولو على نطاق إصلاح الذات وإصلاح أهل بيت المرء من زوجة و أولاد . والإصلاح الغاية الأولى التجمع اليمني للإصلاح ، وهي المدخل اللازم لوضع اليمن على سكة المستقبل المشرق . 3 ــــ الكفر : قال الله تعالى : (( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ )) ، والكفر هو الجحود والانكار ، ومنه انكار وجود الله و جحود النعمة ، ومن ذلك عدم القيام بشكرها ، فإذا كان الشكر اعترافاً بها وعرفاناً فإن عدم شكرها انكاراً لها وكفراناً . والأثيم صيغة تدل على الإصرار على الإثم والإيغال في مسالكه والمبالغة في إيقاعه والتفنن فيه وهو قرين الكفر ومُصدّقه ، وهو نقيض الطاعة التي هي من أنواع الشكر ومُصدّقته . ونقيض الكفر الإيمان والارتقاء في مدارجه وصولاً إلى الشهود الروحي ، و شكر النعمة نقيض لكفرانها ، ونقيض الإثم الطاعة و المداومة عليها واتقانها . 4 ــــ الاختيال والفخر : قال الله تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)) ، والاختيال يكون في المشي وهو السير في مظهر من الكِبر والغرور والغطرسة و العجرفة ، والفخر هو امتداح الذات واطراؤها وخاصة بالنسب ، وهو نوع من أنواع الكِبر المنهي عنه ، إلا في حومة النزال و حين احتدام المعارك وتخلخل الصفوف لاستثارة العزائم و تثبيت الهمم ، وفي الغالب لا يقدم على الافتخار المنهي عنه إلا من ليس فيه ما يستحق الافتخار فيعوّض أو يحاول أن يعوّض عن ذلك بأن يفخر بنفسه بل وربما جعل من الناس من يمتدحه . كما أنّ المرء قد يبلغ به الحد في الإثم والمعصية و الإجرام أن يفتخر بها عند أقرانه بشكل خاص وربما يصل الى الاعلان عن ذلك أمام الملاء وفي وسائل الاعلام وهذا من ارتكاس الفطرة ونذالة السلوك و دناءة الطبع . ونقيض الاختيال القصد في السير من دون تكسر ولا تبطل ((وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ )) ، ونقيض الفخر تجنب امتداح الذات إلا لضرورة مع رد التوفيق إلى الخير والمنقبة الحسنة والصفة المحمودة إلى الله تعالى المنعم المتفضل جل جلاله . 5 ــــ الخيانة : قال الله تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا )) ، وقال تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ )) ، وقال سبحانه : ((إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)) ، والخيانة خلل في الضمير وخلل في السلوك الذي يفترضه العقل و الشرف والمرؤة ، هي فعل يتصادم مع الظاهر و المرئي والمعروف للناس ، وقد تكون خيانة للأمانة أو خيانة للعهد أو خيانة للوعد أو خيانة زوجية . ونقيض الخيانة الأمانة والوفاء بالعهد والوعد والميثاق . 6 ــــ الإسراف : قال الله تعالى : (( وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )) ، والإسراف والسُرف هو مجاوزة حد العقل والرشد في استخدام النعمة كالماء والنقود و والمأكولات و عموم المشروبات المباحة ، وتسخيرها في ما ينفع و يعم نفعه . ونقيض الإسراف التوسط في الاستخدام والاعتدال فيه ، و يحذر المرء من أن يقع في البخل والشح وهو منهي عنه شرعاً ((وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )) ((هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )) . 7 ـــــ التكبر : قال الله تعالى : (( إنّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ )) ، والاستكبار هو التكبّر الذي هو التعالي على الخلق و التعامل معهم بغطرسة وصلف . و هو سلوك مُخرج لصاحبه عن إطار الهُدى والرشاد ، وهو مؤدي بالضرورة إلى ظلم الناس الواقعين في دائرة هذا المستكبر، كما أنه يحمله حملاً ويدفعه دفعاً إلى رد الحق ورفض الاذعان له . والكبرياء هي رداء الله تعالى ولا يحق لأحد كان أن ينازعه إياها كما ورد في الحديث القُدسي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه : (( قال الله تعالى : الكبرياء ردائي فمن نازعني في ردائي قصمته )).وفي الحديث القدسي الصحيح الذي رواه أبو هريرة وابن عباس (( قال الله تعالى : الكبرياء ردائي و العظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار )). ونقيض التكبر التواضع . و اسباب أخرى لمحبة الله : ومن أسباب محبة الله لعبده التزام الفرائض ونوافل الطاعات : فقد جاء في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري وصححه الألباني ، وهو دستور الطاعة وقانون المحبة :((إنّ الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، و ما تقرّب إلي عبدي بشيء أحبُ إليّ مما افترضته عليه ، و ما زال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يُبصر به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي عليها ، و إن سألني لأعطينه و لئن استعاذني لأعيذنه ، و ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن ، يكره الموت و أنا أكره مساءته ))، يا له من حب و يا له من عيش في رحاب الله العامرة باللطف والتوفيق والسعادة الروحية . عيش حافل بأنواع من ذكر محبوبهم ، و موشّى بأصناف من طاعاته ، ومعمور بألوان من قرباته ونسمات وده و وداده وأنسه وكراماته جل جلاله : وهناك ذكراً مقيداً بحالات خاصة كالدخول والخروج والأكل والشرب وبُعيد الصلاة و مع تنفس الصبح و حلول المساء ، و ذكراً مطلقاً كقول : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ، و (( لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )) وغيرها ، و لك بذكر حبيبك من حبيبك ، مع ذكره لك وكفى وأنعم وأعظم به جائزة ، معيته و أجره العظيم ، ألا ربح المُحبون المُتفيئون خمائل العيش مع الله ، الحاصدون بهجتها ونظرتها , الذاكرون للجليل المتفضل ، ذلك أعظم الربح ، أجلّه ، أبركه عاقبة . أيننا منه و أيننا منهم ؟؟ رابعاً : المعرفة الروحية بالله تعالى : إن الصلة القوية بالله تعالى هو تجلي من المعرفة الروحية العميقة بالله تعالى ، من خلال معرفة اسمائه الحسنى وصفاته العليا : الودود ، الصمد ، اللطيف ، السميع ، البصير ، القريب ، الظاهر ، الباطن ....وغيرها .. وهو حصاد ما ينسكب في الروح من معرفة عبر الشعائر التعبدية كالصلاة والدعاء وتلاوة كتاب الله وذكر الله.. أو بمعنى آخر هو تجلي لمعرفة الله الروحية والسلوكية العملية... و الشعائر التعبدية هي سبيل للمعرفة الروحية بالله تعالى ،غني الله تعالى عن عباداتنا ، ولكن نحن الفقراء إليه ، فقراء إلى معرفته و محبته والأنس به وعونه ولطفه وتوفيقه وحفظه مادياً ومعنوياً والفوز بأجره وثوابه وجنته ، ولذا كانت الشعائر التعبدية وهذا من فضل الله تعالى على الناس أن هيأ وشرع لهم ما يكون سبب في نيل كل ذلك ، بل إنه تعالى قد جعل أجور عظيمة للمقبلين على هذه الشعائر كسبب دافع إلى الحرص عليها وعلى اتمامها واتقانها والإكثار منها وبالتالي الحصول على ثمارها المتعددة . ثمار الصلة بالله : 1) الحصول على الطمأنينة الروحية والسعادة الروحانية 2) تحقيق الوجود الأروع في الحياة 3) يَعذُب معها ذكر الله ، و تحلو مناجاته ، ويبلغا ذروة العبقرية والبهاء والسناء والألق . 4) نيل توفيق الله وهدايته الى الأفضل في أعماله وفي مقاصده الدنيوية 5) الحصول على حال الكمال في الصلاة الخاشعة : في رسالة ابن القيم إلى احد إخوانه قال : (( فحظ العبد من القرب من الله على قدر حظه من مقام الإحسان وبحسبه تتفاوت الصلاة حتى يكون بين صلاة الرجلين من الفضل كما بين السماء والأرض وقيامهما وركوعهما وسجودهما واحد )) . 6) محبة العابد لله تعالى والأنس به جل جلاله 7) استشعار قرب الله تعالى و محبته لعبده 8) تَفيُّئ ألطاف الله ونعمه بالليل والنهار 9) الحماية من شر النفس ، و الإعاذة من شر العدو المتربص الشيطان الرجيم وجنده . 10) الظفر بالنصر تلو النصر على الخصم المتربص من بني البشر بكيدهم و قضهم وقضيضهم ، بغثائهم الهابط وإنتاجهم الداعر و لذة ما لديهم ليفوتوا عليك أعلى وأغلى نعيم ولذة : نعيم المحبة والقرب من العلي الأعلى ولذة مناجاة الله القريب الذي لا ينساك بأي حاليك طائع أم عاصي لكن شتان بين الحالين والذكرين ، شتان بين الرضا والغضب ، بين الرضا والسخط ، بين حب الله و مقته .

رفض النُصح .. استماعاً وامتثالاً

رفض النُصح .. استماعاً وامتثالاً بقلم : مرعي حميد / مفكر وباحث تعريف النصيحة : النصيحة هي الخطاب الموجه من فرد لفرد آخر أو لمجموعة أفراد يدعوهم فيه إلى القيام بعمل ما أو الانتهاء عنه على سبيل الترجي والتمني والتودد لا على سبيل الأمر والتوجيه . و هي مظهر الإخلاص للمنصوح والصدق في ابتغاء مصلحته ينالها و يضاعفها و يتجنب ما فيه مضرته أو مضرة من يقع في دائرته ، ولذا سُميت النصيحة ، وقد ورد النصح في القرآن بمعنى الصدق والإخلاص في قوله تعالى : (( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ )) . الذين يرفضون النُصح : يأبى الاستماع للنصح كل قليل عقل مغرور مُتشدق بالكمال والجلال ، فالسوي من الناس الحريص على مصلحته ومصلحة من يقع في دائرة مسؤوليته يستمع لكل ناصح بعقل مفتوح وقلب سمح بل انه يتطلب النصح ممن يرى أن لديه ما يهمه من طيب النُصح .. كتب خليفة المسلمين عمر بن عبدالعزيز الى الحسن البصري عظني قال فكتب اليه الحسن : أما بعد يا أمير المؤمنين فكن للمثل من المسلمين أخا وللكبير ابنا وللصغير أبا وعاقب كل واحد منهم بذنبه على قدر جسمه ولا تضربن لغضبك سوطا واحدا فتدخل النار ويرفض الاستماع للنصح كل من لديه قدر من المسؤولية والتملك ويرى أن استماعه للنصح تقليل من مقدار مسؤوليته وتملّكه ويرفض الاستماع للنصح كل من لديه فقر او انعدام للمسؤولية تجاه ما هو مسؤول عنه كبر ام صغر . ويرفض النصح صاحب الهوى المُتّبع والمُتعصب لرأيه لدرجة أنه يرفض مجرد الاستماع لرأي مخالف قد يجد فيه الصواب لو أنه تأمله و تبصره . ويرفض النصح كل من غرق في المخالفة وارتكاب المحظور والممنوع فهو به متشبث لا يتصور حياته من دونه ولا يتصور له قيمة ولا مستقبل في الحياة من دون ذلك المحظور او الممنوع . لقد استولى على شعوره وغرائزه ذلك الممنوع و أصبح يجري معه مجرى الدم بحبه ينبض قلبه ولأجله يُرخص كل غال او قيّم ، انه أكب همه ، ومبلغ علمه ورغبته ، وما كان مبلغ العلم ومنتهاه كان مبلغ الرغبة ومنتهاها . و احتقار الناصح او ازدرائه او النظرة الى الناصح كفاقد للعلم الذي يؤهله للنصح او امتلاكه قدر غير كافي من العلم ، او التقليل من شأنه ومركزه الاجتماعي او العلمي او السياسي او الاقتصادي أو صغر سن الناصح بالنسبة لسن المنصوح ،كل تلك من عوامل رفض النصح وقد يرفض النصح من يفسره بصورة خاطئة فيعتقد مثلاً أن الناصح انما يتنقصه ويتزيّد عليه او أن للناصح غاية او غايات أخرى غير ما يُظهره في نصحه ، آداب النصيحة : 1) معرفة حال المنصوح بصورة حقيقية لا متوهمة 2) التعرّف على مكمن الخلل لديه والتركيز عليه و التأكد من أنه حقاً خلل وما قد يكون دافعه 3) الاخلاص لله عز وجل 4) ابتغاء مصلحة المنصوح وترجي الخير والمنفعة له تنقصه و لا التزيد عليه 5) الاسرار بها فلا تكون أمام الناس أو أمام من لا يهمه ولا يعنيه الأمر 6) تخير الوقت والحال المناسب للمنصوح 7) تقديم النصيحة في ود و لين وعدم رفع الصوت والإعراب عن حرصه على مصلحته 8) تخير الكلمات الهادئة غير المثيرة وغير الصارفة عن المقصد والغاية من النصح 9) اعتماد الاقناع المنطقي العقلي والاقناع بالقصة المؤثرة و بالنص الواضح البين القاطع 10) عدم تكرارها الا اذا تغير ضرف المنصوح موقف الناصحين امام الرفض : 1) الدعاء للمنصوحين بالهداية والسداد من الله تعالى 2) إظهار الحرص على منفعة المنصوح كلما تيسر له 3) بعث من يراه أهلاً لنصحه وبطريقة لا يشعر بها المنصوح 4) ترك المنصوح وشأنه 5) استشعار أنه قد قام بواجبه وبما يستطيعه فلا يذهب يتحسّر على استمرار المخالفة او الاعراض عن الامتثال

الدفاع عن الباطل

الدفاع عن الباطل مرعي حميد/ مفكر وباحث الباطل هو كل قضية عملية او فكرية متجاوزة للحق متعدية على المنطق والقانون والدستور تكون انتهاك لحق او لحقيقة ، والدفاع عن الباطل مهنة يحترفها كل أفاك أثيم مُستكبر ، كل معربد في الارض و يهوى للعربدة أن يزداد فعلها وتتسع رقعتها ... و هو صورة من صور المشاركة في صنع الباطل ومفاقمته و تكبير مساحته وتعميق أثره وتأثيره . ويعتقد البطولة في دفاعه عن الباطل . يدافع عن الباطل احد ثلاثة : 1) صاحب الباطل : وهو من ارتكب الباطل مستنداً الى قوة ذاتية من مال و سلاح ومنعة متعددة الصور ، أو مُستنداً لقوة مُخطوفة كجيش الشعب و سلاحه و القوات والوسائل المُعدة لحفظ امن الشعب واستقرار الوطن . 2) المُبطل الآخر : وهو من يقترف الباطل عادة ، فهو لا يُنكر الباطل الذي يرتكبه سواه فهو يوفر لنفسه المريضة قدر من المشروعية بمنطق ( ليس وحدي من يفعل فيظلم ويعربد ) ، كما يمنحه قدر من والاستئناس وتبادل المنافع . 3) من يخدمه الباطل بصورة ( آلية ) أوتوماتيكية ممن لا خلاق له ممن هو متربص بالواقع في حقه الباطل فيحل في منصبه أو يشفي غليل نفسه لتفوق من وقع عليه الظلم أو لاعتقاده ان بإمكانه أن يحل مكانه ويرث مكانته أو أنه يشكل خطر مستقبلي عليه . 4) صاحب هوى يجد الباطل يلبي رغباته ويشبع غرائزه و يريح نفسه 5) صاحب المصلحة المبتغاة من خلال الدفاع : مال ، منصب ، شهرة .. و يكون دفاع هؤلاء بواحد او أكثر مما يأتي : 1) التبرير للباطل الذي وقع على سين بما قد يكون من باطل صدر عنه ( تبرير الخطاء بالخطاء ) 2) البحث عن أدلة زائفة تدين المظلوم 3) افتراض اوهام تبرر للمبطل ما قام به 4) وضع توصيف خاطئ عن ما حدث 5) تلفيق الاتهامات وترويجها 6) تقديم الدعم المادي لصاحب الباطل 7) مُضايقة صاحب الحق وخلق مزيد المتاعب له 8) الاسهام في الحيلولة بين صاحب الحق وحقه في التعبير عن مظلوميته ودفع تخرصات الباطل ضده 9) اتهام صاحب الباطل انه متراخي في تعامله مع من وقع عليه الظلم 10) حث الآخرين على الدفاع عن الظلم وتأسيس واتاحة المنابر الاعلامية لهم مثل قناة العربية التي تأبى أن تغادر العفونة التي ألفتها . إنّ الدفاع عن الباطل عمل لا يقوم به الأسوياء من الناس ، بل هو صنعة من مرضت وتفحمت ضمائرهم ، وكبرت وتضخمت لديهم الأنانية والنرجسية لدرجة انها اعمت بصائرهم وعطلت بصائرهم . هو عمل يقوم به الأقزام و الأوغاد والسفلة واراذل الناس في الحقيقة وان تسنموا أرفع المناصب و أعلى الرتب .. انه ديدن القصّر وعادة السفهاء ، يتصّنع المجد من يفعله ويقدم عليه و هو في الواقع كائن حقير بمقدار حقارة الباطل الذي يدافع عنه . متى ينتصر الباطل : قد ينتصر الباطل على الحق ويسحقه وذلك في أحد الحالات الآتية : 1) اذا تفوقت قوة الباطل المادية أو البشرية أو الإدراكية على قوة الحق او انعدمت أو ضعفت أو قلت لدى الحق القوة والحِنكة والفِطنة 2) اذا وجد المُبطل غباء وجهل وسذاجة من صاحب الحق 3) اذا فشل صاحب الحق في تقدير الموقف واللحظة لغياب المعلومات لديه أو لغرور واهم لا يستند الى أرضية صُلبة او لإصرار يدفع به للتهلكة من أجل الحق الذي هو في لحظته تلك قضية خاسرة لتفوق الباطل في العدد والعُدة والفرصة 4) اذا فشل صاحب الحق في الحصول على الادلة التي تقف لصالحه أو فشل في دحض تخرصات وتلفيقات صاحب الباطل 5) اذا انحازت قوة مُضافة وسلطة مُبطلة لصاحب الباطل فاكتسب قوة من قوتها وفرصة غير مُتاحة لصاحب الحق . إنّ الحق في غالب الأحيان لا ينتصر بالأمنيات الفارغة ولا النوايا الطيبة التي لا تسندها قوة مادية مضمونة أو بشرية واعية ، وليس الحق ينتصر باستعداد لتضحية لا قيمة لها ولا جدوى ولا معنى لها إلا الوهم والفكر الخاطئ والتفكير الحالم . مرعي حميد ـــ 2فبراير 2015م

المثال والواقع

المثال والواقع بقلم : مرعي حميد / مفكر وباحث هذا المقال لكل من لديه مثال يحرص ويسعى لتحقيقه : الطالب ، التاجر ، المستثمر ، السالك درب الربانية ، الداعية ، الإداري ، السياسي ، الرياضي ، الكبير ومن هو في مقتبل العمر النضير ، الذكر ، الأنثى ، للفرد كما هو للمجموعة .. كم هي الاحلام والطموحات التي تنتصب للمرء في عالم المثال والمُثل لديه ، كم يفكر المرء وتُصيبه الحيرة ،ويُحالفه الحظ ، او يكن نصيبه الفشل و الإخفاق وربما الاحباط ، وهو يسلك سُبل تحويل المثال إلى أرض الواقع حقيقة ملموسة تتجسد وتدب فيها الحياة . ويُقال نفس هذا الأمر عن أحلام المجتمعات والشعوب والأمم والمجموعات ، سواء بسواء .. لا يختلف سوى ضميرا المفرد والجمع هناك وهنا .. ومن المعالم الهادية على طريق تحويل المثال إلى واقع : 1 ـ معرفة المثال حق معرفته وتبصّره واستيعاب جزئياته معرفة و إدراكاً ، ولا تكفيه النظرة العجلى و لا الكلمة التي لا تلامس شغاف القلب والعقل . 2 ـ معرفة الواقع كما هو لا كما تصوره لنا عاطفتنا القاصرة الخداعة التي تحاول أن ترسم لنا صورة وردية ، فلا بد من تلاحم هذا النمط من التصوير مع ما يعود به العقل الصادق من صورة بفعل سبره للواقع وغوصه في تكويناته وتفصيلاته عبر التأمل الصرف غير المتحيز وغير المحكوم بفكرة مُسبقة وعبر القراءة المتعمّقة والمتراكمة في أحيان وعبر الاحتكاك به واستشعار أمانيه وتطلعاته في حالات ، وعبر الاستماع إلى المختصين والمتخصصين وعبر معرفة التاريخ ذي الصلة واستيعاب دروسه واستنهاجها في الممارسة الحاصلة والمستقبله .. 3 ـ إبعاد و الابتعاد عن أي عوامل قد تُعرقل المسار المتدفق للمُثل ، وهي إما أن تكون من صنعنا أو من صنع غيرنا قصداً أو عَرضاً .. وقد تكون صناعتنا لها عن نية حسنة ولكن ـ ومن دون شعور منّا ـ يكن هذا عامل تعويق يحد من اندفاعتنا وربما يوقفها ويسبب تعثّرها .. 4 ـ أن يكون معلوم لدينا أن ليس كل مثال بالإمكان تحويله إلى واقع محسوس ملموس كما نرغي ونُريد ، وبالتالي فإنه مما ينبغي أن نحذره أن نتطلّب أو أن نُصر إصراراً ، أو أن نقف على عتبة المثال الكامل أن يستحيل واقعاً مُعاشاً ، ففي أحيان يجب علينا أن نكتفي في مسعانا بنصف المثال أن يتحقق ، وربما بما هو دونه ، ومن دون إدراك حقيقي لهذا الشأن فإننا قد لا نظفر من سعينا إلا بالصفر في ( أحسن ) الأحوال ، فلربما عدنا بما هو دونه ، و أرتدّ مسعانا إلى نكبة نقع في براثنها أو دركة في أسونتها . وقد يكون علينا أن نكتفي في مرحلة ما بثلث المثال أن يتحقق ، وفي المستقبل نحقق مزيده بشريطة أن لا يكون سعينا لهذا المزيد سبب في أن نخسر ما تحقق لنا ويكن حجر عثرة يعوّق كل مسارنا و في كل مستقبلنا .. وتحديد هذا مرهون بفقه الواقع الراهن ـ واقع التخطيط ـ وفقه الواقع المستقبلي بطرائقه و وسائله التي سبق عرضها .. 5 ـ يجب أن نحذر اليأس أن يستولي علينا أو الاحباط أن يتخلل نفوسنا ويتسلل عقولنا وذلك لاستطالة الطريق وبُعد الهدف وكثرة المعوّقات والصعوبات ، وذلك طالما كان سعينا راشداً وخطتنا واضحة و صفنا متآزراً وارادتنا ثابتة و عزمتنا صادقة وفهمنا عميقاً للمثال وللواقع الذي نحن فيه و للواقع الذي ننهض لبلوغ ضفافه و الاستراحة على شطئانه ...إنّ رسالتنا في الحياة هي أن نسعى ونواصل السعي والمسعى ، أن نبقى على درب حُلم المثال الذي ننشد فلا انحراف ولا توقف .. 6 ـ استفراغ وسعنا وطاقتنا وجهدنا هو المطلوب من أحدنا وهو يسعى بمثاله إلى أرض الواقع .. وحينها يكن معذوراً أمام نفسه و أمام الناس .. و أمام رب الناس جل جلاله .. 7 : لا يُنال أمر ذي بال من دون صبر لأجله ومن دون تضحية بمال أو بوقت أو بجهد أو بسوى ذلك من الشريف والغال والنفيس ، ومن يخطب الحسناء لا يُغلها المهر ، المهم أن يكون صبرنا و تضحياتنا تقربنا إلى المثال يتجلى و يتجسد واقعاً حياً مُحيياً للهمم ومُسعداً للقلوب ومُبهجاً للأرواح ، لا أن تكون نقيض ذلك ، ولا أن تكون ويكون صبرنا ضياعاً للجهد والمجهود و تبديداً للممكنات و المتاحات .. وكل هذا بالإمكان تقديره عبر الإدراك الحقيقي للواقع المبني على المعلومة الصحيحة والحقيقة الشرعية والعلمية الثابتة ، ولذا لا بد من تجميع كل ذلك واستيعابه من مصادره الموثوقة لا الضانة ولا المظنونة ولا الخادعة ولا الخداعة ، من دون انسياق إلى الاغترار بحضور قوة أو ثروة . أو ماضي أو رصيد أو سمعة ، ومن دون احتقار للذات ومن دون وقوع في تهوين أو تهويل .. وهي موازين دقيقة تحتاج دوماً إلى جلسات مع الذات ومع الآخر الحريص على المثال أن يتجسد أو يتجسد الجزء الممكن منه .. 8 ـ تطبيق الجزء من المثال الذي يتصل بحياتنا الشخصية ( الفردية ) و الأسرية ، وهو دليل صدق لمسعانا ، وسبيل من سُبل تيسير بلوغ ما نطمح إليه و نعقد عليه الآمال ، وكلما زال التناقض بين ( مثالنا الشخصي ) وبين المثال الذي نرسمه لا فرادنا وللواقع الخارجي عن ساحتنا الذاتية كلما استحققنا النجاح وكلما وجدنا من المُحيطين بنا التقدير والاحتذاء ، والأخير هو الأهم بل و هو أحد وسائل بلوغ الغاية وإتمام القصد على سبيل المثال المرسوم والمنقوش في عقولنا والمسطور في أرواحنا والذي تنبض منه خفقات قلوبنا ... 9 ـ حراسة أخلاقيات الإنجاز جزء لا يتجزأ من العمل الإنجازي للمثال بالقدر الذي يتناسب مع الواقع ومع الممكن .. ومن اخلاقيات أصحاب الانجاز البعد عن سلوك المبالغة في الطلب وتعقيد الأمور و البعد عن اخلاق الزهو والخيلاء و التعجرف ، مع استصحاب شعور الثقة بالذات والقة بالمستقبل والثقة بالمجموع والثقة في توفيق الله لصائب الاعمال والطموحات و استشعار أن كل توفيق حصل ويحصل انما هو بحبل من الله وحبل من المجموع العامل والمساند بالمادي وبالمعنوي وبكليهما . 10ـ التقييم الدوري والمستمر للمسار العملي و إدراكنا للواقع ومتغيراته التي قد تكون حدثت واستجدت .. ومدى تأثيرها على خط السير ، ومواكبتها في التخطيط والتنفيذ .. 11 ـ حينما يتحقق لنا المثال أو جزئه الذي نستطيع ويسمح به الواقع الذي فقهناه ـ بما فيه واقعنا نحن : الامكانيات والممكنات ـ يجب أن لا ندخر جهداً في التزام أخلاق الحفاظ عليه من امتلاك لنفسية التواضع و الاعتراف بدور الآخر وجميله الذي أسداه لنا في سبيل النجاح ، و أن نتجنب أي سلوك أو تصرف يسبب فقدانه أو انتقاصه ، من غرور و كِبر وغطرسة وشعور بالكمال وأنّ ما تم ليس إلا انجاز فردي أو جماعي في انكار لدور الآخرين في تحقيقه . 12 ـ إنّ الواجب يقتضي منّا أن نحصّن الإنجاز بروح الحرص الواعي الراشد عليه والمُرشّد له ، و أن نسوّره حتى لا يختطفه قُطاع الطرق و ذوي القلوب الميتة والنفسيات التي لا ترتاح لنجاح الآخر بل تنزعج ويستحيل النجاح ، في أحيان وحالات ، جمر بالنسبة لها يكويها فهي في دأب لإخماده واستحالته إلى رماد تذروه الرياح بشتى الوسائل والسُبل .