الثلاثاء، 3 فبراير 2015

المثال والواقع

المثال والواقع بقلم : مرعي حميد / مفكر وباحث هذا المقال لكل من لديه مثال يحرص ويسعى لتحقيقه : الطالب ، التاجر ، المستثمر ، السالك درب الربانية ، الداعية ، الإداري ، السياسي ، الرياضي ، الكبير ومن هو في مقتبل العمر النضير ، الذكر ، الأنثى ، للفرد كما هو للمجموعة .. كم هي الاحلام والطموحات التي تنتصب للمرء في عالم المثال والمُثل لديه ، كم يفكر المرء وتُصيبه الحيرة ،ويُحالفه الحظ ، او يكن نصيبه الفشل و الإخفاق وربما الاحباط ، وهو يسلك سُبل تحويل المثال إلى أرض الواقع حقيقة ملموسة تتجسد وتدب فيها الحياة . ويُقال نفس هذا الأمر عن أحلام المجتمعات والشعوب والأمم والمجموعات ، سواء بسواء .. لا يختلف سوى ضميرا المفرد والجمع هناك وهنا .. ومن المعالم الهادية على طريق تحويل المثال إلى واقع : 1 ـ معرفة المثال حق معرفته وتبصّره واستيعاب جزئياته معرفة و إدراكاً ، ولا تكفيه النظرة العجلى و لا الكلمة التي لا تلامس شغاف القلب والعقل . 2 ـ معرفة الواقع كما هو لا كما تصوره لنا عاطفتنا القاصرة الخداعة التي تحاول أن ترسم لنا صورة وردية ، فلا بد من تلاحم هذا النمط من التصوير مع ما يعود به العقل الصادق من صورة بفعل سبره للواقع وغوصه في تكويناته وتفصيلاته عبر التأمل الصرف غير المتحيز وغير المحكوم بفكرة مُسبقة وعبر القراءة المتعمّقة والمتراكمة في أحيان وعبر الاحتكاك به واستشعار أمانيه وتطلعاته في حالات ، وعبر الاستماع إلى المختصين والمتخصصين وعبر معرفة التاريخ ذي الصلة واستيعاب دروسه واستنهاجها في الممارسة الحاصلة والمستقبله .. 3 ـ إبعاد و الابتعاد عن أي عوامل قد تُعرقل المسار المتدفق للمُثل ، وهي إما أن تكون من صنعنا أو من صنع غيرنا قصداً أو عَرضاً .. وقد تكون صناعتنا لها عن نية حسنة ولكن ـ ومن دون شعور منّا ـ يكن هذا عامل تعويق يحد من اندفاعتنا وربما يوقفها ويسبب تعثّرها .. 4 ـ أن يكون معلوم لدينا أن ليس كل مثال بالإمكان تحويله إلى واقع محسوس ملموس كما نرغي ونُريد ، وبالتالي فإنه مما ينبغي أن نحذره أن نتطلّب أو أن نُصر إصراراً ، أو أن نقف على عتبة المثال الكامل أن يستحيل واقعاً مُعاشاً ، ففي أحيان يجب علينا أن نكتفي في مسعانا بنصف المثال أن يتحقق ، وربما بما هو دونه ، ومن دون إدراك حقيقي لهذا الشأن فإننا قد لا نظفر من سعينا إلا بالصفر في ( أحسن ) الأحوال ، فلربما عدنا بما هو دونه ، و أرتدّ مسعانا إلى نكبة نقع في براثنها أو دركة في أسونتها . وقد يكون علينا أن نكتفي في مرحلة ما بثلث المثال أن يتحقق ، وفي المستقبل نحقق مزيده بشريطة أن لا يكون سعينا لهذا المزيد سبب في أن نخسر ما تحقق لنا ويكن حجر عثرة يعوّق كل مسارنا و في كل مستقبلنا .. وتحديد هذا مرهون بفقه الواقع الراهن ـ واقع التخطيط ـ وفقه الواقع المستقبلي بطرائقه و وسائله التي سبق عرضها .. 5 ـ يجب أن نحذر اليأس أن يستولي علينا أو الاحباط أن يتخلل نفوسنا ويتسلل عقولنا وذلك لاستطالة الطريق وبُعد الهدف وكثرة المعوّقات والصعوبات ، وذلك طالما كان سعينا راشداً وخطتنا واضحة و صفنا متآزراً وارادتنا ثابتة و عزمتنا صادقة وفهمنا عميقاً للمثال وللواقع الذي نحن فيه و للواقع الذي ننهض لبلوغ ضفافه و الاستراحة على شطئانه ...إنّ رسالتنا في الحياة هي أن نسعى ونواصل السعي والمسعى ، أن نبقى على درب حُلم المثال الذي ننشد فلا انحراف ولا توقف .. 6 ـ استفراغ وسعنا وطاقتنا وجهدنا هو المطلوب من أحدنا وهو يسعى بمثاله إلى أرض الواقع .. وحينها يكن معذوراً أمام نفسه و أمام الناس .. و أمام رب الناس جل جلاله .. 7 : لا يُنال أمر ذي بال من دون صبر لأجله ومن دون تضحية بمال أو بوقت أو بجهد أو بسوى ذلك من الشريف والغال والنفيس ، ومن يخطب الحسناء لا يُغلها المهر ، المهم أن يكون صبرنا و تضحياتنا تقربنا إلى المثال يتجلى و يتجسد واقعاً حياً مُحيياً للهمم ومُسعداً للقلوب ومُبهجاً للأرواح ، لا أن تكون نقيض ذلك ، ولا أن تكون ويكون صبرنا ضياعاً للجهد والمجهود و تبديداً للممكنات و المتاحات .. وكل هذا بالإمكان تقديره عبر الإدراك الحقيقي للواقع المبني على المعلومة الصحيحة والحقيقة الشرعية والعلمية الثابتة ، ولذا لا بد من تجميع كل ذلك واستيعابه من مصادره الموثوقة لا الضانة ولا المظنونة ولا الخادعة ولا الخداعة ، من دون انسياق إلى الاغترار بحضور قوة أو ثروة . أو ماضي أو رصيد أو سمعة ، ومن دون احتقار للذات ومن دون وقوع في تهوين أو تهويل .. وهي موازين دقيقة تحتاج دوماً إلى جلسات مع الذات ومع الآخر الحريص على المثال أن يتجسد أو يتجسد الجزء الممكن منه .. 8 ـ تطبيق الجزء من المثال الذي يتصل بحياتنا الشخصية ( الفردية ) و الأسرية ، وهو دليل صدق لمسعانا ، وسبيل من سُبل تيسير بلوغ ما نطمح إليه و نعقد عليه الآمال ، وكلما زال التناقض بين ( مثالنا الشخصي ) وبين المثال الذي نرسمه لا فرادنا وللواقع الخارجي عن ساحتنا الذاتية كلما استحققنا النجاح وكلما وجدنا من المُحيطين بنا التقدير والاحتذاء ، والأخير هو الأهم بل و هو أحد وسائل بلوغ الغاية وإتمام القصد على سبيل المثال المرسوم والمنقوش في عقولنا والمسطور في أرواحنا والذي تنبض منه خفقات قلوبنا ... 9 ـ حراسة أخلاقيات الإنجاز جزء لا يتجزأ من العمل الإنجازي للمثال بالقدر الذي يتناسب مع الواقع ومع الممكن .. ومن اخلاقيات أصحاب الانجاز البعد عن سلوك المبالغة في الطلب وتعقيد الأمور و البعد عن اخلاق الزهو والخيلاء و التعجرف ، مع استصحاب شعور الثقة بالذات والقة بالمستقبل والثقة بالمجموع والثقة في توفيق الله لصائب الاعمال والطموحات و استشعار أن كل توفيق حصل ويحصل انما هو بحبل من الله وحبل من المجموع العامل والمساند بالمادي وبالمعنوي وبكليهما . 10ـ التقييم الدوري والمستمر للمسار العملي و إدراكنا للواقع ومتغيراته التي قد تكون حدثت واستجدت .. ومدى تأثيرها على خط السير ، ومواكبتها في التخطيط والتنفيذ .. 11 ـ حينما يتحقق لنا المثال أو جزئه الذي نستطيع ويسمح به الواقع الذي فقهناه ـ بما فيه واقعنا نحن : الامكانيات والممكنات ـ يجب أن لا ندخر جهداً في التزام أخلاق الحفاظ عليه من امتلاك لنفسية التواضع و الاعتراف بدور الآخر وجميله الذي أسداه لنا في سبيل النجاح ، و أن نتجنب أي سلوك أو تصرف يسبب فقدانه أو انتقاصه ، من غرور و كِبر وغطرسة وشعور بالكمال وأنّ ما تم ليس إلا انجاز فردي أو جماعي في انكار لدور الآخرين في تحقيقه . 12 ـ إنّ الواجب يقتضي منّا أن نحصّن الإنجاز بروح الحرص الواعي الراشد عليه والمُرشّد له ، و أن نسوّره حتى لا يختطفه قُطاع الطرق و ذوي القلوب الميتة والنفسيات التي لا ترتاح لنجاح الآخر بل تنزعج ويستحيل النجاح ، في أحيان وحالات ، جمر بالنسبة لها يكويها فهي في دأب لإخماده واستحالته إلى رماد تذروه الرياح بشتى الوسائل والسُبل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق