الأربعاء، 28 يناير 2015
منهج لدعوة اسلامية مُجددة
منهج لدعوة اسلامية مُجددة
بقلم : مرعي حميد / مفكر وباحث
الحمد لله وحده ، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملئ السماوات وملئ الارض وملئ ما بينهما وملئ ما شاء ربنا من شيء بعد ، الحمد لله حتى يرضى والحمد لله اذا رضي والحمد لله بعد الرضاء ، الحمد لله على نعمة الاسلام والايمان والاحسان ، الحمد لله على نعمة الهداية الى صراطه المستقيم .. الحمد لله على نعمه التي لا تُحصى و آلائه التي لا تُنسى ..
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده مُعلم الناس سبل الخيرات والفضائل والمكرمات ، الداعي الى رضوان الله وطريق السعادة في الدارين والفوز بأعالي الدرجات سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه و أقتفى أثره الى يوم الدين ..
أولاً : في الحاجة الى تنظيم دعوي جديد :
الاسلام هو دين الله في الارض ، وتبقى حاجة الناس في الحقيقة الى الاسلام أشد من حاجتهم للماء والنفس والغذاء ، ولذا كان من اللازم أن تبقى الدعوة اليه والتذكير بتعاليمه مستمرة ، وتتواجد على الساحة ، ومنذ عقود مضت ، تنظيمات وتيارات دعوية تقوم بدور مُقدر في الدعوة الى الله تعالى ، ومن خلال دراسة معمقة لتلك التيارات تبين لي أن معظمها وقعت في براثن السياسية والساسة إماً تحالفاً معهم في الحق والباطل او صدام معهم وسعي الى انتزاع كراسي السلطة ، كما وقع تيار دعوي في براثن البدع والتفكير الخرافي ، وقد أدى هذا مجتمعاً الى إلحاق التشويه الكبير والضرر الفادح بالجسم الدعوي بصفة عامة ، وفي الوقت الذي ندعو تلك التيارات الى التغيير الداخلي ، ونرى أن هناك تحفظات وجيهة على منظومتها الفكرية المؤسسة لمسارها ، فإننا نطلق هذه الدعوة الى تنظيم دعوي جديد ، تنظيم يؤمن بان عموم المسلمين هم جماعة المسلمين الواحدة المحظور تجزئتها وتفرقتها ، وهو ليس بديل عن الموجود من فصائل دعوية ولكن اضافة نوعية للعمل الدعوي البعيد عن الساسة والسياسة وبقناعات فكرية جديدة ومتجددة تراعي روح الاسلام وحاجات الواقع الجديد والمتجدد ، والله نسأل للجميع التوفيق والسداد لما فيه خير الاسلام والمسلمين في عاجل أمرهم وفي آجله ....
إن هذه الرؤية المنهجية المُجددة مبنية على قراءة عميقة ومتأنية في فكر وممارسة الفصائل الدعوية الاسلامية المعاصرة ، ولقد سبقني من نصح وانتقد النقد البنّاء الايجابي الهادف ولكن لا أذن صاغية حين يكون صاحب الرأي معجب برأيه بل ومتعصب له ، و ( الجماعة ) معجبه بفكرها ونهجها التي سوّدت فيه الصفحات طوال عقود ، ولذا كان السعي لهذا التأسيس الجديد كإضافة نوعية ومنهج دعوي خالص من الاغراض السياسية و القراءة المنظرة لها ، ومع أن هذه رؤية لتأسيس جديد ، فبوسع كل أحد فرداً كان أو فصيلاً دعوياً الأخذ بها أو منها فهي غير محتكرة ولكنها لكل المسلمين في العالم ليأخذوا بها وينهجوا نهجها ..
ثانياً : ماهية وأهمية الدعوة الاسلامية :
الدعوة الى الله هي مجموع الاعمال التي تستهدف ترسيخ الوعي الايجابي الحامل صاحبه للثبات على الهداية والخير والحق والزيادة من الطاعة والمُرسخ فيه كل ذلك . انها الجهود التوجيهية والتربوية و التعليمية للالتزام بمعالم الصراط المستقيم .
التواصي بالحق والتواصي بالصبر من صفات الناجين من الخسران وهي مهمة للمسلمين تجاه بعضهم قال الله تعالى : ((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )) ، ومع هذ فلقد أمر الله تعالى بان تكون من جسم الجماعة المسلمة مجموعة منهم متخصصة في الدعوة الى الله تتقن علومها و اساليبها وتفرغ لها وقت منتظم من وقتها ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) . مجموعة تهتم بأمر الدعوة الى الله و تجويد أساليبها ، دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، فلا قتال للحاكمين ولا منازعة لهم على كرسي السلطة وتعريض الناس إلى الآلة الباطشة الحديد والنار ، و لا قتال معهم في حرب غير دفاعية عن ارض او عن عرض انما هي مطامح الساسة الذين يحتكمون لرغباتهم واطماعهم . وتبقى مهمة الدعاة في كل الاحوال الدعوة الى الله وتذكير الجماعة المسلمة التي تفرز من صفوفها من يتولون أمر الحكم السياسي ، فليس الاسلام مهمة قاصرة التطبيق على الدعاة بل الدعاة يدعون الى الالتزام بأحكام الاسلام بما في ذلك القيم الاسلامية الخاصة بالحكم السياسي من عدل وشورى و تنمية و استتباب للأمن واصلاح للمعاش وللطرقات و بناء للمصالح اللازمة لحياة الناس كمشاريع مياة الشرب وتوزيع الاراضي لزراعتها وعمرانها و بناء المستشفيات والوحدات الصحية و الدفاع المدني و بناء الصروح لتعليمهم ودراستهم و المساجد لصلاتهم ..
إنّ أعظم العمل إيمان بالله وعمل صالح ، والدعوة الى الله بالقلم واللسان هي في طليعته ، فان الاصل فيها انها ترسخ لدى الداعية القيم والمفاهيم والممارسات الاسلامية و تجعله يدعو غيره لذات العمل وكل ابواب البِر وفي هذا اجر عظيم فقد قال الله تعالى : ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )) و ورد في لحديث رواه مسلم : ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا )) ، وفي الحديث المتفق عليه عن سهل بن سعد : (( فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِىَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ )) . و تتوزع الدعوة بين الوعظ والارشاد والتذكير بالله وطاعته وبين تعليم العلوم الشرعية والتربية الروحية والايمانية .
لم يطلب الاسلام من المسلم ان يستغرق دوره الدعوي كل وقته وكل طاقته ، بل ولا يريد هذا منه ولو استطاع ،لان هناك مهمة تعبدية فردية تخص ذاته وروحه عليه ان يقوم بها تجاه نفسه وهي تحتاج الى جزء مهم وثمين من وقته يتعدى وقت تؤدى فيه الصلوات الخمس الى وقت آخر يتفرغ فيه لتدبر القرآن و صلاة النافلة و التفكر والنظر في الوجود ،وهذا من صميم الدين الاسلامي بمقاماته الثلاثة : اسلام ،ايمان ،احسان ، ثم هناك الوظيفة الدنيوية المعتادة طلباً للعلم او طلباً للرزق فهي جديرة منه بالاهتمام كما انها جديرة منه باستفراغ الحرص والوسع عل الإتقان ..ففي الحديث عن أم المؤمنين عائشة ، قال رسول الله صل الله عليه وسلم : (( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه )) ، وقد صححه الامام الالباني . .
ثالثاً : اسم التنظيم الجديد :
( تنظيم حِرى الدعوي )
لماذا هذا الاسم ؟
حِرى كان المكان الاول لتلقي وحي الرسالة الاسلامية الخاتمة ، كان موطن خلوة الرسول التفكرية قبل الرسالة ، حِرى كلمة سهلة سمحة واضحة بعيدة عن الدلالات الغامضة والمُثيرة للالتباس و المؤدية الى الاحكام الخاصة والمُسبقة ، حِرى كلمة ثلاثية الحروف لكل من حروفها معنى يصب في صميم جوهر الدعوة الجديدة :
الحاء : حرص على رضوان الله واتباع سبيل خاتم النبيين ، و حب للإسلام وشغفاً به ، و حناناً بالمسلمين والمسلمات ، وحدباً على الانسانية البعيدة عن تعاليمه السمحة ، وحركة دؤوبة في سبيل ذلك كله .
الراء : رؤية متكاملة جديدة وناجعة نابعة من أصول الاسلام القرآن والسنة النبوية
الألف : اقتناع بالدين ثلاثي المقامات ( اسلام وايمان واحسان )
رابعاً : اهداف التنظيم الدعوي الجديد :
1) العودة بالمسلمين الى النبع الصافي القرآن الكريم والسُنة النبوية كمنطلق لإصلاح واقعهم
2) تعميق الوعي والممارسات الاسلامية و تحقيق الترقي الروحي
3) التطبيق العملي لمبدأ الاخوة الاسلامية والتعاون على البِر والتقوى
4) ضخ دماء جديدة نقية من الأغراض الشخصية الضيقة والمصالح الطائفية الى تيار الدعوة الاسلامية
5) ايقاظ المسلمين على واجبهم كجماعة مسلمة نحو الاسلام الذي هو دين الجميع وعلى الجميع تقع مسؤوليته
6) حشد المسلمين للعودة الى القيام بواجب الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة كل حسب طاقته ومعرفته
7) اصلاح المجال الدعوي بعيداً عن الخلافات والساسة والسياسيين احتراماً للتخصص وتجويداً للأداء
خامساً : ركائز التنظيم الدعوي الجديد :
1) الاخلاص لله تعالى
2) الصدق في رجاء هداية الناس كافة
3) الافتقار الى الله بسؤاله التوفيق والفتح
4) ادراك اصول الخطاب الدعوي
5) مراعاة أحوال المدعوين ودعوتهم بالتي هي أحسن
6) عدم التصادم مع السلطة السياسية والتنظيمات السياسية والدعوية
7) القدوة الحسنة والتواضع للمدعوين
8) الصبر وطول النفس وحسن الظن بالله ثم بالمدعوين
9) التعرف على النماذج المُلهمة و استلهام خبرتها
10) شكر الله تعالى والشعور بمنته بعيداً عن الكِبر والغرور
سادساً : الخطوط العريضة للدعوة الاسلامية الجديدة :
1) الدعوة العامة والمؤسسية الى الاسلام بشموله للبدن والعقل والروح ( اسلام ، ايمان ، احسان )
2) التركيز على الإيمانيات والروحانيات
3) الاهتمام بالقرآن الكريم بياناً لمواضيعه ولخطابه ولطرق تدبره
4) فقه السيرة النبوية بمنهج تكاملي جديد
5) الدعوة الى التناغم بين الدعوات الاسلامية والتنسيق بينها
6) تحقيق فهم جديد للدين الاسلامي ينطلق من جوهره الفذ
7) الحيلولة دون تدخل السياسي في الديني والديني في السياسي بما يمنع التأثير السلبي لكلا التدخلين على الدعوة الاسلامية
8) التركيز على دور جماعة المسلمين وواجبها تجاه الاسلام وباعتبارهم الضمانة الأهم لتطبيق احكام الاسلام في اطار دولة وطنية راشدة ونامية
9) تعزيز التخصص في المجال الدعوي بعيداً عن الانشغالات الأخرى للفرد الداعية
10) تنقية الدعوة من الطابع السياسي
سابعاً : القيم الدعوية :
القيم الدعوية هي مجموع المبادئ العملية التي تدخل ضمن الدعوة الى الاسلام ،بما في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والتواصي بالصبر:
1) البلاغ المبين الواضح ، و الدعوة الى الخير وترغيب الناس فيه ،أمراً بمعروف ونهياً عن منكر ،والرفع من مكانة القائمين بهذا الامر عند الله تعالى، واعتباره سبيل الرسول ومن اتبعه من دون تمييز. مصداق لقول الله تعالى : ((فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )) وقوله : ((وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ )) ، واستجابة لتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : (( إنما أنا مبلغ و الله يهدي و إنما أنا قاسم و الله يعطي )). قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 2347 في صحيح الجامع
2) اللين والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة : (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )) (( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ))
3) الزاد المعرفي : يحتاج الداعية الى الله الى الزاد المعرفي وإلى تجديده ليتبين له الى ما يدعو ، وليتمكن من تحضير المادة الدعوية اللازمة للترتيب والعرض المنطقي والجذاب والمُقنع والمؤثر ، ومنه الاستشهاد بالآيات القرآنية والاحاديث الصحيحة فقط بالاستفادة من جهود العلماء المتخصصين في علم الحديث من السابقين ( الائمة البخاري ومسلم و أحمد (المسند ) ومالك (الموطأ ) ) و ما تمت مراجعة مدى صحته من كتب الاحاديث الأخرى من قبل علماء الحديث المعاصرين كالإمام المُحدث محمد ناصر الدين الالباني رحمه الله ، وما توافق مع هذه النصوص ومع روحها من أقول السلف والخلف و الحكماء من الشرق او من الغرب ، وكل هذا يصب في البصيرة المطلوبة ، قال الله تعالى : (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )) . ومما يعين على تكوين الزاد المعرفي تقوى الله تعالى لقوله : ((وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) ، وكذلك الدراسة الاكاديمية في الكليات الجامعية وطلب العلم عند العلماء والفقهاء ، والقراءة الحرة المُهدفة ، والاستماع للمحاضرات والدروس العلمية والوعظية ، ويبقى فضل الله واسعاً ((فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا )) ، و (( من يُرد الله به خيراً يُفقهه في الدين )) .
4) الزاد الإيماني العملي : إنّ الداعية وهو في مهمته يحتاج الى زاد من العمل الصالح ومن الايمان العميق بالله تعالى ومن ثم بمهمته ، والعمل الصالح يزيد من الايمان والايمان يزيد من العمل الصالح وهكذا ، وكما أن الداعية يدعو غيره فان الاولى به أن يحرص على الاتباع الافضل والتعبّد الاعمق لله تعالى محبة وانقياداً : (( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا )) (( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ )) .
5) متانة الصلة بالله تعالى : إنّ مدار توفيق الداعية في مهمته هو توفيق الله تعالى له ، فهو من يثبته على الحق وهو الذي يهدي الى الحق وهو الفتاح الذي يفتح للداعية في الخطاب وهو الذي يفتح قلوب الحريصين على الهداية ، كما أنّ الصلة بالله تعالى مطلوبة في حد ذاتها سواء كان للداعية او لغيره من الناس ، ومن هذا المنطلق وجب على الداعية تعميق صلته بالله تعالى توبة واستغفاراً و معرفة به جل جلاله و دعاء وافتقاراً أن يوفقه وييسر له ويُعينه ويفتح له وعليه و ان يبارك في قوله وفي مكتوبه ..
6) الحرص على ترسيخ الايمان بالغيب والعرض المُتقن لدلائله النقلية من الكتاب والسنة ، وجمع ما يؤيد ذلك من أدلة عقلية وعلمية بيولوجية ، لما ينتج عن ذلك من ايجابية انسانية وارتداع عن الاضرار والايذاء والافساد فلكل من الامرين جزاء عظيم او عقوبة عظيمة تلحق بالفاعل يوم القيامة . إنّ الايمان بالغيب أوّل صفات المُتقين في سورة البقرة (( الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ... )) ثم تخصيصاً ((وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ )) ، وفي سورة الأنبياء : ((وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ )) ، و أوّل صفات المنتفعين بالتذكير والنذير : ((إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ )) ((إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ )) . وهي صفة الاوابين الذين يفوزون بنعيم الجنة ومزيده : ((وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ))
7) أساس الدعوة الاسلامية وروحها الاقتناع وحرية الاختيار مع وعد بالجزاء الحسن ان وافق مراد الله ،والجزاء السيئ ان خالف مراد الله . ان الجبر يحول دون شرف الاختيار للطاعة والرفض للمعصية ، فالأجر فيهما فعلاً وتركاً يتوقف على الاخلاص و قصد وجه الله لا رجاء لمصلحة ذاتية مطلقة من انسان او خوف عقوبة منه او حرمان مصلحي مطلق ((لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ )) ((وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا )) ((فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ )) ((فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى )) .
8) تعميق الشعور بالذات والترقي بها في مدارج الكمالات الشعائرية والايمانية والروحية ،وترسيخ الشعور بالآخر الانساني خاصة المرتبط بها وفي حدود القيام بالواجب تجاهه ورعاية حقوقه ، وغرس الشعور بالمسؤولية الشخصية ،وان لا تزر وازرة وزر أخرى . (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) ((قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ )) ((مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) .
9) الرفع من شأن التعاون على امور البر والتقوى و الحض على تنظيم القيام بهذا الشأن بما يسهم في تحقيق افضل النتائج في اقل الأوقات . والتحذير من شر وعقوبة التعاون على الإثم والعدوان . ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) .
10) التبيان لجوهرية عمارة الأرض كوظيفة أصيلة للإنسان في الدنيا ، والنهي عن الفساد فيها ، ((وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )) ((أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ )) ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ )) .
ثامناً : قواعد تأسيسية للفهم والاستنباط والعمل :
1) غاية الاسلام العظمى معرفة وعبادة الله الحي الأزلي القيوم السرمدي خالق الوجود ومدبره الذي ارتضى للناس الإسلام منهج لمعرفته ومعرفة الوجود ولعبادته وحده والسلوك القويم في الارض ، وكما يرضى الله بظاهر التعبّد فإنه يرضى بباطنه إخلاصاً و مناجاة صادقة و حيّة وحاضرة معه تعالى علام الغيوب .
2) نبع الاسلام هو القرآن الكريم والسُنة النبوية ، ولفهم موقف الاسلام من قضية ما يجب العودة اليهما ، فان لم يجد اجتهد لواقعه بما لا يخالفهما ، وهذا يحتاج الى قدر من العلم والفقه ، وللعلماء المتفقهين فضلهم و أهميتهم في استنباط الاحكام التفصيلية من أدلتها الشرعية ، قال الله تعالى : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) .
3) الاجتهاد هو حصيلة ما توصل اليه العلماء كل في زمنه لعلاج قضايا ذلك الزمن ، وهو يصلح للاقتباس ما تطابقت او تشابهت القضايا ولم يحل تغيّر الزمان والمكان بين ذلك الاجتهاد المحدد بزمنه وبين صلاحيته للزمن والمكان الجديد .
4) الاسلام كل لا يتجزأ في أحكامه التفصيلية فهي قبس من روحه الكلية وجوهره الفذ ، ومن سعى الى دليل لقضية مطروحة غالباً وجده ، ولكن معيار الصحة والقبول مطابقة ما توصل اليه مع روح الاسلام فمعيار النظر الرؤية الكلية لا الجزئية .
5) جعل الاسلام للعقل البشري مكانة كبيرة من الاعتبار ، واحتفى به وهو داع لاستثارته واعماله بما يعود للناس بالحكمة و المنفعة في الدارين .
6) النصوص غير الصحيحة الثبوت و غير صحيحة الدلالة منطلقات لتكوين قناعات لا تتوافق مع جوهر الاسلام في الفهم والسلوك ، ولذا فانه لا بد من العودة المستمرة الى القرآن الكريم بشموله والى السنة النبوية التي هي الصحيح مما تأكدت نسبته الى النبي صلى الله عليه وسلم عبر علماء الحديث .
7) صحيح العلم والمعرفة مقدمة هي الاهم من بعد خشية الله لعمل ما يوافق الشرع واجتناب ما يخالفه .
8) ان مقصد الاسلام الرئيسي هو تعبيد المكلفين من الأنس والجان لله رب العالمين عن قبول منهم وطواعية واقتناع ، فلا إكراه في مجمل الدين ولا في أجزائه . ولا تكون الطاعة المُطلقة لاحد الا لله تعالى ، ولا طاعة مُطلقة لمخلوق ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ويُطاع المخلوق ما لم يأمر بمعصية للخالق وبقدر موافقة ما يأمر به مع الشرع الحنيف ، وكل محاولة لتنصيب آمرين للخلق ومتحكمين في سلوكهم مصائرهم هي نوع تسلط واستعباد وافتئات على الشرع ، فقد ولد الناس كراماً أحراراً .
9) ان الاسلام دعوة لعمارة الارض بما يخدم الناس وييسر لهم سبل العيش الهنيء والسعيد والرغيد ، وهو قد وضع قيم لهذا السعي وبعض الاحكام التفصيلية في جانب العقوبات ، مع الاخذ بعين الاعتبار تطور تدبير الانسان في ردع المنتهكين و المعتدين .
10) الاسلام دين القيم المؤسسة للأخلاق الفاضلة و المعاملات المنصفة والتدبير الرشيد لمصالح الناس في كل مجالات حياتهم ومعاشهم .
11) الدين الاسلامي جاء من أجل موافقة الجسد والعقل والروح لمُرادات الله عبر مقاماته الثلاثة ( الاسلام والايمان والاحسان ) وهذا هو مقصد التربية الاسلامية التي اعتنى بها القرآن الكريم والسنة النبوية .
12) ان الاسلام هو دين جميع المسلمين وان العمل من أجل تطبيقه والدعوة اليه وتنفيذ احكامه في حياة الفرد والمجتمع هو مسؤولية فردية كما هو مسؤولية جماعية استجابة لشروط النجاة من الخسران : الايمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ، وكل ذلك في نطاق الوسع فان الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها .
13) الصدق مع الله اخلاصاً له وطلباً صادقاً للحق والتوفيق إليه مدخل وحيد للترقي الإيماني والعملي مسارعة الى الخيرات والزيادة في القربات .
14) لا يكون العمل الشعائري صالحاً متعبداً به عند الله إلا بقدر وجود الاخلاص فيه والمتابعة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم .
15) ان المقصد الاكبر من الاعمال الصالحة امران : إظهار تعبّد المكلفين العملي لله تعالى ، وطريقة لتربية أخلاقهم وتعميق معرفتهم بالله تعالى وصلتهم به جل جلاله .
16) الايمان بالغيب الذي أعده الله جزاء او عقاباً وتعزيزه ، أساس متين في نهوض الناس بالعمل الصالح اقتناعاً وممارسة و مباشرتهم الاستعداد للدار الآخرة والاستيقاظ من رقدة الغفلة .
17) يزيد الايمان بالعمل الصالح ، والعمل الصالح وسيلة لزيادة الايمان و علامة عليه ، لذا كانا متلازمين متشارطين لبعضهما ، فالإيمان اعتقاد وعمل يوافقه ، والعمل الصالح ايماناً بالله وعملاً بما يرضيه .
18) ان الله تعالى قد دبّر وقدّر ما سيحدث للخلق من قبل خلقهم بإراداته المُطلقة وقدرته النافذة ، وترك للمكلفين الاختيار في موقفهم الاعتقادي والعملي والسلوكي من رسالات الهداية قبولاً وانفاذاً لها او اعراضاً واستكباراً عنها ، و الله تعالى ييسر النوعين لنفس نوع اختيار كل منهما غالباً ، وهو تعالى مع ذلك قد أوجد فيهم الفطرة القادرة على التمييز بين خيرية الحق وعدم خيرية الباطل في العاجل والآجل .
19) ان الاسلام دعوة تجميع للمسلمين لا تفريق لكلمتهم ، توحيد على طاعة الله والمسارعة في مرضاته ، وما يتفرق المسلمون الا يوم يخلدوا لطاعة ذواتهم واشباع اطماعهم الارضية ونزواتهم الغرائزية من زعامة ورياسة وانتصار على الآخر المسلم وتحدي له وتحطيم لنفسيته وربما تصفيته الجسدية .
20) التعاون على البر والتقوى من امتن الروابط التي جعلها الاسلام ـ من بعد رابطة العقيدة ـ سبيل لقواسم مشتركة للعمل المشترك والهم المشترك بين المسلمين .
21) ان الاسلام قد حذر ونهى عن ظلم العباد لبعضهم تماماً كما حذر ونهى عن الكفر والشرك والالحاد ، والثلاثة ظلم الانسان لنفسه ، وجميعها ظلم لمن يعيشون في فلك اولئك الظالمون .
22) ان الاسلام دعوة للتفاهم والتعايش بين المختلفين في العقائد يجمعهم العمل لعمارة الارض ومنع الظلم والطغيان من أي كان وضد أي كان وبأي حُجة .
23) ان الاسلام لا يهتم بإصدار الاحكام على الناس بقدر ما يهتم بهدايتهم والحرص على سلوكهم سبيل الحق وابتعادهم جملة وتفصيلاً عن مواطن الغي والضلال .
تاسعاً : أصول الخطاب الدعوي الجديد :
الخطاب هو الكلام الموجه ، مقروءاً كان أو منطوقاً ، وهو وظيفة لا يستغني عنها البشر للتواصل بينهم ، و لأهمية الخطاب لابد له من أصول موجهة ومرشّدة و ضابطة تُسهم في نجاحه في تحقيق هدفه وتُجنبه الخطل وتُقدمه واضحاً بيناً لا لبس فيه ولا مدخل لمغرض ، وبين يديك عشرون أصلاً لفن الخطاب :
1. خطاب الناس على قدر عقولهم ترقّياً وترفّقاً ، وقلوبهم ترقيقاً وترغيباً وترهيباً ، وحسن العرض والالقاء .
2. النزول إلى لغة الجمهور التي يفهمها ، وليس الخطاب الدعوي مجال تعليم للغة.
3. البيان وقت الحاجة ، لا قبلها ولا بعدها ، وبالتي هي أحسن ، التي تبني ولا تهدم ، بعيداً عن منزلقات السياسة والساسة و تزيينهم .
4. ركني الخطاب : خطاب العقل ، وخطاب العاطفة ، فليكن لهم حظهما من الخطاب والاهتمام ، وخطاب العقل بالمعلومة والنص والمثال ، وخطاب العاطفة بالعبارة الإنشائية الموقظة للشعور المُخدّر ، والإرادة المُنساة .
5. احترام عقل المخاطب بتجويد الخطاب ، و الاستيعاب الأمثل للمعارف والمدركات ، فلا غفلة عنها أثناء مواجهة الجمهور ، والسعي للاستزادة منها .
6. مواكبة الخطاب للواقع زماناً ومكاناً ، مكونات ومؤثرات ، مستجدات واحتياجات ، بعيداً عن الاثارة و الكراهية والنعرات الطائفية .
7. عدم مسايرة الجمهور ومحاذرة خسرانه . والمُخاطب قائد وليس مُقاد .
8. بث روح التفاؤل والأمل ، روح الممكن لا المستحيل .
9. التيسير لا التعسير .
10. التبشير لا التنفير
11. عدم تعميم الاستثناء ، لا ما يحدث في الواقع ، ولا في النموذج السلوكي المطلوب . وليكن الهم هو نموذج القاعدة العريضة .
12. إيثار الجانب العملي على الجانب النظري ، فليس المطلوب من الخطاب التثقيف بقدر ما هو بيان طرق وخطوات الممارسة العملية للقيم والمثل التي يدعو إليها الخطاب (( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) .
13. أن يمتلئ صاحب الخطاب بالرغبة الصادقة في هداية المُخاطبين إلى السبيل القويم ، لا التنقّص منهم أو التزيّد عليهم .
14. تجنب رفع الصوت فوق ما يحتاج إليه السامع فإنه رعونة و إيذاء، وخطاب زمن مُكبرات الصوت ليس كخطاب قبلها .
15. تقوية صاحب الخطاب لصلته بالله ، فبحسبها يكون نجاحه ، و إلحاحه في سؤاله مولاه أن يفتح له القلوب ، وعليه من علمه وتوفيقه .
16. إخلاص صاحب الخطاب نيته لله تعالى ، وإدراكه أنّ الغرور مقبرة النجاح والحسنات .
17. الامتناع عن الانسياق للعاطفة اللحظية ، أو لما يريد الآخرين لأهداف ينشدونها .
18. هناك من ينتظر من صاحب الخطاب الخطاء فيه ليجعل من الحبة قبة . فلا يمنح المتربص الفرصة .
19. على صاحب الخطاب الحذر من الزلل في عرصات الحياة ، فزلة العالم مضروب بها الطبل ، وزلة الجاهل يُخضبها الجهل .
20. خيرُ الخطاب ما قل ودل .
عاشراً : صفات الداعية النفسية والعملية :
1. رؤية عالية منصفة خالية من الاحقاد
2. صفاء نفسي ومعرفة مستوعبة للواقع وللوقائع من دون تدخل في ما لا يعنيه
3. تواضع و حلاوة معشر
4. ايجابية حاضرة وحمل للهم العام
5. شعور انساني متدفق
6. افق تفكيري بعيد واتقان لفن الانصات
7. تقديم لمصلحة المجموع على مصلحة الفرد فكرا وممارسة
8. شجاعة أدبية
9. متجرد للحق
10. نكران للذات
الحادي عشر : الاساليب والأوعية الدعوية :
أ ـ الاساليب :
الخاطرة ، الخطبة ، المحاضرة ، الندوة ، الكلمة الحسنة ( النصيحة الفردية ) ، الدعوة الفردية ، الدرس في الحلقة التربوية والتعليمية ،القدوة ، الكتابة المقالية ، البحوث العلمية ، الفيلم الوثائقي ، الاناشيد ، المسرحيات التمثيلية ، لوائح العبارات الوعظية ،الصور المُعبرة ، الجداول التوضيحية ، الخرائط الذهنية
ب ـ الاوعية :
المساجد ، المنتديات العامة ، البيوت ،المدارس ، الكليات والمعاهد ، المخيمات الدعوية ، الاسابيع الدعوية ، الدورات الدعوية ، الوسائل الإلكترونية : [ شبكة التواصل الاجتماعي ، المدونات ، رسائل الجوال ، رسائل ايميلية، ، المواقع الالكترونية ] ، المطبوعات : [ كتب ، كروت ، مطويات ] ، الاصدارات السمعية والبصرية والمزدوجة : [ أشرطة كاسيت ،سي دي هات ، فلاشات] ، الوسائل الإعلامية : [ مجلات ،صحف ، قنوات فضائية ،اذاعات ..ونحوها ] ، المؤسسات الدعوية ، والدور المتخصصة ...
والمستهدفين هم الناس من كل اعمار التمييز و الادراك ومن كل الفئات والتخصصات ..
والحمد لله في البدء والختام ...
مرعي حميد / مفكر وباحث / الاثنين 26يناير 2015م
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق