الثلاثاء، 20 يناير 2015

الإنسان

الإنسان بقلم : مرعي حميد / مفكر وباحث الإنسان قيمة مادية ومعنوية هي الأعلى والأهم والمعيارية في الأرض ، ذكراً أم أنثى ، كبيراً في السن أم صغيراً بل حتى وليداً ، بل وحتى لمّا لا يزال جنيناً دبت لتوها فيه الحياة . الإنسان هو من أوكل إليه الخلّاق العليم عمارة الأرض مهما كان مقدار سعي الإنسان في هذا السبيل ، وقد خلق لأجله الكون وهذه الأرض وما عليها من حيوان ونبات وجماد ، وميّزها عن سواها من الأجرام السماوية ،وقد جاءت كل الديانات السماوية والعقائد الأرضية السويّة لتؤكد على قيمية الإنسان وبشاعة التعرض لها ، ولتُبيّن للإنسان كيف يحيا بإيجابية وإنجاز . الإنسان مخلوق عاقل وكينونة واعية متميزة بالروح التي وهبها الله إياه من روحه دون سواه من مخلوقاته الأرضية ، الإنسان كنز من المشاعر والعلاقات والقيّم السوية ، يستحق الاحترام كلما كان نافعاً لنفسه ولأسرته ولمجتمعه و وطنه و مبدئه الأخلاقي والقيمي ، ويستحق الازدراء كلما كان مضراً بنفسه مادياً او معنوياً أو روحياً ، وقد يبلغ به الإضرار إلى انتهاك حقوق الآخرين وهدر حقوقهم في البقاء والكرامة والتمتع بحقهم في مالهم وممتلكاتهم فيصبح هذا الإنسان مجرما وجرثومة تستحق القضاء عليها والخلاص من شرورها بما يمكن ، وكلما ازدادت دائرة ومجال نفع الإنسان ارتقت مكانته ، والعكس صحيح ، تُهدر كرامته وتصبح منعدمة كلما اتسعت دائرة خرابه ومضرته . لأجل الإنسان بُنيت وتُبنى المرافق الصحية و المدارس والصروح التعليمية والتربوية ، ولأجل الانسان تُشيد المصانع وتُمهّد المزارع ، وتنظم الأسواق وتتقدم التكنولوجيا ، لأجل الإنسان خلق الله هذه الأرض وحباها بمخلوقاتها المتنوعة ومزاياها المتعددة التي ترتكز عليها حياة الإنسان الآمنة المستقرة وتوفر للإنسان حاجاته المستمرة وتلبي تكميلاته المتعددة . إنّ الإنسان مُستحق للرعاية والإهتمام والإحترام ، مُستحق أن تنجز لأجله المنجزات المادية ، وتوضع لأجله المنجزات المعنوية ، مُستحق للبذل لتيسير سبل الحياة الكريمة الآمنة أمامه ، وسواء كان ذلك من قبل الحكومات أو الشركات أو المؤسسات أو من نبلاء الناس كأشخاص اعتباريين من خارج نطاق المؤسسات والهيئات . ويستحق الإنسان صيانة شرفه مطلقاً ، والإعلاء من مكانته وتقديره بقدر إنجازه ومثابرته . ويستحق الإنسان الرعاية الخاصة والحدب حين يكون الإنسان ضعيفاً ليتم أو فقر أو مرض مُعضل أو إصابة أو أسر أو شيخوخة . ولا يجوز النيل منه معنوياً بسخرية من هيئته الخْلقية أو التمييز وفقها ، ولا مادياً بإيذائه أو تعذيبه أو منعه من حاجاته الأساسية ، كما لا يجوز التعرض لممتلكاته أو اقربائه واصدقائه بسببه ولا يصح التدخل في شؤونه الخاصة . قد يجهل الإنسان قيمة الإنسان ، وبالتالي ما هو خليق به من الاحترام والتقدير ، ولكن يستيقظ على هذه القيمة البالغة حين يشعر أنه قد فقد أو ربما يفقد ابن له أو ابنة تحديدا ، وربما ليس أحد من الناس يحل مكانهما في بروز معنى الفقد ، يستيقظ على قيمة الإنسان وهو يركض يحضر الدواء تلو الدواء وهو يرجو لأبنه أو أبنته السلامة ، إنه يشعر بالقيمة الرفيعة للإنسان وخاصة حين يتذكر من يتم قتلهم على أيدي المجرمين من الطغاة فرديين أو جماعيين ، حكام أو عاديين ، إنّه يتذكر كم يهدرون من قيمة عليا لا تُقدر بثمن . مُجرم من يتعرّض لأحد من الناس أو أكثر بالقتل أو بما يؤدي إليه ومنها المساندة و المؤازرة ، في حال كان المُستهدف بالسوء لم يقتل أحد ظلماً أو سعى في قتل أحد ظلماً ، ولا يجوز البتة أن يؤخذ أحد بجريرة أو جريمة غيره ، ومن يفعل فإنه يصبح مقترفاً للجرم الأبشع ويستحق عليه القتل . إنّ مجرد العزم على قتل بريء هو بمثابة القتل ويصبح صاحب العزم الأثيم مطلوب على التو وضع الحد اللازم والكافي له . إنّه لا يجوز على الإطلاق قتل أحد ما لم يقتل أو يشارك في قتل ، ومهما اختلف إنسان مع آخر في دين أو عقيدة أو توجه أو مذهب أو مصلحة مادية أو أي وجه من أوجه الخلاف فإنه لا يجوز له حتى مجرد التفكير في قتله . ويستوي كل الناس في قيميتهم الواجب تقديرها وحفظها ومن كل الأديان والأعراق ما لم يكن الإنسان ذاته قد رضي فأهدر قيمته الذاتية بقتل أو مشاركة أو عزم على قتل مما يعنيه من إعداد العدة والشروع في المحاولة ، من دون أن يكون مُحق في فعله أو عزمه وشروعه . و لا يملك إنسان ليقرر لنفسه ابتداءً أنّ إنساناً آخراً مُستحقاً للقتل ، فالحق والإباحة لا يأتي من الذات وإنما يكون قد أتى من جهة خارجة عادلة مشهود لها بالعدل والإنصاف . ووضع الإنسان لنفسه اختياراً في معسكر الطغيان يفقده قيمته الجديرة بالتقدير والصيانة ، فهو حينها يغدو أداة للقتل وللدمار وللخراب فهو مستحق لما ينجم عن وضعه لذاته في ذلك الموضع . والمجازفة التي قد تؤدي إلى القتل مجرّمة كما القتل ، ومن يقوم بها أو يقف خلفها مجرم انتهك قيمية الإنسان ، ولا يُعد ما قد تُحدثه من أثر مروع قتل من غير اختيار، فالقاتل من اختار المجازفة . إنّ الاستهانة بالدماء والإزهاق المتعمد للأرواح البريئة والمجازفة بها ، لغير تصدي مدروس لإجرام ،جريمة لا يُقدم عليها إلا مُستحق للقتل والتقتيل . إنّ من يتعرض مختاراً لقيمة إنسان بباطل أو هوى يُصبح فاقد لقيمته الشخصية ومعرض لا محالة لنقمة مماثلة أو أشد في العاجل أو الآجل. والإنسان الذي بلغ الرشد هو مكلف ومخير في آن تجاه أوامر الله له بعبادته و اتباعه السلوك غير المضر بنفسه وغير الضار بالآخرين الذين لم يصدر منهم ضرر تجاهه . وإنّ اختيارية الإنسان في إيمانه وفعله تمنح ما يصدر من الإنسان من هذا القبيل تلقائيته وانسيابيته واختياريته وقيمته وتأثيره، فلم يختر له الله الايجابي والجميل منها وإن كان يرضاه ويرضى عن صاحبه وبهذه الاختيارية استحق ان يكون حقاً (صاحبه)كما أن الله لا يختار السلبي والبشع منها وإن كان لا يرضاه ويغضب عن صاحبه وبهذه الاختيارية استحق أن يكون حقاً(صاحبه).وينبني عن ذلك استحقاق الإنسان لدخول الجنة أو دخول النار في الآخرة ،مع أن الله تعالى قد جعل لقدرته ومشيئته وقدره بالإنسان غلاف ساتر خفيف فان اجتازه حصل له المزيد من النوع ذاته ان خيراً فخير وان شراً فشر، جملة ما في الأمر أن بداية مسار الايجابية أو السلبية هي من عند الإنسان المكلف المخيّر . وقد يحتاج أمر الاستقامة على الايجابية وتفتح مغاليقها أمام الإنسان إلى قدر من المجاهدة يجعله يدرك أهمية وقيمة ما حصل عليه فلا يفرط فيه ولا يتخلى عنه ويتشبث به ويضحي من أجله ومن أجل مزيده .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق