الاثنين، 16 مارس 2015
التضحية المُستحقة
التضحية المُستحقة
بقلم : مرعي حميد / مفكر وباحث
التضحية عمل عزيز ورفيع يقوم به الإنسان ، و تكون بالروح كما بالدماء والوقت و العرق و بالجهد وبالمال ، وتكون التضحية رشيدة ومُستحقة كلما كان ما يُمليها هو المبدأ والهدف النبيل الجليل ، وكلّما كان المبدأ أو الهدف الذي تتم لأجله راشداً ومتناغماً مع حقيقة القيم التي يؤمن بها الإنسان صاحب التضحية ، وكلّما كان المسار الذي تكون فيه التضحية بعيداً عن أهواء و أمزجة المتزعمين له وبعيداً عن أجواء ومناخات السعي المحموم واللهاث المسعور لبلوغ مقاصد فردية لطبقة القيادة مثل التسلّط والحفاظ عليه و بأي حجج ومسوغات ومبررات و خلفيات دينية أو أيديولوجية أو اجتماعية أو اقتصادية ، وكلما كانت التضحية بعيدة عن الرؤية المانعة عن تبصّر الخطاء والخلل والانحراف في المسار على مستوى الفكر وعلى مستوى الممارسة ، ويحول بين المرء وتلك الرؤية التعصب الأعمى لأحد أمرين أو لكليهما : المنهج أو وسيلة تنفيذه ، وعلى المستويين التنظيري والتطبيقي .
تكون التضحية مُستحقة كلما كانت بعيدة عن الوقوع تحت مطارق حُب الغلبة لذاتها والشغف بالانتصار والسحق والمحق مهما كانت التضحيات ومهما كانت العواقب و بغض النظر عن ما يترافق من تأثيرات جانبية ربما خارج نطاق حلبة الصراع المباشر .
التضحيات الغاليات حين تكون خارج جادة الاستحقاق تغدو تضحية بالإنسان وتضحية بالأوطان وهدم للإنجاز وتضييعاً لفرصة النجاح التي قد حان وقتها أو إطالة لأمد انتظاره أو استحالة مستقبلية لها .
ومما يقود إلى هذا الخسران ومزيده إلباس ( التضحية ) لباس القداسة وتصويرها أنها تصب لصالح تحقيق الأهداف وتقرير المبدأ وإنجاز الغايات و إدراك فجر التطلعات المعلومة والمرسومة .
إنّ خسارة التاجر مدعاة له ومُلزمة ـ إلا ما كان أحمق ـ ليُعيد حساباته ، ولكن خسارة مُغلفة بالمبدئية والقداسة ومحض الصوابية تكون مانعة وحائلة بين صاحبها أو أصحابها وحزبها وفئتها وجماعتها وبين إعادة الحسابات والنظر في المنهج ذاته والممارسة ذاتها .
إنّ الثقة المُطلقة في المسار أو الثقة العمياء في الواقع جناية عظيمة وكارثة تُصيب أصحابها أولاً وقد تتعدى إلى المجال العام ، والنص المُقدّس حينما يكون خاضعاً للفهم وللتفسير الخاضع لمطرقة الأمزجة والأهواء يكون بحاجة إلى انقاذه وليس إنفاذ الأهواء المبنية على تحريفه أو الفهم السقيم أو البليد له . وكم أوتيت المبادئ والرسالات الإنسانية والدينية وشبه الدينية من هذا الجانب .
إنّ التحريفية المنهجية والعملية تنال من النص المقدس ومن قداسة المبدأ ، إنها تشوه النص وتشوه المبدأ الذي دخل عليه التحريف او هو كامن في أسه وفي أساسه .
إن كثيراً من الأوهام مبنية إما على التأويل الخاطئ للنص المقدس ولربما الرؤى المنامية أو على ما يعنّ لبعض المنظرين والقادة تعميمه ومنحه القداسة والعصمة من ( قواعد ) و ( أصول ) و( معالم ) و ( أسس ) و ( ركائز ) و ( أركان ) و ( شعارات ) منهجية وعملية وهي تتعارض مع الواقع الثابت والمتغيّر ، كما على جوهر الحق والحصافة والإنصاف والرُشد والفضيلة ولكنها تتناغم مع المصلحة الضيقة للقلة أو تنتصر للفشل وتبرره وتمنحه المظهر الخلاب بل والقداسة المغرورة ؛ وغرور القداسة المكذوبة المصطنعة والتي تجعل منه أساساً صالحاً لبناء مزيد من الوهم المتردي عليه وعلى أطلاله .
إنّ الدجل كما قد ينطوي عليه كلام عامة الناس وممارستهم فإنه قد يكون كامن داخل أدبيات الجماعات والتنظيمات والأحزاب والهيئات والمؤسسات وفي خطابها ومنهجها النظري والتطبيقي .
إنّ تكريس عقلية الإنسان الضحية الواقعية جريمة مركبة يتحمل وزرها القادة والزعماء الذين قد منحهم البسطاء أو المقلدين و المُغرر بهم ثقتهم فبادلوهم الثقة بالخداع بمعسول القول و بملذوذ التحليل لما جرى ويجري وما يُتوقع في المستقبل القريب والبعيد والأخير ببُعديه الدنيوي و الأخروي . كما أنّ استمرار الوقوع في براثن الشر والأشرار صيداً سهلاً وغنيمة باردة حافز للأتباع ودافع يُلزمهم إعادة النظر والتبصّر والتدبير وإلا كان الأتباع يشاركون ومشاركين في وزر التهلكة .
لا تكون التضحية مُستحقة ، لا سيما التضحية بالأرواح وتعريض النفوس للخطر ، إلا ما كانت مبنية عن دراسة متعمقة وجدوى مؤكدة أو شبه مؤكدة بجدواها ، أو اضطرار لا مناص ولا محيد عنه ، وإذا كان التاجر يضن ويبخل بماله عن مشروع مشكوك في ربحيته فكيف التضحية بالبشر ودمائهم وأعضائهم في مرجو مشكوك في جدواه وفي فرصة تحقيقه و مدى مواتيّتها .
ومن نافل القول أنّ التضحية لا تكون إلا من أجل المبدأ الحق والغاية السامية النبيلة ، فإن كانت التضحية بالمبدأ كان ذلك بيع وترخّص وتنازل و تخلي عن القيمة والكرامة ، وقد يحدث ذلك بحثاً مُتهالكاً عن المصلحة الشخصية أو الجماعية للحزب وللتنظيم وللمؤسسة وللفئة بل وربما للدولة .
الأحد ـــ 15 مارس 2015م
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق