السبت، 12 يونيو 2010

اخي الذي رحل

أخي الذي رحل
بقلم : مرعي حميد
كان نسمة قرآنية .. كان نفحة إيمانية .. كان سمت للإستقامة ، حلو المعشر ، نعم حامل مسك إما ان يُحذيك أو تجد منه ريح طيب .
كان رقيق الجانب ، خفيض الصوت ، لا تفارق مُحياه البشوش بسمة مشرقة ، حتى بعد وفاته. كان شاباً نورانياً يسعى جهده في طاعة الله .. في محاب الله .. وكان لا يُهمه من الحياة إلا ان يكون كذلك . أسمته جدتي لأبي عبدالباسط ليكون مثل المقرئ عبدالباسط عبد الصمد فكانت أمنيته ان يحفظ كتاب الله ، وبتوفيق الله حققها ، حقق الله أمانيه في مغفرته ورضوانه والفردوس العالي من جنانه . كان يهمه أن يكون له قدوة حسنة حية تسعى على الأرض فأصبح هو القدوة الحسنة.
كان له ، ومنذ سنوات ، من قيام الليل نصيب ، وقيام الليل هو شرف المؤمن كما ورد بذلك الحديث الصحيح ، وكان له نصيب من صيام التطوع : الاثنين والخميس وغيرها ، كان محافظاً على المكوث في المسجد من بعد صلاة الفجر إلى الشروق ومن المغرب إلى العشاء ، لاتكاد تفوته صلاة في جماعة في الصف الأول ، كانت صلاة الضحى تعرف سجداته في كل صباح ، كان واصلاً لأرحامه ، شغوفاً بطلب العلم وفي المقدمة منه حفظ القران الكريم لم لا وأهل القران هم أهل الله وخاصته كما ورد في الحديث الصحيح ، وكان لا يحفظ المقطع التالي إلا بعد ان يكون قد وقف على تفسير آياته ، تلقى دروس التجويد والتوحيد والفقه و السيرة و التزكية وغيرها . حملته أمنيته في حفظ كتاب الله وشغفه بالعلوم الشرعية للالتحاق بثانوية الأرقم ابن أبي الأرقم بمدينة غيل باوزير ليتفرغ للحفظ و ينهل من علوم الشريعة الغراء خاصة ان لتلك الثانوية التي يديرها فضيلة الشيخ أبو محمد عبدالله اليزيدي منهج رديف يتلقاه طلبتها في الفترة المسائية ، وقد درس بها الصف الأول ثانوي ثم انتقل إلى مدرسة الفقيد سعيد عوض باوزير بذات المدينة ليكمل المرحلة الثانوية ودرس بها العام الدراسي الماضي والجاري ( ثانية وثالثة ثانوي ) ، لم يكن شغوفاً بتعلم العلم فحسب بل وتعليمه (( خيركم من تعلم القران وعلمه )) (( قل هذه سبيلي ادع والى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني )) وكانت له دروس ومواعظ وخاصة في ثانوية غيل باوزير و يقضي معظم إجازته الصيفية في الدورات الشرعية وكان آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، مجتنباً الشبهات ، حالماً بالجهاد في سبيل الله وكانت كنيته الحبيبة والأثيرة إلى نفسه ( أبو مجاهد ) وهو لم يزل في الـ 24 من عمره . كان مقتصداً في المزاح مؤثراً عليه الجد والجدية ،داعياً زملائه ورفقائه إلى ذلك . لاتكاد تفارقه عمامة يسدلها على جانبي وجهه المزدان بلحية مُعفاة ، وكان في آخر شهور حياته يصوم يوم ويفطر يوم ولم يُعرّفنا بهذا إلا احد زملائه الخاصين الذي دعاه لذلك الصنيع ولم يستمر معه إلا أيام ثم لم يستطع ان يواصل ، وصيام يوم وإفطار يوم هو خير الصيام كما ورد في الحديث وهو صيام داوود عليه السلام ، آخر أيامه كان يقضي مابين المغرب والعشاء مصلياً ، وهذا توفيق من الكريم الرحمن ،نسأله ان يتقبل منه كل ذلك وان يعفو عنه وان يضاعف له الأجر والثواب . قال الله تعالى (( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ))
وفي الحديث الذي صححه الإمام الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 1114 (( إذا أراد الله بعبد خيرا عسله قيل وما عسله ؟ قال : يفتح له عملا صالحا بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله )) وفي مسند الإمام احمد وبرقم 17784حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عِنَبَةَ قَالَ سُرَيْجٌ وَلَهُ صُحْبَةٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ قِيلَ وَمَا عَسَلُهُ قَالَ يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ )) وورد الحديث في مشكل الآثار للإمام الطحاوي برقم 2202 و قال (( فطلبنا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو فوجدنا العرب تقول هذا رمح فيه عسل يريدون فيه اضطراب فشبه سرعته التي هي اضطرابه باضطراب ما سواه من الرمح ومن غيره فاحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله بعبد خيرا عسله أن يكون أراد بميله إياه إلى ما يحب من الأعمال الصالحة حتى يكون ذلك سببا لإدخاله إياه جنته )) .

، و كان أخي قد حصل على الترتيب الأول في المستوى الثالث من المنهج الرديف بثانوية الأرقم خلال الفصل الدراسي الأول من العام الدراسي الجاري 2009 ـ 2010، كما حصل على شهادة تقديرية من إدارة ثانوية الفقيد باوزير بالغيل لدوره في إذاعة الطابور الصباحي .
الأسبوع الأخير
خرج إلينا الحبيب المحبوب الوفي زائراً ومودعاً وهو لا يدري مستغلاً إجازة الأول من مايو ( عيد العمال ) ، زار الكثير من قراباتنا ، و سار على قدميه لزيارة احد قريباتنا مع ابن شقيقتي وابن عمي محمد صالح حميد ، سارا نحو 45 دقيقة ذهاباً ومثلها مئاباً ، التقى بإخوانه في الله ، استعد لخطبة الجمعة في منطقة حصن المداشله القريبة من العنين غير أنّ عارضاً حال دون ذلك ، جلست معه قرابة الساعة في جامع العنين بعد صلاة عصر السبت الأول من مايو نتجاذب أطراف الحديث : الامتحانات النهائية التي على الأبواب و تظاهرات الطلبة في مدينة غيل باوزير احتجاجاً على إصابة احد زملائهم في كتفه من قبل احد رجال الأمن ، قال لإخواني : أبشركم أنني أكملت حفظ كتاب الله ، واخبرهم انه يريد تقوية حفظه خلال الإجازة ، كما قال لهم انه حصل على منحة للدراسة في السعودية ، وصل ألينا الأربعاء وغادرنا الاثنين .
اليوم الأخير (الأربعاء )
خلال الاستراحة ألقاء درساً في مسجد الثانوية عن الأخلاق الحسنة ، حدثهم فيه عن الابتسامة وانتهى على أمل استكمال الدرس اليوم الثاني ، في العصر اختبره الشيخ عبدالله الأهدل مشرف ثانوية الأرقم في حفظه لكتاب الله وكان متهيباً للاختبار وكانت العلامة 65 من 100 والتقدير ( مقبول ) وقد أولته بأنه مقبول عند الله ، وقد حدثني بنباء الاختبار تلفونياً الشيخ عبدالله الأهدل صبيحة الخميس الحزين ، المغرب حضر محاضرة للشيخ عبدالله الأهدل في مسجد باحميد الذي يؤمه فضيلة الشيخ عوض بانجار ، زار بعد العشاء الشيخ أبوعلي عبدالله باسهيّل ، سمر مع زملائه وخلالها سرد اسم النبي صلى الله عليه وسلم حفظاً إلى ادم عليه السلام ومضى إلى النوم على ان يصحو مبكراً للتحضير للسحور لصيام الخميس ، رفع يديه بأذكار النوم ، وكان موعد انطفاء الكهرباء قد اقترب فقال له مسئول الداخلية الأستاذ محمد محمد اليامي ألا تذهب إلى السطح لتنام غير انه فضل البقاء في الغرفة ربما ليصلي منفرداً وانصرف المسئول ، بعد مدة باعد بين الأسرة وخرج من على سريره ولا أجزم أنّ ذلك لأجل الصلاة ـ وما ذلك على الله بعزيز ـ وفاضت روحه وهو بين الأسرة ، في الثالثة إلا ربع فجراً (الخميس ) جاءه زميله سعيد العطيشي يريد علاجاً من الإسعافات الأولية التي لدى عبدالباسط مفاتيحها ، وجده على الأرض جالساً مصغياً ـ في وضعية ميلان الجسم إلى جهة ـ جوار السرير في غرفته ( الفضيل ابن عياض ) ، حاول إيقاظه ، لا جدوى ، جاء آخرون ، شكّوا في الأمر ، نقلوه إلى مستشفى غيل باوزير فكانت الإجابة : لقد توفي ، لقد انتقلت الروح إلى باريها المحيي المميت ، رحمه الله رحمة الأبرار واسكنه الفردوس الأعلى من الجنة في رفقة النبي المختار صلى الله عليه وسلم ، نزل الخبر على زملائه كالصاعقة وهو الزميل الخلوق ، النصوح ، البشوش .كان ذلك اليوم تاريخ 22 جماد الأول 1431 هـ الموافق للسادس من مايو 2010 م .
لم أكن اعرف أنّ لأخي كل ذلك الحب والتقدير من الناس إلا برحيله إلى الله ، خمسة باصات تقاطرت من غيل باوزير إلى منطقتنا العنين بمديرية القطن بوادي حضرموت وفي مقدمتها سيارة الشيخ عبدالله اليزيدي ـ حفظه الله ـ الذي كان في مقدمة الوفد المعزي والمشيع ، حملت الباصات الخمسة جميع طلبة ثانوية الأرقم ، وقرابة 120 طالب من ثانوية الفقيد باوزير يتقدمهم أربعة من الأساتذة الفضلاء : محمد أبوبكر قحران ، محمد سعيد بكران ، عمر محمد باعامر ، سعيد سالم الصويل . وهذه لفتة وفاء من الثانوية التي يديرها الأستاذ القدير أكرم باحميش .
المبتسم حياً و ميتاً
حين كشفنا الغطاء من على مُحيا أخي عبدالباسط ، الذي اصطفاه الله إلى جواره ، و جدته ووجده العشرات ممن كانوا في الغرفة مبتسماً ابتسامة لا تُخطئها العين ، ابتسامة نورانية ، ابتسامة الرضاء بلقاء الله و موعود الله ، ابتسامة هي علامة الرضاء والقبول والنعمة والسرور ، وكم كانت بلسماً وعزاءاً لنا كافة بهذا الرحيل في مقتبل الشباب ونظارة ربيع العمر ، الربيع الذي انتهى ربيعاً فلا خريف بعده ولا صيف ولا شتاء. والملتقى في الجنة بإذن بديع الأرض والسماء ، خفي الألطاف دائم البقاء ، غافر الذنب ،قابل التوب ، الجليل الكريم واسع العطاء .
الموكب الجنائزي الاستثنائي
كان في مقدمة المشيعين والمعزين في آن ، جزاهم الله جميعاً خير الجزاء وجزاء الله المعزين والداعين من قبل ومن بعد ، كان في مقدمة الحضور الشيخ عبدالله اليزيدي مدير ثانوية الأرقم ، رئيس جمعية الإحسان الخيرية ، والمهندس محمد أبوبكر حسان ( رئيس المكتب التنفيذي للتجمع اليمني للإصلاح بوادي حضرموت ، عضو المجلس المحلي بالمحافظة عن مدينة سيؤن ،الأستاذ محمد عوض بلعجم الأمين العام الجديد للمجلس المحلي بمديرية القطن ، الدكتور حسن عبدالله باسواد الأمين العام المنصرف ، الشيخ عبدالله علي باحميد رئيس مؤسسة الإمام الشافعي بوادي حضرموت ، الأستاذ صلاح مسلم باتيس رئيس مؤسسة البادية الخيرية الكائن مقرها بمدينة القطن ،مبارك يسلم بن شهاب نائب رئيس التجمع اليمني للإصلاح بمديرية القطن ، اكتظ مسجد بلّحمر بالمصلين حتى صلى بعضهم خارجه صلاة العصر، بالرغم من ان باصات ثانوية غيل باوزير تأخرت بسبب بعض الأعطال ووصلت مع الإصرار تباعاً وصلوا على قبر أخي بعد الدفن وبعد انصراف الجموع ، جزاء الله الجميع خير الجزاء ،وبين يدي الجنازة في المسجد ألقاء الداعية يوسف بن فاضل كلمة في المصلين ، ومضى الموكب الجنائزي الحزين والمهيب وفي التربة ألقى الأستاذ صلاح باتيس الذي جاءنا صباحاً معزياً كلمة تطرق فيها إلى بعض مناقب أخي ، ووارى أخي حبيبي الثرى في رحاب الحي القيوم خفي الألطاف رحمان الأرض والسماء و رحيمهما ودعاء الحاضرون له بالرحمة والمغفرة والتثبيت وان يجعل الله قبره روضة من رياض الجنة وان يثيبه الفردوس الأعلى من الجنة . لقد رحل الحبيب ولكنه سيبقى حياً في قلوب محبيه يذكرونه بالخير ولا ينسونه من صالح دعائهم . في اليوم الثاني ( الجمعة ) كان من المعزين الدكتور محمد سالم الجوهي عضو مجلس النواب ، رئيس مجلس الآباء بثانوية الفقيد سعيد عوض باوزير .
إدعوا له وفقكم الله ورعاكم
ولد أخي عبد الباسط كرامة سعيد حميد بتاريخ 13 مارس 1986 وتوفي الخميس 6 مايو 2010 عن 24 سنة و شهر و 24 يوم ، وأسال كل محب من صميم وجداني ان يدعو له بالرحمة والمغفرة والفردوس الأعلى من الجنة ، والدعاء للأموات مطلوب في كل الأحوال فهاهم الأئمة ، وهم من هم في الهدى والصلاح والاستقامة وعلو الكعب في العلم والعمل ، ندعو لهم حين نذكر احدهم قائلين ( رحمه الله ) ، نسال الله ان يغفر لكل موتى المسلمين ،وأُذكّر كل مُحب أنّ لديك ملك يؤمن على دعائك لإخوانك ويقول داعياً الله : (( ولك مثله )) . كتبه وفاءً و محبة ونشراً لمناقب الراحل وقد قال المصطفى المعصوم (( اذكروا محاسن موتاكم )) ، كتبه العبد الفقير إلى مولاه رحمته ومغفرته ورضاه مرعي كرامة سعيد حميد الأخ الأكبر للراحل عبدالباسط حميد فقيد العلم والدعوة وأسرة بو مرعي الحبية الغالية وكل المحبين . السبت 15 مايو 2010 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق