السبت، 17 مايو 2014

الإخلاص.. المضمون والفاعلية

بقلم : مرعي حميد / مفكر وباحث الإخلاص هو واحدية وتوحيد جهة القصد في العمل فيكون العمل خالص متخلّص نقي مصفى من قصد الغيرية الغرضية والإنجازية المخالفة لظاهر العمل ولجوهره وحقيقته وما ينبغي له من غرض عقلاً ومنطقاً وخلقاً سوياً ،وسلامة من التناقض ،الإخلاص إرادة قلبية لازمة لصحة العمل والخلق تمنحهما الروحية الحقة، لا مجرد المراوحة عند تخومهما أمنية جافة لا حياة في أوصالها ولا ري يسقيها .وهو باعث وجداني وعرفاني نتاجه الحيوية والإندفاع ،أساسه الغالب الفهم الصحيح والرؤية الثاقبة والإصرار على الدأب في القصد والمسعى مع تعهد لذلك الباعث على الدوام ،وهو شعور دافع للذات للمثابرة الدائمة والفعالية العالية في سبيل تحصيل المرغوب والسلامة من المرهوب. كلما توفر للعمل الصالح الإخلاص كان أحرى بصاحبه النجاح فيه والتفوق في أدائه، فالإخلاص حامل على الإتيان بالعمل كأفضل ما يمكن وأفضل مما كان وظهر من قبل لدى صاحبه ولدى الآخرين ،إنه دافعية للإبداع ومولّد لسكب التجارب والمعارف والخبرات والبحث عن مزيدها في مشهدية إنجازية جديدة متجددة متقدمة ترنو إلى الأفضل ،هو حامل على استفراغ الطاقة .إنّه يقفز بالعمل من كونه مهمة ثقيلة يجب القيام بها إلى رغبة جارفة وتوحد معها بحيث تصبح حاجة للفرد وجزء من كينونته وهنا تكمن خطورة الاخلاص وقيمته ،إنه الارتباط العضوي مع العمل ومع الآخر والتضحية من اجله ومن أجله فقط لا لمصالح ضيقة إلا إن كانت شرعة الإخلاص هنا تحتملها وتقتضيها لمزيد إخلاص ولمزيد عمل بالإخلاص وإخلاص في العمل. ما خالط الإخلاص عمل إلا كان حرياً بالتلهف لمعرفته ومعرفة مضمونه والتعرف على صاحبه المخلص ،وما اتصف به إمرؤ في عمل او في جانب من حياته او كل حياته إلا كان مستحقاً للإهتمام بمعرفته ومعرفة طبيعة عمله وإنجازه فيه .هو منهج حياة وبصمة تميّز بل هو مصدر التميز وباعثه. يُحمد الإخلاص حين يكون خلاصة للرغبة الصادقة والفهم الصحيح للعمل الصالح ،انه تشمير عن ساعد الجد واطراح للكسل والمن والتسويف .وقد يقدم الانسان على عمل ويخلص فيه وربما كان به وفيه قدوة في الإخلاص وفي الإخلاص قدوة مع أنّ هذا العمل غير صحيح وغير صالح وضار مضر بالذات وبالآخر وربما بالمبدأ ذاته الباعث عليه ،إما من وجهة نظر غيره وقد يكونون كثر او معظم الخلق ،او من وجهة نظر الدين او العقيدة او القانون او الفكر والايدلوجيا التي يصدر عنها وينطلق منها وينتسب لها ،أو مجموع ذلك ،وهذا ناتج عن الفهم السطحي مع الرغبة الجامحة التي قد لا تسمح للمرء في احيان ان يقف ويتأمل مدى صحة عمله وخلوه من الخطاء والتناقض مع منطلقه الفكري والعملي .وعمل من دون فهم صحيح له يسير اخلاص صاحبه بتعثر بمجاهيل سبيله. حاجة الانسان للإخلاص تنبع من جهتين جهة ذاته فيخلص في عمله ليتحقق له الرضاء عن عمله و يشعر بكينونته ووجوده في الاعمال او العمل الذي نذر حياته ويشعر بها من خلاله ،ويخلص ليتمكن من اتقان العمل وتحقيق الإبداع ،ويؤدي العبادة مخلصاً فيها متقناً لها من اجل الله الذي لا يرضاها ولا يتقبلها الا ان كان قد أداها خالصة له من دون قصد رضا احد سواه ولا مثوبته ولا جائزته. لا يدرك غير العاقل حقيقة الاخلاص في قلب المرء ،ولكنه شعور يجده العامل من نفسه ،وأثر يبدو في عمله وكسبه وإقدامه وإحجامه ونشاطه وكسله وحماسه وفتوره ورغبته وقناعته وطمعه وزهده ،اثر يراه ويشعر به المحيطين حوله ولربما فاض عن دائرته القريبة حتى عرفه الابعدين في المكان والابعدين في الزمان . الإخلاص في العبادة المحضة : اخلاص العبد العابد لمولاه ان يقصد رضاه ومحبته دون ان يشرك معه احد غيره في الرغبة وذلك في كل عمل يبعثه التعبد المحض عليه ويباشره من منطلق تعبدي ،يؤدي عمله التعبدي لا ليعرف ذلك عنه الناس ولا ليكسب محبتهم ولا مكرمتهم ولا تقديمهم له والسلامة من تأخيرهم له ،انه عمل لله تعالى وحده لا شريك له في رغبته وقصده ،بل ان قصد رغبة احد سواه تتنافى مع قصده سبحانه فلا يحتمل عمل تعبدي إشراك ففي الحديث الذي رواه الامام مسلم : ((قال الله تبارك وتعالى : أنبأنا أغنى الأغنياء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري ؛ تركته وشركه))ان العمل حين يخالطه اشراك فانه يفوّت على صاحبه حضه الاعظم منه بل ويعود عليه بالخسارة والوبال كما ورد في حديث الثلاثة الذين تُسعر بهم النار ،فهو في الواقع فرط في العمل التعبدي لان شرطه ان يكون خالص لله وان يكون صحيحاً موافقاً لما شرع الله تعالى ،كما انه وبدلاً من ان ينال رضى الله ومحبته لإخلاصه فانه ينال سخطه وغضبه ومقته .انه بدلاً من ان يستحق المثوبة يصبح مستحق العقوبة لتفريطه ولسوء أدبه ،ان الله تعالى في غنى عن اعمال العباد ولكن هم مستفيدين من عملهم ان قصدوا به وجه الله اما ان اظهروا للناس الاخلاص والسلامة وابطنوا لعليم السرائر غير قصد رضاه والتعبد له بما جعله شعيرة لعبادته فانهم على خطر عظيم .يقول الامام حسن البنّا : ((و أريد بالإخلاص :أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله , وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر , وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة , لا جندي غرض و منفعة , (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) , و بذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم (الله غايتنا)...)). قد يتعب المؤمن والمؤمنة نفسيهما من اجل القيام بالعمل الصالح ثم لا يجتهدا في ان يخفيا عملهما هذا عن الناس او عن بعض الناس بداعي الرياء والفخر وحصول مدحهم واعجابهم وثنائهم ،كصيام او انفاق مال او قيام ليل او حفظ للقرآن الكريم ثم يظهرا ذلك للناس بداعي الرياء والسمعة. إنّ الأولى بالمؤمن ان يكتفي بعلم الله بعمله فلا يتطلع من بعد الى علم المخلوقين وماذا يساوي علمهم عند علم الله وماذا يساوي رضاهم عند رضاء الله ،هل يساوي هباءة ،بل لا يساويها ،يقول الله تعالى ((وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )) . و الأولى بالمؤمن على الدوام ان يجتهد في العمل الصالح ويحمد الله تعالى ان وفقه إليه وأقامه فيه ،ثم ينسى ذلك ويتناساه حتى عن نفسه كي لا يدخله العجب ،ويمنّ ويدل على الله تعالى به ،خاصة ان خشي ذلك من نفسه .وان اظهار العمل الصالح والتوفيق الالهي في حال تقديم القدوة والمثل للناس او لبعض الناس ليشمروا ويفعلوا ذات الفعل او اكثر منه وافضل ان هذا مما لابأس به بل هو يحسن ان ضمن المؤمن من نفسه عدم الوقوع في براثن الرياء ،ومثل هذا الاعمال الخيرية ،ومنازلة درجات القرب من الله تعالى ،قال الله تعالى (( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) ،وقد يدخل الشيطان او يحاول الدخول الى قلب المؤمن عبر تخويفه من ان يكون مرائياً في طاعة ما وإن الافضل له ليدفع عنه كيد الشيطان ان يذكر نفسه انه انما يعمل الأولى به كمؤمن وطامع في الله وما عنده من الاجر والثواب الذي يدخره لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات ويسارعون فيها ويتنافسون إرضاء لله ،وقد قال الإمام ابو حامد الغزّالي في الإحياء ((فلا ينبغي أن يترك العمل عند خوف الآفة والرياء فإن ذلك منتهى بغية الشيطان منه إذ المقصود أن لا يفوت الإخلاص ومهما ترك العمل فقد ضيع العمل والإخلاص جميعا)). ان المسلم يستعد بعمله الصالح على القدوم الحسن على الله فلا يفسد ما اعدده لنفسه عبر المرآة به ،إنّ عليه ان يحرص قدر ما يستطيع على كتمان عمله الصالح ،حتى انه يخفي عن يده اليسرى ما تنفق اليمنى وفي هذا القدر من الخفاء مزيد فضل من الله تعالى فمن العشرة الاصناف من الناس الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة ،يوم لا ظل الا ظله (( و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))والحديث رواه البخاري ومسلم وصححه الامام الالباني. وعباد الله المخلصين هم الذين اصطفاهم الله فاخلصهم واولئك تحديداً لا سلطان للشيطان عليهم فهو عاجز عن اغوائهم واضلالهم . قال سيد قطب في ظلال القرآن في تفسير قول الله تعالى حكاية من قول الشيطان :((قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)) قال سيد رحمه الله : ((والله يستخلص لنفسه من عباده من يخلص نفسه لله ، ويجردها له وحده ، ويعبده كأنه يراه . وهؤلاء ليس للشيطان عليهم من سلطان .هذا الشرط الذي قرره إبليس اللعين قرره وهو يدرك أن لا سبيل إلى سواه ، لأنه سنة الله . . أن يستخلص لنفسه من يخلص له نفسه ، وأن يحميه ويرعاه )). الاخلاص للوطن : يسعد الوطن بإخلاص بنيه له ،ويكون منهم الإسهام الايجابي والمثابرة الخلاقة في المجال الذي يعملون فيه ،وكلما ارتقى المرء في سلم المسؤولية كان لوجود اخلاصه لوطنه تأثير جميل اعمق وأثر ايجابي أوسع ،والعكس صحيح فكلما افتقر من اخلاص لوطنه ترك وجوده في موضع المسؤولية الاثر السلبي والتأثير الذي يسر العدو المتربص ،انه كلما توفر للوطن عدد اكبر من المخلصين من ابنائه حتى اصبح الاخلاص له صفة لغالبيتهم على الاقل فانه حينذاك يزدهر ويترقى ويتقدم ،وان اعترضته تحديات او عراقيل تخطاها وكنسها من طريقه الهادر بفعل ابنائه الخُلص الذين يعلون مصلحته فوق مصالحهم وقضيته كوطن فوق قضاياهم .وما اتعس الاوطان حين تبتلئ برجال في اعلى هرم السلطة ،بخاصة ،لا يملكون من الاخلاص الا إخلاص لأنفسهم ومقربيهم على حساب الاخلاص للوطن فيبنون ويهدمون ويظلمون ويضيئون ويفرشون ويطوون ،فيبنون ممالكهم ويهدمون مملكة الوطن ،يظلمون دروب الوطن ودروب بنيه بتجهيلهم والحفاظ على جهلهم وينيرون بصائر ابنائهم ومقربيهم في اسس الانانية وظلم الوطن بطريقة ناعمة ،يفرشون دروبهم بخيرات الوطن ويطوون عن الوطن درب العزة والمجد والتقدم والفخار والازدهار. يصف ول ديورانت في (قصة الحضارة)البندقية في عهدها الزاهر ((كانت البندقية تنتعش انتعاشا سريعاً بفضل تعاون جميع طبقاتها تعاوناً منظماً قائماً على الإخلاص للمصلحة العامة في سبيل إعادة التجارة والرخاء المادي))وقال في دعامة في قيام الدولة : ((لقد قامت الحضارة اليونانية القديمة على الإخلاص لدولة المدينة والتفاني في حبها)) . الإخلاص في العمل : مدني كان ام عسكري عام أم خاص ،الاخلاص مفتاح للنجاح فيه ،كما هي الرغبة فيه مفتاح ثان لا ثالث له وقد تعوض عنه الحاجة اللازمة له ،ولكن شتان بين روح الرغبة وروح الحاجة ،غنية روح الرغبة وفقيرة روح الحاجة ،والاخلاص في العمل يتضمن تمام الحرص على الاتقان فيه وتحسين الأداء وتجويده على الدوام سواء تم تقدير العامل من صاحب العمل ورئيسه ام لا ،وهذا يتطلب من جانب صاحب العمل ورئيسه التحبيب والترغيب في العمل المعني وبيان اثره الايجابي في المجتمع كما يتطلب منه التلطف مع العاملين وتجنب القسوة معهم الا عند الحاجة الماسة وبالقدر المناسب ،ان يكون بشوش متواضع في غير تبذل ولا ترخص يسقط الهيبة . الإخلاص للمبدأ : فيتفانى في سبيل خدمته واظهاره ونشره وكسب المعتنقين والمناصرين له ،انه يعني العيش من اجله وفي سبيله طالما هو مقتنع به ،ولا يمنع هذا ان يسعى ليزداد به اقتناعاً وايماناً ليزيد من مضمون اعتناقه له ،بل ان من صحة الايمان بالمبدأ السعي لتعميق الايمان به وتحصيل الاطمئنان القلبي به حتى يزداد تمسكاً به عن علم ومزيد علم .يقول الامام حسن البنّا : ((إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها ، وتوفر الإخلاص في سبيلها ، وازدادت الحماسة لها ، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها )) التربية على الإخلاص : إنّ المرء يحتاج ان ينمي في نفسه وروحه الإرادة المخلصة ،كما ان عليه ان يبادر اي حشائش ضارة بشجرته ودوحته قد تنمو في روحه ،يجب ان لا يسمح ببذرتها ولا بنبتتها ان تظهر بل يجتثها بسيف الإرادة المخلصة ،انها ان تواجدت ووجدت لها فرصة الانبات والظهور تصبح عصية على القلع بل لا ينكرها صاحبها وتكون مرحب بها ومقبولة ويتكيف معها فتسيطر عليه وتوجهه شر توجيه ويتبدل به الحال من محسن الى مسيئ ومن حسن الى سيئ ومن محق الى مبطل ومن عادل الى ظالم ،انها تخرب لديه جهاز المناعة الذي يحول بينه وبين الردي والضار من الاعمال بل و الإجرام والصلف والعربدة ،بحسب المتاح لديه من امكانية على ذلك ونقيضها . ومن المهم تعهد شجرة الاخلاص في قلوب الناشئة وعقولهم حتى لا تغتالها وتجتثها وتحل محلها شجرة النفاق والمجاملة والمداهنة والتملق فتفعل بهم وبسواهم فعلها القبيح ونتاجها الشائن .وان من تعهدها عدم السماح لشجيرات المصلحية الضيقة والغائية التشاركية في العمل التعبدي بالنمو ،مطلوب مننا ان نكافئهم ونشجعهم بالكلمة الحسنة والإيمائة الطيبة ولكن ان لا يصبح هدف الصغير من تعبده ان يحصل على هذا منا ولكن لنواصل تذكيره كما تكريمه بان هذا العمل هو لله ويجب ان يكون كذلك وما هذا الذي يجد منا الا (عاجل بشرى المؤمن)،اما الكبير فينا اذا مدح فانه اكبر من ان يغتال نيته في كسبه البديع مديحنا ولكن لا يكون هذا ديدن لنا ولنتعرف على من نمدح قبل ان نمدحه ،ولا نكثر من هذا فنقطع عنقه ونكسر صلبه ،وفي الحديث المتفق عليه((عن أبي بكرة قال : أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ويلك قطعت عنق أخيك " ثلاثا " من كان منكم مادحا لا محالة فليقل : أحسب فلانا والله حسيبه إن كان يرى أنه كذلك ولا يزكي على الله أحدا " . وختاماً ... يمنحنا الاخلاص السعادة وتحقيق التناغم الداخلي بين المبدأ والممارسة ،وبين الممارسة والحرص على الاتقان والإحسان فيها .

منهج الرشد كما ترسمه سورة الكهف

بقلم : مرعي حميد/ مفكر وباحث اشتهرت سور القرآن الكريم بتسمياتها :البقرة،آل عمران،النساء،الشمس،الليل،الضحى... وفي الغالب لا توجد علاقة بين اسم السورة وموضوعها ،و لكل سورة من سور القرآن الكريم موضوعها الذي تدور حوله وتتحدث عنه وتتطرق وتشير اليه في مضمونها العام ذلك مما وفقني الله لاستنباطه ،وقد تختص اكثر من سورة بذات الموضوع مع اختلاف في طريقة العرض وتنوع واختلاف بين اسهاب وايجاز . و تنبع اهمية هذا الادراك لموضوعية سور القرآن الكريم من انها تقدم لمن يقف عليها ويستوعبها قدر كبير من المعارف كما تمنح القارئ لكتاب الله وسيلة جذب وتشويق للتلاوة والانصات كما تمنحه قدره اكبر وحافز على استحضار الذهن والتركيز التام والتفاعل العجيب مع موضوع السورة وفكرتها وسبر اغوارها والخروج بفوائد جليلة تنعكس ايجاباً على حياة التالي ،كما ان هذا الادراك سيكون عامل مساعد على حفظ السورة فهو يمنح الحافظ فرصة افضل ليعيش جو السورة ويدرك المضمون العام لآياتها ،كما ان هذه المعرفة تساعد صاحبها على التعرف على اسم السورة وموضوعها من خلال استماع بعض آياتها من تاليها اماماً كان او خلافه وبالتالي قدرة اكبر على الانصات والخشوع . وتدل هذه (الموضوعية الواحدة المتسقة)على الاعجاز الموضوعي في القرآن الكريم ،فكل سورة من السور الطوال ،تحديداً،غالباً لم تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم في وقت واحد ولكن نزلت مفرقة ،وتجد معظم آيات السورة نزلت لاسباب ووقائع متعددة ،ومع هذا فان كل السورة تذهب الى موضوع واحد وتصب في معنى اجمالي عام .وكما ان الكاتب يحرص ان يكون مقاله او (موضوعه) متحدثاً عن موضوع واحد ،فان لله المثل الأعلى ،و كما تجد في آيات السورة الآية منها وربما الاثنتين معاً والثلاث تعطي فكرة واحدة فان في مقال الكاتب تجد فقرة او اكثر تدل على فكرة واحدة و تصلح لإبرازها بمفردها او جعلها من روائع القول مع انها اخذت من مقال (موضوع)واحد متكامل . سورة الكهف التي يحرص المسلمون على تلاوتها يوم الجمعة موضوعها هو الرشد ،وربما هذا هو سر اختيارها للتلاوة كل اسبوع من بين سور القرآن الكريم،والرشد هو التصرف السليم والسلوك القويم في مختلف المواقف كما انه يعني النضج النظري والعملي ،الفكري و الواقعي . والرشد نقيض الغي ((لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)) ((وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً )) .والرشد ،كما الغي،ليس على مستوى واحد بل هو متفاوت وهو قابل للزيادة كما هو معرض للنقصان ولذا فان السوي من الناس الاولى به ان يزداد رشدا (( وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا )) جاء في التحرير والتنوير للشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسير سورة الكهف ((والرَّشد بفتحتين : الخير وإصابة الحق والنفع والصلاح )) وفي تفسير سورة البقرة قال : ((والرشد بضم فسكون ، وبفتح ففتح الهُدى وسداد الرأي ، ويقابله الغيّ والسفه )) وبينهما تماثل وتقارب وتطابق ... ونتناول هذا الامر ونفصله تحت العناوين ادناه ونترك ترتيب الورود الى ترتيب الآيات في السورة نفسها لسهولة التعرف عليها: منهجية الرشد : يسعى الانسان السوي الى ان يكون من الراشدين في حياتهم بل ويسعى الى ان يرشد غيره الى سبيل الرشد ،ما هو السبيل للوصول الى منهج الرشد ،تجيب عن السؤال سورة الكهف كما يلي : 1. العلم والصدق : العلم والصدق مخالفة لصفة اهل الغي (( مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا 2. السلطان البيّن : (( لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )) 3. الشهادة والحضور (( مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا 4. اجتناب الجدل : (( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً 5. لا مادية الاعتقاد والتفكير : (( وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً 6. تجنب موانع الرشد والفقه والتخلص منها : (( إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا 7. تقديم الدليل المادي ان وجد والحرص عليه : (( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً (58)وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا 8. الحرص على تحصيل الرشد (( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا )) ((وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً )) 9. الحرص على ادراك رحمة الله : عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا 10. العلم اللدني : عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا 11. التعلم ممن يعلم : (( قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا والآية تدل على ان المقصود الحق بالعلم هو الرشد 12. مداولة الآراء ونقدها في احترام وتوقير: ((قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا)) 13. الصبر في طلب العلم : ((ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا )) منهجية الغي : للغي منهجية قد يسلكها المرء بعلم او بجهل ويسحب خطاها الى حياضها حتى يغرق في بحر الغي وظلماته : 1. دفع الحق بالباطل : (( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ )) 2. رفض الآيات والدلائل الواضحات : (( وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا ؟ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا)) 3. امتلاك موانع الرشد والفقه : (( إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا)) 4. عدم الاستجابة لصوت الهداية والتعقل: (( وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا)) 5. أي لن يأخذوا اشارات هداية الدلالة مأخذ الجد فهم معرضون ولن يستجيبوا فيعملوا بما يكون سبب في هدايتهم والا فالهداية تبقى هي هداية الله 6. القول والعمل والمحاججة من دون العلم اللازم لها ((مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ )) 7. الفساد والافساد في الارض : ((إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ )) 8. اظلال الله تعالى : (( ومن مصادر الرشد : الوحي والايمان به وبالكتاب : ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا )) ((قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ )) الدعاء و اللجوء الى الله تعالى : (( فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا )) الهداية الإلاهية وزيادتها : (( مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا )) ))(( وَزِدْنَاهُمْ هُدًى )) ))(( وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ )) صفات الراشدين : 1 . الايمان بالله وعبادته و عمل الصالحات(( الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ )) ((فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً)) 2 الهداية ))وَزِدْنَاهُمْ هُدًى )) 3 الحرص على رشد الاخرين : (( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا )) 4 عدم ادعاء الكمال : (( قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ )) 5 التلطف في السلوك والرفق في التصرف : (( وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا )) 6 اليقين بوعد الله : ((كَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ )) 7 الايمان باليوم الآخر : (( وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا )) 8 ترك المماراة (( فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا )) 9 ارجاع المشيئة لله (( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ )) 10 ذكر الله تعالى : (( وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ )) 11 سؤال الله الهداية لمزيد الرشد : ((وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا )) 12 الصبر : (( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ )) 13 عدم ايثار الدنيا وزينتها : (( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) 14 الامتناع عن طاعة من اتبع هواه : ((وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا )) 15 قول الحق : ((وَقُلِ الْحَقُّ )) 16 عدم الاشراك بالله : (( وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا )) 17 الايمان : (( وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً)) 18 الاستغفار : (( وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً)) 19 الحذر من النسيان : (( فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا)) 20 تحمل التعب من اجل تحصيل الرشد ومزيده : ((قَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا)) 21 الحذر من مكائد الشيطان : (( وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ)) 22 التراجع الفوري المُبصرعن الخطاء وفي حال النسيان: (( فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا)) 23 الحرص على رحمة الله : (( عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا )) فهي اساس الرشد ولذا كانت البسملة في مطلع التلاوة وهي محفوفة بالرحمانية وطلبها 24 طلب العلم وتحصيل مزيده : ((قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)) 25 الصبر في طلب الرشد ودروبه والتخلق بأخلاق طلبه : ((قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا )) (( ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا )) 26 تعليم العلم لمن يقوم بشروطه : ((قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا )) 27 البعد عن الجناية بحق الآخرين كبيرة كانت ام صغيرة في حد ذاته وفي عواقبها : ((فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا )) وقد كان قول موسى في ظاهره وجيهاً لكن كان فعل الخضر في باطنه وجيهاً فانما كان فعله (( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) ،ويتكرر التجني بل الاجرام للوهلة الاولى ((أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ )) ولكن الجواب والسر الدفين العجيب ((وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا )) 28 بذل النصيحة وان بلغت المعاتبة : ((حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا )) 29 الاعتذار للمعلم والاعتراف بالخطاء واعذاره فيما يتخذ من عوقبه في حال تكرار الخطاء من المتعلم ((قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا)) (( قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا )) 30 اجتناب المؤاخذة خاصة من المعلم لتلميذه طالما كان الخطأ او التقصير عن نسيان ومن دون ارادته : (( قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا)) 31 انكار المنكر ((قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا)) 32 طرح الآراء وتقديم الافكار دون تردد فلعل رأياً او فكرة توافق صواباً: ((فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا )) 33 الحرص على تقديم النفع خاصة لأهل الرشد ((فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا)) وقد كان السبب ((وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ)) 34 الصراحة والوضوح : ((قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا )) 35 الحرص على الافادة : ((سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا)) 36 ارتكاب اخف الضررين في حال الاضطرار الى احدهما ((أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) 37 الحرص على العمل الشريف ومؤازرة اهله : (( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) 38 الرحمة بالضعفاء والمساكين : ((أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) 39 الحرص على المعلومات الصحيحة (( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) 40 بناء القرار الملائم والمناسب بناء على المعلومة الصحيحة (( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا 41 تنفيذ القرار كما هو من دون زيادة ولا نقصان ((فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا)) ((خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا))ولم يكن ما احدثه من خرق الا بما يعيب السفينة ولا يعرضها للغرق ولكن في طبع موسى عليه السلام حدة معروفة ((وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ)) 42 عدم اتخاذ المضلين عضدا : ((وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا )) 43 اتخاذ الاسباب : (( فَأَتْبَعَ سَبَبًا )) 44 العدل : ((وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا )) 45 الاعتماد على الله و رجاء توفيقه وتمكينه بعد الاخذ بالأسباب : ((قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا )) 46 تفضيل العمل الجماعي والدفع بالمشاركة الجماعية وتجنب الفردانية والتفرد في صنع الانجاز وتحقيق الهدف وبلوغ الغاية ((فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا )) وتلاحظ هنا المفردات : اعينوني،آتوني،انفخوا ..آتوني مرة ثانية .. 47 الاستفادة من الطاقات وعدم إبخاس الناس حقهم في المشاركة بحسب طاقاتهم وعدم تكليفهم باكثر مما يحسنون مع خلق روح الايجابية لديهم ((فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا )) 48 الإتقان في العمل والإخلاص فيه : ((فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا )) والمعيار ((فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا )) 49 الاعتراف لله بالفضل والمنة ،والبعد عن الغرور بالصنيع الحسن والتشبّع به: ((قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي )) 50 اغتنام الفرص في تذكير الخلق بخالقهم وقدرته واحسانه :((قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي )) ((قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا )) 51 عدم طلب التحول من المكان والحال الحسن والمكانة الطيبة : ((لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً )) ماذا للراشدين : • دخول الجنة والخلود فيها : (( لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا )) ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (107) خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً )) • التوفيق والنجاح وادراك لطف الله وعونه في الدنيا : ((وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ)) • التمكين في الأرض : ((إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ )) • التزويد بأسباب القوة والنجاح : (( وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا )) صفات غير الراشدين : كما انه من المهم معرفة صفات الراشدين فانه من المهم كذلك معرفة صفات غيرهم،حتى يدرك الانسان ،والغافل خاصة،من أي الفريقين هو،والى أي حد هو متصف بصفات احدهما،كما ان الضد يُظهر حسنه الضد،وفي التعرف على صفات غير الراشدين توقي من الاتصاف بها ،و قد تناولت السورة الكريمة هذه الصفات اجمالاً لها وتفصيلاً : 1 الرجم بالغيب والقول من غير علم : (( راَجْمًا بِالْغَيْبِ )) ومنه القول على الله : ((قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا)) 2 الغفلة عن ذكر الله ومنه القيام بطاعته (( مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا )) 3 اتباع الهوى (( وَاتَّبَعَ هَوَاهُ )) 4 التفريط واضاعة ما حقه ان يحافظ عليه ويُقام به : ((وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا )) 5 النظرة المادية والاستكثار بعرض الدنيا : (( فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا )) 6 ظلم النفس : ((وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ )) 7 الظن السيئ و طول الامل : (( قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا )) 8 عدم الايمان بالساعة : وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً)) (( الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ )) 9 الامنية الحسنة بغير عمل يوافقها : ((وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا )) (( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا 10 مخالفة امر الله : (( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ )) 11 اتخاذ الشيطان ولياً مُطاعاً من دون الله : (( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً )) 12 الزعم في ما يتصل بالاعتقاد : (( وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا)) 13 الاشراك بالله : (( وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ )) 14 الجدل : (( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً )) (( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا)) 15 الاستهزاء بآيات الله وانذاره (( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا )) ((ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا )) 16 الاعراض عن آيات الله : ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا )) 17 نسيان الخطايا والآثام )):وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ)) 18 إمتلاك موانع الرشد والفقه : ((إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا)) 19 أخذ ما ليس بالحق واغتصابه : (( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) 20 الاستخدام السيئ للقوة والقدرة والمكانة : (( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) 21 التجرد من الرحمة والاتصاف بالقسوة والفضاضة والغلظة : (( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) 22 اتخاذ الشيطان ولياً : (( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)) 23 محدودية الفقه : (( قَوْمًا لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً )) 24 الكفر بالله : (( وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا 25 الإعراض عن ذكر الله : (( الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا )) جزاء غير الراشدين : • دخول النار (( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا)) • حرمان التوفيق في الدنيا وحلول النقم : ((وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا )) • إحباط العمل (( فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا )) • الحرمان من لقاء الله و النظر الى وجهه الكريم في الجنة : (( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)) نماذج للفريقين : وكما تضمنت السورة جزاء الراشدين وعاقبة سواهم تضمنت السورة نماذج للفريقين : فضربت للراشدين نماذج :أصحاب الكهف ،صاحب ذي الجنتين ،موسى عليه السلام ،الخضر عليه السلام، ذي القرنين الملك العادل، و لغير الراشدين : صاحب الجنتين،الملك الظالم، ابليس، قوم ياجوج وماجوج . كما تضمنت السورة آيات دالة على كمال الله وبالغ حكمته،وتضمن آيات هي قواعد مهمة للمسترشدين والراشدين ...

تجربتي الروحية

بقلم : مرعي حميد/مفكر وباحث ـ اليمن هل عرفت أروع ما في الحياة ،أروع و أبهج ما في الدنيا ،جنة الدنيا؟؟؟؟ قف معي و إقرأ الى النهاية تعرف اروع ما في الدنيا ليكن هذا المقال هديتي إليك بمناسبة حلول العام الميلادي الجديد 2014م كان آخر ما يخطر ببالي أن أنشر هذا (المقال) الذي اعددت جميع مادته لتنشر كملحق بكتاب جديد من تأليفي هو في الطريق اليكم بإذن الله تعالى .وفي مطلع المقدمة أحب ان اقول : إنّ ما تطالعونه لي من كتابات روحية ايمانية على صفحتي على الفيسبوك او مجموعتي (الإيمانيات والروحانيات ..مرعي حميد) او مجموعتي (الاحسان مرعي كرامه حميد) على الفيسبوك او في مدونتي الايمانية ،او في مقالي شبه الشهري التربوي بمجلة النور الصادرة من صنعاء،او في غيرها ...كل هذا عندي هو في سياق واحد متصل هو سياق ونتاج تجربتي الروحية التي مضى عليها 23عاماً من بدايتها ،وهو سياق قد يستغرب له البعض بسبب ما عُرف عني من اهتمام بالسياسة كاتباً ومحاضراً ،و أود هنا ان اقول إنّ أمر السلوك الروحي غير مرهون بسن ولا بشكل ولا هيئة ولا ملبس ولا نسب ،ولا تخصص أكاديمي ،ولا حتى كتابة وتحدث للناس ،فكل هؤلاء قد يكونون لهم تجارب روحية وسلوك روحي تصوفي نقي مستمر متصاعد. بطبيعة الحال فانه يهمني جداً أن اتعرف على تجارب غيري الروحية واجتهد وابحث عبر الكتب والمجلات ،ولم اعثر على تجربة مكتوبة حتى الان انما نتف متفرقة لا تقدم صورة لتجربة روحية، كانت آخرها تجربة الدكتور المغربي طه عبدالرحمن ،و لا أعني انه لا يوجد أصحاب تجارب روحية عميقة ولكن ربما لم يكتبوا مع ما في هذا النوع من الكتابة من خطر ،وما يصحبها عادة من زهد كبير جداً في التحدث عنها ،وربما لم اعثر بعد على بغيتي في تنقيبي ،هذه المرة جربت ،ربما من جديد ،وكتبت على قوقل (تجربتي الروحية) فكانت النتيجة ان عثرت على ما اسماها صاحبها تجربة روحية و تبين لي سريعاً انه انما كان متأثر بصوفية الخرافة و انتبه منها وتاب ،وهذا في الواقع ليس تجربة روحية ،فالتجربة الروحية الحقيقية لا يتوب منها صاحبها ،انها ترقي الى الله وقرب روحي منه فليس بمعصية حتى يُتاب منه ،على العكس ،قمة سامية يتمناها كل من عرف معنى ومضمون الترقي الروحي ويبذل من أجلها الغالي والنفيس ،و قد وجدت احتفاء بصاحب هذه (التجربة) يصب في خانة التشويه التام لكل التصوف ،ومن هنا وتسريعاً لما هو آت باذن الله تعالى ،رأيت أنه من المناسب التعجيل بنشر هذا (المقال) ،وسيجد فيه كل طامح في الترقي الروحي والايماني والتصوفي السُني ،مثال معاصر ،حافل بالدروس ،وكل تجربة روحية مكتملة من بداية السلوك حتى قمته العالية ،هي طريقة مستقلة ،ومن هنا جاءت تسمية (الطرق الصوفية) . إنّ الكتابة في (التجربة الروحية) امر أشبه بالمخاطرة ،خاصة الاختلاف الكبير الموجود في تعريف مصطلحاتها ومصطلحات أحوالها ،هو بحر صعب ،ولكن ثقتي في تجربتي وتعمقي في هذا المجال وثقتي في ان ما تم لي انما هو فضل من الله تعالى مع اهمية وجود تجربة معاصرة في هذا المجال تُثبت انه ليس تاريخ روحي مجيد فحسب ،ويحسن هنا ان أضع تعريفاتي للمفاهيم الواردة بعدها ضمن هذا المقال، وهي هنا تعاريف عملية تتناسب وطبيعة هذا المقال ،كما انها تحتوي على إشارات مهمة ومضامين لا غنى عنها لمن أراد أن يسلك هذا الدرب الرباني النوراني العرفاني الجليل ،وهي وجهة نظر عبد ضعيف سلك وعرف: 1) التصوف : طريقة وميل ونزوع فردي عقلي وعلمي وعملي لتزكية النفس وتهذيب الروح تحلياً بالفضائل وتخلياً عن الرذائل وترقياً في درجات التديّن و سلوكاً في مدارج العبودية لله وصولاً إلى مقام الشهود الروحي ومنزلة العيش مع الله وكأن السالك يراه وثباتاً في هذا المقام وعلى هذه المنزلة حتى يلقاه. والتصوف كمكون ليس هو التدين في مضامينه ومراميه ولكنه طريقة لا يُكاد يستغنى عنه للتدين في تكامله وبلوغ كمالاته والثبات عليها حتى لقاء الله . ولم يعرف حقيقة التصوف من يناصبه العداء ،وان كل منتسب الى التصوف مدعي له مخالف لقيم التصوف السامية فانه ليس بصوفي في الحقيقة وكل حديث من هذين الصنفين من الناس عن جوهر التصوف وحقيقته ما لم يكن منقولاً، فهو مردود لأنهما لم يعرفا حقيقة التصوف فكيف يعرفا الآخرين به تحبيباً او تنفيراً، وفاقد الشي لا يعطيه ،ان تعريف التصوف يحتاج من صاحبه الى معرفة سلوكية وخبرة تذوقية، وكم من شبهات اثيرت حول التصوف بسبب هؤلاء المدعين للتصوف و المتقولين وتعريفاتهم المدعاة ، و تعريف اهل التصوف الحقيقيين في بعض الاحيان يركز فقط على جانب فقط من جوانب التصوف . واحيانا يعممون حالة من الحالات ويعتبرونها هي كل التصوف .و للتصوف اسماء مثل : السلوك ،التزكية، التربية الروحية ،العرفان ،وللمتصوفة الحقيقيين اسماء ابرزها: العبّاد ، السلوك ،السالكين ،العارفين، اهل الارادة ، ارباب السلوك . 2) الحياة الروحية : هي هبة الهية في حالة قلبية روحية شائقة جليلة القدر رفيعة المنزلة يعيش فيها المؤمن مع الله تعالى يشهده بروحه حصيلة للتطهر من الذنوب والمعاصي و للمعرفة القلبية بالله وطاعته ومجاهدة النفس في سبيله . حالة يعيش صاحبها في رحاب الله يستروح نسمات القرب العليلة على روحه ،يتفيأ ظلال الود الالهي الندية ،ويرتشف من معين الصفاء مع الله ومسارته وحلو مناجاته، هي اروع حالة يمكن للإنسان عيشها في هذا الوجود وهي حصيلة المعرفة بعظمة الله وتذكر نعمه عليه ويقين العابد واستشعاره لحقيقة قربه تعالى منه بعلمه وسمعه وقدرته وهدايته ومن كل خلقه وان لم يستشعروا هذه الحقيقة الساطعة المشرقة على قلب العابد وروحه ..وتتأتى هذه الحال للعابد وهو يعيش في رحاب الله بطاعته والمسارعة اليه بأنواع القربات والاقبال عليه بشتى صنوف ذكره مُستشعراً لتلك الحقائق :صلاة مكتوبة كانت ام نافلة وذكر لله وتلاوة لكتابه الكريم ودعائه وسؤاله والتذلل لعظمته ،ولذا نجد الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم ينادي بلال رضي الله عنه ارحنا بها يا بلال لأنها تأخذه كلياً وجمعياً الى رحاب الله والانس به تعالى كأروع حالة ممكن للإنسان عيشها ،فكيف ان كان الانسان رسول الله ،وفي الصلاة تجد ملاقاة الله ومناجاته وتلاوة كتابه وذكره 3) السالكين: هم مجموع السائرين بقلوبهم وأجسادهم و أرواحهم نحو الله تعالى عبر الايمان العميق والاكثر عمقاً والاعمال الصالحة (الاوراد) 4) الأوراد : هي مجموع الاعمال الصالحة التي تتمخض عنها الواردات فالأحوال والمقامات ، ومن الأوراد تحديداً وتخصيصاً : الصلاة ،قراءة القرآن ،الذكر المطلق ،الدعاء ،التفكر في الكون و المخلوقات ،القراءة في كتب اسماء الله الحسنى والعقيدة المؤثرة ،الصيام نفل و فرض ،قيام الليل ،التوبة ،الاستغفار ،الاعتكاف في المسجد والمكوث فيه ،اناشيد ايمانية روحية ... 5) الوارد :هو العبير الروحي والنسيم الإيماني الذي يهب على الروح فينعشها ويُمتعها ويزيدها صفاء ونقاء وهو مدخل الى (الحال) . 6) الروح : الروح تكوين معنوي واعي يشكل مع تكوين المادة المادي حقيقة الانسان ،و الروح تكوين يتسع ويضيق يكبر ويصغر ينعم ويشقى لدى صاحبه بحسب اهتمامه به تماماً كما التكوين المادي ،له غذائه كما للجسد غذائه ، قابل للصحة كما هو قابل للمرض ،وبين التكونين المادي(الجسدي)و المعنوي(الروحي) للإنسان الواحد ارتباط واتصال وتواصل ،و النفس هي الانسان بروحه وجسده . 7) الشهود الروحي : الشهود الروحي هو حال ومقام تشهد فيه الروح المؤمنة الوجود وواجب الوجود ،الله تعالى، بعين البصيرة وفي وقت واحد تحقيقاً لشهادة التوحيد ،و عبارة (كأنك تراه) في حديث جبريل ،(( أن تعبد الله كأنك تراه)) ،وهو التجلي الأسمى لمقام الاحسان .حياة روحية عرفانية تعقلية تستغرق الشعور والاحساس والمدركات تستحضر في تكثيف معرفتها الروحية العميقة بالله وبالموجودات بالدنيا والآخرة ،وتبلغ الذروة في حال العبادة الصرفة وبها تغدو جنة الدنيا والروح المُعجلة. هي التجلي الروحي لشهود المعبود الحق وصفاته واسمائه وخلقه ومعبوداته و تدبيره للأمر من فوق سماواته وعرشه .ويتبعها شهود روحي للرسول الكريم محمد بن عبداللاه صلى الله عليه وسلم رسول موحى اليه من ربه المعبود ذي الجلال وينطق العابد بالمشاهدة الروحية للمصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يسلم عليه في تشهده سلام الحاضر ((السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته )) . 8) الترقي :الصعود الروحي الإيماني عبر السلوك الواعي الصادق المتخذ للأسباب : الفرائض ،النوافل ،ومعها :الصدق والاخلاص والتوكل والمحبة لله والانتهاء عن المعاصي والذنوب والاجتهاد في الطاعة والفرار من الإثم . 9) الرؤية الروحية: المشاهدة بعين الروح ، مشاهدة روحية تتم بالروح وقدرته الشهودية فوق البصرية المعلومة مستوعبة وهاضمة للمعرفة العقلية . 10) المشهد الكامل للوجود :الصورة الذهنية الروحية الشاملة من دون تفصيل التي تشمل الارض والسماوات السبع و فوقها الحي القيوم الذي لا تدركه الابصار ولا تدركه العقول .ولكن يسع الروح ما لا يسع سواها عبر الرياضة الروحية بتوفيق الله تعالى . 11) الذوق : هو منازلة الفرد بلحمه ودمه ووعيه للمعاني الروحية ووجده لإشراقاتها على روحه 12) الحال :هو المقام في اول وجوده ،فيكون حالاً معرض للتحول والذهاب لعودة قادمة له او لا عودة 13) المقام : هو المنزل الروحاني الذي يستقر فيه السالك ويبقى فيه لا يغادره ،ويكون في اوله حال مؤقت مُلهم ثم يثبت بتوفيق الله ثم بالممارسة الروحية و التعرف عليه من مضانه الصحيحة .وحين يرتقي السالك مقام أعلى فانه انما يضيفه الى ما سبقت له من مقامات كمن يصعد أدوار في عمارة عالية . 14) سلوك : توجه روحي الى الله لتحقيق القرب المعنوي والتصوري الإيقاني العميق منه جل جلاله . من كمال حديث المهتمين بالتجربة الروحية ومن لهم تجربة سلوكية روحية أن يعرضوا تجاربهم الخاصة ،ومنهم من يفعل ومنهم من لا يفعل ،ولذا رأيت وانا بصدد مؤلفي هذا ان اعرض مراحل الترقي في تجربتي الروحية التي وفقني الله اليها حتى لا يكون مؤلفي مجرد نقل وسماع واعجاب وتجميع على غير أساس ذوقي ،وحتى لا يظن ضان ان بلوغ مقامات الروحانية العالية انما كان لمن مضوا ولا يمكن ان يتأتى لاحد من بعدهم ،وحتى يكون لما كتبت ما ارجوه من الأثر بتوفيق الله ... لقد مررت في ترقيي الروحي بالمقامات والاحوال التالية و بترتيبها الموجودة عليه أدناه ،ولم أكن اتطلع الى أي منها تحديداً ولكنه توفيق الله وفضله ،وسأورد هذه المراحل بأكبر قدر من الاختصار ،مع انني اعذر من لم يفهم قولي ،فهذا مجال نادر ان يطالع فيه معظم أهل هذا الزمان ،كما ان مفاهيمه غامضة على كل من لم يجربه ويتذوقه ،واذا ذهبوا الى مصادر هذه المعرفة المفترضة وجدوا اختلافاً وتبايناً ولذا حرصت على ان اضع ،اعلاه ،بين يدي مقالي تعاريفي المبنية على تجربتي المؤكدة لما كان قد اطلعت عليه من قبل ولا أزال بفضل الله الذي استمد منه التوفيق والدوام ........... منذ 23 عاماً كانت بداية البداية ،كنت قبلها معتنقاً للفكر الاشتراكي وبإيمان به وحماسة شديدة ..... 1. شخصي الضعيف من مواليد اكتوبر 1970م ،منّ الله علي بالهداية في مطلع شهر رمضان عام 1989م ومن دون سبب إلا فضل الله تعالى فقد جذبني إلى رحابه ،كانت نعمة من الله عظيمة ومنّة جليلة .عملت إمام وخطيب لمسجد قرية حصن الحمضان (من قبيلة نهد) وهو قريب من منطقتي العنين وسط وادي حضرموت ،مكثت به ثمانية اشهر من عام 1991م وكنت امكث فيه من بعد صلاة العصر الى صلاة العشاء منفرداً في معظم الوقت وفيه تعرفت على كتاب تهذيب مدارج السالكين (تهذيب عبدالمنعم صالح العلي العزي وهو الاسم الحقيقي للداعية والمربي الاسلامي العراقي محمد الراشد) و الكتاب مختصر بديع لكتاب ابن قيم الجوزية (مدارج السالكين الى منازل اياك نعبد واياك نستعين)،وقد وجدت الكتاب السفر النفيس ضمن مكتبة المسجد المحدودة . كان هذا التأسيس والتمهيد المهم والمحوري . 2. في احد أماسي شهر رمضان من عام 1991م وتحديدا أثناء صلاة التراويح في مسجد جامع عمر بمدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت وكنت حينها طالباً في المستوى الأول بكلية العلوم والآداب والتربية بالمكلا ـ تخصص تاريخ ....وجدت نفسي اسمع كلام الله بطريقة مختلفة تماما عن ذي قبل ..اسمع كلام الله مع شعور كامل ان الله تعالى هو المخاطب بهذا الذكر المجيد لعباده من الإنس والجن ومنهم العبد الفقير مرعي حميد وهو حال قد قرأت سيد قطب يتحدث عنه في السفر النفيس ( في ظلال القران ) ولكن لم افهم ذلك الحال ولم اعش ذلك الشعور إلا ذلك المساء في صلاة التراويح وكان الإمام الحافظ أشرف عبدالكريم باحسين ..كانت طريقة الاستماع وحال الاستماع لذيذة ..ممتعة ..مدهشة ..مذهلة ..تفوق الوصف ..وكنت حينها أعاني من حالة مرضية ،علم بها كل المحيطين بي في المكلا والقطن بعد ذلك، بدأت الحالة المرضية جسدية بالتهاب في اللوزتين شخّصه الدكتور المثابر علوي صالح لحمدي ،ثم تحولت إلى حالة نفسية ذهنية ، ثم عافاني الله في أقل من شهر ..ما وجدته في تلك الليلة الرمضانية المباركة من حال استماع مختلف والتذاذ ذهب حينا من الزمن ..واستقر في شعوري انه إحساس مر مرورا عابرا وانتهى وذهب بلا رجعة ولم تبق إلا ذكراه و علويته ..ولكن ..مثلما ما من الله علي به أوّل مرة بفضل منه وتكرم ..أعاده علي مرة ومرات حتى غدا بحمد الله وتوفيقه مقاماً وملكة دائمة أجدها كلما قرأت كتاب الله أو استمعت له بحضور قلب وقالب، بل امتدت على نحو اشمل وأرحب وأوسع وكأني بها مقدمة لما بعدها : إلى كل مناجاة للعلي الأعلى وذكر له بقلب حاضر وسمع محصور على حديث القلب ومشهد كامل لهذا الكون ..وهي نعمة من الله أنّى لي ان أوفي شكرها ..ولا معشار الإيفاء ..رب أوزعني ان اشكر نعمتك التي أنعمت علي ..رب لك الحمد حتى ترضى و لك الحمد إذا رضيت ..و لك الحمد بعد الرضاء ..سبحانك ..لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك . 3. وقد ارتبط بذلك توجه في حياتي إلى التفكر في الكون الرحيب من خلال القراءة في الكتب العلمية الطبيعية والمجلات العلمية كالإعجاز العلمي ومجلة العلوم الامريكية المترجمة للعربية ،وقد أقبلت على شراء هذا النوع من الكتب والمجلات لهذا الغرض ولا أزال وكانت الثمرة بفضل الله أحلى .. أروع .. أمتع ما في هذه الحياة، اسأل الله الثبات ، وأضفت لها أمهات كتب التصوف ،غير البدعي المُطلق ،اسأل الله أن ينفعني بها والمسلمين ،وهي كتب لا تجد الخرافة اليها سبيل غالباً ،كما أن المرء بفهمه لا تنطلي عليه الخرافات ولا التهويمات ولا خوارق العادات. 4. رؤية روحية للموجودات وموجدها من محدود لحد يقرب من انتفاء وجود الانسان الرائي وذلك في مقام وخلال المناجاة والصلاة . 5. ثبات اندراج كل الوجود في المشاهدة في حال تلاوة القرآن او الصلاة او الدعاء او الذكر المطلق في حال حضور القلب وقد تعرفت في هذا الى مشاهد الخطاب في القرآن الكريم وهي تزيد عن خمسين مشهداً ستكون محور لكتاب قادم عن تدبر كتاب الله المجيد بإذن المولى تعالى . 6. رؤية للذات مع رؤية وجود هائل فوقه ويحيط به ثم ذي الجلال بدون نعت ولا صفة تجسيمية (يقين هائل به تعالى) 7. شك مزلزل كان مدخله من باب التفكر في الكون وقد منّ الله تعالى بكشف كربته و زوال غُمته ،وقد جلست خلاله الى حُجة الايمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني في بيته بجامعة الايمان بصنعاء . 8. يقين ثابت تام بالله تعالى واجباً للوجود ،الهاً واحداً لا شريك له ،مالك كل الموجودات وموجد مزيدها بمشيئته وقدرته المطلقة وفوق هذا مالك الملك ذي الجلال . 9. شهود روحي خلال الصلاة الخاشعة 10. عيش الشهود الروحي بصورة دائمة و الذوبان في بوتقته ،يزداد في حال الصلاة وذكر الله تعالى . 11. عيش العبودية حقيقة العبودية للمعبود الحي القيوم وكان هذا من نفحات الحج والاعتكاف في بيت الله الحرام قبيل ايام الحج عام 1432هـ 12. عيش روحي لحقيقة الدنيا وحقارتها جنب الآخرة كان كذلك من نفحات الحج والاعتكاف في بيت الله الحرام قبيل ايام الحج عام 1432هـ 13. لسان حالي : كما تريد فانت مولاي 14. يقين مهيمن بشمول لفظ الجلالة (الله) لكل الاسماء والصفات 15. يقين مهيمن باسم الله العظيم في كل صفاة الله تعالى واسمائه فهو العظيم في علمه وحكمته ورحمته وعذابه ....الخ 16. عيش مع الله في قربه وعلمه ويقين محسوس ان هذا اقصى قرب ممكن للحي القيوم الذي لا تسعه اقطار السماوات مصداقاً لقول الله تعالى ((وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )). 17. استشعار عيش (اعظم نعيم ) مع الله تعالى لا فرق بينه في الدنيا عن الجنة الا رؤية الله تعالى بعين الجسد الفاني وهي غير ممكنة في الدنيا مصداقاً لقول الله تعالى ((وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي)) 18. عيش حقيقة الطمأنينة بذكر الله 19. ربط العقيدة الشاملة بالعمل ،تصور اضف له الممارسة 20. محاولة تنقص من الشيطان (تشويه للترقي الروحي والتقليل من شأنه وتصويره انه مجرد وهم ) 21. الاستيقاظ والانتباه الدائم على مكر الشيطان 22. الاستيقاظ والانتباه الروحي على واجب الوجود والموجودات 23. الاهتداء الى مسمى الشهود الروحي ونحته من واقع التجربة والحال . (وقد ظننت ان ليس بعد هذا ترقي فكان رقم 24 وربما يكون الأخير و ليس لي تطلع ولا تعلق بغير هذه الادراكات الروحية.) 24. العيش والشهود الروحي لحقيقة (( يدبر الأمر)).... وهي تجتمع وتتكثف في تكوينها للمشاهد السبعة التالية ،بالإضافة الى التأسيس لها في مرحلة تحقيق الايمان : 1) مشهد الوحدانية 2) مشهد الفناء 3) مشهد البقاء 4) مشهد الوجود 5) مشهد الالوهية 6) مشهد القرب 7) مشهد التدبير إنني اعتقد جازماً ان توفيق الله تعالى اولاً هو الأساس لهذا الطريق والسلوك إليه تعالى وصولاً الى مقام الشهود الروحي ،ولا يشترط لصاحبه ان يكون له شيخاً روحانياً سالكاً مترقياً في المقامات الروحية، يجلس إليه ويعرّفه طريقه ،وتحل الكتب الموثوق بها محل الشيخ واهمها تهذيب مدارج السالكين والحكم ابن عطاء الله السكندري وشروحها ،ان السلوك الروحي في حقيقته وجوهره ليس علماً يُعلم ولا درساً يُلقى انما هو ذوق و وجد لكل سالك واصل على حده ،من المفيد القراءة في هذا المجال ،ومن المفيد الاستماع الى الشيوخ اصحاب السلوك الروحي العرفاني أمثال محمد سعيد رمضان البوطي ومحمد حسين يعقوب ،ولكن كل هذا لا يضمن بلوغ مقام الشهود الروحي .وان هذا الاستماع وذاك الجلوس وتلك القراءة اكثر من أي شيء هو وهي وسيلة لتبين صوابية السير وصحة الخُطى نحو مقام الشهود الروحي ومن ثم التأكد والتثبت من بلوغ هذا المقام . ومع هذا .... ومع هذا الشهود والترقي الروحي فانه تمر بي في حياتي الروحية فترات ،قد تكون لأسباب قاهرة ،ولكن نعمة الله تعالى عليّ سابغة ،فلم ينقص من مقامي الشهودي شيء ،وهذا محض فضل من الله تعالى .كما لا يعني هذا انني بلا أخطاء ولا ذنوب و لا تقصير في جنب الله ،وهو صاحب الفضل والإنعام ،وهو التواب الرحيم ،دعانا لنستغفر ونتوب ((الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ )) وقال تعالى : ((وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ)) نشاط الدماغ المشابه : إنّ أهمية المشاهد الروحية تتصل بمردودها على التعبد لا بان تجعل العابد شريك للمعبود في تدبير خلقه او شريك له في ذاته وكل ما قيل يخالف هذا مما عرف بـ (الابدال والاقطاب ووحدة الوجود) هو وهم ودعاوى وحالات دماغية لا علاقة لها بالروح ولا بالمشاهد الروحية المتحصلة بتوفيق الله ثم بالتعبد لله عبر مقامات الدين الثلاثة . لمّا فقدت الشهود : تزلزل كياني واضطرب حالي وتكدر خاطري ،وشعرت انني اخسر اروع ما في حياتي ولا يقدر بكنوز الدنيا ،العيش مع الله وشهود الوجود و وواجب الوجود جل جلاله ،حدث ذلك مرتين ومر سريعاً ،الأولى كنت في منطقة مجاورة لمنطقة سكني وكنت في مسجدها وانشغلت حينها بكتاب مدارج السالكين الكامل غير المهذب ،ثم كانت المرة الثانية ونحن نستعد للانطلاق من منى الى عرفة في الصباح الباكر من يوم عرفه 1432هـ ،وقد زاد بسبب الفقدين شعوري بعظم النعمة وشأن المنة. الخطوة التالية : أحضر حالياً لفتح مركز متخصص في هذا المجال يقدم لكل المتطلعين والشغوفين ببلوغ أعلى مقامات الاسلام الممكن الذي يحقق لهم بتوفيق الله ما يطمحون ووفق منهج يلتزم كتاب الله وسنة رسوله وعلى فهم أهل السنة والجماعة .... اليمن ـ حضرموت في ا محرم 1435هـ الموافق 4نوفمبر 2012م

من هو مرعي حميد ؟؟؟

ولد المفكر والباحث اليمني مرعي كرامه سعيد حميد بوادي حضرموت في أكتوبر من عام 1970م.. وفي حياته تعددت اهتماماته وتنوعت محطاته . كانت البداية اهتمامه السياسي ، ثم تبعه الفكري ، ثم الروحي ، ثم الإعلامي ، وتفرّع اهتمامه بالاقتصاد و العسكرة من انغماسه السياسي الذي قاده لدراسة التاريخ في المرحلة الجامعية ، فيما تفرّع اهتمامه بالعلوم الطبيعية من فيزياء و أحياء و فلك من انغماسه الروحي ، وتفرّع اهتمامه بالأدب والكتابة من انغماسه الإعلامي المتولد بالأصالة من الانغماسين الفكري والسياسي . منفتح على كل الأفكار ، من الشرق أو من الغرب ، يبحث عن ما قد يكون حسن أو رائع فيها ويحاول سبر غورها والتعرف على جوهرها وإن كان بعيد عن النفاسة . وقد نمت مكتبته الشخصية الريفية بموجب هذه المتوالية ، وهي في نموها مستمرة ، ما يميزها في هذه المرحلة أنها تحوي جانب أثير متميّز بالنسبة إليه هو جانب مؤلفاته الشخصية . منذ 30 عاماً بدأ انغماسه في المجال المغناطيسي للسياسة ، وهي لم تقدم له حتى اليوم الكثير ، وما كان طامعاً ، وليس طامعاً ، في شيء ، إنما هو الانبعاث القيمي والفكري ، 1984 كان عام انضمامه إلى منظمة اتحاد الشباب الاشتراكي اليمني ، بعد 3 سنوات حضانة في فرقة منظمة الطلائع اليمنية بمدرسته . قضى خمس سنوات من تعليمه الأساسي والثانوي معتنقاً لفكر الاشتراكية العلمية الماركسي اللينيني منضوياً في صفوف العضوية المرشحة للحزب الاشتراكي شاغلاً منصب سكرتير ثاني اتحاد شبيبة فتاح بثانوية القطن ، ثم تحول عنه باقتناع وهو في أواخر دراسته بالمرحلة الثانوية ليعتنق الفكر الإسلامي الحركي ، وينظم إلى حزبه في اليمن التجمع اليمني للإصلاح عند افتتاح فرعه بمديرية القطن مايو1991م ، ونشط في صفوفه حتى مطلع عام 2014م حيث اتجه الى تأسيس حزب سياسي وطني جديد ، عمل المؤلف عام1991م إماماً وخطيباً في مسجد احد القرى ثمانية أشهر ، انتقل بعدها لدراسة التاريخ الذي كان يستهويه كونه يصب في إطار المعرفة السياسية الشغوف بها وذلك بالتحاقه بكلية العلوم والآداب والتربية بمدينة المكلا عاصمة حضرموت الساحلية ، وخلال دراسته الجامعية كان المسؤول الإعلامي بالمجلس الطلابي ، ثم عضواً في اللجنة التحضيرية العليا للمؤتمر التأسيسي للحركة الطلابية اليمنية ومقرها صنعاء العاصمة . في أغسطس1996 بدأ عمله الوظيفي بإدارة المعاهد العلمية شاغلاً مدير إدارة الأنشطة بمكتبها بحضرموت حتى انتقاله إلى منطقته العنين بوادي حضرموت حيث تقيم عائلته , وتنقل بين معاهد ومدارس وادي حضرموت ليتفرغ منذ يناير عام 2013م شبه كلياً للكتابة والبحث والعمل السياسي المستقل ،وله كتاباته المستمرة في المواقع والمجلات والصحف . منذ بداية دراسته الجامعية اندمج في تجربه صوفية سُنية سنية مستمرة تعمقها القراءة المتعمقة والمكثفة وقد تحدث عنها في (مقال) بعنوان : (تجربتي الروحية ) منشور على مواقع الكترونية . يعيش المتابعة الدؤوبة للشأن العام ، وقد اتخذ لنفسه قراراً شخصياً أن يحيا حياة التأمل الشامل الانعزالي منذ منتصف عام 2012م وينكب على التأليف و البحث في مجالات اهتماماته كافة . رسالته في الحياة الإسهام المتميّز الفكري والروحي الخلّاق المتصل في أن يتحقق لكل إنسان سعادته في الحاضر والمستقبل ، التي لا تكتمل ولا تكون إلا بأن يبذل وسعه وحرصه في سبيل سعادة الآخرين و عن أن يكون مصدر تعاسة لهم من أي نوع وبأي مقدار .

السبت، 10 مايو 2014

الإخوان المسلمون .. رؤية للتجديد والتطوير


مرعي حميد / مفكر وباحث / اليمن ـ حضرموت (الإخوان المسلمون) فكر وتنظيم إسلامي حركي عالمي يأخذ بشمولية الإسلام في النظرية والممارسة ، يستمد تعاليمه الأساسية من مؤسسه الإمام حسن البنّا المستند في أساس تنظيره وممارسته إلى القرآن الكريم وسنة الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم . وبعبارة أكثر تحديداً (الإخوان المسلمون) تنظيم إسلامي منضبط ذي طابع جهادي قتالي غير مُفعّل ، وفهم شمولي للإسلام ، وممارسة علمية دعوية إسلامية وسطية ، و إسهام خيري إنساني تنموي ، و وهج روحي إيماني ، و تطلع سياسي مُتدرج لتحكيم الشريعة الإسلامية و إقامة الخلافة الاسلامية من جديد . لقد تقدم الزمن ومرت على استشهاد الإمام المؤسس حسن البناء 64عام ، وكان زمن الثورات العربية مكثفاً وحافل بالتجارب و غنياً بالدروس .. وقد آن للجماعة أن تتجدد و أن تتطور لتصبح تنظيم يتم تعريفه وفق مضمونه ليصبح : (الإخوان المسلمون) تنظيم إسلامي منضبط ، وفهم شمولي للإسلام ، وممارسة علمية دعوية إسلامية وسطية ، و إسهام خيري إنساني تنموي ، و وهج روحي إيماني ، و تطلع سياسي مُتدرج لتحقيق التنمية والازدهار الوطني . ويتحقق هذا وفق هذه الرؤية . وفي هذه السطور أمحض النصح لهذا التنظيم الأرشد و الأمتن و الأصدق و الأقدر على صناعة الفرق في حياة الامة نحو الأفضل بتوفيق الله عز وجل ، و أبسط وجهة نظري لتطويره وجعله أكثر كفاءة لخدمة الأمة الإسلامية و هويتها وقيمها و أقدر على أن يُحقق للأمة تطلعاتها ، و ليس بالضرورة أن تأخذ الجماعة بكل ما أورده و أراه شخصياً عنصر مهم في رؤيتي وقناعتي التطويرية التي هي نتاج أمرين رئيسيين : دراسة متعمقة في فكر الإمام البناء و تاريخ الجماعة هي مشروع كتاب مكتمل قادم ، و فكر الإنسانية الحديث ، و قراءة متعمقة مطوّله ومكثفة لواقع الأمة و فرصها الممكنة لتحقيق النهوض ، وواقع جماعة الإخوان المسلمين و ممارستها و إنجازها . هذه رؤيتي المتواضعة و إن كان رجائي أن تكون ( رسالة التجديد والتطوير ) ... أولاً : منطلقات الرؤية : 1ـ تحقيق أقصى و أهم إفادة مرجوة للأمة من فكر الإمام حسن البناء وما يتوافق معه و يمنحه مزيد الرقي والتطوير المتناغم معه من الفكر الحركي الإخواني . 2 ـ فض الاشتباك والتنازع والتجاذب بين الديني (الدعوي) و التنظيمي والسياسي داخل جماعة الإخوان . 3ـ الحد من المتاعب والأزمات التي تتعرض لها الجماعة طوال ما مضى من تاريخها ومسارها من قبل الطغاة و المعربدين والمفسدين في الأرض ، والتبعات الارتدادية لتلك الأزمات ، أو انهاء تلك المتاعب جملة وتفصيلاً . 4 ـ وضع حد للتأثير السلبي للجانب السياسي على المجال الدعوي لجهة خلق وتعلية الحواجز والمضايقة والمصادرة . 5 ـ تجويد العمل في جميع المجالات و منحه حقه من الاهتمام والطاقات والقدرات والامكانيات دون تبخيس لصالح جانب محدد و لتنشئة وتطوير الكوادر في كل مجال تحقيقاً لغاية الاتقان التي أكد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الصحيح : (( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه )) . 6 ـ استيعاب الحكمة من تجارب العمل الإسلامي الناجحة لا سيما التجربة التركية الأردوغانية . 7 ـ تخليص التنظيم من التشويه الذي تعرض له و أصاب سيرها و سمعتها و ثقافتها ورؤيتها الداخلية بسبب بعض الممارسات السياسية والحركية والتنظيرات الحركية الفردية . 8 ـ للعمل التغييري سنن كونية يجب مراعاتها والأخذ بها ، وهو لا يتحقق بالاعتقادات غير الصحيحة ولا بالعواطف ولا بالتعميمات النظرية البشرية التي قد تكون خاطئة ، و أن تنال رضانا واعجابنا لا يمنحها الصحة ولا السلامة ولا يغنينا أن نعتمد عليها ولا يحققها انتظارنا لتحقيقها . 9 ـ إنّ كل من يبغي الوصول إلى السلطة أو يحافظ عليها لينفذ أجندته و وجهة نظره في تطوير وطنه عليه أن يتبنى الديمقراطية وسيلة وحيدة لتحقيق هذا الغرض ، ومن يختار غير ذلك من سبيل فإنه يسير بنفسه و بجماعته و يتجه بوطنه و ببني وطنه في طريق خاطئ ومُدمر . 10 ـ الإسلام لم يعطي أي فرصة للتسلط لا باسمه و لا باسم غيره ، وكل تسلط باسمه هو تزييف وتحريف للإسلام يرفضه ويمقت من يقومون به . وهذا ما يفعله ويصر عليه أصحاب النزعات التسلطية باسم الاسلام وباسم الانسانية . ثانياً : جذور الرؤية : 1) كان تأسيس الجماعة جماعة دعوية ثم دخل عليها : الجهادي التحرري و السياسي الساعي لتحقيق الحاكمية عبر الانتخابات أو القوة . 2) التنظيم يعيش واقع وتاريخ يجب الاعتراف به والتعامل البناء و الراشد والإنساني معه بعيدا عن التوقعات و الأمنيات التي لا تُقيم للآخر اعتبار ولا كرامة . 3) التفاهم لا الصراع هو السبيل الوحيد لتحقيق العيش المشترك السلمي المتقدم وتخليص الأمة من هوانها و مآسيها وجراحها النازفة . 4) إنّ معظم كتب السيرة النبوية التي بأيدي الناس ، وهي في الواقع تتحدث عن سيرة الدعوة إلى الإسلام ، تتناول سيرة ما بعد الهجرة من منطلق المعارك والغزوات ، إنها أقرب إلى السيرة الجهادية أو القتالية ، بل وحتى تركيز المسلسلات التاريخية ينصب على هذا الجانب بدرجة رئيسية ، وهو ما أعطى صورة مبالغ فيها عن مساحة الجهاد القتالي من ميدان الممارسة الإسلامية التعبدية في اطلاقها بما في ذلك عمارة الأرض وتحقيق التقدم العلمي والعمراني ، تحقيقاً لأحد غايات وجود الناس عليها والذي جاء به الوحي الأمين ، قال الله تعالى : (( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ )). وإننا إذا ذهبنا نحسب مجموع أيام هذه الغزوات من مجموع سنوات عهد النبوة وعهد الخلفاء الراشدين سنجده محدود أكثر مما نتصور ، كما أنّ هناك من هم منشغلين بغير هذا العمل في كل وقت في ذلك الزمن ، ومع هذا نجد مساحة الجهاد القتالي المعلم الأكبر والمهيمن في تاريخ الإسلام ، وانه من المهم إعادة النظر في ما تم تدوينه وأن تتم عملية إعادة كتابة تاريخ الإسلام زمن النبي صلى الله عليه وسلم من دون الاعتماد على كتب المغازي ، ومن المهم للتنظيم الإخواني بشكل خاص أن يفعل ذلك . 5) لا يمكن تجاهل الاختلافات الفكرية الايدلوجية داخل المجتمع الواحد ولكل منها تصورها و تطلعاتها مع وجود قواسم مشتركة بينها ، ويجب النظر المنصف للجميع من دون إقصاء أو تجاهل أو تحامل فالكل شركاء في الوطن ومن حقهم العيش فيه بكرامة ، كرامة لا يتم اغتصابها نزولاً عند نزوات المتسلطين أو المعربدين ، وكل مسوغ لذلك من كلام البشر وتأويلاتهم هو باطل و حجة مرفوضه تُعري صاحبها من انسانيته واخلاقيته ولا تمنحه كساء المشروعية و الشرعية .. ثالثاً : حيثيات الرؤية الموضوعية : 1) أثبتت التجربة الخطر الذي يجره تدخل رجال الدين في السياسة و استغلالهم لتبرير الأعمال الإجرامية و كسب الصراع والتنافس السياسي . 2) أثبتت الأحداث و التجربة أنّ الديمقراطية هي الخيار الملائم الضامن للشعب حقه في السلطة والثروة و تكون غالباً لمصلحة التيار الإسلامي كونه الأقرب للشعب والمعبر عن تطلعاته وهويته . وذلك كلما كان منظماً و وواسعاً . 3) إنّ القتال وخوض المعارك هو مهمة الجيوش الرسمية التي يُنفق عليها من مال الشعب ، ولا مجال لأي عمل عسكري منظم بعيد عن المؤسسة الرسمية للجيش والأمن إلا في حالات نادرة ومؤقتة و النادر لا حكم له . 4) أصبح أمر دعوة غير المؤمنين بنبوة ورسالة محمد بن عبدالله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر متاح ، كما أنّ حقهم في الاستجابة والاقتناع يكفله النظام الديمقراطي و تشريعات حقوق الإنسان الدولية المهم أن نسلك سبيل الحكمة والموعظة الحسنة ، و أن نُحسن استيعاب وسائل الايضاح وحجج الاقناع التي يقدمها القرآن الكريم و العلم الحديث . 5) إنّ نجاح الخيار الديمقراطي القادم كأحد مُستحقات الثورات الشعبية العربية الراهنة غير ممكن من دون الإخوان المسلمين و يجب أن يكونوا دعامة نجاح لا فشل ولن يتأتى هذا إلا بنضج سياسي إخواني على جميع المستويات في القطر الواحد مع إبعاد الخطاب الديني عن الشأن السياسي مع انفتاح على جميع التيارات هدفه خدمة مصالح الوطن والحفاظ على هويته من الاغتيال والتجريف و التشويه . 6) وضع حد للمآسي و النهش المستمر في جسد التيار الإسلامي باسم محاربة الإرهاب . 7) إنّ الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ... وقد خلق الناس ليعيشوا و يعبدوه ويعمروا أرضه لا لكي يموتوا تحت أبسط عذر وحجة ودعوى ، والتضحية بالروح والدم تكون مطلوبة زمن الحروب الناشبة لا زمن السلم ، والتضحية عمل دافعه الإرادة الحرة والاختيار الحر . 8) إنّ القيام بمسؤولية الإتقان يعني امتلاك مفاتيح النجاح ، وإنّ التفريط في مسؤوليته يعني امتلاك وتملك مفاتيح الاخفاق ليتم حصاده وحصاد بذوره : الخيبة واليأس والقنوط والانصراف عن الميدان ، وانصراف الناس من حول العمل والعاملين . 9) إنّ الإتقان مطلوب في كل مجالات العمل ونطاقاته ، و إنّ الأهم في العمل هو إتقانه لا أن يتم القيام به كيفما اتفق ، ليس المُهم إحراز الرقم الموجود في الخطة ، فيتم تنفيذ الحفل مثلاً ، ولكن المهم أن يؤدي رسالته ،لا أن يصل إليه المعنيين بإقامته آخر الناس ، ولا أن تكون الصوتيات رديئة إلى الحد أن أغلبية الحضور لم يسمعوا شيء ، ولا أن تكون الكلمة لمجرد ان يُقال أنه قد تم القاء الكلمة كفقرة في برنامج الحفل ولكن أن يتم التحضير لها و يتم وضع الفكر والتوجه في ثناياها وتُقدم بأسلوب مؤثر قدر الإمكان حقاً ،لا أن يكون الحفل أن يتم ترديد أطرف أنشودتين أو ثلاث ويأتي المنشدين للحفل الرجالي والمنشدات الصغار للحفل النسائي من دون المظهر اللائق ، إنّ هذا بكل وضوح يعني سقوط الشعور بالمسؤولية وانعدام مسؤولية الاتقان واللهث الممقوت خلف تنفيذ الخطة ليمنح القائمون بالعمل والمسؤولين عنه أنفسهم نوع من الشعور بالرضاء الزائف . إنّ أي عمل سيتم الإقدام عليه فإنه من المهم جداً أن يقوم المعنيين به بالتأكد من أنهم قد قاموا بكل ما يجب لإتقان العمل ليأتي بثمرته ، إنّ الخطة هي عنصر تنظيم وتوجيه وليست جهة يتم العمل من أجلها . 10) لا يكفي أن نُبدي إعجابنا بالناجح والمُفيد والإيجابي من التجربة الإنسانية في الشرق أو في الغرب ، ولكن من المهم أن نتعرف على سبب ذلك النجاح وسره والطريق التي أوصلت إليه والأخذ بها ما دامت لا تتنافى ولا تتعارض مع نصوص القرآن و صحيح الُسنة النبوية . و أن لا تصرفنا عن الأخذ بها الأقوال والآراء المتعصبة ضد الوافد مهما كان و بتأويلات مغلوطة يسوقها استبداد حاكم أو عقلية منغلقة لا تُجيد النظر ولا التفكير إلا بطريقة واحدة هي حصاد بيئة لم تجد من يُغالبها و يخرج عن أسارها الذي لا يقره عقل ولا منطق ولا نص قطعي الثبوت والدلالة . رابعاً : حيثيات الرؤية الذاتية : إنّ منهج الإخوان المسلمين في الفكر والعمل اتسم بنظرته الشمولية للإسلام والأخذ به بشموله ، كما اتصف الإخوان المسلمين بالتنظيم الدقيق والأخذ بناصية المؤسساتية والتراتبية التنظيمية المُحكمة التي هي من أسباب النجاح والتوفيق في سائر الأعمال والوظائف الجماعية . و تتوزع اهتمامات الإخوان الفكرية و التنظيمية على إيجاد وتمتين وتطوير المحتويات الأربعة للعمل الإخواني والممارسة الإخوانية ، أو ما يمكن تسميته بالرباعية الإخوانية . العمل في صفوف الإخوان المسلمين هو عمل تعبدي لله تعالى يأتي في سياق الاستجابة الحية الفاعلة الإيجابية لقول الله تعالى : ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ )) لقوله : ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) ، فينطبق وصف العبادة لله على العمل الإخواني بتعدده وتنوعه كما ينطبق التعاون على البر التقوى على نهج الجماعة ، إنّ الجماعة تنطلق في تحديد أعمالها من المنطلق التعبدي وتحرص على أن يتوفر لإفرادها الفهم و الإخلاص في أعمالهم حتى يتقبلها الله تعالى منهم وتؤتي ثمرتها المرجوة على صعيد الفرد والجماعة والمجتمع والدولة والأمة و الناس أجمعين . إننا حين نتأمل ونتفحص أدبيات الإخوان المُتفق عليها وخاصة رسائل الإمام الشهيد حسن البناء نجد أنّ المحتوى التي تأسست من أجله هذه الجماعة يتضمن أربعة أمور ، وكل التشكيلات والهيئات والأطر القيادية العليا وكل التنظير الحركي والتأصيل التنظيمي إنما صب ويصبُ في بوتقة هذه الرباعية الإخوانية الخلاقة ، بل هو جزء لا يتجزأ منها أينما سكب في حقولها الأربعة وهو بمثابة الترشيد لها والإبانة والشرح والاستيعاب ومزيد التفعيل ، و تتلخص الرباعية الإخوانية في الكلمات التالية : عبادة فردية ، دعوة إلى الاسلام و مزيد استمساك به وفهم له ، عمل عام ( سياسي) ، وجود جماعي إيجابي ( خيري إنساني ثقافي اعلامي ). و إنّ قليل الغرور والاستنكاف يؤدي إلى كثير الزلل . ولا بد من إرساء وتكريس ثقافة الاعتراف بالخطاء فهو السبيل الوحيد لتجاوزه وضمان عدم تكراره . ومن المهم عدم الاستمرار في ما أثبتت التجربة والممارسة فشله وعدم جدواه . خامساً : فلسفة الرؤية : 1) الغالبية العظمى من شعوبنا مسلمة والعمل من أجل هويتها وقيمها واجب الجميع . 2) أنّ المهم أن يستطيع الإنسان أي كان ـ ما احترم إنسانية الآخر ـ العيش بكرامة و أمان قادر على تحقيق تطلعاته في الازدهار . 3) عمارة الأرض وعبادة الله هي وظيفة الإنسان التي يجب إزالة كل ما يحول بينه وبينها . 4) الإسلام في شموله ، هو شموله الداخلي كدين : إسلام و إيمان و إحسان ، ولا توجد للإسلام نظرية سياسية إنما يضع ويقدم قيم عامة تصلح للاقتصاد وللاجتماع كما تصلح للسياسة وأبرزها قيمة الشورى التي تعني التشاور بين المسلمين في كل ما يهمهم وخاصة من يحكمهم ويسوس أمرهم و أوطانهم ، يقول الإمام حسن البناء : (( الإسلام كدين عام انتظم كل شؤون الحياة في كل الشعوب و الأمم لكل الأعصار و الأزمان , جاء أكمل و أسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة و خصوصا في الأمور الدنيوية البحتة , فهو إنما يضع القواعد الكلية في كل شأن من هذه الشؤون )) . 5) شوهت مطامع الطُغاة الطامعين في الحكم و استمرارهم فيه ، و نزوات الفقهاء عبر الاستجابة لإملاءات المستبدين ، شوهت الميراث السياسي العربي وحالت بين حياتهم السياسية و التطور والتقدم وهو الأساس في تحقيق التنمية الشاملة لصالح جميع أبناء الوطن . 6) السلطة السياسية هي الوسيلة الأكفاء والأقدر على الإنجاز لصالح الشعوب والأوطان التي طالما عانت التعسف وقرصنة ثرواتها ومصادرة إرادتها و اختيارها و الحرمان من التنمية والديمقراطية بفعل سياسات حاكمة كان الشعب فيها في ذيل اهتمام القائمين عليها . 7) ليكن لجميع أبناء الوطن حقهم في تقديم أنفسهم لقيادة الشعب ، و حقهم في خدمته كلما توفرت فيهم ولهم الكفاءة والأمانة والقدرة على التطور المعرفي ، وذلك بغض النظر عن انتماءاتهم وتوجهاتهم . وللشعب أن يقول كلمته في انتخابات حرة ونزيهة . 8) مُهمة السلطة السياسية هي استيعاب الإمكانيات الوطنية البشرية والمادية كأفضل ما يكون الاستثمار بما يخدم حاضر الوطن ومستقبله . تماماً كما أنّ مهمتها أن تُقيم للعدل دولته وللحق سطوته .. و الله عز وجل ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة لما للعدل من مكانة وحيوية هي الأعلى عند الله العدل وعند العامة من الناس .... العدل هو قيمة القيم ، و أس الفضائل ، والأساس المكين للإنسانية في مسعاها للسعادة والتنمية ، وهو القاسم المشترك لكل أصحاب العقول السوية ، ولا يتنكر للعدل إلا ظالم أو ساع إلى ظلم أو مدافع عنه . سادساً : أُسس التجديد و التطوير : أولاً : تتحول الجماعة إلى تنظيم غير علني ، وطني وعالمي في آن يجمع أفراده منهج فكري واحد من الإسلام وفهمه و حركة المجتمع و استيعاب مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في سياقها وبما يُحقق أقصى قدر ممكن من استيعابها وتوطينها وتحويلها إلى ثقافة وعادة لا فكاك عنها . ثانياً : تنبثق من التنظيم غير العلني خمسة مجالات علنية مستقلة في عملها المتخصص عن بعضها البعض ، و يذهب كل فرد إلى مجال محدد ، وكل أفراد مجال في المربع الجغرافي يتم توزيعهم في مجموعات قد تكون وفق التخصص الدقيق ضمن المجال . مع قيام قيادة التنظيم الداخلية غير المُعلنة بضمان التنسيق التنظيمي الداخلي الذي يضمن تناغم العمل في نجاح وتطور وتحقيق لغايات الشعب والوطن ، و تتولى قيادة التنظيم صرف المبالغ المالية على المجالات وفقاً لحاجة كل مجال بعد أن تتسلم اشتراكات العضوية التي يتم جمعها من خلال المجالات الفرعية .. و المجالات العلنية الخمسة هي : 1 : المجال التربوي ـ العلمي : ويضم ستة حقول : العلوم الشرعية ، الدعوة العامة ، مدارس تعليم القرآن الكريم للناشئة ، التعليم الجامعي ، التعليم الحكومي دون الجامعي ( ثانوي وأساسي ) ، التعليم الأهلي والخاص دون الجامعي .. 2 : المجال السياسي : و يتضمن العمل السياسي في الحقول التالية : تأسيس الأحزاب ، الخطاب السياسي ، الانتخابات ، المشاركة في السلطة السياسية ، جمع وتحليل المعلومات الأمنية . ويضم هذا المجال تحديداً الدوائر التالية : الفكرية ، التنظيمية ، السياسية ، التنموية ، الأمنية ، التخطيطية ، النسوية ، المالية ، العلاقات ،الانتخابات ، الاعلامية . ولا تكون من بين دوائره أي دائرة تخرج عن سياق عمله أو تدخل في اختصاص مجال آخر كدائرة التوجيه والإرشاد . 3 : المجال الإنساني : ويضم عمل المؤسسات والجمعيات الخيرية التنموية التي تهتم بخدمة المجتمع ... (المجال الاجتماعي) .. ومن دوائره : العمل الخيري ( الكفالات والمشاريع الموسمية ) ، العمل التنموي ، العلاقات ، التطوير ، المعلومات . 4 : المجال النقابي : و يهتم بالعمل النقابي تأسيساً وترسيخاً وتطويراً واستمراراً في تنسيق وتناغم . ومن دوائره : نقابات موظفي الدولة ، نقابات القطاع الخاص ، التنسيق ، التطوير ، البرامج ، التوثيق والرصد . 5 : المجال الاعلامي والثقافي : ويضم دوائر : الصحافة ، البث الفضائي والاذاعي ، الانترنت ( مواقع ، منتديات ، فيسبوك ) ، الانشاد ، المسرح ، الشعر ، الابداعات الابتكارية ، التصميم ، التأليف والمكتبات و التسجيلات والانتاج الفني ، وتهتم كل منها برصد كل ما يتصل بها . و يكون المجال السادس مجال غير مُعلن هو المجال التنظيمي الذي تقع عليه المسؤولية الرئيسية في تحقيق التوسع العضوي و فرز العناصر الجديدة على المجالات الخمسة أعلاه ، وفق هذه المعايير: رغبة العضو الجديد و ميوله ، حاجة الواقع ، حاجة التنظيم ... بحيث أنّ كل فرد يتخصص في مجال وكل أفراد مجال يتم توزيعهم في مجموعات قد تكون وفق التخصص الدقيق ضمن المجال ذاته . ويتم الحرص على ثبات هذا التوزيع و يُحضر حضراً تاماً النقل بين التربوي ـ العلمي من جهة والسياسي من جهة ثانية .. ويتم هذا التوزيع على مستوى القُطر كما على مستوى أصغر وحدات التقسيم الإداري ـ مع مراعاة عدم وجود بعض المجالات في بعض وحدات التقسيم الإداري . و يكون كل مجال من المجالات الستة جسم واحد له قيادة مركزية عليا يتم تعيينها بتكليف قيادة التنظيم و وفق معايير وضوابط تحددها لائحة داخلية خاصة . كما توجد بموازاة كل المجالات في النطاق الجغرافي للمجالات الستة مستوى قيادي للتنظيم يقوم بمهمتين فقط : التنسيق و المراقبة لسير الأداء و تحقيق تناغمه الداخلي وجمع وتوزيع الاشتراكات بحسب حاجة كل مجال وبالتنسيق مع القيادة الأعلى . أو بمعنى آخر كل دائرة من الدوائر الخمس ( الدعوية والتعليمية ، السياسية ، الاجتماعية ، النقابية الإعلام والثقافة ، التنظيم والتأهيل ) تتحول إلى تنظيم شبه مستقل ، ويتخذ القرار في كل المستويات بالأغلبية النسبية ( النصف زائد واحد ) . ويتم الغاء آلية المراتب التنظيمية الارتقائية وتحل محلها الكفاءة و القدرة والموهبة والانتخاب و مصلحة التنظيم والعمل ، و بما يحقق نهج الرجل المناسب في المكان المناسب و يضمن روحية إنزال الناس منازلهم . ومن مزايا هذا التوزيع : 1) إبعاد شبح الاستبداد والمركزية 2) وضع الرجل المناسب في المكان المناسب 3) تحقيق أقصى استثمار للطاقات والمواهب والرغبات 4) تحقيق الاتقان في العمل 5) منع بخس أي مجال في حقه من الاهتمام والرعاية و التطوير 6) تقليل خسائر التنظيم بسبب الربط بين جميع اجزائه المعلنة والمعلومة المشتبكة ببعض . 7) الحيلولة دون بروز المشاكل والضجر و التحوّل في صفوف التنظيم عامة وكل مجال على حدة وصولاً إلى كل مربع جغرافي . 8) رفع مستوى الشعور بالمسؤولية . 9) تحقيق قدر أفضل من الديمقراطية الداخلية . 10) بعث ولزوم روحية الاقتناع والتناغم والتلاحم و التآزر . 11) زيادة قدرة التنظيم الإقناعية . 12) تعزيز الحصانة التنظيمية . 13) ضمان روحية جدوى العمل والنشاط لدى الأفراد وبالتالي خلق روحية التفاعل والحماس والرغبة المتدفقة . ويُعقد الاجتماع الدوري لكل مجال ومستوى جغرافي بحيث يشمل ثلاثة أمور : • المنهج الفكري والتربوي الإيماني الموحد . • منهج نظري لتنمية الأداء في المجال المعني و بحسب كل مستوى ( تأسيسي ، متوسط ، عالي ) أو بعبارة أخرى : ( قيادة عليا ، قيادة متوسطة ، قاعدي ) .. • الأعمال والأنشطة و المستجدات العملية المتصلة بالمجال المعني . وبالإمكان تحسين الأداء النظري بجمع أكبر عدد ممكن من الأعضاء بحسب المجال أو بحسب النطاق الجغرافي في حال كان منهج تربوي إيماني وذلك للاستماع من شخص متمكن في المنهج النظري . كما أنّ من أكفاء طرق المعرفة كتابة البحوث و تلخيص الكتب ، وعقد حلقات النقاش و ورش العمل وتطبيق ما تتوصل إليه لا إهمالها و كأنها لم تكن . ثالثاً : يتم وقف اعتماد ( رسالة التعاليم ) بصفة عامة إلغاءً للصفة العسكرية غير العملية و لا الواقعية للتنظيم ، وقد انتفت الحاجة إلى الكفاح المسلح ضد الاستعمار ، وحذف بعض مما ورد فيها مما لا يُعد أصول فهم ، وبعض مما قد يوقع في المحذور شرعاً بفعل الأهواء والتفسيرات والتأويلات الخاطئة كما قد يجعل الآخرين يفسرونه بطريقة مضللة أو خاطئة ، ويبقى من روح هذه الرسالة : أ ـ البيعة ونصها المعلوم و المتضمن لأركانها العملية : السمع والطاعة في المعروف تعاوناً و اجباً على البر والتقوى وابتغاء لمرضاة الله و ثوابه . و تتم على أساس الفهم التام للفكرة والمنهاج والاقتناع بهما والاستعداد للعمل وفقها . ب ـ بعض أصول الفهم و تُضاف لها أصول حقيقية أخرى ذكرها الإمام البناء في ثنايا رسائله و تكون الأصول المعتمدة هي النصوص العشرة التالية المأخوذة من نص كلام الإمام البناء من دون أي إضافة أو تعديل : 1 ــــ أحكام الإسلام و تعاليمه شاملة تنتظم شؤون الناس في الدنيا و الآخرة , فالإسلام عقيدة و عبادة , و دين ودولة . 2 ــــ أساس التعاليم الإسلامية و معينها هو كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم , اللذان إن تمسكت بهما فلن تضل أبدا , و أن كثيرا من الآراء و العلوم التي اتصلت بالإسلام و تلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها و الشعوب التي عاصرتها , و لهذا يجب أن تستقي النظم الإسلامية التي تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي معين السهولة الأولى , و أن نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة و التابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم , و أن نقف عند هذه الحدود الربانية النبوية حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما يقيدنا الله به , و لا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معنا. 3 ـــ الإسلام كدين عام انتظم كل شؤون الحياة في كل الشعوب و الأمم لكل الأعصار و الأزمان , جاء أكمل و أسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة و خصوصا في الأمور الدنيوية البحتة , فهو إنما يضع القواعد الكلية في كل شأن من هذه الشؤون, و يرشد الناس إلى الطريق العملية للتطبيق عليها و السير في حدودها . طبيعة الإسلام تساير العصور و الأمم , و تتسع لكل الأغراض و المطالب , و لهذا أيضا كان الإسلام لا يأبى أبدا الاستفادة من كل نظام صالح لا يتعارض مع قواعده الكلية و أصوله العامة . [ طالع رسالة المؤتمر الخامس ] 4 ـــــ والإسلام يحرر العقل , ويحث على النظر في الكون , ويرفع قدر العلم والعلماء , ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء ، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها . 5 ـــــ وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم , وكل ما جاء عن السلف رضوان الله عليهم موافقا للكتاب والسنة قبلناه , و إلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالإتباع ، ولكنا لا نعرض للأشخاص ـ فيما اختلف فيه ـ بطعن أو تجريح , ونكلهم إلى نياتهم وقد أفضوا إلى ما قدموا . 6 ـــــ والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببا للتفرق في الدين , ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره , ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة , من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب . 7 ـــ وللإيمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نور وحلاوة يقذفهما الله في قلب من يشاء من عباده ، يأمر الله المسلمين أن يركعوا و يسجدوا و أن يقيموا الصلاة التي هي لب العبادة و عمود الإسلام و أظهر مظاهره , و أن يعبدوا الله و لا يشركوا به شيئا , و أن يفعلوا الخير ما استطاعوا , و هو حين يأمرهم بفعل الخير ينهاهم بذلك عن الشر و إنّ من أوّل الخير أن تترك الشر , فما أوجز و ما أبلغ ! و رتب لهم على ذلك النجاح و الفلاح و الفوز و تلك هي المهمة الفردية لكل مسلم التي يجب عليه أن يقوم بها بنفسه في خلوة أو جماعة . 8 ـــــ والعقيدة أساس العمل , وعمل القلب أهم من عمل الجارحة , وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعاّ وإن اختلفت مرتبتا الطلب . 9 ــــــ ومعرفة الله تبارك وتعالى وتوحيده وتنزيهه أسمى عقائد الإسلام ، وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وما يليق بذلك من التشابه , نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل , ولا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء , ويسعنا ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) (آل عمران:7) 10 ـــ الإسلام و هو دين الوحدة و المساواة كفل هذه الروابط بين الجميع ما داموا متعاونين على الخير , (( لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )) (الممتحنة:8) [ طالع رسالة دعوتنا ] رابعاً : يتم وضع لائحة داخلية تبين شروط ومعايير الترقي وتولي المهام القيادية لإبعادها عن المزاجية والشُللية والتجنح و الاقصاء بناء على المزاج و اللاعلمية و اللامنهجية . خامساً : الدعوة الفردية وسيلة تنظيمية عامة في زمن الانتخابات تحشد الناخبين المؤيدين لممارسة الحق الديمقراطي . . سادساً : تشكيل هيئة عالمية إخوانية مختصة باعتماد فكر ومنهج التنظيم ، ويُصبح ما يُعتد به كجزء من فكر ومنهج التنظيم ما تقوم الهيئة بتقريره فقط وهو ما يتم اعتماده و تلقيه بالقبول والتعميم . سابعاً : تأسيس هيئة استشارية عالمية من كبار المتخصصين في الفكر والسياسة والاقتصاد والقانون . سابعاً : الغاء شعار الجماعة المرسوم ( السيفين والمُصحف وكلمة أعدوا ) و وقف اعتماده والتعامل به فهو يشي بجماعة ذات طابع عسكري وليس هذا هو التنظيم الجديد على الأقل . ثامناً : يُصبح شعار التنظيم المكتوب : (( الله غايتنا والرسول قدوتنا )) فقط ، وذلك للطابع الجهادي القتالي لما تبقى من كلمات الشعار ، و لأن للأوطان دساتير محددة يجب احترامها والالتزام بها ، والقرآن الكريم أجل في النظرية والتطبيق من كونه دستور ، ولربما استغل بعض الطغاة فكرة دستورية القرآن فأعلن أنّ دستور الدولة القرآن ولم يُوجد لها أي دستور آخر لإيمانه ومعرفته أنّ الدستور يحمل نصوص غير قابلة إلا لتفسير واحد كما أنها تُحدد وبصورة واضحة الحقوق والواجبات للحاكم والمحكوم كما تُحدد السلطات الحاكمة و مهام كل منها وهذا ما لا يريده فهو يريد سلطات مُطلقة يفعل ما تمليه مصلحته ويدع ما تمليه مصلحته والتي قد يسميها مصلحة الوطن والشعب ، وهذا التحديد لا يوجد في القرآن الكريم كتاب الوحي السماوي وبالتالي يُعلنه دستوراً ويكسب تأييد وشعبية بهكذا عقلية ولجهل عامة الناس . 3مايو 2014م

الأحد، 4 مايو 2014

بيان حركة التمدّن الديمقراطي العربية


بيان حركة التمدّن الديمقراطي العربية ( بيان التمدن الديمقراطي ) بقلم : مرعي حميد ـ مفكر وباحث ـ اليمن فكر تنموي عميق ، ذلك ما تحتاجه أمتنا العربية ، وهذا ما نقدمه لها على طبق من حب و وفاء . و تحتاج الحركة الثورية العربية ـ ككل حركة ثورية ـ إلى نظرية ثورية جامعة حتى لا تقع في براثن التنازع والفشل ، وهذا ما نقدمه اليوم بكل تواضع و إخلاص ، بعد مرور ثلاث سنوات ونصف السنة من انطلاقة الثورات الشبابية الشعبية العربية نعلن عن هذه الحركة السياسية ذات المنهج الفكري الجديد الذي يتواكب ويتناغم مع تطلعات الجماهير العربية صاحبة المصلحة والحق في إدارة سلطتها و ثروتها ، ولسنا أوصيا على هذه الجماهير وهي تعيش الرشد ، ولكننا الصدى المُعبر عن تطلعاتها والمنبثق من هويتها العربية الاسلامية بفكر يتجاوز حالات الصراع والخلاف المدمر على السلطة وعلى ثروات الامة . إنّ فكر حركة التمدّن الديمقراطي العربية هو حصيلة متكاملة لقراءة عميقة وجريئة في تراث الامة العربية الفكري وتاريخها السياسي قراءة رائدها تطلعات واحلام الامة العربية الجديرة أن تتحقق وتتجسد و إلى نهاية رحلة البشرية على هذا الكوكب ، فكر منفتح على الايجابي في نتاج الانسانية الفكري والمعرفي عبر العصور ، يرفض الانغلاق ويرحب بالتفاهم الحضاري ويدعو إليه على قاعدة المشترك الانساني و الاسهام الخلاق في حركة التمدن البشري عمارة للأرض وتحقيقاً لسعادة الانسان في أرجاء الارض و أصقاعها . وتتجسد حركة التمدن الديمقراطي العربية في أحزاب التمدن الديمقراطي التي تتأسس في الوطن العربي التي تُقدم نظرية سياسية تنموية ديمقراطية مُبدعة لواقع و تطلعات المجتمع العربي مع فرصة العمل الايجابي لتطبيقها ونشرها ، فكر سياسي وطني جديد غير مسبوق هو حصيلة قراءة متعمقة للواقع و فقه هو الأنضج والأشمل للإسلام ، رؤية عميقة وجريئة ومتفرّدة تذهب إلى الجوهر همها الانسان يسعد ، وتربية سياسية مُبدعة و وعي خلّاق بالعمل السياسي الحزبي والعام الفعال المثمر . حزب التمدن الديمقراطي ـ الذي هو واحد هذه الأحزاب المُجسدة لفكر حركة التمدن الديمقراطي العربية يتأسس بمنهج فلسفي اجتماعي سياسي ديمقراطي يعتمد الآلية العلمانية التي تعني فصل ما هو ديني عن ما هو سياسي و ما هو سياسي عن ما هو ديني . حزب بهوية إسلامية هي هوية الشعب ومنها يستمد قيمه . حزب سياسي وطني منضبط يسعى للتنمية وترسيخ النهج الديمقراطي وبما يتوافق وهوية المجتمع و قيمه . ذلك ما يحتاجه العرب اليوم على صعيد الحياة السياسية والحزبية والفكرية ، حزب يتوائم مع الحاجة غير القابلة لتأجيل تلبيتها استجابة لنداء التطور و الحرية والكرامة و التنمية ومواكبة العصر و الفهم الحق لرسالة الانسان ومهمته في الأرض و المساهمة في الإنجاز المادي للإنسانية وعمارة الأرض . إنّ هناك متغيرات و قناعات جديدة رسخها الربيع لعربي و مساره المتدفق و المخاض العسر للميلاد العربي الجديد لابد من مواكبتها وتحقيق الاستجابة الحية والإيجابية لها بما يكفل تحقيق مصلحة الوطن والإنسان في النمو والحرية والاستقرار والكرامة والشعور بقيمته ومكانته في الوطن . إنّ حالة الصراع الراهنة والمسيطرة على العقول و العواطف يجب تجاوزها إلى حالة التفاهم و القبول بالآخر الذي يُعلي مصلحة الوطن و يخدمه و يجتهد لتعزيز بنيانه وتحقيق تطلعاته و الآخر الذي يحترم انسانية الانسان وحقه في العيش بكرامة و نمو وتقدم . حزب ينبثق من صفوف الجماهير و يمثل الصدى الأمثل لتطلعاتهم و التعبير الكفؤ عن هويتهم و قيمهم الأصيلة . حزب يحمل الريادة في الحيلولة دون تدخل السياسي في الديني والديني في السياسي ، حزب يسمح للمسار الديمقراطي بالتدفق دون تهديد من بطش القوة أو بطش الفكر أو بطش المقدس . حزب تبشيري بفكر خصب رائده الإنسانية تسعد و تزدهر بعيدة عن أخطار نشوب الصراع المدمر المانع لمسار عمارة الأرض من التعزيز ومزيد المراكمة و الإنسان ان يعيش بحرية وكرامة . حزب يحقق الاستيعاب المطلوب للكفاءات و القدرات الوطنية البشرية والمادية ومن دون اعتبار لتوجه الإنسان صاحب الكفاءة والامانة وفي ظل الرقابة المؤسسية فالوطن ملك الجميع ومن حق الجميع الاسهام في تقدمه وخدمته وتطوره ويجب إزالة كل حاجز يحول دون ذلك . حزب يأخذ بافضل ما توصلت إليه الخبرة الانسانية على مستوى الفكر و الممارسة ويضيف لها و يمنحها المظهر و المخبر الجديد المتجدد . حزب يهتم بالمضمون لا بالمظاهر والشعارات والتسميات . حزب يجسد الممارسة الحزبية في أبهى صورة ملتزماً بالديمقراطية الداخلية و حرية إبداء الآراء مع حق الاستماع لها ومناقشتها لاستيعاب ما تقرره الجماعة الحزبية ، حزب يدعم إلى أقصى حد المبادرة الذاتية و الفكر المبدع الخلاق . حزب يعمل للدستور أن يسود و القانون أن يتم تطبيقه على الجميع الذين هم أمامه متساويين لا فرق بينهم إلا بمدى الإلتزام به و بروحيته . حزب يستحقه الوطن . حزب أقباس الوطنية له روح فذة متصاعدة العزم والتصميم للمساهمة الفاعلة في تحقيق تطلعات الوطن في الكرامة والعزة والنمو والفخار والوقار . حزب يمثل إضافة مهمة ومتميزة إلى الحياة الحزبية في اليمن وفي العالمين العربي والإسلامي ، إضافة تستند على منهج فكري وسياسي صلب ومتين ومتكامل و مشهود لنموذجه عالمياً بالنجاح . و ليس مجرد رقم مُضاف إلى عدد الأحزاب اليمنية . حزب هو جهد جماعي يمني شعبي مفتوح منذ البداية وعلى الدوام . حزب بلا سوابق ولا خلفيات مادية أو شخصانية أو تنظيمية تعوّق انطلاقته وتكون سبب في تشويه مساره ونضج ثمرته ، حزب يتكئ على منهجه النظري المتكامل و كسب المنتسبين إليه الأخلاقي والوطني ، وقدراتهم ومواهبهم . حزب يأخذ مساره الطبيعي من النمو ومن دون تشوهات ، يبدأ محدوداً فصغيراً ثم يأخذ يشب و يشتد عوده في مسار فكري سلمي ديمقراطي متين . إنّ طريق الألف ميل تبدأ بخطوة ، و أن الأهم في الألف خطوة هو الخطوة الأولى فلولاها لن تكون الثانية ولا الثالثة و لا الألف . و يتميّز حزاب التمدن الديمقراطي عن غيرها من الاحزاب والحركات بما يلي : 1) انطلاقته الفعلية من وسط الشعب معبراً عن تطلعاتهم 2) رؤية و نظرة عملية متكاملة تبتغي تحقيق افضل استيعاب للدين الاسلامي والسياسة في حياة الشعب 3) لا ارتباط تنظيمي مع أي جهة كانت ـ داخلية أو خارجية ـ عدا الهيئة المختصة بتأسيس الأحزاب في الدولة العربية المعنية ... 4) لا يوجد كبير بين أعضاء وقيادة الحزب فالكل داخله كبار لهم ولوجهات نظرهم حق التقدير والاحترام و التداول الموضوعي لما يطرحونه من وجهات نظر، والانتخاب لهيئات الحزب القيادية 5) ليس للحزب شيء يخسره فهو حر الحركة 6) التحزب الديمقراطي الجاد الحق 7) روحه الشبابية ( ربما لا يتجاوز سن أكبر اعضائه 49 سنة ) وربما يعتمد قانون فريد هو الاول من نوعه عالمياً ( قانون التقاعد الحزبي التنظيمي ببلوغ سن 50 سنة ) 8) وعي جديد حقيقي بالدين والحياة لمن ينتسبون الى صفوف الحزب عبر (التثقيف الحزبي ) . 9) النظرة الواعية الواقعية لقضايا الوطن والأمة 10) بناء علاقات إيجابية مع كل طرف داخلي او خارجي لا يعادي الوطن او الشعب او الهوية الاسلامية . حقيقة التمدّن المنشود : إنّ المدنية التي تنشدها حركة التمدن الديمقراطي العربية هي الحياة الانسانية الكريمة المتطورة المزدهرة المبدعة في سلام وأمان واطمئنان وخلو من نزعة التسلط السياسي و العداء والتقاتل وخلق الصراعات مع الآخرين ظلماً وعدواناً وشغفاً بالسيطرة والهيمنة ، المدنية القائمة على أساس المؤسسات والحقوق والواجبات المجتمعية والفردية. و التمدّن هو توجيه السلطة السياسية المنبثقة من الشعب للجهد العام في سبيل تطوير الوطن وتقدمه وازدهاره في كل الجوانب مع بقاء هامش للجانب العسكري يحفظ للامة حدودها وهيبتها و يضمن انفاذ قانونها في داخل ارضها . وهو ثقافة القبول بالآخر والتعاون معه والتنافس في خدمة مشروع البناء والتنمية والنهوض الوطني والانساني . وبناء الاوطان يصب في عمارة الارض وهي في حد ذاتها هدف مستقل خلق الله تعالى الناس وأسكنهم الارض للقيام به الى جانب عبادتهم لله تعالى وكجزء من التعبد حين يكون هدفه الغائي ارضاء الله عز وجل . والمدني هو الانسان الذي ينظر للآخرين ويقيم علاقاته معهم من منظور سلمي تعايشي تعاوني عادل يحمل لهم الخير والود فلا وجود في قاموسه للتعصب ولا للشر . و الحرية اساس في المدنية بموجبه يتاح للناس حرية الاعتقاد وحرية اختيار الحكام وحرية الابداع وحرية البحث العلمي والعمل الفكري ،وقد تم تأطير الحرية ضمن الديمقراطية التي تتضمن الحرية الفكرية والدينية والاقتصادية وغيرها مما لا يتعرض لمصلحة وحرية الاخرين افراد كانوا او مؤسسات او دول . إنّ الدين الإسلامي في بعده الاجتماعي هو دعوة للسعادة الدنيوية التي لا يتهددها تسلط ولا تخلف ولا ظلم ولا تعدي ولا تهديد . دعوة لمجتمع يجد افراده الفرصة المتساوية للإسهام في الإبداع والارتقاء والتقدم المجتمعي والتمتع بالكرامة الانسانية والحرية التي لا تتعرض لحرية الاخرين وحقهم في العيش الكريم دون قسر ولا اكراه ولا مخاوف . الدين الاسلامي دعوة الى الحياة المدنية والى الشورى في تقلد وممارسة السلطة السياسية ،وهو ثورة على الظلم والاستبداد والقهر والتخلف والحرمان ،وهو دعوة للتعارف والتآلف للتعاون على مهمات الحياة ،وللسلام الاجتماعي والدولي : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا . إن أكرمكم عند الله أتقاكم . إن الله عليم خبير } . . ((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ))، وهو دعوة بناءة لتحقيق العدل والمساوة والأمن والكرامة الانسانية والحرية الدافعة للإبداع وخلق مزيد فرص الازدهار المادي والمعنوي . قال ابن خلدون في مقدمته : (( السياسة المدنية هي تدبير المنزل أو المدينة بما يجب بمقتضى الاخلاق والحكمة ليحمل الجمهور على منهاج يكون فيه حفظ النوع وبقاؤه )) و جاء في قصة الحضارة للمؤرخ الأشهر ول ديورانت : (( فقد يكون للشعب مؤسسات اجتماعية منظمة، وتشريع خلقي رفيع، بل قد تزدهر فيه صغريات الفنون، كما هو الحال مع الهنود الأمريكيين، ومع ذلك فإنه إن ظلَّ في مرحلة الصيد البدائية، واعتمد في وجوده على ما عسى أن يصادفه من قنائص، فإنه يستحيل أن يتحول من الهمجية إلى المدنية تحولاً تاماً، قد تكون قبيلة البدو- كبدو بلاد العرب - على درجة نادرة من الفتوة والذكاء، وقد تبدي من ألوان الخُلق أسماها كالشجاعة والكرم والشيم، لكن ذكاءها بغير الحد الأدنى من الثقافة التي لا بد منها، وبغير اطراد موارد القوت، ستنفقه في مخاطر الصيد ومقتضيات )) ويقول : ((إن الثقافة لترتبط بالزراعة كما ترتبط المدنية بالمدينة، إن المدنية في وجه من وجوهها هي رقة المعاملة ، ورقة المعاملة هي ذلك الضرب من السلوك المهذب الذي هو في رأي أهل المدن- وهم الذين صاغوا حكمة المدنية- من خصائص المدينة وحدها ، ذلك لأنه تتجمع في المدينة- حقاً أو باطلاً- ما ينتجه الريف من ثراء ومن نوابغ العقول؛ وكذلك يعمل الاختراع وتعمل الصناعة على مضاعفة وسائل الراحة والترف والفراغ؛ وفي المدينة يتلاقى التجار حيث يتبادلون السلع والأفكار؛ وهاهنا حيث تتلاقى طرق التجارة فتتلاقح العقول، يُرهف الذكاء وتُستثار فيه قوته على الخَلق والإبداع، وكذلك في المدينة يُستغنى عن فئة من الناس فلا يُطلب إليهم صناعة الأشياء المادية، فتراهم يتوفرون على إنتاج العلم والفلسفة والأدب والفن؛ نعم إن المدنية تبدأ في كوخ الفلاح، لكنها لا تزدهر إلا في المدن.)) ويضيف : ((وما هذه العوامل المادية والبيولوجية إلا شروط لازمة لنشأة المدنية، لكن تلك العوامل نفسها لا تكوّن مدنية ولا تنشئها من عدم، إذ لا بد أن يضاف إليها العوامل النفسية الدقيقة، فلا بد أن يسود الناس نظام سياسي مهما يبلغ ذلك النظام من الضعف حداً يدنو به من الفوضى، كما كانت الحال في فلورنسة وروما أيام النهضة. ثم لا بد للناس أن يشعروا شيئاً فشيئاً أنه لا حاجة بهم إلى توقع الموت أو الضريبة عند كل منعطف في طريق حياتهم، ولا مندوحة كذلك عن وحدة لغوية إلى حد ما لتكون بين الناس وسيلة لتبادل الأفكار. ثم لا مندوحة أيضاً عن قانون خلقي يربط بينهم عن طريق الكنيسة أو الأسرة أو المدرسة أو غيرها، حتى تكون هناك في لعبة الحياة قاعدة يرعاها اللاعبون ويعترف بها حتى الخارجون عليها، وبهذا يطرد سلوك الناس بعض الشيء وينتظم، ويتخذ له هدفاً وحافزاً. وربما كان من الضروري كذلك أن يكون بين الناس بعض الاتفاق في العقائد الرئيسية وبعض الإيمان بما هو كائن وراء الطبيعة أو بما هو بمثابة المثل الأعلى المنشود، لأن ذلك يرفع الأخلاق من مرحلة توازن فيها بين نفع العمل وضرره إلى مرحلة الإخلاص للعمل ذاته، وهو كذلك يجعل حياتنا أشرف وأخصب على الرغم من قصر أمدها قبل أن يخطفها الموت.)) يقول "ج. هـ دينيسون" في كتابه "العواطف كأساس للحضارة :: : « ففي القرنين الخامس والسادس كان العالم المتمدين على شفا جرف هار من الفوضى . لأن العقائد التي كانت تعين على إقامة الحضارة كانت قد انهارت ، ولم يك ثم ما يعتد به مما يقوم مقامها . وكان يبدو إذ ذاك أن المدنية الكبرى التي تكلف بناؤها أربعة آلاف سنة ، مشرفة على التفكك والانحلال؛ وأن البشرية توشك أن ترجع ثانية إلى ما كانت عليه من الهمجية ، إذ القبائل تتحارب وتتناحر ، لا قانون ولا نظام . أما النظم التي خلقتها المسيحية فكانت تعمل على الفرقة والانهيار بدلاً من الاتحاد والنظام . وكانت المدنية ، كشجرة ضخمة متفرعة امتد ظلها إلى العالم كله ، واقفة تترنح وقد تسرب إليها العطب حتى اللباب . . وبين مظاهر هذا الفساد الشامل ولد الرجل الذي وحد العالم جميعه )) ويقول : (( بل تظل المرأة المسلمة بعد زواجها محتفظة باسمها واسم أسرتها ، وبكامل حقوقها المدنية؛ وبأهليتها في تحمل الالتزامات ، وإجراء مختلف العقود ، من بيع وشراء ورهن وهبة ووصية؛ وما إلى ذلك؛ ومحتفظة بحقها في التملك تملكاً مستقلاً عن غيرها . فللمرأة المتزوجة في الإسلام شخصيتها المدنية الكاملة ، وثروتها الخاصة المستقلة عن شخصية زوجها وثروته . ولا يجوز للزوج أن يأخذ شيئاً من مالها - قل ذلك أو كثر)) .. الديمقراطية حاجة و ضرورة : الديمقراطية هي اللغة التي تُمكن الشعوب من تحقيق تحقق حلمها في الكرامة والعدالة والتطور السياسي و التنموي باختلاف أديانها وعقائدها . وكل لغة سوى الديمقراطية التعددية الانتخابية الحرة هي لغة لا تربطها بالشعوب صلة ، وهي محاولة للحفاظ على الإستبداد أو استنباته مهما اختلفت لبوسه . إنّ كل شعب يتوق أن يختار من يثق فيه لكي يدير شئونه بما يخدم مصلحته كشعب ، ويحقق له ما يرجو من التقدم والتطور في ظل هويته وقيمه التي ترسخت لديه عبر القرون . واقع مرير تعيشه مجتمعات كثيرة ومتعددة ، واقع تتقاسمه المعاناة الاقتصادية و التخلف السياسي و تتناوشه كيد لا يتوقف ، سواء كان من داخلها أو خارجها . واقع هو وليد حكومات لا تمثل إرادة شعوبها ، وشعوب تعيش حالة من فقدان الوزن المعنوي والتأثير الإيجابي والإحباط وهي تنظر إلى شعوب العالم تحقق النمو المضطرد والازدهار الذي تحققه على شتى الصعد . تدرك امتلاكها الجمعي لإمكانيات النمو والعيش الأفضل ولكنها مُغيبة السلطة ، مُستلبة تحديد مسارها اللائق بها . ويمثل الربيع العربي بارقة أمل ديمقراطية في العالم العربي ، للخروج من واقعه المتخلف ، رغم محاولات الطغاة وإعلامهم إطفاء ومضة الأمل واخماد شعلة الثورة عبر توظيف الأموال وتسخير إعلامهم لتشويه هذا الربيع بشتى السبل و بمنطق لا يخلوا من افتضاح موقف صاحبه المناهض للربيع أن تستكمل زهوره تفتُحها فيجتذب شذى زهرها عبير أقحوانها مواطني عهد الاستضعاف إلى روحه فينتهجون نهجه المُخضب بالمعاناة والالم ولكنه لاختصار مسارها الطويل في رمضاء الشقاء المعنوي والمادي . وتتطلع قوى مجتمعاتنا الحية إلى أن تُسهم في استنقاذ مجتمعاتها من وهدة التعثر و بيداء الحرمان من التمتع بكرامتها و امكانياتها في حين تستأثر الطبقة الحاكمة المستبدة بثروات الوطن تبددها وفق رغباتها وقناعاتها المغرقة في الشخصنة وتتوارث فيها الحكم . كم تنشد شعوبنا وأمتنا المخرج من هذا الواقع الاستبدادي البأس والحال المتدهور المنكود ، وأمامها ، تُلهمها ، تجربة شعوب حققت كرامتها و نالت ما ترجوه من ازدهار وتقدم بعيدة عن حال تغييب إرادتها وهي ليست بأفضل من شعوبنا في الامكانيات المادية اللازمة لتحقيق النهوض . وبنظرة منصفة يتبين لنا أنّ بنية النظام الحاكم في المشهد العالمي هي تتحمل وزر التخلف أو تتشرف بفضيلة صناعة المجد الوطني ، إما لاستبدادها وفسادها في حال التخلف كما هو سائد في الوطن العربي ، أو لديمقراطيتها وصلاحها في حال مجدها ، وبالتالي فإن الديمقراطية هي الكلمة المفتاحية للنهوض والتقدم . إنّ واقعنا الفكري والسياسي يضم عدد من التيارات المتنوعة حتى في داخلها ، وكلها تبغي الوصول الى السلطة ، وهي تتحدث عن تطلعها للمضي بالشعب نحو الازدهار على جميع الأصعدة وبما يتوافق والهوية الوطنية أو الإسهام في هذا الشرف ، وليس خيار حقيقي ماثل أمام الجميع لتحقيق التطلعات الإنسانية لمجتمعاتنا كالديمقراطية . ألسنا نستورد منتجات الفكر والمعرفة في الغرب في مجالات الطب والتكنولوجيا والعلوم الطبيعية وحتى الرياضة ، أولسنا كذلك قد استوردنا أنماط من المدنية تتصادم مع قيمنا ، أوليس الأجدر استيراد سر هذا التقدم ، أوليست الديمقراطية أولى بأن نستوردها و نستنبتها ؟؟!، بلى ومن دون تأخير أو تسويف ، وإما أن يكون ذلك باستجابة الطبقة الحاكمة أو بإرادة الشعب التواق إلى أن يعيش كرامته وحاضره المزدهر في وطن يتوفر لقادم أجياله أن يعيشوا بكرامة وإباء وعزة قعساء ونمو وازدهار بعيداً عن خطر استبداد الحكم وفساده بل ومجازره وعربدته كما شاهدناها في ليبيا ونشاهدها في سورية وفي دول خليجية . حقيقة الديمقراطية : الديمقراطية فكرة إنسانية عادلة لإدارة صادقة وناضجة لشؤون المجتمع والدولة بتطبيقها يسند الناس أمر إدارة ثروتهم وسلطتهم السياسية لصالحهم إلى من يختارونهم بحرية تامة وبصورة دورية منضبطة عبر الانتخاب الحر والنزيه الذي يصون الإرادة الشعبية و يوفر لها المناخ الأنسب لتتجسد و تتفعل . والديمقراطية في حد ذاتها ليست ايدلوجية ولا منهج فكري ، إنما وسيلة مثالية لتنظيم الممارسة السياسية في شمولها و تنوعها وتكاملها ، من تنظيم وصول الى الحكم لإدارته بما يحقق مصلحة من تم انتخابهم و مراقبة سلوك الحكم و الاحتجاج عليه في حال سوء التصرف ، و العمل من أجل اقالتهم إن اقتضى الأمر وبالوسيلة التي يحددها الدستور ، وسيلة يتمكن الشعب من خلالها أن يجدد الثقة في من احسنوا التصرف خلال وجودهم في السلطة ، و أن يحجب الثقة عن من أساءوا و فرطوا ، الديمقراطية أداة تأديب وتربية في يد الجمهور للقوى السياسية مجتمعة كل بحسبها ، و وسيلة تدفع تلك القوى للمثابرة والتنافس البناء الخلاق في النضال من أجل تحقيق تطلعات المجتمع ومزيدها ، و سواء كانوا في السلطة أو المعارضة ، فإن كانوا في السلطة سخروا طاقاتهم و امكانيات الوطن و متاحاته و جهدوا لخلق مزيد المتاح ليصب كل هذا لمصلحة الشعب بحق وحقيقة لا زيفاً و اختصاراً للوطن في شخوصها وتنظيماتها ، وإن كانوا في المعارضة يزيدون وعي الجماهير و يمتنون حضورهم وسط الجماهير، و يلتزمون بأن تكون معارضتهم بنائه لا هدامة ، فيؤيدون ما يصب في مصلحة الشعب و يعارضون خلافه ، كما يلتزمون بعدم الإضرار بمصالح الشعب لأجل مصالحهم كقوى سياسية أو فكرية لم توصلها الديمقراطية إلى سدة الحكم ، فليس من الديمقراطية الإضرار بمصلحة الوطن تحت لافتة الحق في المعارضة الديمقراطية عبر التظاهر ، إنّه يُصبح في الواقع اعتراض على الديمقراطية وضيق بها ، لا انسجام معها ، بل وتهديد لها كآلية أنجع و أكفاء لتنظيم الممارسة السياسية ، في حين أنه لا يتعارض مع الديمقراطية توجيه الفعل السلطوي السياسي لمنع الإضرار بمصلحة الوطن وانتهاك إرادة الجماهير ، فالشعب حين ينتخب فإنه يعطي حق ممارسة السلطة السياسية بما تعنيه من قوة وفق دستور البلد وقوانينه العادلة . الديمقراطية منهجية تخدم المجتمع أولاً وتخدم نخبه ثانياً ، وتحول دون وقوع المجتمع والنخبة في آتون الصراع العنيف وربما الدمار من أجل السلطة وصولاً إليها أو محافظة عليها . إنّ الديمقراطية هي المدخل اللازم والكافي لضمان مستقبل مزدهر لشعوب الأرض ، و لمراكمة انجازها الحاضر ولمداواة جراحاتها وحل مشاكلها على الأصعدة التنموية والسياسية والاجتماعية ، المهم تبنيها بصدق ومصداقية ، وبغض النظر عن هوية المجتمع الدينية والفكرية والقيمية . يتحدث عن الديمقراطية الرأسماليون والليبراليون ، والشيوعيون الماركسيون يتحدثون عن (الديمقراطية الشعبية) وعن ( المركزية الديمقراطية) وهم في الواقع منبتي الصلة بالديمقراطية ، والإسلاميون يتحدثون عن الشورى ويختلفون فيها ملزمة هي أم معلمة ، وفي التنظيم العربي للحكم هناك (أهل الحل والعقد) وهو مفهوم كان صالحاً وممكناً في زمنه ، أما اليوم فلا ، إلا باعتبار المجالس المنتخبة ديمقراطياً هي مجالس أهل الحل والعقد ، فقد أصبحت الديمقراطية هي الخيار الذي يراعي الواقع ويتناغم مع التباين في الميول الفكرية لأفراد المجتمع وبالإمكان ان تتوافق عليه القوى السياسية بتنوعها وبتفاوت وجهات النظر بينها بخلاف مسمى أهل الحل والعقد الذين يختارهم الحاكم في التجربة السياسية العربية . وأصبح مجلس نواب الشعب المنتخب من قبل الناخبين بحرية ونزاهة ومجموعة المستشارين هي البديل العصري الملائم لأهل الحل والعقد وبحسب اختيارات صاحب السلطة لمستشاريه ومن دون نصوص مقدسة تنفي أو تثبت وتقونن صلاحياتهم . وينبغي أن ندرك أنّ الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها . وحينما يأتي الديمقراطيون إلى سدة الحكم فعليهم أن يراعو قيم المجتمع الأصيلة الدينية والخلقية أولاً لا أن يشنزن عليها الحرب ،إنه انتخبهم ليحكموا بما يتوافق ومصلحته وأولها الحفاظ على هويته الدينية والقيمية وتعزيزها ومعها إحداث التنمية بقدر ما تهيئها امكانيات الوطن وبصدق ورشد وترشيد مع استفراغ الطاقة في خلق مزيدها . إنّ من يتحدث عن (نماذج ديمقراطية) كانت وبال على شعبها أو شعوب أخرى ، إنما هو يخلط بين الديمقراطية كمنتج وحيد لا يتعدد وايدلوجية أو فكر اولئك الذين فسدوا وربما أجرموا بحق شعوبهم أو شعوب أخرى ، إنهم وصلوا إلى السلطة ديمقراطياً ، ولم يكن العيب في الديمقراطية أنها أوصلتهم ، ولكن العيب في فكرهم وأيدولوجيتهم التي جعلتهم يقدمون على الإساءة أو التقصير أو تشجيع الانحراف عن جادة الصواب أو حتى الإجرام . يقول البعض أنّ جهل الجماهير هو الذي أوصلهم عبر الآلية الديمقراطية ، وهنا نقول أنه أولاً يقر أنّ الديمقراطية في حد ذاتها لا عيب فيها ، وثانياً نتساءل : ولما لم توصل الجماهير (بغبائها )غيرهم إلى السلطة ، حقاً إنّ الجماهير ليست غبية ، وإنما استطاع طرف سياسي أن يكسب تأييدها ولو كان بدفع الأموال ، والحل هو مزيد من الديمقراطية لأن الجماهير هنا ستتلقى درس في الديمقراطية يجعلها في المرة القادمة تُحسن في الإختيار ولا تنساق لاختيار من يدفع لها ثم يسيئ السلوك والتصرف ، وفي الأخير فإنّ الأغلبية هي من تحدد مصير نفسها ومصير الوطن عموماً لجهة النجاح أو الإخفاق ، فهل نلجأ لغير الديمقراطية وسيلة لتفادي الإخفاق ؟ إننا حينها إنما ندفع بالوطن إلى المجهول في الحاضر والمستقبل . ليس للديمقراطية شروط ينبغي أن تتوفر أولاً لتتم ممارستها وتبنيها كآلية لتولي السلطة السياسية ، إنّ الديمقراطية تفرض نفسها بإرادة الجماهير الحرة الراغبة في أن تختار لنفسها و لوطنها و لو بأقل نسبة من الوعي بها وهي التي توفر الفرصة لنفسها من بعد وباستمرار ليحصل المجتمع على أروع تجلي ومنسوب منها . من يزعم أنّ هناك شروط للديمقراطية ، إنما هو خائف منها أو من نتيجتها : إما لإدراكه المسبق أنها لن توصله للسلطة وبالتالي يرغب في وسيلة غير الديمقراطية تضمن له ذلك ، أو أنه يمتلك فرصة أقل من غيره من القوى السياسية في الوصول إلى السلطة . في الواقع يريد أن يفرض نفسه على المجتمع ، أو أن يحول دون وصول خصمه عبرها إلى السلطة . الديمقراطية فكرة عادلة وتتحالف مع العادلين في تكوينها ونموها و تمنحهم شرف إنساني لا يُضاهى ، إنه شرف منح الإنسان حقه في أن يكون سيداً على وطنه ، فيما تنزع عن من لا يكون صادقاً معها كفكرة إنسانية عادلة وحاجة إنسانية لا غنى عنها كل معاني النبل ، وتصمه بكل النقائص مهما حاول أن يظهر للناس بالفضائل بخطابه العالي وادعائه العريض . إنّ الديمقراطية كفكرة عادلة تعني قانون عادل للانتخاب نتاج للفكر والنقاش المنصف والمتبصر بوعي لجوهر الديمقراطية ، فكر يتوخى الديمقراطية أن يجني الشعب ثمرتها العذبة وجناها المستطاب ، فكر يتجرد من مصلحة الذات و يكتسي مصلحة الوطن العليا أن يتقدم ويزدهر به أو بغيره ، فكرة يتم استنباط قواعدها العادلة كذلك من الخبرة الإنسانية الديمقراطية المتقدمة ، إنّه من المهم والضروري أن تخوض القوى المتنافسة الانتخابات في ظل فرص عامة متساوية و بقدراتها وشعبيتها من دون أي توظيف لأي ممكنات عقلاً لا منطقاً ولا مشروعية لصالحها وخاصة ما يتعلق منها بإمكانيات الدولة من مال وإعلام وجيش وأمن و وظيفة عامة ، وينبغي أن يتم تأكيد هذا الأمر في قانون الانتخاب ودستور الدولة ، واعتبار تجاوز ذلك طعن بنيوي في شرعية أي سلطة تتأسس اعتماداً عليه أو استفادة من ممكناته ، يصل اقتراف هذا التجاوز بصاحبه إلى الحل والمنع من حق خوض المعترك الديمقراطي العادل و التغريم بما يمنع من تكرار هذا الجرم الديمقراطي الشنيع . الديمقراطية تعني حرية في التعبير معتمدة على امكانيات القوى السياسية الذاتية والراغبين في خوض غمار الديمقراطية ، حرية في التعبير بوسائلها المختلفة كالمطبوعات و الإذاعات والتلفزة والمهرجانات والتجمعات الديمقراطية وبما في ذلك حق تشكيل الأحزاب و التحالفات السياسية ، حرية تتفق مع ثوابت الوطن وقيمه ، حرية لا تنال من حرية الآخرين ولا من كرامتهم الإنسانية ، وتعني الديمقراطية في صورتها المبتغاة قدرة على التقاضي أمام قضاء عادل ونزيه ، وتعني الديمقراطية أن تترفع القوى المتنافسة عن تلويث ذمة الشعب وأخلاق المجتمع . وتتكفل الديمقراطية بتطوير آلياتها وتجاوز قصورها بنفسها وبمزيدها . إنه لا يغني عن الديمقراطية حكماً مستبداً مهما كان نزيهاً وكفؤاً و بعيداً عن مستنقع الفساد المالي والإداري ومهما كان صادقاً ومخلصاً للشعب وللوطن . أفضل ما يقدمه للوطن حكماً كذاك الحكم أن يتجه بالوطن وعلى الفور إلى جنات الديمقراطية ، إنّه مهما كان الحكم المستبد مخلصاً وصادقاً وكفؤاً إلا أنه بدون ديمقراطية فإن الوطن قد يسقط في براثن حاكم منه فاسد وغير صادق مع وطنه و لا نزيه ، إنّه لا يضمن للوطن الحكم العادل والصادق والكفؤ إلا الديمقراطية الحقيقة ، هي الضمانة المرحلية والاستراتيجية في آن للشعب أن يعيش بكرامة و عدالة وتنمية وتقدم وبما تؤهله له مقدراته المادية والبشرية والمعنوية مع استغلال وصنع فرص مزيدها من قبل من يوليهم ثقته ويضع في أعناقهم أمانة إدارة شئونه . الديمقراطية والحرية : الحرية مفهوم واسع ، ويتضمن أبعاد تتصل بالعقائد والأخلاق والسياسة والاقتصاد والاجتماع و الثقافة وغيرها ، وتختلف المجتمعات و الحكومات والتيارات الفكرية والأيدولوجية في مقدار ما تأخذ به منه وما تسمح ،وذلك في إطار قيمها ومبادئها الناظمة لمنهجها النظري ومسارها العملي . والديمقراطية تعني الحرية باعتبارها اتاحة الفرصة ذاتها لجميع التيارات السياسية والفكرية لتشكيل أحزابها وتنظيماتها والعمل على بث رسالتها للجمهور بحسب جهدها المشروع ، وبقدر فتح المجال لها وبدون تمييز في الفرص للتنافس على ثقة المواطن في الموسم الانتخابي خاصة وقبله وبعده عامة ، وكذلك فتح المجال للمواطن لتحديد خياره السياسي واختياره الفكري الأيد لوجي ، وذلك ميدان للسباق ولا مجال فيه للكسالى والعاجزين والمنتظرين نجاحاً بدون ثمنه , و لذة بدون بذل قيمتها ، تعب وسهر وحرص على مصلحة المجموع ، إنّ الديمقراطية وعد بتحقيق تطلع الجماعة السياسية الوطنية ضمن تطلع الجماعة الوطنية بدون الغاء لتطلع الأخيرة ولا انتقاص ، ولكنه الوعد الذي لا يتأتى بدون التبصر والجهد , والكفاح والعطاء لا الأخذ ، التضحية من أجل المجموع لا التضحية به على مذبح معبد الذات الطامعة المتضخمة . الديمقراطية والإسلام : الديمقراطية بكل تلك المعاني والمضامين هي الطريقة التي تتوافق مع مبادئ الإسلام ومع الشورى كمبدأ إسلامي أصيل بشكل خاص ، إنها الشورى كما انضجتها التجربة الإنسانية على مدار تاريخ البشرية الطويل وليس بوسع حصيف الحكمة ضالته إلا أن يتوصل إلى هذه النتيجة : الديمقراطية بنسختها كاملة النضج والتنقيح . لقد نادى الإسلام إلى إعمال مبدأ الشورى في الأمر العام (الحكم تحديداً ) وهو يتضمن اختيار المجتمع المسلم للحاكم واستشارته لهم في أمور الحكم ، وما حدث هو التغلب على الحكم بالقوة الباطشة بدءاً من أوّل الحكام الأمويين معاوية بن ابي سفيان ، ومن ثم أصبح جهد الحاكم وتركيزه منصباً على ضمان بقاء الحكم في قبضته إلى درجة أن يختار من يخلفه في السلطة السياسية ليسير على ذات النهج ، وقد ولد هذا النمط من الحكم الصراعات والأحقاد والتقاسم والتطاحن ، ولو كان الأمر شورى لسلم المسلمون من ذلك الشر المستمر خطره والمنتشر شررة والمستعرة نيرانه في جسد الأمة المسلمة مما يبقيها في ذيل الأمم ، لقد كانت الإشارة القرآنية واضحة في أنّ اختيار الحاكم هي للأمة مجتمعة ، وكان بإمكان قادة الرأي و أهل الحكمة استنباط النظام الانتخابي عبر صناديق الانتخاب لو أنّ حبل الممارسة الحاكمة الباطشة المستبدة لم يلتف ويخنق أي تفكير وتطوير لآلية الشورى الانتخابية . وقد كلف ، ولايزال ، هذا النوع العقيم من الحكم و التسلّط على الفكر ما لا يحصى من القتلى والجرحى و الأموال الطائلة والطائلة جداً وتعيين غير ذوي الكفاءة في مناصب أساءوا فيها ولها وبها ومنعوا من هم الأصلح لشغلها ، فقد كان معيار التولي الولاء المطلق للحاكم الفرد المستبد وحاشيته . وحتى بعد تعرّف العرب على الديمقراطية الانتخابية التي ابتكرها العقل الأوروبي استجابة لدواعي التقدم والازدهار والخلاص من شر الحروب والدماء والدمار ، رغم تعرّف العرب إلا أنّ حكامهم راوغوا عنها و سخروا علماء الدين في تحريم وتظليل ورفض الديمقراطية واعتبارها دخيلة وانها من انتاج المستعمر، و أضافوا في مراوغتهم : لدينا نظام الشورى الإسلامي ، ناسين أنهم لم يكونوا قط أمناء لهذا المبدأ بل كانوا فقط حريصين بكل جشع وأنانية مطلقة على الاستحواذ على الحكم ومن ورائه الثروة والهيلمان وفرض العسف والطغيان والإقصاء وبث الفرقة و بذل الجهود في تقديس الذات ونسب كل دنس للآخر . وللأسف ، وربما بحسن نية ، شارك في الترويج لرفض الديمقراطية أعداد مهمة من العلماء و الدعاة المعتبرين بالرغم من أنهم غير خاضعين لأي حاكم ، إنما هو اجتهاد منهم ، ولا زال البعض مُصمم عليه . إنّ كل من يبغي الوصول إلى السلطة أو يحافظ عليها لينفذ أجندته و وجهة نظره في تطوير وطنه عليه أن يتبنى الديمقراطية وسيلة وحيدة لتحقيق هذا الغرض ، ومن يختار غير ذلك من سبيل فإنه يسير بنفسه و يتجه بوطنه في طريق خاطئ . الإسلام دين العزة والكرامة والشرف للإنسانية ، وهو في جانب رئيسي أصيل منه هو ثورة على الظلم والظلام الاستبداد والمستبدون ، الطغاة والطغيان . والديمقراطية التي لا تقبل التجزئة والانتقائية هي سلاح الشعوب في العصر الحديث لاجتثاث الإستبداد والطغيان ، و هي تعني (( حكم الشعب )) وقد وصف الرئيس الأمريكي أبراهام لِنْكُولن مثل ذلك الحكم بأنه حكم الشعب بالشعب وللشعب. وكل شعب يختار الحكم الذي يتناغم وقيمه وأخلاقياته ومعتقداته . وبحسب الموسوعة العربية العالمية فان خصائص الديمقراطية تختلف (( من بلد إلى آخر، غير أن هناك مظاهر أساسية، متشابهة إلى حد ما، في كل الدول الديمقراطية . الانتخابات الحرة . وهي تعطي الناس فرصة اختيار قادتهم ، والتعبير عن وجهات نظرهم في المسائل المهمة . وتجري الانتخابات عادة على فترات للتأكد من أن الحكومات التي تدير شؤون البلاد ، سواء كانت قومية أو محلية ، تمثل اختيار الناس فعلاً . ذلك أن احتمال خروج الحكومة من السلطة بالاقتراع يبعث على الاطمئنان إلى أن أولئك الذين سبق أن انتخبوا في مناصب يولون الرأي العام اهتمامهم .)) وتقول الموسوعة : ((في كل الدول الديمقراطية ، يخضع المسئولون الحكوميون للقانون . وهم مسئولون لدى الشعب . وتساعد وسائل الإعلام المسؤولين على تحسس اتجاهات الرأي العام .)) فهل في هذه المعالم والقسمات للديمقراطية ما يختلف عن تعاليم الإسلام ، كلا، بل إنها تتناغم مع مقاصد الشريعة الإسلامية . و قد اخذ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بمشورة الصحابي سلمان الفارسي حين أشار عليه بحفر خندق حول المدينة المنورة لصد العدوان العسكري لقريش وحلفائها وقد اخذ الرسول الكريم بمشورته وكان لها دورها الكبير في صد العدوان ، وهي فكرة فارسية لا عربية ولا اسلامية ، و الحكمة دائماً وأبداً ضالة يبحث عنها أصحاب العقول المُستنيرة المُنفتحة على الخبرة الإنسانية أنى وجدوها فهم أحق الناس بها ، هم لها أهل ونعم الأهل . ويقول الإمام حسن البنّا : ((الإسلام يدعو إلى أن نأخذ من كل شيء أحسنه ، وينادي بأن الحكمة ضالة المؤمن أنىّ وجدها فهو أحق الناس بها ، ولا يمنع من أن تقتبس الأمة الإسلامية الخير من أي مكان ، فليس هناك ما يمنع من أن ننقل كل ما هو نافع مفيد عن غيرنا مفيد ونطبقه وفق قواعد ديننا ونظام حياتنا وحاجات شعبنا .)) وقال رحمه الله في الأصل الثامن عشر من الأصول العشرين ((والإسلام يحرر العقل , ويحث على النظر في الكون , ويرفع قدر العلم والعلماء , ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء ، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها .)) وقد قال لسان الدين الخطيب في احد خطبه ((اعلموا رحمكم الله أن الحكمة ضالة المؤمن يأخذها من الأقوال والأحوال ومن الجماد والحيوان وما أملاه الملوان فإن الحق نور لا يضره أن صدر من الخامل ولا يقصر بمحموله احتقار الحامل )) نرحب بمنتجات الآخرين المادية المحايدة ونتمنى أن نكون نحن منتجين لمثلها ، فنعزز اقتصادنا ونحقق قدر من الاكتفاء و الفخار ، وقد نذهب نفتش ونرصد في سر هذه الصناعة أو تلك ، هذه الشركة الصناعية أو تلك ، ونزداد دهشة بما نعرف ، ولكنا نغفل عن المنظومة التي يقع في اطارها هذا الفخار ، المنظومة لتي هيئت له ان يكون ويتطور ، المنظومة الديمقراطية . و إننا مثلما نرحب بمنتجات الآخرين المادية المحايدة فعلينا أن نرحب بمنتجاتهم الفكرية المحايدة كذلك وفي طليعتها الديمقراطية كاملة الدسم بمؤسساتها وهياكلها ، إنّ علينا أن لا ننظر إلى مظاهر تقدم الآخرين المادية فحسب ولكن علينا إن كنا حريصين حقاً على أن يكون لدينا من التقدم ما يُسعد و يرضي شعوبنا كما سعدت و رضيت شعوبهم أن ننظر ونتفحص الأسباب المعنوية والسياسية التي اعتمد عليها ذلك التقدم ، وهي لن تكون حكراً على أحد ولا ممنوعة عن أحد طالما وجدت الارادة الوطنية الشعبية والسلطوية . انها متاحة لكل أحد يأخذ بها ويبذل أسبابها . إنّ الفطن من الناس من لا يتردد في أن يأخذ الحكمة التي قد يجدها لدى الآخرين ويعمل وفقها . إننا إذا ذهبنا نعمل لنطور أوطاننا وننميها كالآخرين دون أن نأخذ بالجوهر الذي مكنهم من ذلك فكأنما نسعى إلى قيادة سفننا على متن اليابسة ، بل ونكون غير جادين في زعمنا . إنّ سر التقدم لا يكمن في تنحية الدين ولكن يكمن في إعلاء مصالح المحكومين على مصالح الحكام واعتبار أنّ الثانية تندرج في الأولى ، فمصالح الحكام تُقضى بعد أن يشبع الشعب نهمته ، ونحن لدينا مصالح الحكام مقدمة على مصالح المحكومين ، ومصالح المحكومين تُقضى بعد مصالح الحكام إن بقي لها متسع ، وعلى هذا فإن الديمقراطية مؤسسة تعمل من أجل الشعب ، والتسلطية مؤسسة تعمل لصالح الحكام ، كل شيء يبذلونه من أجل الحفاظ على التسلط ، وأما المؤسسة الديمقراطية فإنها تحول الحكام إلى متبتلين مخلصين في محراب الشعب فلا يموت الشعب من أجل الزعيم !! ولكن يموت الزعيم من أجل الشعب ، ولا يأتي الشعب إلى الساحات وينصرف من أجل سواد عيون الزعيم ، ولكن يأتي الزعيم إلى قصر الحكم ويذهب من أجل سواد عيون الشعب ، يأتي ان أحسن للشعب أو أساء سابقيه في الحكم التصرف فيأتي ليعوّض الشعب لتقر أعين الشعب ويبقى الزعيم زعيماً مادامت مصالح الشعب محققة لا ممحوقة . لا يكفي الشعب أن يعيش في القرن الواحد والعشرين في بحبوحة من العيش الرغد ، كلا ، لقد حل زمن بناء الديمقراطية ، لقد اكتشفت الشعوب المحرومة من الديمقراطية مزاياها الفائقة التأثير المادي والمعنوي ، وشعوبنا متلهفة لتطبيقها بحذافيرها ، لقد سئمت وضاقت ذرعاً بالحكم الفردي أو العائلي المتخلف أو الجمهوري المزيف ، فإما أن يذهب الحاكمون بالشعب إلى الديمقراطية الكاملة الدسم بما تعنيه من كرامة وحكم للقانون وصيانة للمال العام للصالح العام وتعددية سياسية وحزبية ؛ وإما أن تذهب الشعوب بنفسها وترمي أعداء الديمقراطية وغرمائها خلفها مهما كلفها ذلك من ثمن . لا شيء يضمن للشعوب مستقبل دائم الكرامة والعدالة والتنمية كالديمقراطية ، بل هي الضمانة الحقيقية ، وما عداها أماني ليس لها معنى ، ولا موقع لها من التفكير الاستراتيجي والنظرة الثاقبة في أعماق الغد التي تحتاط و تأخذ بأسواء الاحتمالات كما تأخذ بأحسنها . الديمقراطية جهاز فعّال ، يعمل من تلقاء نفسه لصالح بناء الشعوب الحرة والدول المؤسساتية ، لكن يحدث ذلك فقط لمن يختار اقتناءه ويُجيد استخدامه دون تعطيل أي من وظائفه ، وهو في حالات كثيرة غير موجود في شعوب استمرأت الطغيان و اختار حكامها أن يكون الوطن وبنيه خُداما لسياداتهم وسموهم و معاليهم ، حكام لسان حالهم وفعالهم ( نبقى ويشقى الشعب ) ، بل يذهبون بعيداً وبعيداً جداً في سبيل توطيد حكمهم و وتأبيد وجودهم في السلطة ونقلها إلى أبناءهم ، وهذا يعني ببساطة تسخير المزيد من المال العام وأبناء الوطن و مكتسبات الوطن والمواطنين لبناء هرم البقاء وتمتينه ، ويصبح الوطن إقطاعية مُستباحة للزعيم و طغمته ، ومع ذلك قد يذهب بعض أولئك الحكام للزعم والمغالاة في الزعم من أنّ لديهم ديمقراطية و أنهم قد وصلوا إلى سدة السلطة عبر الآلية الديمقراطية ، وهم في الواقع يتبنونها لأنها مهندسة لصالحهم ، أما أن تكون خلاف ذلك فهم لها نعم العدو الشرس ، وقد يضحون بأوطانهم وبني وطنهم للحيلولة دونها ، ليصير لسان الحال والفعال حينها دموياً بربرياً ( نبقى ويفنى الشعب ) ، إنّ الديمقراطية هي المانع و العاصم من هذا التغوّل وهذه البربرية , إنها ضرورة إنسانية و فريضة وطنية . العرب و الديمقراطية : في الواقع العربي ثلاثة مواقف تجاه الديمقراطية : الأول : حكام لا زالوا مستمسكين باستبدادهم تحت مسمى الحكم الملكي المتخلف الذي عفى عليه الزمن ، الحكم الذي يعطي فرد أو مجموعة أفراد حرية التحكم في مصير شعب بأكمله ، مجموعة افراد (يتفضلون) على الشعب من ثرواته ومقدراته ، و يزيد منهم (التفضل) كلما شعروا أن الشعب بدا يفيق ليسترد كامل ثروته ويأخذها من ايديهم . وهذا النوع من الحكام في طريقهم للانقراض في زمن الثورات . الثاني : قوى غير حاكمة قبل زمن الديمقراطية الذي حل ، آمنت بالديمقراطية وقبلت بها كخيار واخذت تتعامل بها فعلياً . الثالث : قوى ونخب تقبل بالديمقراطية ما كانت نتيجتها في مصلحتها فإذا كان غير ذلك خرجت تواجه الحاكم المنتخب بأعمال العنف والتخريب والإحراق والدمار معتبرة ذلك منها عمل معارض وفي الواقع فإن المعارضة ما لم تكن بنائه فأنها لا تستحق الاحترام ولا المهادنة معها ، وتصبح تهديد حقيقي للديمقراطية ذاتها . و الأولى بهذه النخب أن توسع قاعدتها الجماهيرية للموسم الانتخابي القادم ، أما محاولة فرض إرادتها ونرجسيتها واستبدادها برأيها فإنما يهدد الديمقراطية الوليدة ، إنها تُشهر افلاسها المبكر في دعوتها إلى الدولة المدنية التي تعتبر الديمقراطية ملمحها الأبرز . إنّ ضخ أموال النفط ، الذي هو حق الشعب المعني ، في أوردة النخب الغريبة بتفكيرها و منهجيتها على قيم شعوبنا لن يجدي ، و إنّ محاولة اظهار المشهد الدموي الخرائبي في الأوطان التي أخذت تنهج الديمقراطية كوسيلة وحيدة للوصول إلى الحكم والخروج منه بحق وحقيقة باعتبار أنّ الشعب لن يجني من الديمقراطية إلا هذا ، إنّ هذه طريقة بائسة و مكشوفة وخاطئة في التفكير والتعامل و لن تقوى على افشال الخيار الديمقراطي بل ستضيف أرصدة قوة جماهيرية ومشروعية للديمقراطيين و تُظهر إلى أي حد يذهب أدعياء الديمقراطية وهم يوغلون في التجارة بالديمقراطية ودعاوى المجتمع المدني التي يتشدقون بها ويروجون لها كسمة يتمتعون بها يفتقدها الآخرون ـ كما يروجون هم ـ الذين اثبتت التجربة انهم هم حقاً أهلها والمدافعون عن عرينها أن يجتاحه ذوو العاهات و التشوهات في الفكر والممارسة . الرابع : تيارات إسلامية وهيئات لا تزال تعيش زمن ما قبل الديمقراطية ، قوى تتخشب عند مواقفها الرافضة للخيار الديمقراطي لصالح خيارات لا تصمد ولم تعد صالحة لئن تحكم الشعوب بواسطتها . إنّه من حق الحاكم أن يكون له مستشاريه أياً كانت وسيلة وصوله إلى السلطة وهذا ما يقتضيه الواقع و لكن كل يختار وفق توجهه وبما يخدم مصلحة الشعب . العلمانية حاجة ديمقراطية : مسار طويل متدفق للبشرية تمضي فيه نحو التقدم والازدهار على هذه المعمورة في ربوعه و أحضانه . لقد تمكنت شعوب عديدة من إحراز القدر الكبير المُرضي لطموحاتها من الكرامة والحرية والشرف والعيش الكريم والسيادة على أرضها ، ناضلت وكافحت وقدمت التضحيات حتى تمكنت من حكم نفسها وإدارة ثرواتها بصورة عادلة و راشدة توفر لها حاضر طيب وتضمن لها ولأجيالها القادمة المزيد من التحكم والتقدم . إنّ الديمقراطية العلمانية هي الطريقة العادلة في الحكم التي تضمن للشعب التحكم في سلطته وثروته وإدارتها بكفاءة ورشد بعيداً عن الإقصاء والتهميش والقمع لأفراده بسبب انتماءاتهم واختياراتهم الفكرية وبما يوفر الشروط الأساسية للاستفادة المجتمعية من قدراتهم وممكناتهم في عملية التنمية والتقدم . لا يخلو مجتمع انساني ، ولا دولة ، من وجود التنوع في التوجهات والمشارب والأفكار والقناعات لدى أفرادها ، ولذا تأتي الديمقراطية العلمانية كأفضل آلية لتحديد من يتولى أمر السلطة السياسية على هذا المجتمع والدولة ككل ومن دون تمييز يخل بتساوي فرص العطاء والأخذ والإبداع والحرية ، في إطار الرعاية لحقوق الجميع وحرياتهم وحقهم الأصيل في التمتع بالكرامة وحق المواطنة والمشاركة في انتخاب السلطة والتحكم من خلالها في الثروة الجمعية للوطن . إنّ الديمقراطية تأتي في هذا السياق المتلازم بوصفها أفضل ما توصل إليه الفكر البشري من طرق شغل السلطة وتنظيم تداولها عبر الإرادة الشعبية الحرة وبما يقي المجتمع من فساد السلطة ويحمي أطيافه الفكرية السياسية والدينية من القمع والتصفية . وتأتي العلمانية في هذا السياق كذلك باعتبارها آلية فعالة في الحكم تمنع من استخدام المقدس الفكري في التغول على المجتمع عبر الإرهاب الفكري وإباحة التعرض لأفراد المجتمع بالأذى والتضييق والإبعاد ومصادرة حقوقهم وممتلكاتهم ، فلا يوصم أفراده بالكفر أو الزندقة أو الظلامية أو الرجعية ونحوها من الأحكام الجاهزة والتي تهدر حق الآخر في الاختيار الفكري والايديولوجي . تأتي العلمانية في هذا السياق آلية تمنع من إطلاق الأحكام الموغلة في تقديس الذات ونسف الآخر بما يؤدي إلى غمطه والتجاهل العملي له ومنعه من المشاركة في بناء وطنه وخدمة مجتمعه بالطريقة الأكفاء والأجدر والأجدى ، وتحول بينه وبين حريته وحقه في التعبير عن آرائه ومواقفه وحشد التأييد لها ومؤازرتها واعتناقها بالطريقة التي يسمح بها القانون العادل الذي يستند على حق الجميع في المساواة في الواجبات والحقوق بما في ذلك حق التعبير والحرية التي لا تمنع الطرف الآخر من حقه في حريته واعمالاً لقاعدة المنع من الإضرار بأي طرف وبأي حجة . إنّ العلمانية في هذا السياق مهمة لتوطين الديمقراطية ، و آلية لقمع نزعات العدمية والإرهاب عند الإنسان باسم المقدس وبواسطته . إنّ العلمانية في واقع الأمر وفي سيرورتها التاريخية لم تكن ، ولن تكون ، ضد الأديان ، ولكنها ضد التغول باسم الأديان وباسم الفكر البشري ، و باسم الايدلوجيا المقدسة عند اصحابها . إنها في الوقت التي تمنع فيه التغول إلا أنها تتيح حرية التدين . إنها تمنع تشويه المقدس ومحاولة النيل منه ولو في صورته كفكر بشري مستند اليه ، وهي تتركه للتجربة لتثبت مدى صلاحية ذلك الفكر ووجاهته وقدرته على تمكين الشعوب من التطور والترقي السياسي والاقتصادي والتنموي ، وخلق الآليات اللازمة لذلك . إنّ الديمقراطية العلمانية هي المخرج المتكامل للمجتمعات من عناء التسلط الفاسد ومن شقاء (المقدس) المصطبغ بنزعة الإنسان التسلطية الفاسدة ، ولتتمكن المجتمعات من شق طريقها بنفسها ودون وصاية نحو التقدم وتعزيزه والازدهار وترسيخه وكل ما تحلم به وتنشده في حاضرها ومستقبلها من منجزات مادية ومكتسبات حضارية عمارة للأرض وتلك غاية خلق الله للإنسان وهيأ له هذه الأرض للقيام بها على أتم وجه . وهي في المقابل ترك المجال واسع لـ (المقدس) أن يثبت جدرته على مستوى العلم والاقتصاد والأخلاق والآداب والفن ، دعه يعمل واترك للإنسان الحكم عليه ، وقبوله أو رفضه . و لتكن العلمانية حتى لا يتم تسخير السلطة السياسية وبصورة مباشرة لصالح أي فكر تؤيده أو تعارضه أو تترقبه يبزغ أو ينطفئ ، لندع الدين يعمل في الواقع وسط الشعب الذي يصنع السياسة والسلطة السياسية التي يبقى تأثيرها على فكرها مستحيل الامتناع . تختص السياسة بالدنيا كما يقتصر عليها دور السلطة السياسية وليدة الديمقراطية ، ويختص الدين بالتعبد الفردي للمقدس . إنّ العلمانية في تاريخيتها وجذرها وسياقها العام جاءت وتأتي كحل لمشكلة ومنعاً لتغول المقدس على السلطة السياسية و النسيج الفكري الأيديولوجي ، وهي تبقى ضرورة كحل وكوقاية من الشر والدمار الذي قد تنطوي عليه فكرة الخلط بين السياسة والدين والعكس ، وقاية حينما تتفتق بالدمار عقل المنهزم والضعيف غير المحتكم للديمقراطية الرافض لها عملياً لأنها لم تأت به إلى غايته الحقيقية المتمثلة في التسلط لا البحث عن مصلحة المجموع ودفع الضر عنهم جميعاً وفي آن واحد ، كما أنها تحول بين ذلك وبين الرافض للمبدأ الديمقراطي فيبحث لرفضه عن مبرر من المقدس . العلمانية لا تمنع حق النقد والتوجيه ولكن تمنع الفرض والقسر فيما هو إيماني اختياري أو التعرض له باسم المقدس للسخرية والاحتقار . إنّ التلبس بالمشكلة وعيش حقيقتها وطبيعتها والاندماج التام في جوها هو أنجح وأنجع في الوصول إلى الحل من القراءة عن المشكلة أو التعرف من بعيد عليها . إنّ العلمانية فكرة واحدة معلومة المضمون لا تقبل توسيع ولا اجتزاء ، انها تعني فصل الدين عن السياسة ، و عدم التعرض بأي طريقة للدين في حد ذاته كطريقة تختص بعبادة إله يختلف الناس في تحديده كل وفق ما لديه من تعاليم مقدسة ومعتقدات راسخة مسلّم هو بها . إنّ الدين يختص تحديداً بعلاقة الإنسان مع معبوده ، والتكاليف الدينية فردية شخصية والمحاسبة في الآخرة كذلك ، و إنّ الأجدى للفرد وللمجتمع هو الحرص على التوازن العملي بين السعي لتحقيق التعبد الفردي المطلق لله وتحقيق الحياة الكريمة من ناحية ، وبين الحرص على خدمة الشعب والأمة والعمل من أجل تقدمهما وسعادتهما ، و أن لا يكون أياً من طرفي المعادلة على حساب الطرف الآخر . لا يكفي أنّ الطليعة تدفع ثمن التقدم والازدهار ، فلا بد للأمة والشعب من نصيب مهم من الثمن اللازم والكافي دفعه حتى تعلم وتوقن بقيمية المكسب النضالي والتقدم المؤدي إليه فتحرص عليه وعلى مزيده مع حفاظ تام عليه . لا تعني العلمانية لا من قريب ولا من بعيد منع التدين الفردي ولا مضايقته بما في ذلك رموزه كالحجاب والنقاب للمرأة المسلمة . ولا تعني العلمانية التوقف عن العمل في سبيل التمكين للدين في قلوب معتنقيه والتوسع العددي لمعتنقيه ، ولا تعني منع بناء دور العبادة ، ولا تعني العلمانية إلغاء الجماعات الدينية ولا الإرغام على التنازل عن القناعات الدينية . إنّ العلمانية هي سياسية فحسب فلا علاقة لها بالدين لا دعماً ولا محاربة ، إنما هي فقط منع رجال الدين والأحزاب أياً كان اختيارها الفكري ، في السلطة السياسية أو خارجها ، من الحديث في السياسة البحتة من منطلق الدين ، لا منعهم من الحديث في القيم الأخلاقية والدينية المحضة ، أو إصدار الأحكام بحق الأشخاص أو الجماعات الدينية والفكرية الاخرى . إنّ كل ما هو ديني لا يتدخل في كل ما هو سياسي ، وكل ما هو سياسي لا يتدخل في كل ما هو ديني ، أو بمعنى آخر لا دين يتدخل في السياسة ولا سياسة تتدخل في الدين ، الحرية والديمقراطية والحزبية تلك هي محاور العلمانية السياسية ، حتى لا يكون الضرر من الديني أو السياسي بالإنسان والوطن . إنّ المهم لكل الناس ومن كل الأديان والتوجهات هو تحقيق العدل والأمن والتنمية وضمان حق الشعب في التحكم في ثروته وسلطته السياسية ، وهذه هي مهمة السياسة بشكل مطلق ، وبالإمكان تأمين هذه الحاجات والضروريات من دون حكم ديني وهذا هو الحاصل في دول كبرى ومتقدمة مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند والمكسيك . لقد نشأت الفكرة العلمانية والمذهب العلماني السياسي في أوروبا العصور الوسطى بسبب فساد جزء كبير مما اعتبر الإنجيل الذي كان يطغى فيه التحريف بالإضافة إلى فساد رجال الدين . وفي عالمنا الإسلامي القرآن محفوظ بحفظ الله ، غير أنّ الفساد يكمن في طائفة غير قليلة من (رجال الدين) أنفسهم (العلماء والفقهاء والدعاة الاسلاميين ) فنجد عالم وفقيه مثل الدكتور علي جمعة مفتي مصر السابق الذي اجاز للعسكر قتل الإخوان المسلمين ومن قبله الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الذي أجاز لرئيس سوريا قتل الثوار ضد فساد حكمه ومن قبله ومن بعده نخبة العلماء المكفّرين للديمقراطية لحساب الطغاة بما في ذلك حق التعبير عن الرأي المسخرين للنص المقدس لخدمة نزواتهم و رغباتهم ، ويعود سبب فساد (رجال الدين الاسلامي) والفساد الذي يبدر منهم إلى أتباعهم للهوى ويجعلون الإسلام بنصوصه تابع لأهوائهم ، كما يعود إلى طلبهم السلامة ورغد العيش والحظوة مقابل تفسيرهم للنصوص ولي أعناقها من أجل من يدفع بهم ويحتفي بهم . وحدث عن هذا في المملكة العربية السعودية وجمهورية ايران الإسلامية وغيرها من الدول العربية والإسلامية ،ويتعدى الأمر استخدام السلطة السياسية إلى استخدام الجماعات الإسلامية ، إنّ الأمر هو ظاهرة مكتملة الأركان موغلة في الزمان . نوعين من القيم يحتويها الإسلام العظيم : قيم عقائدية إيمانية تعبدية لله تعالى ، وقيم أخلاقية ، والقيم الأولى هي القيم الدينية العليا وتختص بالفرد مع خالقه من حيث الأيمان والطاعة والمعرفة والسلوك إلى الله ، والنوع الثاني قيم يتعارف عليها كل الناس ويرغبونها لأنفسهم كالعدل والصدق والأمانة والعفة ..وهذا النوع هو أكثر ما تذهب له العقول حين نقول حكم إسلامي ، وبوسع الحاكم أو السلطة الحاكمة أن تكون كذلك بدون الحديث عن الإسلامي الذي في جزء منه كبير هو شعارات جوفاء ، نتبين هذا من موقف السلطة السعودية المؤيد والداعم للإنقلاب الدموي في مصر وهي التي تزعم أنها الناطق الرسمي باسم الإسلام ، وهي بموقفها الداعم له ضالعة في كل قطرة دم و حالة قتل وحرق وتعذيب واعتقال . يبقى النموذج الأبرز للإسلامي الذي يحكم بالعلمانية السياسية رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي وحزبه حزب العدالة والتنمية ،ومع أنّ الجميع داخل تركيا وخارجها يجمعون على اسلاميته إلا أنّ مفردة الاسلام تخلوا منها جميع أدبياته . وهو يحقق شعبية متصاعدة في تركيا العلمانية . يعلن (عبد الله غول): "نحن لسنا حزبا دينيا، نريد أن نثبت أن المجتمع المسلم يمكن أن يكون شفّافا وديمقراطيا ومتوافقا مع العالم الحديث" . بل يصرّح غول نفسه : "نحن حزب أوروبي محافظ" . و يؤكّد البرنامج الانتخابي للحزب في هذا السياق على الاعتراف بالعلمانية ، واعتبارها متطلباً أساسياً للعملية الديمقراطية . والعلمانية كما يعرّفها البرنامج الانتخابي للحزب- تعني: "السماح للناس من كل الأديان والاعتقادات في الممارسة المريحة للأديان، والقدرة على التعبير عن قناعتهم الدينية والعيش وفقها ، وفي الوقت نفسه السماح للناس بلا اعتقادات ؛ لينظموا حياتهم وفق هذه الرؤية . انطلاقا من ذلك فالعلمانية مبدأ للحرية والسلام الاجتماعي". أما الدين فهو البعد الروحي والأخلاقي للناس ، والذي يشكل الموروث الثقافي الذي يميّز الشعب التركي)) ، ومع هذا يكشف غول عن فكره الإسلامي وبطريقة مفيدة : ((نريد أن نثبت ونبرهن أنّ الديمقراطية والإسلام لا يتناقضان ولا يتعارضان مع بعضهما البعض، وكل منهما يكمل الآخر)) . معظم الأحزاب التي تتحدث عن علمانيتها ،في مصر خصوصاً ـ أثبتت أحدث ومجريات الانقلاب العسكري السيسوي الدموي أنهم مجرد أدعياء على العلمانية ، لقد أيدوا العسكر إلى أبعد مدى لتصفية من يخالفونهم الرأي ، بل وفي أحيان تفوقوا عليهم في النزعة العدمية و أصبحوا محرضين لهم على اقتراف مزيدها . كانوا يزعمون أنّ دعوتهم مدنية ، وهي النقيض الحقيقي للحكم العسكري وليس الدين كما يرددون ، كما أنهم باركوا وطالبوا بالقضاء على القوة السياسية ذات التوجه الإسلامي الحركي ، بل كان حزب النور المحسوب على الإسلاميين مؤيد للإنقلاب وسكت عن جرائم العسكر وبقي في صفهم ، وهذا دليل إضافي على فساد قطاع عريض من رجال الدين . الإسلام هو دين جميع المسلمين ، والله سبحانه وتعالى هو الذي يحاسبهم على التزامهم به أو انحرافهم عنه ، وكل مسلم من أي توجه فكري أو مصلحي نفعي مطلق كان هم جميعاً دينهم الإسلام وواجبهم العمل به ، ولكن لا دخل لنا كأشخاص في أن نعاقبهم نحن أو نصدر عليهم الأحكام . العلمانية آلية لا فكراً ، فالفكر له مكوناته وأصوله الخاصة به ، وإنما ينسب الشخص إلى الفكر الذي يعتنقه ، وهو غالباً ،إما ليبرالي يؤمن بحريته وحرية غيره العقائدية والاقتصادية لمراكمة ثرواته والتمتع بمتاحاته وممارسة طقوسه الدينية مع الاحتكام إلى الديمقراطية ،وإما اشتراكي يؤمن بالنظرية المادية والملكية العامة وحكم طبقة واحدة التي تتجسد في الحزب الواحد ، وإما إسلامي يؤمن بالغيب ويباشر الاقتصاد والشورى السياسية بعدل ومن غير ضرر ولا ضرار . و تبقى الرأسمالية فكر اقتصادي لا نظرية شاملة . الجناية على العلمانية : لقد وقعت الفكرة العلمانية بين شقي رحى : بين المغالين فيها وبين الرافضين لها ، ونادراً ما تجد المنصفين المجردين من الأهواء مع الدين والتدين أو ضدهما ، إنّ الفريقين الأولين إما أنهم لم يعرفوا حقيقة فكرة العلمانية أو اعتبروها وسيلة لتمرير وترسيخ توجهاتهم الفكرية ونزعتهم لمحاربة الآخر واشباع شهواتهم عبر نشر أسس الفساد الأخلاقي في المجتمع عبر رفض الدين بالمطلق ، وآخرين رفضوها لرفضهم ومعارضتهم لأفكار أخرى تتعارض مع أفكارهم وحسبت على العلمانية وتم ربطها بها ، إنهم يعتقدون أنّ رفضهم لذاك الفكر لا يستقيم إلا برفضهم للعلمانية ، على الرغم من أن العلمانية أشبه بالديمقراطية فليست مذهب فكري محدد ولكن طريقة في الحكم السياسي . إنّه لا وجود لعلمانية ملحدة ولا لعلمانية ليبرالية ، تماماً كما أنه لا يوجد إلحاد علماني ولا ليبرالية علمانية ، تماماً كما أنه لا يوجد إلحاد ديمقراطي ولا ديمقراطية إلحادية ، وإنما النسبة تصح باعتبارها اقتناع بالعلمانية كآلية مهمة جنباً إلى جنب الديمقراطية . يُعرف العلمانية جون هوليوك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على أنها : ((الايمان بإمكانية إصلاح حال الانسان من خلال الطرق المادية دون التصدي للإيمان ،سواء بالقبول او الرفض)) ، وهذا أقرب تعريف لحقيقة العلمانية اطلعت عليه ، فالعلمانية تتجاوز الإيمان المجرد إلى العمل والفعل ، وهو تعريف لم يفصح عن الحياد المطلوب من المقدس جهة الحكم . وينتقد الدكتور عبدالوهاب المسيري في (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية) هذا التعريف فيقول : ((والحديث عن "إصلاح حال الإنسان" يفترض وجود نموذج متكامل ورؤية شاملة ومنظومة معرفية قيمية. فهل العلمانية إذن هي هذه الرؤية الشاملة؟ إن كان الأمر كذلك ، فإن هوليوك لم يعطنا ملامح هذا النموذج وهذه المنظومة)) غير أنّ هذا النقد مردود ، فالعلمانية آلية وليست منظومة فكرية ، وما يحدد (ملامح النموذج المتكامل والرؤية الشاملة والمنظومة المعرفية القيمية )هو الفكر الذي يعتنقه رجل السياسة ولكن هذا يتضح من ممارسته للسياسة كما يتضح لدى رجل السلطة التشريعية في ما يؤيد ويعارض ويضع ويقر من تشريعات وقوانين . الموسوعة الميسرة في الاديان والمذاهب المعاصرة تقول : ((العلمانية SECULArISM وترجمتها الصحيحة: اللادينية أو الدنيوية)) وهذا صحيح مع العلم أّنّ اللادينية لا تعني رفض الدين وإنما رفض تدخله في السياسة ، كما يفهم من (اللادينية) رفض تعرض السياسي للمقدس ، وتمضي الموسوعة فتقول : ((وهي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي والعقل)) ، وهذا غير صحيح ففيه توسيع مخل بحقيقة العلمانية التي هي تختص بالسياسة فقط دون الاعتقاد والاقتصاد وغيرها من مجالات الحياة ، وتضيف أنها تعني كذلك إقامة الحياة على ((مراعاة المصلحة بعيداً عن الدين)) وإنما استناداً إلى ((العلم الوضعي والعقل)) وهذا صحيح . وتضيف الموسوعة في توافق مع معنى العلمانية ((وتعني في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم)) ، والعلمانية جانبها سياسي محض وليس ((جانبها السياسي بالذات ))، ثم تضيف الموسوعة الميسرة ((ومدلول العلمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيساً في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما.)) ، وهذا غير صحيح وفيه التوسع وفيه الأخذ بالتعريفات الخاطئة للعلمانية ولو كان من مصادر غربية ، فهناك من يدفع بالعلمانية بهذه الطريقة ليستخدمها في تدعيم فكره الليبرالي أو الاباحي أو الإلحادي . ويقول الدكتور سفر الحوالي في كتابه (العلمانية نشأتها وتطورها) (( والترجمة الصحيحة للكلمة هي (اللادينية) أو (الدنيوية))) وهذا صحيح ، ويضيف الحوالي ((لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب، بل بمعنى أخص هو ما لا صلة له بالدين، أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد .)) أنّ مسألة مضادة الدين هنا أقحمها إقحاماً على العلمانية المحايدة جهة الأديان والأيدولوجيات . ثم يورد الحوالي تعريفات اختارها : وتتضح الترجمة الصحيحة من التعريف الذي تورده المعاجم ودوائر المعارف الأجنبية للكلمة : تقول دائرة المعارف البريطانية مادة (secularism): (هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها). ودائرة المعارف البريطانية ترتكب خطاء وتدليس وتجريف لمفهوم العلمانية فليست هذه العلمانية مطلقاً ،إنما هي (فكرة اجتماعية) والعلمانية فكرة سياسية ديمقراطية ، أنّ ما اوردته دائرة المعارف هذه يطعن فيها ككل ، إنها خلاف للنزهة العلمية هدفها تسخير العلمانية لخدمة الليبراليين الرافضين للدين . ومما يؤكد هذا أنها جعلت منشأ العلمانية من المجتمع وبسبب حركته لا من السياسة وازمتها مع الدين المحرّف ، تضيف :((ذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا والتأمل في الله واليوم الآخر، وفي مقاومة هذه الرغبة طفقت الـ(Secularism) تعرض نفسها من خلال تنمية النزعة الإنسانية، حيث بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية والبشرية وبإمكانية تحقيق مطامحهم في هذه الدنيا القريبة.)) ويقول قاموس العالم الجديد لوبستر، شرحاً للمادة نفسها: ((1ـ الروح الدنيوية، أو الاتجاهات الدنيوية، ونحو ذلك، وعلى الخصوص: نظام من المبادئ والتطبيقات (Practices) يرفض أي شكل من أشكال الإيمان والعبادة)) وهذا غير صحيح فليست العلمانية وباي (شكل من الاشكال) رفض للإيمان والعبادة وانما رفض لتدخلهما في السياسة فحسب. ((2- الاعتقاد بأن الدين والشئون الكنسية لا دخل لها في شئون الدولة وخاصة التربية العامة.)) وتخصيص (التربية العامة) وحتى مجرد الاشارة لها غير صحيح البتة . ويقول معجم أكسفورد شرحاً لكلمة (secular): 1- دنيوي، أو مادي، ليس دينيا ولا روحياً )) وهنا قدر من التظليل والإيقاع في الوهم والأصل أن يتيح بعض التفصيل لمفهوم يستحقه كأن يقول (حكم دنيوي) ((لا يستند الى الدين)) أما ((لا روحياً)) فهو تجاوز فضيع ، ومما زاد الطين بلة أنّ معجم اكسفورد مضى في التجهيل وبصفاقة (( مثل التربية اللادينية ، الفن أو الموسيقى اللادينية ، السلطة اللادينية ، الحكومة المناقضة للكنيسة.))فقد خلط ما هو علماني بما هو ليبرالي كاره لروح التدين ومظاهره ... ثم يضيف المعجم (( ((2- الرأي الذي يقول: إنه لا ينبغي أن يكون الدين أساساً للأخلاق والتربية.)) وهذا غير صحيح ، فتعلق العلمانية بالسياسة فقط وهناك أفكار بشرية ترفض الدين أساساً للأخلاق والتربية ، فالدين هو جزء لا يتجزأ من المنظومة الأخلاقية ، مع أنّ الأخلاق قيم بشرية قبل أن تكون دينية ، إننا حتى لو سلمنا ونحينا الدين عن الأخلاق والتربية فإننا سندعو إلى الصدق والأمانة والعدل والرحمة والتعاون طالما نحن في نسق أخلاقي لا سياسي نفعي براجماتي ...وما دمنا نتحدث في تلك القيم الأخلاقية فإننا نتفق مع الدين لا نعارضه ولا نرفضه في حقيقة الأمر . و كان التعريف الوحيد المطابق للعلمانية الذي أورده الدكتور الحوالي في بحثه هو تعريف " المعجم الدولي الثالث الجديد" مادة: (Secularism)."اتجاه في الحياة أو في أي شأن خاص يقوم على مبدأ أن الدين أو الاعتبارات الدينية يجب ألاَّ تتدخل في الحكومة ، أو استبعاد هذه الاعتبارات استبعاداً مقصوداً ، فهي تعني مثلاً السياسة اللادينية البحتة في الحكومة.))وإلى هنا يصح التعريف بل ويكتمل ، غير أنّ المعجم حينما يذهب يفصل يقع في الخطاء ((وهي نظام اجتماعي في الأخلاق مؤسس على فكرة وجوب قيام القيم السلوكية والخلقية على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الاجتماعي دون النظر إلى الدين".)) ، ومرة أخرى ليست العلمانية نظام اجتماعي إنما هي آلية سياسية . ثم يبين الحوالي تعريفه وتصوره للعلمانية فيقول (( والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو "فصل الدين عن الدولة" وهو في الحقيقة لا يعطي المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى السلوك الذي قد لا يكون له صلة بالدولة، ولو قيل: إنها فصل الدين عن الحياة لكان أصوب)) بل لكان خطأ ، ثم يضيف ((ولذلك فإن المدلول الصحيح للعلمانية إقامة الحياة على غير الدين، سواء بالنسبة للأمة أو للفرد )) وهذا الخطأ بغيره ، فقد يكون الدين حاضراً بقيمه العليا في السياسة ، واطلاق الحياة لا يستقيم مع حقيقة المعنى وما صدقه وإنما يصدق القول ((الحياة السياسة)) أو الحكم بمعنى آخر . ويضيف الحوالي ((ثم تختلف الدول أو الأفراد في موقفها من الدين بمفهومه الضيق المحدود، فبعضها تسمح به، كالمجتمعات الديمقراطية الليبرالية، وتسمي منهجها (العلمانية المعتدلة -Non Religious) أي: أنها مجتمعات لا دينية ولكنها غير معادية للدين وذلك مقابل ما يسمى (العلمانية المتطرفة-antireligious)، أي: المضادة للدين، ويعنون بها المجتمعات الشيوعية وما شاكلها.)) وقد وافق الحقيقة هنا إلا في (الدين بمفهومه الضيق)فالدين مفهوم واحد ، ويقول :((وبديهي أنه بالنسبة للإسلام لا فرق بين المسميين، فكل ما ليس دينياً من المبادئ والتطبيقات فهو في حقيقته مضاد للدين )) وهذا غير صحيح بل في حقيقته قد يكون مطابقاً للدين ،والأخلاق التي جاء بها الإسلام كانت موجودة في الجاهلية مع تطبيقاتها وهي متوافقة مع الإسلام لذا قال الرسول محمد بن عبداللاه (صلى الله عليه وسلم) (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) ثم يلخص وجهة نظره (( فالإسلام واللادينية نقيضان لا يجتمعان ولا واسطة بينهما)) وهذا خطأ في الفهم والتطبيق ، فلا توجد في العلمانية (لا دينية) وإنما منع رجال الدين من الحديث في السياسة ومنع رجال السياسة من الحديث في الدين . الدكتور فؤاد زكريا له رأي مختلف خاصة لجهة الاشتقاق يقول في بحث قيم :((ولو شئنا الدقة الكاملة لقلنا إن الترجمة الصحيحة للكلمة هي ((الزمانية))،لأن اللفظ الذي يدل عليها في اللغات الأجنبية(أي secular)في الإنجليزية مثلاً)مشتق من كلمة لاتينية تعني ((القرن saeculum)).فالعلمانية إذن ترتبط ،في اللغات الأجنبية ، بالأمور الزمنية ،أي بما يحدث في هذا العالم وفي هذا الأرض ، في مقابل الأمور الروحانية التي تتعلق أساساً بالعالم الآخر)) ، ثم يقول: ((كل ما ترمي اليه هو إبعاد الدين عن ميدان التنظيم السياسي للمجتمع ، والإبقاء على هذا الميدان بشرياً بحتاً ، تتصارع فيه مناهج البشر ومصالحهم الاجتماعية والاقتصادية ، دون أن يكون لفئة منهم الحق في الزعم بأنها تمثل((وجهة نظر السماء)) ويضيف ((رفض الدين فليس من صميم العلمانية في شيء ،...،الدين يظل محتفظاً بقداسته ولكنه ينزه عن التدخل في الممارسات السياسية المتقلبة ، مع تنظيمه لجوانب هامة في حياة الإنسان ، كالجانب الروحي والاخلاقي)) وقد أصاب هذا المفكر العملاق كبد الحقيقة العلمانية . راجع سلسلة (قضايا فكرية) ـ الكتاب الثامن أكتوبر1989[الإسلام السياسي] مقال للدكتور زكريا بعنوان(العلمانية ضرورة حضارية). وتجدر هنا الإشارة إلى أنّ السلطة السياسية في أدبياتها تنقسم إلى سلطة دينية وسلطة زمنية ، فالقسم الثاني في تسميته هو صدى للعلمانية باعتبارها تعني الزمن . يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري في موسوعة (اليهود واليهودية والصهيونية) :((كلمة «علمانية» هي ترجمة لكلمة «سكيولاريزم secularism» الإنجليزية التي لها نظائرها في اللغات الأوربية. والكلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية «سَيكولوم saeculum» وتعني «العصر» أو «الجيل» أو «القرن». أما في لاتينية العصور الوسطى (التي تهمنا في سياق هذا المدخل)، فإن الكلمة تعني «العالم» أو «الدنيا» (في مقابل الكنيسة). ويوجد لفظ لاتيني آخر للإشارة إلى العالم، وهو «موندوس mundus». ولفظة «سيكولوم» مرادفة للكلمة اليونانية «آيون aeon» والتي تعني «العصر»، أما «موندوس» فهي مرادفة للفظ اليوناني «كوزموس comos» والذي يعني «الكون» (في مقابل «كيوس chaos» بمعنى «فوضى»). ومن هنا، فإن كلمة «سَيكولوم» تؤكد البُعد الزماني أما «موندوس» فتؤكد البُعد المكاني. وقد استُخدم المصطلح سكيولار secular»»، لأول مرة، مع نهاية حرب الثلاثين عاماً (عام 1648عند توقيع صلح وستفاليا وبداية ظهور الدولة القومية (أي الدولة العلمانية) الحديثة، وهو التاريخ الذي يعتمده كثير من المؤرخين بدايةً لمولد الظاهرة العلمانية في الغرب )) ويقول : ((أما في اللغة الفرنسية، فهناك كلمة «لاييك laique». وقد انتقلت الكلمة إلى الإنجليزية في كلمة «ليك laic» بمعنى «خاصة بجمهور المؤمنين» (تمييزاً لهم عن الكهنوت)، ومنها كلمة «لييتي laity» وهم الكافة (باستثناء رجال الدين)، وكلمة «لييسيزم laicism» بمعنى النظام العلماني، أي النظام السياسي المتميِّز بإقصاء النفوذ الكهنوتي عن الدولة )) وينقل المسيري عن (معجم علم الاجتماع المعاصر لمؤلفه توماس فورد هولت ) : ((أورد المعجم ما قاله ج. م. ينجر Yinger في الموضوع: "من الأكثر حكمة في تقديري أن نستخدم كلمة «علمانية» لنشير إلى الاعتقاد والممارسات التي لا علاقة لها بالجوانب غير النهائية (بالإنجليزية: نان ألتمييت non- ultimate) للحياة الإنسانية. ومن ثم فالعلمانية ليست معادية للدين، ولا هي بديل عن الدين، إنها هي مجرد قطاع واحد من قطاعات الحياة". غير أنّ المسيري حاول بقصد حسن ادخال ما ليس من العلمانية إلى العلمانية بالرغم من أنه نتاج عن الأهواء ومحاولة دمج الأفكار والمذاهب الفكرية والغريزية إلى العلمانية باعتبارها ،عند الغرب ، آلية لا تقبل الانتقاص فذلك البعض أن يضفي القداسة على توجهه ونزعاته ونزواته باسم العلمانية ، إنه لا توجد إلا علمانية واحدة لا علمانيتين كما يرى وينظر الدكتور المسيري ، إنّ العلمانية هي فقط ما يسميه بالعلمانية الجزئية أما العلمانية الشاملة فتلك العلمانية في صورتها المزيفة بعد إضافة الأهواء والنزعات والنزق الانساني إليها . إنّ العلماني ، فرداً كان أم حزباً أم جماعة ،هو من يحترم فكرة العلمانية ويسعى لتطبيقها بحذافيرها دون انتقائية ،فيحترم الدين والتديّن ، كما يحترم السياسة والتسّيس ، ومن لم يحمل هذا الفهم وهذا القبول للآخر بالوجود فهو ليس علماني ، بل مثل هؤلاء جنوا على العلمانية وشوهوها إذ أصبحوا هم مقياس للتعلمن مع أنهم غير علمانيين ،إنما هم معادين للعلمنة رافضين لها فهم إما محاربين للدين بإطلاق للعداوة أو بتخصيص وإما معادين للتسيس بإطلاق أو بتخصيص ،إنّ العلمانية ترفض الانتقائية ،إنّ العلمانية آلية بشرية تستحق الاحترام والتقبل ،إنها في جزء منها إحترام التخصص وأهل التخصص ، فيصبح كل من هو صاحب تخصص ينشغل بتخصصه ويبدع فيه ، ولا يتدخل في التخصص الآخر ويدعه لصاحبه يبدع فيه ويراكم مكتسبات ذلك التخصص على المستوى الوطني والدولي ، ومن إيجابيات هذا الاحترام تقليل إمكانية الوقوع في الخطاء الذي قد يكون فادحاً ويدفع ثمنه قطاع مهم من المجتمع . ولا يعني هذا بالضرورة أنّ العلماني لا توجه سياسي أو فكري له شريطة أن لا يكون هو شخصياً أو توجهه يرفض الدين وتدين الآخر . و إنّ الأهم في الفكر هو روحه لا نصه ، إنّ الروح في الإنسان معلومة ولكنها مجهول ، معلومة التأثير ولكنها مجهولة الكيفية إلى حد بعيد ، والأهم فيها وجودها والأهم في الفكر روحه لا نصوصه المعتمدة وعباراته الموروثة ، وينسحب هذا على الممارسة كما ينسحب على روحية الفكر ، فالأهم من دعوى اعتناق فكر ممارسته وتمثله في الحياة العملية . العقل والرشد : لقد منح الخالق الجليل للإنسان العقل الذي يدله على الخير كما يدله على الشر ، وفي الوقت ذاته يعلمه بخيرية الخير وشرور الشر ، وهذه حجة الله تعالى الكبرى على الإنسان ، وهذا الأساس الأبرز ليكون الخليفة الصالح في الأرض فيعمرها ، بل وجعل هذا مركوزاً في فطرته ((إنّا هديناه السبيل)) أي سبيل الحق ونقيضه ،فإما أن يتبع الحق فيكون الشاكر حقاً وإما أن يجتنبه فيكون منكراً له وكأنه لم يعلمه وهو في الواقع عالم ومدرك له . قدر كبير جداً من معارف الإنسان ومنجزاته العلمية حققها عبر إعمال عقله ، وكل فكر هو نتاج أساسي للعقل ، وقد يقتبس عقله من المقدس ويصبغه بوجهة نظره تجاه الحياة والأحياء . يأتي الإنسان إلى هذه الدنيا على الفطرة ، ولديه حرية الإختيار كما أنّ لديه القدرة على التمييز بين ما ينفعه ويليق به في الدنيا والآخرة وما لا ينفعه ولا يليق به . وبالتالي فإن قدرة الإنسان على إدارة شئونه السياسية السلطوية ينبغي أن لا نستهين بها ، مع ما تنطوي عليه من معتقدات دينية يتأثر بها سلوكه وسعيه وكسبه بصور ظاهرة أو مكنونة . إنّ الحقيقة بمعناها العام بما في ذلك رحلة العقل إلى ضفاف الإيمان والدين هي نتاج للعقل الذي وهبه إياه الخالق ، كما أن الحقيقة العلمية أو العلم بمعنى آخر هو نتاج لإعمال العقل واستيعاب ما سبق لعقول الآخرين التوصل إليه ، أي أنّ جديد العلم هو حصاد لتراكم المدركات العقلية . الإسلام دين العقل : إنّ من أعظم مقاصد الإسلام الحفاظ على الضَّروراتِ الخمسِ : الدِّينِ ، والنَّفسِ ، والمالِ ، والعِرضِ ، والعقلِ ، وإننا إذا تأملنا نتاج العقل البشري الذي قد يكون متأثراً بالأديان فإنه أهتم بالحفاظ على هذه الكليات ولكنه لم يرغم أحد وكل يتحمل جريرة نفسه ، كما أنّ العلم الإنساني جاء يحافظ على هذه الكليات بالمعلومات والمنجزات المهمة على صعيد هذه الكليات تحديداً ، إنّ العلمانية في حد ذاتها آلية تحافظ على قدرة الإنسان على التدين مع إحترام الدين ومعالمه المادية ، و تجرم القوانين تعريض حياة الآخرين للخطر أو قتلهم وإن كانوا أبناء أو بنات للشخص ذاته ، وجاءت التشريعات لتمنع سرقة مال الآخرين بما في ذلك الملكية الفكرية كما تمنع اليوم غسيل الأموال أو تمنع دخول (الأموال القذرة)إلى عجلة الاقتصاد ، وتجرم القوانين المساس بالأعراض بما في ذلك التحرش الجنسي وتضع له العقوبات التي يخشاها الكثيرين بما في ذلك كبار الساسة ولنتذكر فضيحة بيل كلنتون مع المتدربة مونيكا لوينسكي ،أما العقل فإن الحضارة اليوم منحته المجال الواسع لينتج ويثمر ويتطبب وحاولت تقليص فرصة الإنسان للإضرار بعقله عبر بعض التشريعات المنظمة لتعاطي الخمور ، أما المخدرات فالحرب عليها لا تخفى ،ويبقى النجاح فيها أمر آخر لا علاقة له برغبة السلطة السياسية . إنّ الإسلام عظيماً وهو يمنح لعقل الإنسان الاحترام وهو يعمل لتطوير دنياه ودرء المخاطر عنها وإدراك المصالح الدنيوية له . تنبع السياسة والسلطة السياسية من صميم حاجة الشعوب للتنظيم الداخلي المتوافق والمتناغم لا المتحارب المتقاتل ، تأتي السلطة والسلطان السياسي من أجل الشعب ولا يتحول الشعب إلى خادم لها ، ولا يتحول الوطن إلى شركة اقتصادية . ليس مطلوب من السلطة السياسية أن تفتش لها عن أهداف فأهدافها هي أهداف الشعب نفسها التي هي منبثقة عن إرادته وثقافته ، وتختلف السلطات في اختيار الطريقة التي تراها الأنسب والأجدى لتحقيق تطلعات الجماهير في الحاضر والمستقبل وفي ظل الثوابت الوطنية ، إنّ عليها أن تسهر على تحقيق آمال الشعب وطموحاته المجتمعية ، ولكل أيدولوجيته وفكره ولكن الآمال للشعب صاحب الحق في السلطة والثروة . والسلطة السياسية كما ينبغي أن تكون وينظر إليها ،هي وسيلة لا غاية ، وسيلة لتنمية الإنسان وتقدم البلد وتطور الإنسانية . ومن هذا المنطلق فإنّ السلطة السياسية هي أمر يتصل بمصالح الناس ، و الإسلام يهتم بما يصلح أمور الناس ، وبهذا القدر تتركز رؤية الإسلام للسلطة السياسية ، وللممارسة السياسية بصفة عامة . و الحديث عن (السياسة الشرعية) وعن الإسلام والسياسة ،هو في واقع الأمر حديث عن اختيارات المسلمين السياسية وما تم فرضه عليهم . لقد جاء تنظيم الإسلام المتصل بالسياسة في إطار قواعده الكلية لتنظيم حياة الناس . المضامين والضمانات للديمقراطية مضامين متعددة ومتنوعة ولها ضمانات تضمن تطبيقها وتنفيذها ، هي على النحو التالي : 1) الدستور المتوافق عليه من القوى السياسية ، المُقر في استفتاء شعبي عام حر ونزيه ، أو من قبل جمعية تأسيسية منتخبة متوافق عليها من قبل القوى السياسية ، المبني على ديمقراطية الحكم والمساوة في الحقوق والواجبات ، الضامن لأسس دولة النظام والمؤسسات والحكم الرشيد . 2) القوانين المتوافقة و المتناغمة مع الدستور ، فلا تمنع ما يُجيز ولا تُجيز ما يمنع ، ولكنها تُفصل المجمل فيه وتحدد آلياته وكيفيات تطبيقه على أرض الواقع ، وبما يمنع التنازع أو مصادرة الحق . 3 ) حرية التعبير و وسائله ، بكفالة وتنظيم حرية تأسيس الصحف والمجلات واصدارها وفتح القنوات التلفزيونية والإذاعات والاستفادة من خدمات شبكة الإنترنت وبما لا يتعارض مع قيم الشعب و ثوابته ، وبما يرسخ حرية الإبداع و الابتكار و التعبير عن الرأي و احترام الحقيقة ومنع اثارة الكراهية والأحقاد . 4 ) التعددية لحزبية ، بإتاحة حرية تشكيل الأحزاب و التنظيمات السياسية التي تمثل توجهات قطاع من الجماهير وتتمثل وتتبنى تحقيق رغباتها و تطلعاتها ، وتحترم في داخلها القيمة الديمقراطية بما تتضمنه من انتخاب حر ونزيه ومحاسبة للهيئات القيادية . 5) الانتخاب الشعبي الحر والنزيه للسلطة السياسية المركزية والمحلية ، بإشراف هيئة محايدة ونزيهة ، بعيداً عن تأثير إمكانيات الجيش والأمن والإعلام الحكومي والمال العام لصلح أي طرف من الأطراف المتنافسة ، السلطة لا تشارك في الانتخابات ، وتشارك فيها الأحزاب بمعزل عن كل قوة سلطوية ، و يجب أن يغيب كل تزوير يطعن ويصادر إرادة الناخبين وتحضر النزهة التامة ، الانتخابات هي أفضل طريقة وأنجع وسيلة لتنظيم الوصول إلى السلطة والخروج منها من دون صراعات ولا انقسامات تهدد النسيج الاجتماعي الوطني والبديل العملي للقضاء على التسلط و مخاطره . وتتضمن السلطة السياسية المركزية نماذج متعددة بحسب أنواع الحكم كما يلي : اولاً : الحكم النيابي : الحكم المبني على أساس مجلس نواب الشعب المنتخب ، و تمتلك فيه الأغلبية المطلقة حق تشكيل الحكومة ، وهو السلطة التشريعية ، و يتولى المجلس ما يلي : أ ـ منح الثقة أو حجبها عن الحكومة ككل أو عن أي عضو فيها . ب ـ مراقبة مطابقة القوانين وتوفقها مع الدستور عبر لجنة دستورية خاصة يشكلها المجلس ، وبإمكانها الاستعانة بخبراء القانون . ج ـ مرقبة أداء الحكومة ككل ، وكل وزير فيها على حده عبر لجان المجلس المتخصصة د ـ مناقشة وإقرار الميزانية العامة للدولة و الحساب الختامي هـ ـ إقرار القوانين التي يراها ، أو تقترحها الحكومة ، بعد مناقشتها . و ـ إقرار الاتفاقيات الخارجية بعد مناقشتها . ثانياً : الحكم الرئاسي : الحكم المبني على أساس رئيس الدولة المنتخب ، و مجلس نواب الشعب المنتخب ، وهو السلطة التشريعية ، و يمتلك في هذا الحكم الرئيس حق تشكيل الحكومة و اتخاذ القرارات الهامة ، و يتولى المجلس النيابي ما يلي : أ ـ منح الثقة أو حجبها عن الحكومة ككل أو عن أي عضو فيها . ب ـ مراقبة مطابقة القوانين وتوفقها مع الدستور عبر لجنة دستورية خاصة يشكلها المجلس ، وبإمكانها الاستعانة بخبراء القانون . ج ـ مرقبة أداء الحكومة ككل ، وكل وزير فيها على حده عبر لجان المجلس المتخصصة د ـ مناقشة وإقرار الميزانية العامة للدولة و الحساب الختامي هـ ـ إقرار القوانين التي يراها ، أو تقترحها الحكومة ، بعد مناقشتها . و ـ إقرار الاتفاقيات الخارجية بعد مناقشتها . ثالثاً : الحكم الجمهوري الدستوري : الحكم المبني على أساس وجود ملك أو رئيس بصلاحيات شرفية ، و مجلس نواب الشعب المنتخب ، وهو السلطة التشريعية ، المالك لحق تشكيل الحكومة ، و المتولي ما يلي : أ ـ منح الثقة أو حجبها عن الحكومة ككل أو عن أي عضو فيها . ب ـ مراقبة مطابقة القوانين وتوفقها مع الدستور عبر لجنة دستورية خاصة يشكلها المجلس ، وبإمكانها الاستعانة بخبراء القانون . ج ـ مرقبة أداء الحكومة ككل ، وكل وزير فيها على حده عبر لجان المجلس المتخصصة د ـ مناقشة وإقرار الميزانية العامة للدولة و الحساب الختامي هـ ـ إقرار القوانين التي يراها ، أو تقترحها الحكومة ، بعد مناقشتها . و ـ إقرار الاتفاقيات الخارجية بعد مناقشتها . و تقوم الحكومة في كل النماذج بما يلي : أ ـ تصريف الشأن العام بما يتوافق مع المصلحة العامة الحاضرة والمستقبلة . ب ـ إدارة عملية التنمية و التطوير ج ـ ضمان الأمن العام والحريات د ـ فرض سيادة النظام والقانون . هـ ـ حماية الشعب والوطن 6) السلطة القضائية المنتخبة المستقلة النزيهة ، ويتم انتخاب قيادتها إما من قبل مجلس نواب الشعب أو من قبل أعضائها . 7 ) تطبيق الدستور والقانون والأحكام القضائية بصرامة ونزاهة ، و تتحمل مسؤولية ذلك بصورة رئيسية الحكومة مع الرئيس ، ويسميا معاً السلطة التنفيذية ، فهي تقوم بتنفيذ الدستور وتطبيقه و تنفيذ ما تقره السلطة التشريعية من قوانين وتشريعات وما تصدره السلطة القضائية من أحكام و إجراءات . 8 ) مرقبة أداء السلطة السياسية عبر نواب الشعب و وسائل الإعلام الحكومية وغير الحكومية . 9 ) الفصل بين السلطات الثلاث : التشريعية و القضائية والتنفيذية ، مع تحقيق التكامل بينها بما يضمن قيام كل منها بمسؤولياتها و أدوارها ضمن السلطة السياسية للدولة . 10 ) فصل المجال السياسي عن الديني ، بما يضمن عدم اهدار حق أي منهما في التكوين والنشاط ، وبما يضمن أن لا يعرض أحدهما الآخر للخطر والصراع والتقاتل .. اليمن ـ حضرموت ـ الأول من مايو 2014م