الأحد، 4 مايو 2014

بيان حركة التمدّن الديمقراطي العربية


بيان حركة التمدّن الديمقراطي العربية ( بيان التمدن الديمقراطي ) بقلم : مرعي حميد ـ مفكر وباحث ـ اليمن فكر تنموي عميق ، ذلك ما تحتاجه أمتنا العربية ، وهذا ما نقدمه لها على طبق من حب و وفاء . و تحتاج الحركة الثورية العربية ـ ككل حركة ثورية ـ إلى نظرية ثورية جامعة حتى لا تقع في براثن التنازع والفشل ، وهذا ما نقدمه اليوم بكل تواضع و إخلاص ، بعد مرور ثلاث سنوات ونصف السنة من انطلاقة الثورات الشبابية الشعبية العربية نعلن عن هذه الحركة السياسية ذات المنهج الفكري الجديد الذي يتواكب ويتناغم مع تطلعات الجماهير العربية صاحبة المصلحة والحق في إدارة سلطتها و ثروتها ، ولسنا أوصيا على هذه الجماهير وهي تعيش الرشد ، ولكننا الصدى المُعبر عن تطلعاتها والمنبثق من هويتها العربية الاسلامية بفكر يتجاوز حالات الصراع والخلاف المدمر على السلطة وعلى ثروات الامة . إنّ فكر حركة التمدّن الديمقراطي العربية هو حصيلة متكاملة لقراءة عميقة وجريئة في تراث الامة العربية الفكري وتاريخها السياسي قراءة رائدها تطلعات واحلام الامة العربية الجديرة أن تتحقق وتتجسد و إلى نهاية رحلة البشرية على هذا الكوكب ، فكر منفتح على الايجابي في نتاج الانسانية الفكري والمعرفي عبر العصور ، يرفض الانغلاق ويرحب بالتفاهم الحضاري ويدعو إليه على قاعدة المشترك الانساني و الاسهام الخلاق في حركة التمدن البشري عمارة للأرض وتحقيقاً لسعادة الانسان في أرجاء الارض و أصقاعها . وتتجسد حركة التمدن الديمقراطي العربية في أحزاب التمدن الديمقراطي التي تتأسس في الوطن العربي التي تُقدم نظرية سياسية تنموية ديمقراطية مُبدعة لواقع و تطلعات المجتمع العربي مع فرصة العمل الايجابي لتطبيقها ونشرها ، فكر سياسي وطني جديد غير مسبوق هو حصيلة قراءة متعمقة للواقع و فقه هو الأنضج والأشمل للإسلام ، رؤية عميقة وجريئة ومتفرّدة تذهب إلى الجوهر همها الانسان يسعد ، وتربية سياسية مُبدعة و وعي خلّاق بالعمل السياسي الحزبي والعام الفعال المثمر . حزب التمدن الديمقراطي ـ الذي هو واحد هذه الأحزاب المُجسدة لفكر حركة التمدن الديمقراطي العربية يتأسس بمنهج فلسفي اجتماعي سياسي ديمقراطي يعتمد الآلية العلمانية التي تعني فصل ما هو ديني عن ما هو سياسي و ما هو سياسي عن ما هو ديني . حزب بهوية إسلامية هي هوية الشعب ومنها يستمد قيمه . حزب سياسي وطني منضبط يسعى للتنمية وترسيخ النهج الديمقراطي وبما يتوافق وهوية المجتمع و قيمه . ذلك ما يحتاجه العرب اليوم على صعيد الحياة السياسية والحزبية والفكرية ، حزب يتوائم مع الحاجة غير القابلة لتأجيل تلبيتها استجابة لنداء التطور و الحرية والكرامة و التنمية ومواكبة العصر و الفهم الحق لرسالة الانسان ومهمته في الأرض و المساهمة في الإنجاز المادي للإنسانية وعمارة الأرض . إنّ هناك متغيرات و قناعات جديدة رسخها الربيع لعربي و مساره المتدفق و المخاض العسر للميلاد العربي الجديد لابد من مواكبتها وتحقيق الاستجابة الحية والإيجابية لها بما يكفل تحقيق مصلحة الوطن والإنسان في النمو والحرية والاستقرار والكرامة والشعور بقيمته ومكانته في الوطن . إنّ حالة الصراع الراهنة والمسيطرة على العقول و العواطف يجب تجاوزها إلى حالة التفاهم و القبول بالآخر الذي يُعلي مصلحة الوطن و يخدمه و يجتهد لتعزيز بنيانه وتحقيق تطلعاته و الآخر الذي يحترم انسانية الانسان وحقه في العيش بكرامة و نمو وتقدم . حزب ينبثق من صفوف الجماهير و يمثل الصدى الأمثل لتطلعاتهم و التعبير الكفؤ عن هويتهم و قيمهم الأصيلة . حزب يحمل الريادة في الحيلولة دون تدخل السياسي في الديني والديني في السياسي ، حزب يسمح للمسار الديمقراطي بالتدفق دون تهديد من بطش القوة أو بطش الفكر أو بطش المقدس . حزب تبشيري بفكر خصب رائده الإنسانية تسعد و تزدهر بعيدة عن أخطار نشوب الصراع المدمر المانع لمسار عمارة الأرض من التعزيز ومزيد المراكمة و الإنسان ان يعيش بحرية وكرامة . حزب يحقق الاستيعاب المطلوب للكفاءات و القدرات الوطنية البشرية والمادية ومن دون اعتبار لتوجه الإنسان صاحب الكفاءة والامانة وفي ظل الرقابة المؤسسية فالوطن ملك الجميع ومن حق الجميع الاسهام في تقدمه وخدمته وتطوره ويجب إزالة كل حاجز يحول دون ذلك . حزب يأخذ بافضل ما توصلت إليه الخبرة الانسانية على مستوى الفكر و الممارسة ويضيف لها و يمنحها المظهر و المخبر الجديد المتجدد . حزب يهتم بالمضمون لا بالمظاهر والشعارات والتسميات . حزب يجسد الممارسة الحزبية في أبهى صورة ملتزماً بالديمقراطية الداخلية و حرية إبداء الآراء مع حق الاستماع لها ومناقشتها لاستيعاب ما تقرره الجماعة الحزبية ، حزب يدعم إلى أقصى حد المبادرة الذاتية و الفكر المبدع الخلاق . حزب يعمل للدستور أن يسود و القانون أن يتم تطبيقه على الجميع الذين هم أمامه متساويين لا فرق بينهم إلا بمدى الإلتزام به و بروحيته . حزب يستحقه الوطن . حزب أقباس الوطنية له روح فذة متصاعدة العزم والتصميم للمساهمة الفاعلة في تحقيق تطلعات الوطن في الكرامة والعزة والنمو والفخار والوقار . حزب يمثل إضافة مهمة ومتميزة إلى الحياة الحزبية في اليمن وفي العالمين العربي والإسلامي ، إضافة تستند على منهج فكري وسياسي صلب ومتين ومتكامل و مشهود لنموذجه عالمياً بالنجاح . و ليس مجرد رقم مُضاف إلى عدد الأحزاب اليمنية . حزب هو جهد جماعي يمني شعبي مفتوح منذ البداية وعلى الدوام . حزب بلا سوابق ولا خلفيات مادية أو شخصانية أو تنظيمية تعوّق انطلاقته وتكون سبب في تشويه مساره ونضج ثمرته ، حزب يتكئ على منهجه النظري المتكامل و كسب المنتسبين إليه الأخلاقي والوطني ، وقدراتهم ومواهبهم . حزب يأخذ مساره الطبيعي من النمو ومن دون تشوهات ، يبدأ محدوداً فصغيراً ثم يأخذ يشب و يشتد عوده في مسار فكري سلمي ديمقراطي متين . إنّ طريق الألف ميل تبدأ بخطوة ، و أن الأهم في الألف خطوة هو الخطوة الأولى فلولاها لن تكون الثانية ولا الثالثة و لا الألف . و يتميّز حزاب التمدن الديمقراطي عن غيرها من الاحزاب والحركات بما يلي : 1) انطلاقته الفعلية من وسط الشعب معبراً عن تطلعاتهم 2) رؤية و نظرة عملية متكاملة تبتغي تحقيق افضل استيعاب للدين الاسلامي والسياسة في حياة الشعب 3) لا ارتباط تنظيمي مع أي جهة كانت ـ داخلية أو خارجية ـ عدا الهيئة المختصة بتأسيس الأحزاب في الدولة العربية المعنية ... 4) لا يوجد كبير بين أعضاء وقيادة الحزب فالكل داخله كبار لهم ولوجهات نظرهم حق التقدير والاحترام و التداول الموضوعي لما يطرحونه من وجهات نظر، والانتخاب لهيئات الحزب القيادية 5) ليس للحزب شيء يخسره فهو حر الحركة 6) التحزب الديمقراطي الجاد الحق 7) روحه الشبابية ( ربما لا يتجاوز سن أكبر اعضائه 49 سنة ) وربما يعتمد قانون فريد هو الاول من نوعه عالمياً ( قانون التقاعد الحزبي التنظيمي ببلوغ سن 50 سنة ) 8) وعي جديد حقيقي بالدين والحياة لمن ينتسبون الى صفوف الحزب عبر (التثقيف الحزبي ) . 9) النظرة الواعية الواقعية لقضايا الوطن والأمة 10) بناء علاقات إيجابية مع كل طرف داخلي او خارجي لا يعادي الوطن او الشعب او الهوية الاسلامية . حقيقة التمدّن المنشود : إنّ المدنية التي تنشدها حركة التمدن الديمقراطي العربية هي الحياة الانسانية الكريمة المتطورة المزدهرة المبدعة في سلام وأمان واطمئنان وخلو من نزعة التسلط السياسي و العداء والتقاتل وخلق الصراعات مع الآخرين ظلماً وعدواناً وشغفاً بالسيطرة والهيمنة ، المدنية القائمة على أساس المؤسسات والحقوق والواجبات المجتمعية والفردية. و التمدّن هو توجيه السلطة السياسية المنبثقة من الشعب للجهد العام في سبيل تطوير الوطن وتقدمه وازدهاره في كل الجوانب مع بقاء هامش للجانب العسكري يحفظ للامة حدودها وهيبتها و يضمن انفاذ قانونها في داخل ارضها . وهو ثقافة القبول بالآخر والتعاون معه والتنافس في خدمة مشروع البناء والتنمية والنهوض الوطني والانساني . وبناء الاوطان يصب في عمارة الارض وهي في حد ذاتها هدف مستقل خلق الله تعالى الناس وأسكنهم الارض للقيام به الى جانب عبادتهم لله تعالى وكجزء من التعبد حين يكون هدفه الغائي ارضاء الله عز وجل . والمدني هو الانسان الذي ينظر للآخرين ويقيم علاقاته معهم من منظور سلمي تعايشي تعاوني عادل يحمل لهم الخير والود فلا وجود في قاموسه للتعصب ولا للشر . و الحرية اساس في المدنية بموجبه يتاح للناس حرية الاعتقاد وحرية اختيار الحكام وحرية الابداع وحرية البحث العلمي والعمل الفكري ،وقد تم تأطير الحرية ضمن الديمقراطية التي تتضمن الحرية الفكرية والدينية والاقتصادية وغيرها مما لا يتعرض لمصلحة وحرية الاخرين افراد كانوا او مؤسسات او دول . إنّ الدين الإسلامي في بعده الاجتماعي هو دعوة للسعادة الدنيوية التي لا يتهددها تسلط ولا تخلف ولا ظلم ولا تعدي ولا تهديد . دعوة لمجتمع يجد افراده الفرصة المتساوية للإسهام في الإبداع والارتقاء والتقدم المجتمعي والتمتع بالكرامة الانسانية والحرية التي لا تتعرض لحرية الاخرين وحقهم في العيش الكريم دون قسر ولا اكراه ولا مخاوف . الدين الاسلامي دعوة الى الحياة المدنية والى الشورى في تقلد وممارسة السلطة السياسية ،وهو ثورة على الظلم والاستبداد والقهر والتخلف والحرمان ،وهو دعوة للتعارف والتآلف للتعاون على مهمات الحياة ،وللسلام الاجتماعي والدولي : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا . إن أكرمكم عند الله أتقاكم . إن الله عليم خبير } . . ((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ))، وهو دعوة بناءة لتحقيق العدل والمساوة والأمن والكرامة الانسانية والحرية الدافعة للإبداع وخلق مزيد فرص الازدهار المادي والمعنوي . قال ابن خلدون في مقدمته : (( السياسة المدنية هي تدبير المنزل أو المدينة بما يجب بمقتضى الاخلاق والحكمة ليحمل الجمهور على منهاج يكون فيه حفظ النوع وبقاؤه )) و جاء في قصة الحضارة للمؤرخ الأشهر ول ديورانت : (( فقد يكون للشعب مؤسسات اجتماعية منظمة، وتشريع خلقي رفيع، بل قد تزدهر فيه صغريات الفنون، كما هو الحال مع الهنود الأمريكيين، ومع ذلك فإنه إن ظلَّ في مرحلة الصيد البدائية، واعتمد في وجوده على ما عسى أن يصادفه من قنائص، فإنه يستحيل أن يتحول من الهمجية إلى المدنية تحولاً تاماً، قد تكون قبيلة البدو- كبدو بلاد العرب - على درجة نادرة من الفتوة والذكاء، وقد تبدي من ألوان الخُلق أسماها كالشجاعة والكرم والشيم، لكن ذكاءها بغير الحد الأدنى من الثقافة التي لا بد منها، وبغير اطراد موارد القوت، ستنفقه في مخاطر الصيد ومقتضيات )) ويقول : ((إن الثقافة لترتبط بالزراعة كما ترتبط المدنية بالمدينة، إن المدنية في وجه من وجوهها هي رقة المعاملة ، ورقة المعاملة هي ذلك الضرب من السلوك المهذب الذي هو في رأي أهل المدن- وهم الذين صاغوا حكمة المدنية- من خصائص المدينة وحدها ، ذلك لأنه تتجمع في المدينة- حقاً أو باطلاً- ما ينتجه الريف من ثراء ومن نوابغ العقول؛ وكذلك يعمل الاختراع وتعمل الصناعة على مضاعفة وسائل الراحة والترف والفراغ؛ وفي المدينة يتلاقى التجار حيث يتبادلون السلع والأفكار؛ وهاهنا حيث تتلاقى طرق التجارة فتتلاقح العقول، يُرهف الذكاء وتُستثار فيه قوته على الخَلق والإبداع، وكذلك في المدينة يُستغنى عن فئة من الناس فلا يُطلب إليهم صناعة الأشياء المادية، فتراهم يتوفرون على إنتاج العلم والفلسفة والأدب والفن؛ نعم إن المدنية تبدأ في كوخ الفلاح، لكنها لا تزدهر إلا في المدن.)) ويضيف : ((وما هذه العوامل المادية والبيولوجية إلا شروط لازمة لنشأة المدنية، لكن تلك العوامل نفسها لا تكوّن مدنية ولا تنشئها من عدم، إذ لا بد أن يضاف إليها العوامل النفسية الدقيقة، فلا بد أن يسود الناس نظام سياسي مهما يبلغ ذلك النظام من الضعف حداً يدنو به من الفوضى، كما كانت الحال في فلورنسة وروما أيام النهضة. ثم لا بد للناس أن يشعروا شيئاً فشيئاً أنه لا حاجة بهم إلى توقع الموت أو الضريبة عند كل منعطف في طريق حياتهم، ولا مندوحة كذلك عن وحدة لغوية إلى حد ما لتكون بين الناس وسيلة لتبادل الأفكار. ثم لا مندوحة أيضاً عن قانون خلقي يربط بينهم عن طريق الكنيسة أو الأسرة أو المدرسة أو غيرها، حتى تكون هناك في لعبة الحياة قاعدة يرعاها اللاعبون ويعترف بها حتى الخارجون عليها، وبهذا يطرد سلوك الناس بعض الشيء وينتظم، ويتخذ له هدفاً وحافزاً. وربما كان من الضروري كذلك أن يكون بين الناس بعض الاتفاق في العقائد الرئيسية وبعض الإيمان بما هو كائن وراء الطبيعة أو بما هو بمثابة المثل الأعلى المنشود، لأن ذلك يرفع الأخلاق من مرحلة توازن فيها بين نفع العمل وضرره إلى مرحلة الإخلاص للعمل ذاته، وهو كذلك يجعل حياتنا أشرف وأخصب على الرغم من قصر أمدها قبل أن يخطفها الموت.)) يقول "ج. هـ دينيسون" في كتابه "العواطف كأساس للحضارة :: : « ففي القرنين الخامس والسادس كان العالم المتمدين على شفا جرف هار من الفوضى . لأن العقائد التي كانت تعين على إقامة الحضارة كانت قد انهارت ، ولم يك ثم ما يعتد به مما يقوم مقامها . وكان يبدو إذ ذاك أن المدنية الكبرى التي تكلف بناؤها أربعة آلاف سنة ، مشرفة على التفكك والانحلال؛ وأن البشرية توشك أن ترجع ثانية إلى ما كانت عليه من الهمجية ، إذ القبائل تتحارب وتتناحر ، لا قانون ولا نظام . أما النظم التي خلقتها المسيحية فكانت تعمل على الفرقة والانهيار بدلاً من الاتحاد والنظام . وكانت المدنية ، كشجرة ضخمة متفرعة امتد ظلها إلى العالم كله ، واقفة تترنح وقد تسرب إليها العطب حتى اللباب . . وبين مظاهر هذا الفساد الشامل ولد الرجل الذي وحد العالم جميعه )) ويقول : (( بل تظل المرأة المسلمة بعد زواجها محتفظة باسمها واسم أسرتها ، وبكامل حقوقها المدنية؛ وبأهليتها في تحمل الالتزامات ، وإجراء مختلف العقود ، من بيع وشراء ورهن وهبة ووصية؛ وما إلى ذلك؛ ومحتفظة بحقها في التملك تملكاً مستقلاً عن غيرها . فللمرأة المتزوجة في الإسلام شخصيتها المدنية الكاملة ، وثروتها الخاصة المستقلة عن شخصية زوجها وثروته . ولا يجوز للزوج أن يأخذ شيئاً من مالها - قل ذلك أو كثر)) .. الديمقراطية حاجة و ضرورة : الديمقراطية هي اللغة التي تُمكن الشعوب من تحقيق تحقق حلمها في الكرامة والعدالة والتطور السياسي و التنموي باختلاف أديانها وعقائدها . وكل لغة سوى الديمقراطية التعددية الانتخابية الحرة هي لغة لا تربطها بالشعوب صلة ، وهي محاولة للحفاظ على الإستبداد أو استنباته مهما اختلفت لبوسه . إنّ كل شعب يتوق أن يختار من يثق فيه لكي يدير شئونه بما يخدم مصلحته كشعب ، ويحقق له ما يرجو من التقدم والتطور في ظل هويته وقيمه التي ترسخت لديه عبر القرون . واقع مرير تعيشه مجتمعات كثيرة ومتعددة ، واقع تتقاسمه المعاناة الاقتصادية و التخلف السياسي و تتناوشه كيد لا يتوقف ، سواء كان من داخلها أو خارجها . واقع هو وليد حكومات لا تمثل إرادة شعوبها ، وشعوب تعيش حالة من فقدان الوزن المعنوي والتأثير الإيجابي والإحباط وهي تنظر إلى شعوب العالم تحقق النمو المضطرد والازدهار الذي تحققه على شتى الصعد . تدرك امتلاكها الجمعي لإمكانيات النمو والعيش الأفضل ولكنها مُغيبة السلطة ، مُستلبة تحديد مسارها اللائق بها . ويمثل الربيع العربي بارقة أمل ديمقراطية في العالم العربي ، للخروج من واقعه المتخلف ، رغم محاولات الطغاة وإعلامهم إطفاء ومضة الأمل واخماد شعلة الثورة عبر توظيف الأموال وتسخير إعلامهم لتشويه هذا الربيع بشتى السبل و بمنطق لا يخلوا من افتضاح موقف صاحبه المناهض للربيع أن تستكمل زهوره تفتُحها فيجتذب شذى زهرها عبير أقحوانها مواطني عهد الاستضعاف إلى روحه فينتهجون نهجه المُخضب بالمعاناة والالم ولكنه لاختصار مسارها الطويل في رمضاء الشقاء المعنوي والمادي . وتتطلع قوى مجتمعاتنا الحية إلى أن تُسهم في استنقاذ مجتمعاتها من وهدة التعثر و بيداء الحرمان من التمتع بكرامتها و امكانياتها في حين تستأثر الطبقة الحاكمة المستبدة بثروات الوطن تبددها وفق رغباتها وقناعاتها المغرقة في الشخصنة وتتوارث فيها الحكم . كم تنشد شعوبنا وأمتنا المخرج من هذا الواقع الاستبدادي البأس والحال المتدهور المنكود ، وأمامها ، تُلهمها ، تجربة شعوب حققت كرامتها و نالت ما ترجوه من ازدهار وتقدم بعيدة عن حال تغييب إرادتها وهي ليست بأفضل من شعوبنا في الامكانيات المادية اللازمة لتحقيق النهوض . وبنظرة منصفة يتبين لنا أنّ بنية النظام الحاكم في المشهد العالمي هي تتحمل وزر التخلف أو تتشرف بفضيلة صناعة المجد الوطني ، إما لاستبدادها وفسادها في حال التخلف كما هو سائد في الوطن العربي ، أو لديمقراطيتها وصلاحها في حال مجدها ، وبالتالي فإن الديمقراطية هي الكلمة المفتاحية للنهوض والتقدم . إنّ واقعنا الفكري والسياسي يضم عدد من التيارات المتنوعة حتى في داخلها ، وكلها تبغي الوصول الى السلطة ، وهي تتحدث عن تطلعها للمضي بالشعب نحو الازدهار على جميع الأصعدة وبما يتوافق والهوية الوطنية أو الإسهام في هذا الشرف ، وليس خيار حقيقي ماثل أمام الجميع لتحقيق التطلعات الإنسانية لمجتمعاتنا كالديمقراطية . ألسنا نستورد منتجات الفكر والمعرفة في الغرب في مجالات الطب والتكنولوجيا والعلوم الطبيعية وحتى الرياضة ، أولسنا كذلك قد استوردنا أنماط من المدنية تتصادم مع قيمنا ، أوليس الأجدر استيراد سر هذا التقدم ، أوليست الديمقراطية أولى بأن نستوردها و نستنبتها ؟؟!، بلى ومن دون تأخير أو تسويف ، وإما أن يكون ذلك باستجابة الطبقة الحاكمة أو بإرادة الشعب التواق إلى أن يعيش كرامته وحاضره المزدهر في وطن يتوفر لقادم أجياله أن يعيشوا بكرامة وإباء وعزة قعساء ونمو وازدهار بعيداً عن خطر استبداد الحكم وفساده بل ومجازره وعربدته كما شاهدناها في ليبيا ونشاهدها في سورية وفي دول خليجية . حقيقة الديمقراطية : الديمقراطية فكرة إنسانية عادلة لإدارة صادقة وناضجة لشؤون المجتمع والدولة بتطبيقها يسند الناس أمر إدارة ثروتهم وسلطتهم السياسية لصالحهم إلى من يختارونهم بحرية تامة وبصورة دورية منضبطة عبر الانتخاب الحر والنزيه الذي يصون الإرادة الشعبية و يوفر لها المناخ الأنسب لتتجسد و تتفعل . والديمقراطية في حد ذاتها ليست ايدلوجية ولا منهج فكري ، إنما وسيلة مثالية لتنظيم الممارسة السياسية في شمولها و تنوعها وتكاملها ، من تنظيم وصول الى الحكم لإدارته بما يحقق مصلحة من تم انتخابهم و مراقبة سلوك الحكم و الاحتجاج عليه في حال سوء التصرف ، و العمل من أجل اقالتهم إن اقتضى الأمر وبالوسيلة التي يحددها الدستور ، وسيلة يتمكن الشعب من خلالها أن يجدد الثقة في من احسنوا التصرف خلال وجودهم في السلطة ، و أن يحجب الثقة عن من أساءوا و فرطوا ، الديمقراطية أداة تأديب وتربية في يد الجمهور للقوى السياسية مجتمعة كل بحسبها ، و وسيلة تدفع تلك القوى للمثابرة والتنافس البناء الخلاق في النضال من أجل تحقيق تطلعات المجتمع ومزيدها ، و سواء كانوا في السلطة أو المعارضة ، فإن كانوا في السلطة سخروا طاقاتهم و امكانيات الوطن و متاحاته و جهدوا لخلق مزيد المتاح ليصب كل هذا لمصلحة الشعب بحق وحقيقة لا زيفاً و اختصاراً للوطن في شخوصها وتنظيماتها ، وإن كانوا في المعارضة يزيدون وعي الجماهير و يمتنون حضورهم وسط الجماهير، و يلتزمون بأن تكون معارضتهم بنائه لا هدامة ، فيؤيدون ما يصب في مصلحة الشعب و يعارضون خلافه ، كما يلتزمون بعدم الإضرار بمصالح الشعب لأجل مصالحهم كقوى سياسية أو فكرية لم توصلها الديمقراطية إلى سدة الحكم ، فليس من الديمقراطية الإضرار بمصلحة الوطن تحت لافتة الحق في المعارضة الديمقراطية عبر التظاهر ، إنّه يُصبح في الواقع اعتراض على الديمقراطية وضيق بها ، لا انسجام معها ، بل وتهديد لها كآلية أنجع و أكفاء لتنظيم الممارسة السياسية ، في حين أنه لا يتعارض مع الديمقراطية توجيه الفعل السلطوي السياسي لمنع الإضرار بمصلحة الوطن وانتهاك إرادة الجماهير ، فالشعب حين ينتخب فإنه يعطي حق ممارسة السلطة السياسية بما تعنيه من قوة وفق دستور البلد وقوانينه العادلة . الديمقراطية منهجية تخدم المجتمع أولاً وتخدم نخبه ثانياً ، وتحول دون وقوع المجتمع والنخبة في آتون الصراع العنيف وربما الدمار من أجل السلطة وصولاً إليها أو محافظة عليها . إنّ الديمقراطية هي المدخل اللازم والكافي لضمان مستقبل مزدهر لشعوب الأرض ، و لمراكمة انجازها الحاضر ولمداواة جراحاتها وحل مشاكلها على الأصعدة التنموية والسياسية والاجتماعية ، المهم تبنيها بصدق ومصداقية ، وبغض النظر عن هوية المجتمع الدينية والفكرية والقيمية . يتحدث عن الديمقراطية الرأسماليون والليبراليون ، والشيوعيون الماركسيون يتحدثون عن (الديمقراطية الشعبية) وعن ( المركزية الديمقراطية) وهم في الواقع منبتي الصلة بالديمقراطية ، والإسلاميون يتحدثون عن الشورى ويختلفون فيها ملزمة هي أم معلمة ، وفي التنظيم العربي للحكم هناك (أهل الحل والعقد) وهو مفهوم كان صالحاً وممكناً في زمنه ، أما اليوم فلا ، إلا باعتبار المجالس المنتخبة ديمقراطياً هي مجالس أهل الحل والعقد ، فقد أصبحت الديمقراطية هي الخيار الذي يراعي الواقع ويتناغم مع التباين في الميول الفكرية لأفراد المجتمع وبالإمكان ان تتوافق عليه القوى السياسية بتنوعها وبتفاوت وجهات النظر بينها بخلاف مسمى أهل الحل والعقد الذين يختارهم الحاكم في التجربة السياسية العربية . وأصبح مجلس نواب الشعب المنتخب من قبل الناخبين بحرية ونزاهة ومجموعة المستشارين هي البديل العصري الملائم لأهل الحل والعقد وبحسب اختيارات صاحب السلطة لمستشاريه ومن دون نصوص مقدسة تنفي أو تثبت وتقونن صلاحياتهم . وينبغي أن ندرك أنّ الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها . وحينما يأتي الديمقراطيون إلى سدة الحكم فعليهم أن يراعو قيم المجتمع الأصيلة الدينية والخلقية أولاً لا أن يشنزن عليها الحرب ،إنه انتخبهم ليحكموا بما يتوافق ومصلحته وأولها الحفاظ على هويته الدينية والقيمية وتعزيزها ومعها إحداث التنمية بقدر ما تهيئها امكانيات الوطن وبصدق ورشد وترشيد مع استفراغ الطاقة في خلق مزيدها . إنّ من يتحدث عن (نماذج ديمقراطية) كانت وبال على شعبها أو شعوب أخرى ، إنما هو يخلط بين الديمقراطية كمنتج وحيد لا يتعدد وايدلوجية أو فكر اولئك الذين فسدوا وربما أجرموا بحق شعوبهم أو شعوب أخرى ، إنهم وصلوا إلى السلطة ديمقراطياً ، ولم يكن العيب في الديمقراطية أنها أوصلتهم ، ولكن العيب في فكرهم وأيدولوجيتهم التي جعلتهم يقدمون على الإساءة أو التقصير أو تشجيع الانحراف عن جادة الصواب أو حتى الإجرام . يقول البعض أنّ جهل الجماهير هو الذي أوصلهم عبر الآلية الديمقراطية ، وهنا نقول أنه أولاً يقر أنّ الديمقراطية في حد ذاتها لا عيب فيها ، وثانياً نتساءل : ولما لم توصل الجماهير (بغبائها )غيرهم إلى السلطة ، حقاً إنّ الجماهير ليست غبية ، وإنما استطاع طرف سياسي أن يكسب تأييدها ولو كان بدفع الأموال ، والحل هو مزيد من الديمقراطية لأن الجماهير هنا ستتلقى درس في الديمقراطية يجعلها في المرة القادمة تُحسن في الإختيار ولا تنساق لاختيار من يدفع لها ثم يسيئ السلوك والتصرف ، وفي الأخير فإنّ الأغلبية هي من تحدد مصير نفسها ومصير الوطن عموماً لجهة النجاح أو الإخفاق ، فهل نلجأ لغير الديمقراطية وسيلة لتفادي الإخفاق ؟ إننا حينها إنما ندفع بالوطن إلى المجهول في الحاضر والمستقبل . ليس للديمقراطية شروط ينبغي أن تتوفر أولاً لتتم ممارستها وتبنيها كآلية لتولي السلطة السياسية ، إنّ الديمقراطية تفرض نفسها بإرادة الجماهير الحرة الراغبة في أن تختار لنفسها و لوطنها و لو بأقل نسبة من الوعي بها وهي التي توفر الفرصة لنفسها من بعد وباستمرار ليحصل المجتمع على أروع تجلي ومنسوب منها . من يزعم أنّ هناك شروط للديمقراطية ، إنما هو خائف منها أو من نتيجتها : إما لإدراكه المسبق أنها لن توصله للسلطة وبالتالي يرغب في وسيلة غير الديمقراطية تضمن له ذلك ، أو أنه يمتلك فرصة أقل من غيره من القوى السياسية في الوصول إلى السلطة . في الواقع يريد أن يفرض نفسه على المجتمع ، أو أن يحول دون وصول خصمه عبرها إلى السلطة . الديمقراطية فكرة عادلة وتتحالف مع العادلين في تكوينها ونموها و تمنحهم شرف إنساني لا يُضاهى ، إنه شرف منح الإنسان حقه في أن يكون سيداً على وطنه ، فيما تنزع عن من لا يكون صادقاً معها كفكرة إنسانية عادلة وحاجة إنسانية لا غنى عنها كل معاني النبل ، وتصمه بكل النقائص مهما حاول أن يظهر للناس بالفضائل بخطابه العالي وادعائه العريض . إنّ الديمقراطية كفكرة عادلة تعني قانون عادل للانتخاب نتاج للفكر والنقاش المنصف والمتبصر بوعي لجوهر الديمقراطية ، فكر يتوخى الديمقراطية أن يجني الشعب ثمرتها العذبة وجناها المستطاب ، فكر يتجرد من مصلحة الذات و يكتسي مصلحة الوطن العليا أن يتقدم ويزدهر به أو بغيره ، فكرة يتم استنباط قواعدها العادلة كذلك من الخبرة الإنسانية الديمقراطية المتقدمة ، إنّه من المهم والضروري أن تخوض القوى المتنافسة الانتخابات في ظل فرص عامة متساوية و بقدراتها وشعبيتها من دون أي توظيف لأي ممكنات عقلاً لا منطقاً ولا مشروعية لصالحها وخاصة ما يتعلق منها بإمكانيات الدولة من مال وإعلام وجيش وأمن و وظيفة عامة ، وينبغي أن يتم تأكيد هذا الأمر في قانون الانتخاب ودستور الدولة ، واعتبار تجاوز ذلك طعن بنيوي في شرعية أي سلطة تتأسس اعتماداً عليه أو استفادة من ممكناته ، يصل اقتراف هذا التجاوز بصاحبه إلى الحل والمنع من حق خوض المعترك الديمقراطي العادل و التغريم بما يمنع من تكرار هذا الجرم الديمقراطي الشنيع . الديمقراطية تعني حرية في التعبير معتمدة على امكانيات القوى السياسية الذاتية والراغبين في خوض غمار الديمقراطية ، حرية في التعبير بوسائلها المختلفة كالمطبوعات و الإذاعات والتلفزة والمهرجانات والتجمعات الديمقراطية وبما في ذلك حق تشكيل الأحزاب و التحالفات السياسية ، حرية تتفق مع ثوابت الوطن وقيمه ، حرية لا تنال من حرية الآخرين ولا من كرامتهم الإنسانية ، وتعني الديمقراطية في صورتها المبتغاة قدرة على التقاضي أمام قضاء عادل ونزيه ، وتعني الديمقراطية أن تترفع القوى المتنافسة عن تلويث ذمة الشعب وأخلاق المجتمع . وتتكفل الديمقراطية بتطوير آلياتها وتجاوز قصورها بنفسها وبمزيدها . إنه لا يغني عن الديمقراطية حكماً مستبداً مهما كان نزيهاً وكفؤاً و بعيداً عن مستنقع الفساد المالي والإداري ومهما كان صادقاً ومخلصاً للشعب وللوطن . أفضل ما يقدمه للوطن حكماً كذاك الحكم أن يتجه بالوطن وعلى الفور إلى جنات الديمقراطية ، إنّه مهما كان الحكم المستبد مخلصاً وصادقاً وكفؤاً إلا أنه بدون ديمقراطية فإن الوطن قد يسقط في براثن حاكم منه فاسد وغير صادق مع وطنه و لا نزيه ، إنّه لا يضمن للوطن الحكم العادل والصادق والكفؤ إلا الديمقراطية الحقيقة ، هي الضمانة المرحلية والاستراتيجية في آن للشعب أن يعيش بكرامة و عدالة وتنمية وتقدم وبما تؤهله له مقدراته المادية والبشرية والمعنوية مع استغلال وصنع فرص مزيدها من قبل من يوليهم ثقته ويضع في أعناقهم أمانة إدارة شئونه . الديمقراطية والحرية : الحرية مفهوم واسع ، ويتضمن أبعاد تتصل بالعقائد والأخلاق والسياسة والاقتصاد والاجتماع و الثقافة وغيرها ، وتختلف المجتمعات و الحكومات والتيارات الفكرية والأيدولوجية في مقدار ما تأخذ به منه وما تسمح ،وذلك في إطار قيمها ومبادئها الناظمة لمنهجها النظري ومسارها العملي . والديمقراطية تعني الحرية باعتبارها اتاحة الفرصة ذاتها لجميع التيارات السياسية والفكرية لتشكيل أحزابها وتنظيماتها والعمل على بث رسالتها للجمهور بحسب جهدها المشروع ، وبقدر فتح المجال لها وبدون تمييز في الفرص للتنافس على ثقة المواطن في الموسم الانتخابي خاصة وقبله وبعده عامة ، وكذلك فتح المجال للمواطن لتحديد خياره السياسي واختياره الفكري الأيد لوجي ، وذلك ميدان للسباق ولا مجال فيه للكسالى والعاجزين والمنتظرين نجاحاً بدون ثمنه , و لذة بدون بذل قيمتها ، تعب وسهر وحرص على مصلحة المجموع ، إنّ الديمقراطية وعد بتحقيق تطلع الجماعة السياسية الوطنية ضمن تطلع الجماعة الوطنية بدون الغاء لتطلع الأخيرة ولا انتقاص ، ولكنه الوعد الذي لا يتأتى بدون التبصر والجهد , والكفاح والعطاء لا الأخذ ، التضحية من أجل المجموع لا التضحية به على مذبح معبد الذات الطامعة المتضخمة . الديمقراطية والإسلام : الديمقراطية بكل تلك المعاني والمضامين هي الطريقة التي تتوافق مع مبادئ الإسلام ومع الشورى كمبدأ إسلامي أصيل بشكل خاص ، إنها الشورى كما انضجتها التجربة الإنسانية على مدار تاريخ البشرية الطويل وليس بوسع حصيف الحكمة ضالته إلا أن يتوصل إلى هذه النتيجة : الديمقراطية بنسختها كاملة النضج والتنقيح . لقد نادى الإسلام إلى إعمال مبدأ الشورى في الأمر العام (الحكم تحديداً ) وهو يتضمن اختيار المجتمع المسلم للحاكم واستشارته لهم في أمور الحكم ، وما حدث هو التغلب على الحكم بالقوة الباطشة بدءاً من أوّل الحكام الأمويين معاوية بن ابي سفيان ، ومن ثم أصبح جهد الحاكم وتركيزه منصباً على ضمان بقاء الحكم في قبضته إلى درجة أن يختار من يخلفه في السلطة السياسية ليسير على ذات النهج ، وقد ولد هذا النمط من الحكم الصراعات والأحقاد والتقاسم والتطاحن ، ولو كان الأمر شورى لسلم المسلمون من ذلك الشر المستمر خطره والمنتشر شررة والمستعرة نيرانه في جسد الأمة المسلمة مما يبقيها في ذيل الأمم ، لقد كانت الإشارة القرآنية واضحة في أنّ اختيار الحاكم هي للأمة مجتمعة ، وكان بإمكان قادة الرأي و أهل الحكمة استنباط النظام الانتخابي عبر صناديق الانتخاب لو أنّ حبل الممارسة الحاكمة الباطشة المستبدة لم يلتف ويخنق أي تفكير وتطوير لآلية الشورى الانتخابية . وقد كلف ، ولايزال ، هذا النوع العقيم من الحكم و التسلّط على الفكر ما لا يحصى من القتلى والجرحى و الأموال الطائلة والطائلة جداً وتعيين غير ذوي الكفاءة في مناصب أساءوا فيها ولها وبها ومنعوا من هم الأصلح لشغلها ، فقد كان معيار التولي الولاء المطلق للحاكم الفرد المستبد وحاشيته . وحتى بعد تعرّف العرب على الديمقراطية الانتخابية التي ابتكرها العقل الأوروبي استجابة لدواعي التقدم والازدهار والخلاص من شر الحروب والدماء والدمار ، رغم تعرّف العرب إلا أنّ حكامهم راوغوا عنها و سخروا علماء الدين في تحريم وتظليل ورفض الديمقراطية واعتبارها دخيلة وانها من انتاج المستعمر، و أضافوا في مراوغتهم : لدينا نظام الشورى الإسلامي ، ناسين أنهم لم يكونوا قط أمناء لهذا المبدأ بل كانوا فقط حريصين بكل جشع وأنانية مطلقة على الاستحواذ على الحكم ومن ورائه الثروة والهيلمان وفرض العسف والطغيان والإقصاء وبث الفرقة و بذل الجهود في تقديس الذات ونسب كل دنس للآخر . وللأسف ، وربما بحسن نية ، شارك في الترويج لرفض الديمقراطية أعداد مهمة من العلماء و الدعاة المعتبرين بالرغم من أنهم غير خاضعين لأي حاكم ، إنما هو اجتهاد منهم ، ولا زال البعض مُصمم عليه . إنّ كل من يبغي الوصول إلى السلطة أو يحافظ عليها لينفذ أجندته و وجهة نظره في تطوير وطنه عليه أن يتبنى الديمقراطية وسيلة وحيدة لتحقيق هذا الغرض ، ومن يختار غير ذلك من سبيل فإنه يسير بنفسه و يتجه بوطنه في طريق خاطئ . الإسلام دين العزة والكرامة والشرف للإنسانية ، وهو في جانب رئيسي أصيل منه هو ثورة على الظلم والظلام الاستبداد والمستبدون ، الطغاة والطغيان . والديمقراطية التي لا تقبل التجزئة والانتقائية هي سلاح الشعوب في العصر الحديث لاجتثاث الإستبداد والطغيان ، و هي تعني (( حكم الشعب )) وقد وصف الرئيس الأمريكي أبراهام لِنْكُولن مثل ذلك الحكم بأنه حكم الشعب بالشعب وللشعب. وكل شعب يختار الحكم الذي يتناغم وقيمه وأخلاقياته ومعتقداته . وبحسب الموسوعة العربية العالمية فان خصائص الديمقراطية تختلف (( من بلد إلى آخر، غير أن هناك مظاهر أساسية، متشابهة إلى حد ما، في كل الدول الديمقراطية . الانتخابات الحرة . وهي تعطي الناس فرصة اختيار قادتهم ، والتعبير عن وجهات نظرهم في المسائل المهمة . وتجري الانتخابات عادة على فترات للتأكد من أن الحكومات التي تدير شؤون البلاد ، سواء كانت قومية أو محلية ، تمثل اختيار الناس فعلاً . ذلك أن احتمال خروج الحكومة من السلطة بالاقتراع يبعث على الاطمئنان إلى أن أولئك الذين سبق أن انتخبوا في مناصب يولون الرأي العام اهتمامهم .)) وتقول الموسوعة : ((في كل الدول الديمقراطية ، يخضع المسئولون الحكوميون للقانون . وهم مسئولون لدى الشعب . وتساعد وسائل الإعلام المسؤولين على تحسس اتجاهات الرأي العام .)) فهل في هذه المعالم والقسمات للديمقراطية ما يختلف عن تعاليم الإسلام ، كلا، بل إنها تتناغم مع مقاصد الشريعة الإسلامية . و قد اخذ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بمشورة الصحابي سلمان الفارسي حين أشار عليه بحفر خندق حول المدينة المنورة لصد العدوان العسكري لقريش وحلفائها وقد اخذ الرسول الكريم بمشورته وكان لها دورها الكبير في صد العدوان ، وهي فكرة فارسية لا عربية ولا اسلامية ، و الحكمة دائماً وأبداً ضالة يبحث عنها أصحاب العقول المُستنيرة المُنفتحة على الخبرة الإنسانية أنى وجدوها فهم أحق الناس بها ، هم لها أهل ونعم الأهل . ويقول الإمام حسن البنّا : ((الإسلام يدعو إلى أن نأخذ من كل شيء أحسنه ، وينادي بأن الحكمة ضالة المؤمن أنىّ وجدها فهو أحق الناس بها ، ولا يمنع من أن تقتبس الأمة الإسلامية الخير من أي مكان ، فليس هناك ما يمنع من أن ننقل كل ما هو نافع مفيد عن غيرنا مفيد ونطبقه وفق قواعد ديننا ونظام حياتنا وحاجات شعبنا .)) وقال رحمه الله في الأصل الثامن عشر من الأصول العشرين ((والإسلام يحرر العقل , ويحث على النظر في الكون , ويرفع قدر العلم والعلماء , ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء ، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها .)) وقد قال لسان الدين الخطيب في احد خطبه ((اعلموا رحمكم الله أن الحكمة ضالة المؤمن يأخذها من الأقوال والأحوال ومن الجماد والحيوان وما أملاه الملوان فإن الحق نور لا يضره أن صدر من الخامل ولا يقصر بمحموله احتقار الحامل )) نرحب بمنتجات الآخرين المادية المحايدة ونتمنى أن نكون نحن منتجين لمثلها ، فنعزز اقتصادنا ونحقق قدر من الاكتفاء و الفخار ، وقد نذهب نفتش ونرصد في سر هذه الصناعة أو تلك ، هذه الشركة الصناعية أو تلك ، ونزداد دهشة بما نعرف ، ولكنا نغفل عن المنظومة التي يقع في اطارها هذا الفخار ، المنظومة لتي هيئت له ان يكون ويتطور ، المنظومة الديمقراطية . و إننا مثلما نرحب بمنتجات الآخرين المادية المحايدة فعلينا أن نرحب بمنتجاتهم الفكرية المحايدة كذلك وفي طليعتها الديمقراطية كاملة الدسم بمؤسساتها وهياكلها ، إنّ علينا أن لا ننظر إلى مظاهر تقدم الآخرين المادية فحسب ولكن علينا إن كنا حريصين حقاً على أن يكون لدينا من التقدم ما يُسعد و يرضي شعوبنا كما سعدت و رضيت شعوبهم أن ننظر ونتفحص الأسباب المعنوية والسياسية التي اعتمد عليها ذلك التقدم ، وهي لن تكون حكراً على أحد ولا ممنوعة عن أحد طالما وجدت الارادة الوطنية الشعبية والسلطوية . انها متاحة لكل أحد يأخذ بها ويبذل أسبابها . إنّ الفطن من الناس من لا يتردد في أن يأخذ الحكمة التي قد يجدها لدى الآخرين ويعمل وفقها . إننا إذا ذهبنا نعمل لنطور أوطاننا وننميها كالآخرين دون أن نأخذ بالجوهر الذي مكنهم من ذلك فكأنما نسعى إلى قيادة سفننا على متن اليابسة ، بل ونكون غير جادين في زعمنا . إنّ سر التقدم لا يكمن في تنحية الدين ولكن يكمن في إعلاء مصالح المحكومين على مصالح الحكام واعتبار أنّ الثانية تندرج في الأولى ، فمصالح الحكام تُقضى بعد أن يشبع الشعب نهمته ، ونحن لدينا مصالح الحكام مقدمة على مصالح المحكومين ، ومصالح المحكومين تُقضى بعد مصالح الحكام إن بقي لها متسع ، وعلى هذا فإن الديمقراطية مؤسسة تعمل من أجل الشعب ، والتسلطية مؤسسة تعمل لصالح الحكام ، كل شيء يبذلونه من أجل الحفاظ على التسلط ، وأما المؤسسة الديمقراطية فإنها تحول الحكام إلى متبتلين مخلصين في محراب الشعب فلا يموت الشعب من أجل الزعيم !! ولكن يموت الزعيم من أجل الشعب ، ولا يأتي الشعب إلى الساحات وينصرف من أجل سواد عيون الزعيم ، ولكن يأتي الزعيم إلى قصر الحكم ويذهب من أجل سواد عيون الشعب ، يأتي ان أحسن للشعب أو أساء سابقيه في الحكم التصرف فيأتي ليعوّض الشعب لتقر أعين الشعب ويبقى الزعيم زعيماً مادامت مصالح الشعب محققة لا ممحوقة . لا يكفي الشعب أن يعيش في القرن الواحد والعشرين في بحبوحة من العيش الرغد ، كلا ، لقد حل زمن بناء الديمقراطية ، لقد اكتشفت الشعوب المحرومة من الديمقراطية مزاياها الفائقة التأثير المادي والمعنوي ، وشعوبنا متلهفة لتطبيقها بحذافيرها ، لقد سئمت وضاقت ذرعاً بالحكم الفردي أو العائلي المتخلف أو الجمهوري المزيف ، فإما أن يذهب الحاكمون بالشعب إلى الديمقراطية الكاملة الدسم بما تعنيه من كرامة وحكم للقانون وصيانة للمال العام للصالح العام وتعددية سياسية وحزبية ؛ وإما أن تذهب الشعوب بنفسها وترمي أعداء الديمقراطية وغرمائها خلفها مهما كلفها ذلك من ثمن . لا شيء يضمن للشعوب مستقبل دائم الكرامة والعدالة والتنمية كالديمقراطية ، بل هي الضمانة الحقيقية ، وما عداها أماني ليس لها معنى ، ولا موقع لها من التفكير الاستراتيجي والنظرة الثاقبة في أعماق الغد التي تحتاط و تأخذ بأسواء الاحتمالات كما تأخذ بأحسنها . الديمقراطية جهاز فعّال ، يعمل من تلقاء نفسه لصالح بناء الشعوب الحرة والدول المؤسساتية ، لكن يحدث ذلك فقط لمن يختار اقتناءه ويُجيد استخدامه دون تعطيل أي من وظائفه ، وهو في حالات كثيرة غير موجود في شعوب استمرأت الطغيان و اختار حكامها أن يكون الوطن وبنيه خُداما لسياداتهم وسموهم و معاليهم ، حكام لسان حالهم وفعالهم ( نبقى ويشقى الشعب ) ، بل يذهبون بعيداً وبعيداً جداً في سبيل توطيد حكمهم و وتأبيد وجودهم في السلطة ونقلها إلى أبناءهم ، وهذا يعني ببساطة تسخير المزيد من المال العام وأبناء الوطن و مكتسبات الوطن والمواطنين لبناء هرم البقاء وتمتينه ، ويصبح الوطن إقطاعية مُستباحة للزعيم و طغمته ، ومع ذلك قد يذهب بعض أولئك الحكام للزعم والمغالاة في الزعم من أنّ لديهم ديمقراطية و أنهم قد وصلوا إلى سدة السلطة عبر الآلية الديمقراطية ، وهم في الواقع يتبنونها لأنها مهندسة لصالحهم ، أما أن تكون خلاف ذلك فهم لها نعم العدو الشرس ، وقد يضحون بأوطانهم وبني وطنهم للحيلولة دونها ، ليصير لسان الحال والفعال حينها دموياً بربرياً ( نبقى ويفنى الشعب ) ، إنّ الديمقراطية هي المانع و العاصم من هذا التغوّل وهذه البربرية , إنها ضرورة إنسانية و فريضة وطنية . العرب و الديمقراطية : في الواقع العربي ثلاثة مواقف تجاه الديمقراطية : الأول : حكام لا زالوا مستمسكين باستبدادهم تحت مسمى الحكم الملكي المتخلف الذي عفى عليه الزمن ، الحكم الذي يعطي فرد أو مجموعة أفراد حرية التحكم في مصير شعب بأكمله ، مجموعة افراد (يتفضلون) على الشعب من ثرواته ومقدراته ، و يزيد منهم (التفضل) كلما شعروا أن الشعب بدا يفيق ليسترد كامل ثروته ويأخذها من ايديهم . وهذا النوع من الحكام في طريقهم للانقراض في زمن الثورات . الثاني : قوى غير حاكمة قبل زمن الديمقراطية الذي حل ، آمنت بالديمقراطية وقبلت بها كخيار واخذت تتعامل بها فعلياً . الثالث : قوى ونخب تقبل بالديمقراطية ما كانت نتيجتها في مصلحتها فإذا كان غير ذلك خرجت تواجه الحاكم المنتخب بأعمال العنف والتخريب والإحراق والدمار معتبرة ذلك منها عمل معارض وفي الواقع فإن المعارضة ما لم تكن بنائه فأنها لا تستحق الاحترام ولا المهادنة معها ، وتصبح تهديد حقيقي للديمقراطية ذاتها . و الأولى بهذه النخب أن توسع قاعدتها الجماهيرية للموسم الانتخابي القادم ، أما محاولة فرض إرادتها ونرجسيتها واستبدادها برأيها فإنما يهدد الديمقراطية الوليدة ، إنها تُشهر افلاسها المبكر في دعوتها إلى الدولة المدنية التي تعتبر الديمقراطية ملمحها الأبرز . إنّ ضخ أموال النفط ، الذي هو حق الشعب المعني ، في أوردة النخب الغريبة بتفكيرها و منهجيتها على قيم شعوبنا لن يجدي ، و إنّ محاولة اظهار المشهد الدموي الخرائبي في الأوطان التي أخذت تنهج الديمقراطية كوسيلة وحيدة للوصول إلى الحكم والخروج منه بحق وحقيقة باعتبار أنّ الشعب لن يجني من الديمقراطية إلا هذا ، إنّ هذه طريقة بائسة و مكشوفة وخاطئة في التفكير والتعامل و لن تقوى على افشال الخيار الديمقراطي بل ستضيف أرصدة قوة جماهيرية ومشروعية للديمقراطيين و تُظهر إلى أي حد يذهب أدعياء الديمقراطية وهم يوغلون في التجارة بالديمقراطية ودعاوى المجتمع المدني التي يتشدقون بها ويروجون لها كسمة يتمتعون بها يفتقدها الآخرون ـ كما يروجون هم ـ الذين اثبتت التجربة انهم هم حقاً أهلها والمدافعون عن عرينها أن يجتاحه ذوو العاهات و التشوهات في الفكر والممارسة . الرابع : تيارات إسلامية وهيئات لا تزال تعيش زمن ما قبل الديمقراطية ، قوى تتخشب عند مواقفها الرافضة للخيار الديمقراطي لصالح خيارات لا تصمد ولم تعد صالحة لئن تحكم الشعوب بواسطتها . إنّه من حق الحاكم أن يكون له مستشاريه أياً كانت وسيلة وصوله إلى السلطة وهذا ما يقتضيه الواقع و لكن كل يختار وفق توجهه وبما يخدم مصلحة الشعب . العلمانية حاجة ديمقراطية : مسار طويل متدفق للبشرية تمضي فيه نحو التقدم والازدهار على هذه المعمورة في ربوعه و أحضانه . لقد تمكنت شعوب عديدة من إحراز القدر الكبير المُرضي لطموحاتها من الكرامة والحرية والشرف والعيش الكريم والسيادة على أرضها ، ناضلت وكافحت وقدمت التضحيات حتى تمكنت من حكم نفسها وإدارة ثرواتها بصورة عادلة و راشدة توفر لها حاضر طيب وتضمن لها ولأجيالها القادمة المزيد من التحكم والتقدم . إنّ الديمقراطية العلمانية هي الطريقة العادلة في الحكم التي تضمن للشعب التحكم في سلطته وثروته وإدارتها بكفاءة ورشد بعيداً عن الإقصاء والتهميش والقمع لأفراده بسبب انتماءاتهم واختياراتهم الفكرية وبما يوفر الشروط الأساسية للاستفادة المجتمعية من قدراتهم وممكناتهم في عملية التنمية والتقدم . لا يخلو مجتمع انساني ، ولا دولة ، من وجود التنوع في التوجهات والمشارب والأفكار والقناعات لدى أفرادها ، ولذا تأتي الديمقراطية العلمانية كأفضل آلية لتحديد من يتولى أمر السلطة السياسية على هذا المجتمع والدولة ككل ومن دون تمييز يخل بتساوي فرص العطاء والأخذ والإبداع والحرية ، في إطار الرعاية لحقوق الجميع وحرياتهم وحقهم الأصيل في التمتع بالكرامة وحق المواطنة والمشاركة في انتخاب السلطة والتحكم من خلالها في الثروة الجمعية للوطن . إنّ الديمقراطية تأتي في هذا السياق المتلازم بوصفها أفضل ما توصل إليه الفكر البشري من طرق شغل السلطة وتنظيم تداولها عبر الإرادة الشعبية الحرة وبما يقي المجتمع من فساد السلطة ويحمي أطيافه الفكرية السياسية والدينية من القمع والتصفية . وتأتي العلمانية في هذا السياق كذلك باعتبارها آلية فعالة في الحكم تمنع من استخدام المقدس الفكري في التغول على المجتمع عبر الإرهاب الفكري وإباحة التعرض لأفراد المجتمع بالأذى والتضييق والإبعاد ومصادرة حقوقهم وممتلكاتهم ، فلا يوصم أفراده بالكفر أو الزندقة أو الظلامية أو الرجعية ونحوها من الأحكام الجاهزة والتي تهدر حق الآخر في الاختيار الفكري والايديولوجي . تأتي العلمانية في هذا السياق آلية تمنع من إطلاق الأحكام الموغلة في تقديس الذات ونسف الآخر بما يؤدي إلى غمطه والتجاهل العملي له ومنعه من المشاركة في بناء وطنه وخدمة مجتمعه بالطريقة الأكفاء والأجدر والأجدى ، وتحول بينه وبين حريته وحقه في التعبير عن آرائه ومواقفه وحشد التأييد لها ومؤازرتها واعتناقها بالطريقة التي يسمح بها القانون العادل الذي يستند على حق الجميع في المساواة في الواجبات والحقوق بما في ذلك حق التعبير والحرية التي لا تمنع الطرف الآخر من حقه في حريته واعمالاً لقاعدة المنع من الإضرار بأي طرف وبأي حجة . إنّ العلمانية في هذا السياق مهمة لتوطين الديمقراطية ، و آلية لقمع نزعات العدمية والإرهاب عند الإنسان باسم المقدس وبواسطته . إنّ العلمانية في واقع الأمر وفي سيرورتها التاريخية لم تكن ، ولن تكون ، ضد الأديان ، ولكنها ضد التغول باسم الأديان وباسم الفكر البشري ، و باسم الايدلوجيا المقدسة عند اصحابها . إنها في الوقت التي تمنع فيه التغول إلا أنها تتيح حرية التدين . إنها تمنع تشويه المقدس ومحاولة النيل منه ولو في صورته كفكر بشري مستند اليه ، وهي تتركه للتجربة لتثبت مدى صلاحية ذلك الفكر ووجاهته وقدرته على تمكين الشعوب من التطور والترقي السياسي والاقتصادي والتنموي ، وخلق الآليات اللازمة لذلك . إنّ الديمقراطية العلمانية هي المخرج المتكامل للمجتمعات من عناء التسلط الفاسد ومن شقاء (المقدس) المصطبغ بنزعة الإنسان التسلطية الفاسدة ، ولتتمكن المجتمعات من شق طريقها بنفسها ودون وصاية نحو التقدم وتعزيزه والازدهار وترسيخه وكل ما تحلم به وتنشده في حاضرها ومستقبلها من منجزات مادية ومكتسبات حضارية عمارة للأرض وتلك غاية خلق الله للإنسان وهيأ له هذه الأرض للقيام بها على أتم وجه . وهي في المقابل ترك المجال واسع لـ (المقدس) أن يثبت جدرته على مستوى العلم والاقتصاد والأخلاق والآداب والفن ، دعه يعمل واترك للإنسان الحكم عليه ، وقبوله أو رفضه . و لتكن العلمانية حتى لا يتم تسخير السلطة السياسية وبصورة مباشرة لصالح أي فكر تؤيده أو تعارضه أو تترقبه يبزغ أو ينطفئ ، لندع الدين يعمل في الواقع وسط الشعب الذي يصنع السياسة والسلطة السياسية التي يبقى تأثيرها على فكرها مستحيل الامتناع . تختص السياسة بالدنيا كما يقتصر عليها دور السلطة السياسية وليدة الديمقراطية ، ويختص الدين بالتعبد الفردي للمقدس . إنّ العلمانية في تاريخيتها وجذرها وسياقها العام جاءت وتأتي كحل لمشكلة ومنعاً لتغول المقدس على السلطة السياسية و النسيج الفكري الأيديولوجي ، وهي تبقى ضرورة كحل وكوقاية من الشر والدمار الذي قد تنطوي عليه فكرة الخلط بين السياسة والدين والعكس ، وقاية حينما تتفتق بالدمار عقل المنهزم والضعيف غير المحتكم للديمقراطية الرافض لها عملياً لأنها لم تأت به إلى غايته الحقيقية المتمثلة في التسلط لا البحث عن مصلحة المجموع ودفع الضر عنهم جميعاً وفي آن واحد ، كما أنها تحول بين ذلك وبين الرافض للمبدأ الديمقراطي فيبحث لرفضه عن مبرر من المقدس . العلمانية لا تمنع حق النقد والتوجيه ولكن تمنع الفرض والقسر فيما هو إيماني اختياري أو التعرض له باسم المقدس للسخرية والاحتقار . إنّ التلبس بالمشكلة وعيش حقيقتها وطبيعتها والاندماج التام في جوها هو أنجح وأنجع في الوصول إلى الحل من القراءة عن المشكلة أو التعرف من بعيد عليها . إنّ العلمانية فكرة واحدة معلومة المضمون لا تقبل توسيع ولا اجتزاء ، انها تعني فصل الدين عن السياسة ، و عدم التعرض بأي طريقة للدين في حد ذاته كطريقة تختص بعبادة إله يختلف الناس في تحديده كل وفق ما لديه من تعاليم مقدسة ومعتقدات راسخة مسلّم هو بها . إنّ الدين يختص تحديداً بعلاقة الإنسان مع معبوده ، والتكاليف الدينية فردية شخصية والمحاسبة في الآخرة كذلك ، و إنّ الأجدى للفرد وللمجتمع هو الحرص على التوازن العملي بين السعي لتحقيق التعبد الفردي المطلق لله وتحقيق الحياة الكريمة من ناحية ، وبين الحرص على خدمة الشعب والأمة والعمل من أجل تقدمهما وسعادتهما ، و أن لا يكون أياً من طرفي المعادلة على حساب الطرف الآخر . لا يكفي أنّ الطليعة تدفع ثمن التقدم والازدهار ، فلا بد للأمة والشعب من نصيب مهم من الثمن اللازم والكافي دفعه حتى تعلم وتوقن بقيمية المكسب النضالي والتقدم المؤدي إليه فتحرص عليه وعلى مزيده مع حفاظ تام عليه . لا تعني العلمانية لا من قريب ولا من بعيد منع التدين الفردي ولا مضايقته بما في ذلك رموزه كالحجاب والنقاب للمرأة المسلمة . ولا تعني العلمانية التوقف عن العمل في سبيل التمكين للدين في قلوب معتنقيه والتوسع العددي لمعتنقيه ، ولا تعني منع بناء دور العبادة ، ولا تعني العلمانية إلغاء الجماعات الدينية ولا الإرغام على التنازل عن القناعات الدينية . إنّ العلمانية هي سياسية فحسب فلا علاقة لها بالدين لا دعماً ولا محاربة ، إنما هي فقط منع رجال الدين والأحزاب أياً كان اختيارها الفكري ، في السلطة السياسية أو خارجها ، من الحديث في السياسة البحتة من منطلق الدين ، لا منعهم من الحديث في القيم الأخلاقية والدينية المحضة ، أو إصدار الأحكام بحق الأشخاص أو الجماعات الدينية والفكرية الاخرى . إنّ كل ما هو ديني لا يتدخل في كل ما هو سياسي ، وكل ما هو سياسي لا يتدخل في كل ما هو ديني ، أو بمعنى آخر لا دين يتدخل في السياسة ولا سياسة تتدخل في الدين ، الحرية والديمقراطية والحزبية تلك هي محاور العلمانية السياسية ، حتى لا يكون الضرر من الديني أو السياسي بالإنسان والوطن . إنّ المهم لكل الناس ومن كل الأديان والتوجهات هو تحقيق العدل والأمن والتنمية وضمان حق الشعب في التحكم في ثروته وسلطته السياسية ، وهذه هي مهمة السياسة بشكل مطلق ، وبالإمكان تأمين هذه الحاجات والضروريات من دون حكم ديني وهذا هو الحاصل في دول كبرى ومتقدمة مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند والمكسيك . لقد نشأت الفكرة العلمانية والمذهب العلماني السياسي في أوروبا العصور الوسطى بسبب فساد جزء كبير مما اعتبر الإنجيل الذي كان يطغى فيه التحريف بالإضافة إلى فساد رجال الدين . وفي عالمنا الإسلامي القرآن محفوظ بحفظ الله ، غير أنّ الفساد يكمن في طائفة غير قليلة من (رجال الدين) أنفسهم (العلماء والفقهاء والدعاة الاسلاميين ) فنجد عالم وفقيه مثل الدكتور علي جمعة مفتي مصر السابق الذي اجاز للعسكر قتل الإخوان المسلمين ومن قبله الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الذي أجاز لرئيس سوريا قتل الثوار ضد فساد حكمه ومن قبله ومن بعده نخبة العلماء المكفّرين للديمقراطية لحساب الطغاة بما في ذلك حق التعبير عن الرأي المسخرين للنص المقدس لخدمة نزواتهم و رغباتهم ، ويعود سبب فساد (رجال الدين الاسلامي) والفساد الذي يبدر منهم إلى أتباعهم للهوى ويجعلون الإسلام بنصوصه تابع لأهوائهم ، كما يعود إلى طلبهم السلامة ورغد العيش والحظوة مقابل تفسيرهم للنصوص ولي أعناقها من أجل من يدفع بهم ويحتفي بهم . وحدث عن هذا في المملكة العربية السعودية وجمهورية ايران الإسلامية وغيرها من الدول العربية والإسلامية ،ويتعدى الأمر استخدام السلطة السياسية إلى استخدام الجماعات الإسلامية ، إنّ الأمر هو ظاهرة مكتملة الأركان موغلة في الزمان . نوعين من القيم يحتويها الإسلام العظيم : قيم عقائدية إيمانية تعبدية لله تعالى ، وقيم أخلاقية ، والقيم الأولى هي القيم الدينية العليا وتختص بالفرد مع خالقه من حيث الأيمان والطاعة والمعرفة والسلوك إلى الله ، والنوع الثاني قيم يتعارف عليها كل الناس ويرغبونها لأنفسهم كالعدل والصدق والأمانة والعفة ..وهذا النوع هو أكثر ما تذهب له العقول حين نقول حكم إسلامي ، وبوسع الحاكم أو السلطة الحاكمة أن تكون كذلك بدون الحديث عن الإسلامي الذي في جزء منه كبير هو شعارات جوفاء ، نتبين هذا من موقف السلطة السعودية المؤيد والداعم للإنقلاب الدموي في مصر وهي التي تزعم أنها الناطق الرسمي باسم الإسلام ، وهي بموقفها الداعم له ضالعة في كل قطرة دم و حالة قتل وحرق وتعذيب واعتقال . يبقى النموذج الأبرز للإسلامي الذي يحكم بالعلمانية السياسية رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي وحزبه حزب العدالة والتنمية ،ومع أنّ الجميع داخل تركيا وخارجها يجمعون على اسلاميته إلا أنّ مفردة الاسلام تخلوا منها جميع أدبياته . وهو يحقق شعبية متصاعدة في تركيا العلمانية . يعلن (عبد الله غول): "نحن لسنا حزبا دينيا، نريد أن نثبت أن المجتمع المسلم يمكن أن يكون شفّافا وديمقراطيا ومتوافقا مع العالم الحديث" . بل يصرّح غول نفسه : "نحن حزب أوروبي محافظ" . و يؤكّد البرنامج الانتخابي للحزب في هذا السياق على الاعتراف بالعلمانية ، واعتبارها متطلباً أساسياً للعملية الديمقراطية . والعلمانية كما يعرّفها البرنامج الانتخابي للحزب- تعني: "السماح للناس من كل الأديان والاعتقادات في الممارسة المريحة للأديان، والقدرة على التعبير عن قناعتهم الدينية والعيش وفقها ، وفي الوقت نفسه السماح للناس بلا اعتقادات ؛ لينظموا حياتهم وفق هذه الرؤية . انطلاقا من ذلك فالعلمانية مبدأ للحرية والسلام الاجتماعي". أما الدين فهو البعد الروحي والأخلاقي للناس ، والذي يشكل الموروث الثقافي الذي يميّز الشعب التركي)) ، ومع هذا يكشف غول عن فكره الإسلامي وبطريقة مفيدة : ((نريد أن نثبت ونبرهن أنّ الديمقراطية والإسلام لا يتناقضان ولا يتعارضان مع بعضهما البعض، وكل منهما يكمل الآخر)) . معظم الأحزاب التي تتحدث عن علمانيتها ،في مصر خصوصاً ـ أثبتت أحدث ومجريات الانقلاب العسكري السيسوي الدموي أنهم مجرد أدعياء على العلمانية ، لقد أيدوا العسكر إلى أبعد مدى لتصفية من يخالفونهم الرأي ، بل وفي أحيان تفوقوا عليهم في النزعة العدمية و أصبحوا محرضين لهم على اقتراف مزيدها . كانوا يزعمون أنّ دعوتهم مدنية ، وهي النقيض الحقيقي للحكم العسكري وليس الدين كما يرددون ، كما أنهم باركوا وطالبوا بالقضاء على القوة السياسية ذات التوجه الإسلامي الحركي ، بل كان حزب النور المحسوب على الإسلاميين مؤيد للإنقلاب وسكت عن جرائم العسكر وبقي في صفهم ، وهذا دليل إضافي على فساد قطاع عريض من رجال الدين . الإسلام هو دين جميع المسلمين ، والله سبحانه وتعالى هو الذي يحاسبهم على التزامهم به أو انحرافهم عنه ، وكل مسلم من أي توجه فكري أو مصلحي نفعي مطلق كان هم جميعاً دينهم الإسلام وواجبهم العمل به ، ولكن لا دخل لنا كأشخاص في أن نعاقبهم نحن أو نصدر عليهم الأحكام . العلمانية آلية لا فكراً ، فالفكر له مكوناته وأصوله الخاصة به ، وإنما ينسب الشخص إلى الفكر الذي يعتنقه ، وهو غالباً ،إما ليبرالي يؤمن بحريته وحرية غيره العقائدية والاقتصادية لمراكمة ثرواته والتمتع بمتاحاته وممارسة طقوسه الدينية مع الاحتكام إلى الديمقراطية ،وإما اشتراكي يؤمن بالنظرية المادية والملكية العامة وحكم طبقة واحدة التي تتجسد في الحزب الواحد ، وإما إسلامي يؤمن بالغيب ويباشر الاقتصاد والشورى السياسية بعدل ومن غير ضرر ولا ضرار . و تبقى الرأسمالية فكر اقتصادي لا نظرية شاملة . الجناية على العلمانية : لقد وقعت الفكرة العلمانية بين شقي رحى : بين المغالين فيها وبين الرافضين لها ، ونادراً ما تجد المنصفين المجردين من الأهواء مع الدين والتدين أو ضدهما ، إنّ الفريقين الأولين إما أنهم لم يعرفوا حقيقة فكرة العلمانية أو اعتبروها وسيلة لتمرير وترسيخ توجهاتهم الفكرية ونزعتهم لمحاربة الآخر واشباع شهواتهم عبر نشر أسس الفساد الأخلاقي في المجتمع عبر رفض الدين بالمطلق ، وآخرين رفضوها لرفضهم ومعارضتهم لأفكار أخرى تتعارض مع أفكارهم وحسبت على العلمانية وتم ربطها بها ، إنهم يعتقدون أنّ رفضهم لذاك الفكر لا يستقيم إلا برفضهم للعلمانية ، على الرغم من أن العلمانية أشبه بالديمقراطية فليست مذهب فكري محدد ولكن طريقة في الحكم السياسي . إنّه لا وجود لعلمانية ملحدة ولا لعلمانية ليبرالية ، تماماً كما أنه لا يوجد إلحاد علماني ولا ليبرالية علمانية ، تماماً كما أنه لا يوجد إلحاد ديمقراطي ولا ديمقراطية إلحادية ، وإنما النسبة تصح باعتبارها اقتناع بالعلمانية كآلية مهمة جنباً إلى جنب الديمقراطية . يُعرف العلمانية جون هوليوك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على أنها : ((الايمان بإمكانية إصلاح حال الانسان من خلال الطرق المادية دون التصدي للإيمان ،سواء بالقبول او الرفض)) ، وهذا أقرب تعريف لحقيقة العلمانية اطلعت عليه ، فالعلمانية تتجاوز الإيمان المجرد إلى العمل والفعل ، وهو تعريف لم يفصح عن الحياد المطلوب من المقدس جهة الحكم . وينتقد الدكتور عبدالوهاب المسيري في (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية) هذا التعريف فيقول : ((والحديث عن "إصلاح حال الإنسان" يفترض وجود نموذج متكامل ورؤية شاملة ومنظومة معرفية قيمية. فهل العلمانية إذن هي هذه الرؤية الشاملة؟ إن كان الأمر كذلك ، فإن هوليوك لم يعطنا ملامح هذا النموذج وهذه المنظومة)) غير أنّ هذا النقد مردود ، فالعلمانية آلية وليست منظومة فكرية ، وما يحدد (ملامح النموذج المتكامل والرؤية الشاملة والمنظومة المعرفية القيمية )هو الفكر الذي يعتنقه رجل السياسة ولكن هذا يتضح من ممارسته للسياسة كما يتضح لدى رجل السلطة التشريعية في ما يؤيد ويعارض ويضع ويقر من تشريعات وقوانين . الموسوعة الميسرة في الاديان والمذاهب المعاصرة تقول : ((العلمانية SECULArISM وترجمتها الصحيحة: اللادينية أو الدنيوية)) وهذا صحيح مع العلم أّنّ اللادينية لا تعني رفض الدين وإنما رفض تدخله في السياسة ، كما يفهم من (اللادينية) رفض تعرض السياسي للمقدس ، وتمضي الموسوعة فتقول : ((وهي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي والعقل)) ، وهذا غير صحيح ففيه توسيع مخل بحقيقة العلمانية التي هي تختص بالسياسة فقط دون الاعتقاد والاقتصاد وغيرها من مجالات الحياة ، وتضيف أنها تعني كذلك إقامة الحياة على ((مراعاة المصلحة بعيداً عن الدين)) وإنما استناداً إلى ((العلم الوضعي والعقل)) وهذا صحيح . وتضيف الموسوعة في توافق مع معنى العلمانية ((وتعني في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم)) ، والعلمانية جانبها سياسي محض وليس ((جانبها السياسي بالذات ))، ثم تضيف الموسوعة الميسرة ((ومدلول العلمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيساً في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما.)) ، وهذا غير صحيح وفيه التوسع وفيه الأخذ بالتعريفات الخاطئة للعلمانية ولو كان من مصادر غربية ، فهناك من يدفع بالعلمانية بهذه الطريقة ليستخدمها في تدعيم فكره الليبرالي أو الاباحي أو الإلحادي . ويقول الدكتور سفر الحوالي في كتابه (العلمانية نشأتها وتطورها) (( والترجمة الصحيحة للكلمة هي (اللادينية) أو (الدنيوية))) وهذا صحيح ، ويضيف الحوالي ((لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب، بل بمعنى أخص هو ما لا صلة له بالدين، أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد .)) أنّ مسألة مضادة الدين هنا أقحمها إقحاماً على العلمانية المحايدة جهة الأديان والأيدولوجيات . ثم يورد الحوالي تعريفات اختارها : وتتضح الترجمة الصحيحة من التعريف الذي تورده المعاجم ودوائر المعارف الأجنبية للكلمة : تقول دائرة المعارف البريطانية مادة (secularism): (هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها). ودائرة المعارف البريطانية ترتكب خطاء وتدليس وتجريف لمفهوم العلمانية فليست هذه العلمانية مطلقاً ،إنما هي (فكرة اجتماعية) والعلمانية فكرة سياسية ديمقراطية ، أنّ ما اوردته دائرة المعارف هذه يطعن فيها ككل ، إنها خلاف للنزهة العلمية هدفها تسخير العلمانية لخدمة الليبراليين الرافضين للدين . ومما يؤكد هذا أنها جعلت منشأ العلمانية من المجتمع وبسبب حركته لا من السياسة وازمتها مع الدين المحرّف ، تضيف :((ذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا والتأمل في الله واليوم الآخر، وفي مقاومة هذه الرغبة طفقت الـ(Secularism) تعرض نفسها من خلال تنمية النزعة الإنسانية، حيث بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية والبشرية وبإمكانية تحقيق مطامحهم في هذه الدنيا القريبة.)) ويقول قاموس العالم الجديد لوبستر، شرحاً للمادة نفسها: ((1ـ الروح الدنيوية، أو الاتجاهات الدنيوية، ونحو ذلك، وعلى الخصوص: نظام من المبادئ والتطبيقات (Practices) يرفض أي شكل من أشكال الإيمان والعبادة)) وهذا غير صحيح فليست العلمانية وباي (شكل من الاشكال) رفض للإيمان والعبادة وانما رفض لتدخلهما في السياسة فحسب. ((2- الاعتقاد بأن الدين والشئون الكنسية لا دخل لها في شئون الدولة وخاصة التربية العامة.)) وتخصيص (التربية العامة) وحتى مجرد الاشارة لها غير صحيح البتة . ويقول معجم أكسفورد شرحاً لكلمة (secular): 1- دنيوي، أو مادي، ليس دينيا ولا روحياً )) وهنا قدر من التظليل والإيقاع في الوهم والأصل أن يتيح بعض التفصيل لمفهوم يستحقه كأن يقول (حكم دنيوي) ((لا يستند الى الدين)) أما ((لا روحياً)) فهو تجاوز فضيع ، ومما زاد الطين بلة أنّ معجم اكسفورد مضى في التجهيل وبصفاقة (( مثل التربية اللادينية ، الفن أو الموسيقى اللادينية ، السلطة اللادينية ، الحكومة المناقضة للكنيسة.))فقد خلط ما هو علماني بما هو ليبرالي كاره لروح التدين ومظاهره ... ثم يضيف المعجم (( ((2- الرأي الذي يقول: إنه لا ينبغي أن يكون الدين أساساً للأخلاق والتربية.)) وهذا غير صحيح ، فتعلق العلمانية بالسياسة فقط وهناك أفكار بشرية ترفض الدين أساساً للأخلاق والتربية ، فالدين هو جزء لا يتجزأ من المنظومة الأخلاقية ، مع أنّ الأخلاق قيم بشرية قبل أن تكون دينية ، إننا حتى لو سلمنا ونحينا الدين عن الأخلاق والتربية فإننا سندعو إلى الصدق والأمانة والعدل والرحمة والتعاون طالما نحن في نسق أخلاقي لا سياسي نفعي براجماتي ...وما دمنا نتحدث في تلك القيم الأخلاقية فإننا نتفق مع الدين لا نعارضه ولا نرفضه في حقيقة الأمر . و كان التعريف الوحيد المطابق للعلمانية الذي أورده الدكتور الحوالي في بحثه هو تعريف " المعجم الدولي الثالث الجديد" مادة: (Secularism)."اتجاه في الحياة أو في أي شأن خاص يقوم على مبدأ أن الدين أو الاعتبارات الدينية يجب ألاَّ تتدخل في الحكومة ، أو استبعاد هذه الاعتبارات استبعاداً مقصوداً ، فهي تعني مثلاً السياسة اللادينية البحتة في الحكومة.))وإلى هنا يصح التعريف بل ويكتمل ، غير أنّ المعجم حينما يذهب يفصل يقع في الخطاء ((وهي نظام اجتماعي في الأخلاق مؤسس على فكرة وجوب قيام القيم السلوكية والخلقية على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الاجتماعي دون النظر إلى الدين".)) ، ومرة أخرى ليست العلمانية نظام اجتماعي إنما هي آلية سياسية . ثم يبين الحوالي تعريفه وتصوره للعلمانية فيقول (( والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو "فصل الدين عن الدولة" وهو في الحقيقة لا يعطي المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى السلوك الذي قد لا يكون له صلة بالدولة، ولو قيل: إنها فصل الدين عن الحياة لكان أصوب)) بل لكان خطأ ، ثم يضيف ((ولذلك فإن المدلول الصحيح للعلمانية إقامة الحياة على غير الدين، سواء بالنسبة للأمة أو للفرد )) وهذا الخطأ بغيره ، فقد يكون الدين حاضراً بقيمه العليا في السياسة ، واطلاق الحياة لا يستقيم مع حقيقة المعنى وما صدقه وإنما يصدق القول ((الحياة السياسة)) أو الحكم بمعنى آخر . ويضيف الحوالي ((ثم تختلف الدول أو الأفراد في موقفها من الدين بمفهومه الضيق المحدود، فبعضها تسمح به، كالمجتمعات الديمقراطية الليبرالية، وتسمي منهجها (العلمانية المعتدلة -Non Religious) أي: أنها مجتمعات لا دينية ولكنها غير معادية للدين وذلك مقابل ما يسمى (العلمانية المتطرفة-antireligious)، أي: المضادة للدين، ويعنون بها المجتمعات الشيوعية وما شاكلها.)) وقد وافق الحقيقة هنا إلا في (الدين بمفهومه الضيق)فالدين مفهوم واحد ، ويقول :((وبديهي أنه بالنسبة للإسلام لا فرق بين المسميين، فكل ما ليس دينياً من المبادئ والتطبيقات فهو في حقيقته مضاد للدين )) وهذا غير صحيح بل في حقيقته قد يكون مطابقاً للدين ،والأخلاق التي جاء بها الإسلام كانت موجودة في الجاهلية مع تطبيقاتها وهي متوافقة مع الإسلام لذا قال الرسول محمد بن عبداللاه (صلى الله عليه وسلم) (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) ثم يلخص وجهة نظره (( فالإسلام واللادينية نقيضان لا يجتمعان ولا واسطة بينهما)) وهذا خطأ في الفهم والتطبيق ، فلا توجد في العلمانية (لا دينية) وإنما منع رجال الدين من الحديث في السياسة ومنع رجال السياسة من الحديث في الدين . الدكتور فؤاد زكريا له رأي مختلف خاصة لجهة الاشتقاق يقول في بحث قيم :((ولو شئنا الدقة الكاملة لقلنا إن الترجمة الصحيحة للكلمة هي ((الزمانية))،لأن اللفظ الذي يدل عليها في اللغات الأجنبية(أي secular)في الإنجليزية مثلاً)مشتق من كلمة لاتينية تعني ((القرن saeculum)).فالعلمانية إذن ترتبط ،في اللغات الأجنبية ، بالأمور الزمنية ،أي بما يحدث في هذا العالم وفي هذا الأرض ، في مقابل الأمور الروحانية التي تتعلق أساساً بالعالم الآخر)) ، ثم يقول: ((كل ما ترمي اليه هو إبعاد الدين عن ميدان التنظيم السياسي للمجتمع ، والإبقاء على هذا الميدان بشرياً بحتاً ، تتصارع فيه مناهج البشر ومصالحهم الاجتماعية والاقتصادية ، دون أن يكون لفئة منهم الحق في الزعم بأنها تمثل((وجهة نظر السماء)) ويضيف ((رفض الدين فليس من صميم العلمانية في شيء ،...،الدين يظل محتفظاً بقداسته ولكنه ينزه عن التدخل في الممارسات السياسية المتقلبة ، مع تنظيمه لجوانب هامة في حياة الإنسان ، كالجانب الروحي والاخلاقي)) وقد أصاب هذا المفكر العملاق كبد الحقيقة العلمانية . راجع سلسلة (قضايا فكرية) ـ الكتاب الثامن أكتوبر1989[الإسلام السياسي] مقال للدكتور زكريا بعنوان(العلمانية ضرورة حضارية). وتجدر هنا الإشارة إلى أنّ السلطة السياسية في أدبياتها تنقسم إلى سلطة دينية وسلطة زمنية ، فالقسم الثاني في تسميته هو صدى للعلمانية باعتبارها تعني الزمن . يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري في موسوعة (اليهود واليهودية والصهيونية) :((كلمة «علمانية» هي ترجمة لكلمة «سكيولاريزم secularism» الإنجليزية التي لها نظائرها في اللغات الأوربية. والكلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية «سَيكولوم saeculum» وتعني «العصر» أو «الجيل» أو «القرن». أما في لاتينية العصور الوسطى (التي تهمنا في سياق هذا المدخل)، فإن الكلمة تعني «العالم» أو «الدنيا» (في مقابل الكنيسة). ويوجد لفظ لاتيني آخر للإشارة إلى العالم، وهو «موندوس mundus». ولفظة «سيكولوم» مرادفة للكلمة اليونانية «آيون aeon» والتي تعني «العصر»، أما «موندوس» فهي مرادفة للفظ اليوناني «كوزموس comos» والذي يعني «الكون» (في مقابل «كيوس chaos» بمعنى «فوضى»). ومن هنا، فإن كلمة «سَيكولوم» تؤكد البُعد الزماني أما «موندوس» فتؤكد البُعد المكاني. وقد استُخدم المصطلح سكيولار secular»»، لأول مرة، مع نهاية حرب الثلاثين عاماً (عام 1648عند توقيع صلح وستفاليا وبداية ظهور الدولة القومية (أي الدولة العلمانية) الحديثة، وهو التاريخ الذي يعتمده كثير من المؤرخين بدايةً لمولد الظاهرة العلمانية في الغرب )) ويقول : ((أما في اللغة الفرنسية، فهناك كلمة «لاييك laique». وقد انتقلت الكلمة إلى الإنجليزية في كلمة «ليك laic» بمعنى «خاصة بجمهور المؤمنين» (تمييزاً لهم عن الكهنوت)، ومنها كلمة «لييتي laity» وهم الكافة (باستثناء رجال الدين)، وكلمة «لييسيزم laicism» بمعنى النظام العلماني، أي النظام السياسي المتميِّز بإقصاء النفوذ الكهنوتي عن الدولة )) وينقل المسيري عن (معجم علم الاجتماع المعاصر لمؤلفه توماس فورد هولت ) : ((أورد المعجم ما قاله ج. م. ينجر Yinger في الموضوع: "من الأكثر حكمة في تقديري أن نستخدم كلمة «علمانية» لنشير إلى الاعتقاد والممارسات التي لا علاقة لها بالجوانب غير النهائية (بالإنجليزية: نان ألتمييت non- ultimate) للحياة الإنسانية. ومن ثم فالعلمانية ليست معادية للدين، ولا هي بديل عن الدين، إنها هي مجرد قطاع واحد من قطاعات الحياة". غير أنّ المسيري حاول بقصد حسن ادخال ما ليس من العلمانية إلى العلمانية بالرغم من أنه نتاج عن الأهواء ومحاولة دمج الأفكار والمذاهب الفكرية والغريزية إلى العلمانية باعتبارها ،عند الغرب ، آلية لا تقبل الانتقاص فذلك البعض أن يضفي القداسة على توجهه ونزعاته ونزواته باسم العلمانية ، إنه لا توجد إلا علمانية واحدة لا علمانيتين كما يرى وينظر الدكتور المسيري ، إنّ العلمانية هي فقط ما يسميه بالعلمانية الجزئية أما العلمانية الشاملة فتلك العلمانية في صورتها المزيفة بعد إضافة الأهواء والنزعات والنزق الانساني إليها . إنّ العلماني ، فرداً كان أم حزباً أم جماعة ،هو من يحترم فكرة العلمانية ويسعى لتطبيقها بحذافيرها دون انتقائية ،فيحترم الدين والتديّن ، كما يحترم السياسة والتسّيس ، ومن لم يحمل هذا الفهم وهذا القبول للآخر بالوجود فهو ليس علماني ، بل مثل هؤلاء جنوا على العلمانية وشوهوها إذ أصبحوا هم مقياس للتعلمن مع أنهم غير علمانيين ،إنما هم معادين للعلمنة رافضين لها فهم إما محاربين للدين بإطلاق للعداوة أو بتخصيص وإما معادين للتسيس بإطلاق أو بتخصيص ،إنّ العلمانية ترفض الانتقائية ،إنّ العلمانية آلية بشرية تستحق الاحترام والتقبل ،إنها في جزء منها إحترام التخصص وأهل التخصص ، فيصبح كل من هو صاحب تخصص ينشغل بتخصصه ويبدع فيه ، ولا يتدخل في التخصص الآخر ويدعه لصاحبه يبدع فيه ويراكم مكتسبات ذلك التخصص على المستوى الوطني والدولي ، ومن إيجابيات هذا الاحترام تقليل إمكانية الوقوع في الخطاء الذي قد يكون فادحاً ويدفع ثمنه قطاع مهم من المجتمع . ولا يعني هذا بالضرورة أنّ العلماني لا توجه سياسي أو فكري له شريطة أن لا يكون هو شخصياً أو توجهه يرفض الدين وتدين الآخر . و إنّ الأهم في الفكر هو روحه لا نصه ، إنّ الروح في الإنسان معلومة ولكنها مجهول ، معلومة التأثير ولكنها مجهولة الكيفية إلى حد بعيد ، والأهم فيها وجودها والأهم في الفكر روحه لا نصوصه المعتمدة وعباراته الموروثة ، وينسحب هذا على الممارسة كما ينسحب على روحية الفكر ، فالأهم من دعوى اعتناق فكر ممارسته وتمثله في الحياة العملية . العقل والرشد : لقد منح الخالق الجليل للإنسان العقل الذي يدله على الخير كما يدله على الشر ، وفي الوقت ذاته يعلمه بخيرية الخير وشرور الشر ، وهذه حجة الله تعالى الكبرى على الإنسان ، وهذا الأساس الأبرز ليكون الخليفة الصالح في الأرض فيعمرها ، بل وجعل هذا مركوزاً في فطرته ((إنّا هديناه السبيل)) أي سبيل الحق ونقيضه ،فإما أن يتبع الحق فيكون الشاكر حقاً وإما أن يجتنبه فيكون منكراً له وكأنه لم يعلمه وهو في الواقع عالم ومدرك له . قدر كبير جداً من معارف الإنسان ومنجزاته العلمية حققها عبر إعمال عقله ، وكل فكر هو نتاج أساسي للعقل ، وقد يقتبس عقله من المقدس ويصبغه بوجهة نظره تجاه الحياة والأحياء . يأتي الإنسان إلى هذه الدنيا على الفطرة ، ولديه حرية الإختيار كما أنّ لديه القدرة على التمييز بين ما ينفعه ويليق به في الدنيا والآخرة وما لا ينفعه ولا يليق به . وبالتالي فإن قدرة الإنسان على إدارة شئونه السياسية السلطوية ينبغي أن لا نستهين بها ، مع ما تنطوي عليه من معتقدات دينية يتأثر بها سلوكه وسعيه وكسبه بصور ظاهرة أو مكنونة . إنّ الحقيقة بمعناها العام بما في ذلك رحلة العقل إلى ضفاف الإيمان والدين هي نتاج للعقل الذي وهبه إياه الخالق ، كما أن الحقيقة العلمية أو العلم بمعنى آخر هو نتاج لإعمال العقل واستيعاب ما سبق لعقول الآخرين التوصل إليه ، أي أنّ جديد العلم هو حصاد لتراكم المدركات العقلية . الإسلام دين العقل : إنّ من أعظم مقاصد الإسلام الحفاظ على الضَّروراتِ الخمسِ : الدِّينِ ، والنَّفسِ ، والمالِ ، والعِرضِ ، والعقلِ ، وإننا إذا تأملنا نتاج العقل البشري الذي قد يكون متأثراً بالأديان فإنه أهتم بالحفاظ على هذه الكليات ولكنه لم يرغم أحد وكل يتحمل جريرة نفسه ، كما أنّ العلم الإنساني جاء يحافظ على هذه الكليات بالمعلومات والمنجزات المهمة على صعيد هذه الكليات تحديداً ، إنّ العلمانية في حد ذاتها آلية تحافظ على قدرة الإنسان على التدين مع إحترام الدين ومعالمه المادية ، و تجرم القوانين تعريض حياة الآخرين للخطر أو قتلهم وإن كانوا أبناء أو بنات للشخص ذاته ، وجاءت التشريعات لتمنع سرقة مال الآخرين بما في ذلك الملكية الفكرية كما تمنع اليوم غسيل الأموال أو تمنع دخول (الأموال القذرة)إلى عجلة الاقتصاد ، وتجرم القوانين المساس بالأعراض بما في ذلك التحرش الجنسي وتضع له العقوبات التي يخشاها الكثيرين بما في ذلك كبار الساسة ولنتذكر فضيحة بيل كلنتون مع المتدربة مونيكا لوينسكي ،أما العقل فإن الحضارة اليوم منحته المجال الواسع لينتج ويثمر ويتطبب وحاولت تقليص فرصة الإنسان للإضرار بعقله عبر بعض التشريعات المنظمة لتعاطي الخمور ، أما المخدرات فالحرب عليها لا تخفى ،ويبقى النجاح فيها أمر آخر لا علاقة له برغبة السلطة السياسية . إنّ الإسلام عظيماً وهو يمنح لعقل الإنسان الاحترام وهو يعمل لتطوير دنياه ودرء المخاطر عنها وإدراك المصالح الدنيوية له . تنبع السياسة والسلطة السياسية من صميم حاجة الشعوب للتنظيم الداخلي المتوافق والمتناغم لا المتحارب المتقاتل ، تأتي السلطة والسلطان السياسي من أجل الشعب ولا يتحول الشعب إلى خادم لها ، ولا يتحول الوطن إلى شركة اقتصادية . ليس مطلوب من السلطة السياسية أن تفتش لها عن أهداف فأهدافها هي أهداف الشعب نفسها التي هي منبثقة عن إرادته وثقافته ، وتختلف السلطات في اختيار الطريقة التي تراها الأنسب والأجدى لتحقيق تطلعات الجماهير في الحاضر والمستقبل وفي ظل الثوابت الوطنية ، إنّ عليها أن تسهر على تحقيق آمال الشعب وطموحاته المجتمعية ، ولكل أيدولوجيته وفكره ولكن الآمال للشعب صاحب الحق في السلطة والثروة . والسلطة السياسية كما ينبغي أن تكون وينظر إليها ،هي وسيلة لا غاية ، وسيلة لتنمية الإنسان وتقدم البلد وتطور الإنسانية . ومن هذا المنطلق فإنّ السلطة السياسية هي أمر يتصل بمصالح الناس ، و الإسلام يهتم بما يصلح أمور الناس ، وبهذا القدر تتركز رؤية الإسلام للسلطة السياسية ، وللممارسة السياسية بصفة عامة . و الحديث عن (السياسة الشرعية) وعن الإسلام والسياسة ،هو في واقع الأمر حديث عن اختيارات المسلمين السياسية وما تم فرضه عليهم . لقد جاء تنظيم الإسلام المتصل بالسياسة في إطار قواعده الكلية لتنظيم حياة الناس . المضامين والضمانات للديمقراطية مضامين متعددة ومتنوعة ولها ضمانات تضمن تطبيقها وتنفيذها ، هي على النحو التالي : 1) الدستور المتوافق عليه من القوى السياسية ، المُقر في استفتاء شعبي عام حر ونزيه ، أو من قبل جمعية تأسيسية منتخبة متوافق عليها من قبل القوى السياسية ، المبني على ديمقراطية الحكم والمساوة في الحقوق والواجبات ، الضامن لأسس دولة النظام والمؤسسات والحكم الرشيد . 2) القوانين المتوافقة و المتناغمة مع الدستور ، فلا تمنع ما يُجيز ولا تُجيز ما يمنع ، ولكنها تُفصل المجمل فيه وتحدد آلياته وكيفيات تطبيقه على أرض الواقع ، وبما يمنع التنازع أو مصادرة الحق . 3 ) حرية التعبير و وسائله ، بكفالة وتنظيم حرية تأسيس الصحف والمجلات واصدارها وفتح القنوات التلفزيونية والإذاعات والاستفادة من خدمات شبكة الإنترنت وبما لا يتعارض مع قيم الشعب و ثوابته ، وبما يرسخ حرية الإبداع و الابتكار و التعبير عن الرأي و احترام الحقيقة ومنع اثارة الكراهية والأحقاد . 4 ) التعددية لحزبية ، بإتاحة حرية تشكيل الأحزاب و التنظيمات السياسية التي تمثل توجهات قطاع من الجماهير وتتمثل وتتبنى تحقيق رغباتها و تطلعاتها ، وتحترم في داخلها القيمة الديمقراطية بما تتضمنه من انتخاب حر ونزيه ومحاسبة للهيئات القيادية . 5) الانتخاب الشعبي الحر والنزيه للسلطة السياسية المركزية والمحلية ، بإشراف هيئة محايدة ونزيهة ، بعيداً عن تأثير إمكانيات الجيش والأمن والإعلام الحكومي والمال العام لصلح أي طرف من الأطراف المتنافسة ، السلطة لا تشارك في الانتخابات ، وتشارك فيها الأحزاب بمعزل عن كل قوة سلطوية ، و يجب أن يغيب كل تزوير يطعن ويصادر إرادة الناخبين وتحضر النزهة التامة ، الانتخابات هي أفضل طريقة وأنجع وسيلة لتنظيم الوصول إلى السلطة والخروج منها من دون صراعات ولا انقسامات تهدد النسيج الاجتماعي الوطني والبديل العملي للقضاء على التسلط و مخاطره . وتتضمن السلطة السياسية المركزية نماذج متعددة بحسب أنواع الحكم كما يلي : اولاً : الحكم النيابي : الحكم المبني على أساس مجلس نواب الشعب المنتخب ، و تمتلك فيه الأغلبية المطلقة حق تشكيل الحكومة ، وهو السلطة التشريعية ، و يتولى المجلس ما يلي : أ ـ منح الثقة أو حجبها عن الحكومة ككل أو عن أي عضو فيها . ب ـ مراقبة مطابقة القوانين وتوفقها مع الدستور عبر لجنة دستورية خاصة يشكلها المجلس ، وبإمكانها الاستعانة بخبراء القانون . ج ـ مرقبة أداء الحكومة ككل ، وكل وزير فيها على حده عبر لجان المجلس المتخصصة د ـ مناقشة وإقرار الميزانية العامة للدولة و الحساب الختامي هـ ـ إقرار القوانين التي يراها ، أو تقترحها الحكومة ، بعد مناقشتها . و ـ إقرار الاتفاقيات الخارجية بعد مناقشتها . ثانياً : الحكم الرئاسي : الحكم المبني على أساس رئيس الدولة المنتخب ، و مجلس نواب الشعب المنتخب ، وهو السلطة التشريعية ، و يمتلك في هذا الحكم الرئيس حق تشكيل الحكومة و اتخاذ القرارات الهامة ، و يتولى المجلس النيابي ما يلي : أ ـ منح الثقة أو حجبها عن الحكومة ككل أو عن أي عضو فيها . ب ـ مراقبة مطابقة القوانين وتوفقها مع الدستور عبر لجنة دستورية خاصة يشكلها المجلس ، وبإمكانها الاستعانة بخبراء القانون . ج ـ مرقبة أداء الحكومة ككل ، وكل وزير فيها على حده عبر لجان المجلس المتخصصة د ـ مناقشة وإقرار الميزانية العامة للدولة و الحساب الختامي هـ ـ إقرار القوانين التي يراها ، أو تقترحها الحكومة ، بعد مناقشتها . و ـ إقرار الاتفاقيات الخارجية بعد مناقشتها . ثالثاً : الحكم الجمهوري الدستوري : الحكم المبني على أساس وجود ملك أو رئيس بصلاحيات شرفية ، و مجلس نواب الشعب المنتخب ، وهو السلطة التشريعية ، المالك لحق تشكيل الحكومة ، و المتولي ما يلي : أ ـ منح الثقة أو حجبها عن الحكومة ككل أو عن أي عضو فيها . ب ـ مراقبة مطابقة القوانين وتوفقها مع الدستور عبر لجنة دستورية خاصة يشكلها المجلس ، وبإمكانها الاستعانة بخبراء القانون . ج ـ مرقبة أداء الحكومة ككل ، وكل وزير فيها على حده عبر لجان المجلس المتخصصة د ـ مناقشة وإقرار الميزانية العامة للدولة و الحساب الختامي هـ ـ إقرار القوانين التي يراها ، أو تقترحها الحكومة ، بعد مناقشتها . و ـ إقرار الاتفاقيات الخارجية بعد مناقشتها . و تقوم الحكومة في كل النماذج بما يلي : أ ـ تصريف الشأن العام بما يتوافق مع المصلحة العامة الحاضرة والمستقبلة . ب ـ إدارة عملية التنمية و التطوير ج ـ ضمان الأمن العام والحريات د ـ فرض سيادة النظام والقانون . هـ ـ حماية الشعب والوطن 6) السلطة القضائية المنتخبة المستقلة النزيهة ، ويتم انتخاب قيادتها إما من قبل مجلس نواب الشعب أو من قبل أعضائها . 7 ) تطبيق الدستور والقانون والأحكام القضائية بصرامة ونزاهة ، و تتحمل مسؤولية ذلك بصورة رئيسية الحكومة مع الرئيس ، ويسميا معاً السلطة التنفيذية ، فهي تقوم بتنفيذ الدستور وتطبيقه و تنفيذ ما تقره السلطة التشريعية من قوانين وتشريعات وما تصدره السلطة القضائية من أحكام و إجراءات . 8 ) مرقبة أداء السلطة السياسية عبر نواب الشعب و وسائل الإعلام الحكومية وغير الحكومية . 9 ) الفصل بين السلطات الثلاث : التشريعية و القضائية والتنفيذية ، مع تحقيق التكامل بينها بما يضمن قيام كل منها بمسؤولياتها و أدوارها ضمن السلطة السياسية للدولة . 10 ) فصل المجال السياسي عن الديني ، بما يضمن عدم اهدار حق أي منهما في التكوين والنشاط ، وبما يضمن أن لا يعرض أحدهما الآخر للخطر والصراع والتقاتل .. اليمن ـ حضرموت ـ الأول من مايو 2014م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق