الخميس، 18 مارس 2010

وداع علي العامري

... وودع وادي حضرموت علي سالم العامري ..
غصة في القلب وعبرة في الحلق
بقلم : مرعي حميد
لأول مرة يكون وادي حضرموت بمختلف أطيافه السياسية والإجتماعية والمناطقية على موعد جنائزي واحد يحدو القلوب إليه حادي الحب والود والوفاء ، كان ذلك عصر الجمعة الرابع من ديسمبر 2009 سابع أيام عيد الأضحى 1430 ، وكان المكان مدينة سيؤن وبالتحديد منها جامعها الفسيح وساحته الرحبة ، وكانت التشييع مهيب و استثنائي بكل ما تحمل الكلمة من معنى : ثلاث جنائز أولاها لرجل عرفه الناس وأحبوه واجمعوا على ذلك الحب ، رجل شهد له القاصي والداني ، المحب والمبغض ، بأنه رجل النظام والقانون والمسعى النبيل ومن الطراز الأول ، ذلك هو العميد علي سالم العامري مدير عام الأمن العام بالوادي والصحراء صاحب الجنازة الأولى ، والى جانب جنازته كانت جنازة سائقه الخاص الجندي زكي عرفان حبيش وجنازة حارسه الشخصي الجندي رامي علي حسين الكثيري ، وقد أودى بالثلاثة ومعهم العميد احمد أبوبكر باوزير مدير عام الأمن السياسي بوادي حضرموت والرقيب صالح سالم بن كوير مدير البحث الجنائي بمديرية القطن أيدي الإجرام وذلك يوم الثلاثاء الثالث من نوفمبر 2009 بمنطقة خشم العين بمديرية العبر بصحراء حضرموت ، وقد سبق أن تم تشييع احمد باوزير في منطقته غيل باوزير بساحل حضرموت وصالح بن كوير في منطقته حصون آل كوير بمديرية القطن .
اكتظ جامع سيؤن بالمصلين وفاض على ساحته الرحبة التي تمت تهيئتها لفيضه المتوقع .
..و القصاص الحق قادم
تقاطر الناس من كل مكان وغصة في قلوبهم وعبرة في حناجرهم أن يودعوا الحبيب المحبوب علي العامري شامة الناس ابن البلد الوفي الذي سخر موقعه من المسؤولية في كل المراحل من اجل الصالح العام واستثمر وقته وشبابه في ما يعود نفعه للناس كل الناس بغض النظر عن انتماءاتهم ومشاربهم .. دون تفريق ولا تمييز لأي سبب كان . غصة في قلوبهم أن يمر شهر من الزمان ولازال الجناة المجرمون الملطخة أيديهم بالخزي والعار مطلقوا السراح في أمن و أمان ، لما لا ولدى اليمن من الفساد المالي والإداري الحاكم والمتحكم الضارب إطنابه ما يكفل لهم السلامة من العقاب والحال أنّ الخوف من جبار السماوات والأرض منعدم لديهم فهم في غفلة من عذاب الله الذي أعده لهم ولأمثالهم من عتاة المجرمين المفسدين في الأرض (( أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (38) وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ))
، (( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء (43) )) .
(( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ ))، وفي تلك الآيات لو تأملناها سلوة للمفجوعين من أولياء الدم ومن المحبين الصادقين ،مع أنّ الخسارة العامة كبيرة ويعز عنها العوض ، وبالرغم من أنّ السعي للقصاص من المجرمين مهمة لن يهدءا بال الناس إلا بإنفاذها وان وارى الثرى الرجال الخمسة، إلا أنّ قصاص الآخرة أشد وأقسى ، (( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا )) ، جهنم في الدار الآخرة , أما غضب الله ولعنة الله فمن لحظة ارتكاب الجريمة ، ولعنة الله الطرد من رحمته ، هب .. إفترض أنّ الجناة المجرمين قد قبض عليهم وحوكموا وأدينوا ، ماذا سيحصل ؟؟، سيعدموا حداً ، ولكن هل ستبرد قلوب المفجوعين ؟ كلا وألف كلا ، نعم سيخف الشعور بالمرارة وستكون السلطة قد قامت بواجبها المفروض عليها شرعاً ودستوراً وقانوناً وعقلاً ومنطقاً وستسترد احترامها من حيثها سلطة ضبطية مسئولة عن دماء الناس وأعراضهم في هذه القضية وسواها من القضايا وليست السلطة مجرد كراسي وثيرة وهيبة وأبهة وهيلمان وطيلسان وملذات موفورة وأوامر مسموعة ، ولكن هل يستوي إعدام الجناة المجرمين الذي لن يستغرق إلا ثوان مع قهر يقطع قلوبهم ورعب يسري في أوصالهم ، هل يستوي هذا والعذاب العظيم في جهنم (( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) ))

(( وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17) ))
(( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ )) ، (( إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيى ))

((وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ))
(( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ))
((وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ))
(( هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ )) ، لا يستوي عذاب الدنيا وعذاب الاخرة ، ولو خير الناس بين ان يعذب المجرمون عذاب القصاص في الدنيا ام عذاب الاخرة في نار جهنم لاختاروا عذاب الاخرة ، ولو خير المجرمون بين عذاب القصاص في الدنيا وعذاب جهنم لاختاروا القصاص ، والله هو الحكم العدل ((يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ))
قصيدة في وداع علي العامري
بين يدي صلاة الجنازة ألقى الباحث الشاعر جعفر السقاف قصيدة تأبينية في العميد علي بن سالم العامري قال فيها :
الحمد لله العليم العالم .........الحي والباقي حياته دايم
هو المعز هو المميت المحيي وخالق الأكوان وهو القاسم
ماحد على الدنيا مخلد دايم
وألفي صلات الله على خير الورى المجتبى المصطفى أبو القاسم
وآله مع الأصحاب أبطال الوغى خلوا عمود الدين راسخ قايم
قال الفتى جعفر تزّعل مرقدي ودارت أفكاري كما باكازم
لا هم من دنيا ولاشي قاصر علي.. ولاشايم ولاحد لايم
ذلا خساره جم علينا وقعت ..الركن لي في الامن يحرس دايم
جاه القضاء من ربنا في يومه ....... الباقي الله هو مخلد دايم
واليوم يالهاجس حكم أقوالك هات الدرر قع للجواهر ناضم
لأنك تعزي الشعب في ذا المحفل في ذا العلي العامري بن سالم
من صنبرة خير القبائل أصله الأحقاف تزهى به تشد وتزاحم
له يد طويلة في المحافل وانتشر صيته ويلمع مثل فص الخاتم
ياحر جوفي على العميد المخلص شجاع حيدر دوب ثغره باسم
حكم سواس الأمن بل زر زرها لايخاف من قاعد ولامن قايم
الصدق ما يخفيه ...وينقّح به في القول والعقل الصريح الجازم
ياخير والله رهط لي كانوا معه..... نعم العوامر لي علاهم دايم
لاضربت الأرواع ما بين القبل شف روعهم بين القبل هو قادم
الوادي الأخضر سعد به كم تعدد من خلاقه ما مثيله فاهم
ياخسهم من شرذمه غدروا به المفسدين لي ما حشمهم حاشم
أوغاد خونة والأمل في الدولة تقبض عليهم دوب لازم .. لازم
ذي تعزيه لك من محب لك مخلص جعفر محمد كنيته بو كاظم
وختمها ماقال شاعر غنّاء .........ماحد على الدنيا مخلد دايم
السيل البشري يتدفق
بعد أداء صلاة العصر وصلاة الجنازة تدفق السيل البشري المقارب للعشرة آلاف من جامع سيؤن ومن ساحته حاملاً الجنائز الثلاث في موكب جنائزي حزين تلفه الفاجعة بخسارة بالغة يعز عوضها، واتجهت الجموع صوب التربة الواقعة في قلب مدينة سيؤن حيث ووري الشهداء الثلاثة الثرى ، وفي المقدمة منهم فقيد الوطن والمواطن علي العامري

فتًى يَكرَهُ التّقصِيرَ حتّى تظُنَهُ،
ُيكون حراماً عندهُ الجمعُ والقصرُ
طواهُ الثّرى من بعدِ ما شَرُفَ الثّرَى
بوَطأتِهِ، والتّختُ والدّستُ والقصرُ
لم نرى بدراً قبلهُ غابَ في الثّرى ،
ولم نَرَ طَوداً قَبلَهُ ضَمّهُ القَبرُ
وقد كان بطنُ الأرضِ يغبطُ ظهرَها
عليه، فأمسَى البَطنُ يَحسدُهُ الظّهرُ

وكانت القلوب الباكية والأعين الدامعة والأرواح الأسيفة تبتهل إلى الله العلي الأعلى أن يغفر لهم وان يرحمهم وان يثبتهم وان يكرم نزلهم وان يوسع مدخلهم وان يجعل قبورهم رياض من رياض الجنة ، وهكذا انفضت الجموع بعد وداع مؤلم والكل ينتظر ويتحرق لئن يلقى المجرمون الخونة لله والوطن والمواطن جزائهم العادل والرادع .

هناك تعليق واحد: