أعيان حضرموت في ملتقى تاربه ...
القصاص مهمة عاجلة لدولة مسترخية
تغطية وإعداد : مرعي حميد
في وادي حضرموت كان ملتقى القبائل عشية انعقاده الاثنين السادس عشر من نوفمبر2009 على كل لسان لعظم الفجيعة وشناعة الجريمة التي ارتكبت في وضح النهار بحق ثلاثة من رجال الأمن بوادي حضرموت وفي الوقت نفسه غياب مثير للريبة لسلطات أمنية وعسكرية في المنطقة كان بوسعها عمل الكثير لو أرادت لضبط الجناة المجرمين و في تلك الظهيرة التي اختاروها لفعل جريمتهم الشنعاء وفي منطقة صحراوية مفتوحة فلا جبال ولا آكام ولا شجر ولا مدر ولا حجر .
في صباح يوم انعقاد ( ملتقى المشايخ والوجهاء والأعيان والشخصيات ) كانت وجهة الآلاف ومنذ الصباح الباكر منطقة تاربه الكائنة إلى الشرق من مدينة سيؤن ليعلنوا عن عميق ألآمهم للمصاب الذي حل بواديهم ووفائهم للرجال الذين ذهبوا على يد الغدر والخيانة و ليعبروا عن وقوفهم وتضامنهم مع أولياء الدم .
تاربه .. القرية حين يلازمها الحداد
وكأني بتاربه وأنا على مشارفها التي تعلو مداخلها صور الراحلين ولافتات الترحيب بالضيوف والإدانة لجريمة بحق وطن قبل أن تكون بحق أفراد أو مناطق أو قبائل أو جهة جغرافية ، كأني بتاربه متشحة بالسواد شاكية منتحبة يهمي الدمع من مآقيها للخطب الجلل الذي كان ثلاثة من ضحاياه ينتمون إليها ، وهي المنطقة الوادعة ، وكان في مقدمتهم واحد من أنبل الرجال الميامين، على مثله كانت الآمال تعقد لنيل مطالب وتحقيق أحلام وأمنيات مشروعة عزت في زمن طغت فيه الأنانية و الإنسحابية ومظاهر فساد الذمم وسط متقلدي أمور البلاد والعباد إنّه العميد علي سالم العامري صاحب السيرة التي تفيض نبلاً والمسيرة الحافلة بالمآثر الإنسانية السامقة ، إنّه رجال في رجل ، كنت أراه لو طالت به حياة واحد من رجالات اليمن كل اليمن يفخر بها وطنه ويقلدها أرفع الأوسمة والنياشين ، ويضعها حيث تستحق في عالي المقامات وأسمى الرتب وهو مواصلاً للسير على درب الوطنية الحقة ، لا الزائفة ، محققاً طموحاته وأحلامه التي هي طموحات وطن وأحلامه : أمن مستتب ، كرامة موفورة ، دستور وقانون يخضع ويخضع له الكل ،مجتمع للفضائل والطهر والإيمان والتقوى والعمل الصالح الذي يرضاه الله ، وطن يزهو بأبنائه حائزين على حظ وافر من التعليم ملتحمين في معركة التنمية والبناء التي يستحقها الوطن . لقد كان الراحل مع كل مناقبه آية في التواضع ، وفي نكران الذات لا يدانى ، رجل تفخر عشيرته أن أنجبته للوطن ، ويزهو مسقط رأسه أن قدم مثله ، رجل حق للأعلام أن تنكس لرحيله المؤلم المفجع ، ومناقب الرجل حديث عاطر لا يتسع له المجال ونحن بصدد ملتقى الكرام في موطن الجود والكرم ، موطن العز والشمم .
الراحلون .. الحاضرون أبدا..
ثمانية آلاف على أقل تقدير اجتمعوا عند سفح شعب الحصان وفاءً وحباً لرجال أوفياء ، واستجابة لنداء الضمير الحي ، وتلبية لدعوة قبائل العوامر ، وآل كثير ، وآل باوزير ، ونهد ، كانت صور الراحلين الخمسة تصافح عينيك أينما يممت وجهك : على الخيام الفسيحة المنصوبة ، وسط الصدور ،على الجيوب ، مثلما تشاهدها قبل دخولك تاربه مبثوثة على جوانب السيارات من كل نوع ، العميد علي سالم العامري مدير عام الأمن العام بوادي حضرموت ، العميد احمد أبوبكر باوزير مدير عام الأمن السياسي بوادي حضرموت ، الرقيب صالح سالم بن كوير النهدي مدير البحث الجنائي بمديرية القطن ، جندي زكي عرفان حبيش سائق مدير عام الأمن العام بالوادي والصحراء ، جندي رامي علي حسين الكثيري من مؤسسة الطيران المدني وحدة إطفاء مطار سيؤن . وتوزعت جنبات الخيام المفروشة لافتات التنديد والوفاء والإصرار على الوفاء وعدم نسيان رجال ميامين ، وكان على خلفية المنصة علم الجمهورية اليمنية دلالة على التمسك بالوحدة اليمنية في زمن تتعالى فيه الدعوات الانفصالية ، وأملاً في أن يكون لدولتها يداً من حديد تقتص من الجناة المجرمين ومن يقف خلفهم تخطيطاً وتمكيناً .
الحشود ترفض الإستماع لرئيس الجمهورية
عند الحادية عشر ظهراً بدأت جلسة أولى على طريق جلسة العصر الأساسية التي تنتظرها القلوب بلهفة تحدث في الجلسة الأولى مشايخ القبائل الداعية للملتقى : شيخ العوامر وشيخ آل كثير وشيخ نهد ، وتحدث في الجلسة الشيخ عمر بن حفيظ ، وأجمعت الكلمات على التنديد والإدانة والترحيب بالحضور وشكرهم على تلبية الدعوة والاستنكار للانفلات الأمني والمطالبة وبشدة ببسط الأمن والأمان في كل مكان وزمان ولكل الناس .
وخلال الجلسة فوجئت الحشود بمقدم الجلسة يقدم لهم رئيس الجمهورية المتحدث عبر هاتف جوال فهاجت الحشود رافضة للحديث ورافضة للاستماع لرئيس الجمهورية لأنها لا تجمع على شي مثل إجماعها على تقاعس الدولة عن مطاردة المجرمين القتلة وتقصي أثرهم مما يضع آلاف علامات الاستفهام والتساؤل ، ومع رفض الحشود الساخطة للاستماع توقف رئيس الدولة ،الذي كانت صورته حاضرة في خلفية المنصة ،عن حديثه الذي لم يكد يتجاوز أول عبارة غير مسموعة منه .
البيان الختامي .. اللمسات الأخيرة
بعد أداء صلاة الظهر تناول الضيوف طعام الغداء ، وتلاه قيلولة قضاها الحضور في تجاذب إطراف الحديث وتخللها دعوة اثنين من مقادمة كل قبيلة لبيت مجاور من بيوت العوامر وذلك بغرض التشاور النهائي حول البيان المنتظر عن اللقاء والخطوات اللازم اتخاذها لمواجهة تبعات الاغتيال الآثم وبدم بارد لصفوة من خيار الناس .
أذّن العصر وسط الخيام ، وهنالك صلى القوم ثم تقاربوا حول المنصة ، وحين هم المقدم بالحديث صمتت الحشود لتتسمر الأبصار وتصيخ الأسماع لما سيقول وما سيقال فكل من حضروا ومن لم يحضروا قد تناهى إلى أسماعهم أنّ بياناً سيصدر عن الملتقى وكلمة ستلقى عن أولياء الدم في عصر يوم الانعقاد وذلك قبل يوم انعقاده بيوم أو يومين وربما أكثر .
أولياء الدم : كيف إذن فر الجناة ؟؟؟؟
بدأت الجلسة الرئيسية بكلمة للشيخ أبوبكر بن علوي المشهور العدني قال فيها : ((أتمنى من الجميع أن يدركوا هذه المرحلة الدقيقة ،...، نحزن في هذه المناسبات ونتأثر لكن نريد من موت الرجال حياة رجال )) سائلاً الله في كلمته (( أن يمنحنا وإياكم اليقظة والإدراك والوعي الذي يتناسب مع الزمان ويتناسب مع المكان )) ، وبعد كلمته كانت الكلمة المنتظرة لأولياء الدم وألقاها أصالة عن نفسه ونيابة عنهم الأستاذ عمر ابن عبدالله العامري واستهلها بالآية الكريمة : ((إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )) والآية الكريمة ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)) ، وقال في كلمته : ((إننا لا نعترض على قضاء الله وقدره ، فالموت حق ، لكننا هنا نحمل الجهات الأمنية والعسكرية والسلطة المحلية المسؤولية الكاملة في عدم التحرك السريع أثناء وبعد وقوع الجريمة وملاحقة المجرمين خاصة إذا ما عرفنا أنّ موقع حدوث الجريمة يبعد حوالي اثنين كيلو من احد النقاط المنتشرة ، ويبعد عن كتيبة تابعة للواء 37 حوالي خمسة كيلو وهي ولله الحمد مجهزه بنقاط مراقبة في الجبال فكيف إذن فر الجناة ؟؟؟؟ )) ، وبعد أن طالب الدولة بالقيام بواجباتها قال : (( إنّ هذا الحدث ينذر بانفلات أمني لا تحمد عقباه مالم تتخذ الدولة هذا الأمر بمحمل الجد وتحقيق النتائج المرجوة والسريعة )) وهي عبارة يفهم منها التحذير ، ومضى في كلمته قائلاً : (( إننا نعتبر أنّ هذا اللقاء بداية انطلاقة لمتابعة القضية على كافة الأصعدة كما نناشد الأخ الرئيس بالاستمرار بالمتابعة للقبض على الجناة وتقديمهم للعدالة ليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه عمل مثل هذه الجرائم ، وما اصطفافكم وتلبيتكم لدعوة حضور هذا الملتقى إلا دلالة قاطعة على تفهمكم لما نعانيه وما تعانيه جماهير محافظة حضرموت من حرقة وألم ، ولا يفوتنا هنا أن نشكر أولئك الشجعان الذين تحركوا في نفس ليلة الحادث المؤلم وبذلوا كل ما في وسعهم في التحري ومتابعة اثر الجناة في الصحاري وما قدموه من معلومات لصالح القضية ،كما لا ننسى هنا أن نشكر كل من قدم التعازي والمواساة والمشاعر الفياضة تجاه هذا الحدث كما نشكر كافة اللجان المشرفة على الملتقى اللجنة الأمنية واللجنة الإعلامية والتشريفات والرادارية وغيرها ونشكركم جميعاً على الحضور ونسأل الله تعالى أن يتقبلهم شهداء وان يسكنهم الفردوس الأعلى إنه القادر على ذلك )) .
بيان الملتقى : شكوك و إرتياب و رسالة إعذار
ما تضمنه البيان الصادر عن الملتقى هو ما تفرضه اللحظة الراهنة من عمر القضية ، وما تقتضيه المصلحة العامة من مجتمع لم يصدر عنه إلا الخير والسلام والمحبة ، والبيان يشي وينبئ بنار تحت الرماد يوشك إهمال السلطات و سكوتها وتقاعسها وعلامات الاستفهام التي تكبر يوماً اثر آخر أن يحيل النار إلى آتون مستعر إحقاقاً للحق وإبطالا للباطل وقياماً بالواجب الذي يجب على الدولة الآن ، وقد رمى الملتقى الكرة في ملعبها، القيام به لا أقل ولا أكثر . البيان الذي تلاه الأستاذ خالد حسين الكثيري قدّم بين يديه خاطرة خطرت له قال فيها :
سلام ياخيرة رجال المجتمع يا رافعين الرؤوس
انتم كنان الراس منكم بايظل دوب العدو منهوس
النصر والتاييد واصل قيدكم والجماله والمدد ملموس
أما العدو والله نجيبه لو غاب في قاع البحر بنغوص
حيا وسهلا يارجال العز والجودات ياللي عكفتوا على الناموس
ثم تلى البيان المنتظر ،من الحاضرين ، وبلهفة ومما جاء فيه : (( إنّ كافة أبناء حضرموت بجميع شرائحها الاجتماعية تعلن شجبها واستنكارها لهذه الفعلة الشنيعة وهي تساند وتقف صفاً واحداً في وجه كل من أراد المساس بالوطن وأهله بسوء ، كما تعلن مساندتها الكاملة ودعمها اللامحدود لأولياء الدم والسعي معاً لتحقيق مطالبهم المشروعة )) ، ثم عدد البيان تلك المطالب وأولها (( أن تتحمل الدولة بكافة مؤسساتها ذات العلاقة مسؤولية متابعة ما حدث وتتحمل مسؤوليتها الكاملة في إلقاء القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة وتنفيذ القصاص فيهم بأسرع وقت )) ، وكان ثالث المطالب حسب البيان : (( نطالب بمساءلة ومحاسبة المقصرين من المسئولين المعنيين بأمن المنطقة وحمايتها ( عسكريين ومدنيين ) ، حيث أدى تقصيرهم إلى تمكّن الجناة من تنفيذ فعلتهم والهروب والاختفاء في الوقت الذي كانت هناك إمكانية القبض عليهم خلال فترة قصيرة جداً من وقوع الحادث لأنهم كانوا في محيط ساحة الجريمة .)) وهذا يشير إلى أنّ ( المسئولين المعنيين ) ـ بحسب تعبير البيان ـ إما أنهم ترددوا خوفاً من التحرك لملاحقة الجناة وبالتالي لم يتحركوا رغم إمكانية التحرك المادية أو أنّ البعض قد يكون على اطلاع وموافقة على ما سيحدث وحدث بالفعل وبالتالي لم يحرك ساكناً ليتحقق للقتلة التنفيذ والهروب وتموت الأدلة وتسجل الجريمة ضد مجهولين ، أو أنّ البعض كان طرفاً في الجريمة لمآرب شخصية ، وأقر المجتمعون في النقطة الرابعة من البيان (( دعم مجهود شعبي لمتابعة القضية من خلال مندوبي أولياء الدم وشيوخ وشخصيات اجتماعية يتم اختيارها من قبل لجنة أولياء الدم وشيوخ القبائل التي ينتمي إليها الشهداء وتسمى هذه اللجنة ( لجنة المتابعة ) وان تكون مهام هذه اللجنة التحرك فيما يخدم القضية على أن يكون ذلك التحرك بالتنسيق مع محافظ حضرموت و وكيل شؤون الوادي والصحراء )) وجاءت النقطة السادسة من نقاط البيان السبع كما يلي : (( يرى اللقاء العام ضرورة تشكيل لجنة رسمية ذات مستوى عالي لتقصي الحقائق وإخطار لجنة المتابعة بكل جديد يتحقق على طريق الوصول إلى الجناة أولاً بأول )) وهذه مهمة تقع على السلطات الرسمية ، وكانت النقطة الأخيرة قرار من اللقاء العام ب (( ضرورة نقل الصورة الحقيقية للحادث إلى فخامة الرئيس علي عبدالله صالح بواسطة وفد مكون من لجنة المتابعة ومن يختارونهم من شيوخ وأعيان حضرموت )) وهذا يشير إلى شكوك الحاضرين في مدى صحة ومصداقية الصورة التي نقلت لرئيس الجمهورية عن الحادث ، والتضليل الذي قد يحاول البعض إشاعته عن الحادث ودوافعه ، وذلك في حال كان البعض متورط في الجريمة كما قد تعني دلالة الفقرة الثالثة من البيان ، والرئيس هو صاحب القرار الأول في البلد والذي بيده إذا وضحت له الصورة وأراد الكثير لفعله تعرية للجناة وتقديمهم إلى العدالة ليأخذوا جزائهم العادل قصاصاً والرادع لمن تسول له نفسه المساس بأمن وسلامة الوطن والمواطن من أي جهة جغرافية أو قبيلة كان ، وخص البيان نقطته الثانية لأعضاء مجلس النواب وأعضاء المجالس المحلية بالمحافظة والمديريات حيث جاء فيها (( تتحمل الكتلة البرلمانية لمحافظة حضرموت والمجلس المحلي ومجالس المديريات ما يفرضه عليهم الواجب تجاه هذه الفعلة الدنيئة )) وهذا مدخل لإثارة القضية أمام مجلس النواب واستدعاء المسئولين المعنيين بالأمن والدفاع ، كما انه مدخل لأعضاء المجلس المحلي بالمحافظة وأعضاء المجالس المحلية بالمديريات لتنفيذ الفقرة الرابعة من البيان التي نصت على (( يطالب اللقاء العام بإعادة النظر في الوضع الحالي للنقاط المتواجدة على طول الطريق وتفعيلها بإشراك إفراد من أبناء المناطق التي توجد عليها تلك النقاط وكذا المطالبة بتوفير وسائل ضبط أكثر فاعلية لتقوم تلك النقاط بمهام حماية مستخدمي الطريق على الوجه الأكمل )) ، وعدم الثقة في أفراد النقاط العسكرية على الطريق حالياً يبدو واضحاً من نص الفقرة ويستند التشكيك إلى فرار الجناة من منطقة الجريمة ( خشم العين ) بالرغم من وجود النقاط العسكرية وعدم تحركها رغم أنه لا يفصل بين مكان وقوعه واقرب نقطة عسكرية سوى اثنين كيلومتر كما ورد في كلمة أولياء الدم التي أوردناها آنفاً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق