الخميس، 18 مارس 2010

بن شملان

عظيم من اليمن
بقلم : مرعي حميد
عاش مسكوناً بوطنه : كرامته وأمنه ونماه ورفاهيته ، عاش صادقاً مع ربه ونفسه وبلده، عاش صاحب الفكر الوضّاء الخلاق حاملاً مشعله سائراً به على درب الحق والقوة والحرية ، باذلاً وسعه من اجل يمن يستحقه بنيه ،إنّه فيصل بن شملان صاحب اليد النظيفة والطوية الطاهرة والسريرة النورانية والفكر البنّاء الوهاج والعزيمة التي لا تشيخ والصلابة التي لا تنحني حتى للعاصفة والروح التي تخفق بحب اليمن كل اليمن لا القبيلة والحزب والفئة ،والصراحة التي لا تتلجلج ولا تتجزءا بل تأبى إلا أن تكون كُلاً متكاملاً أو لا تكون ،وكم سعيت لئن أجري معه حواراً شاملاً عن المراحل التي عاشها وشهدها من تاريخ اليمن الحديث والمعاصر لكنني فشلت لشرطه الذي لم أكن أجد سبيلاً لإنفاذه حينها : صحيفة تنشر كل ما سيقوله بدون حذف ولا اجتزاء. رجل لإجل رحيله كانت الأحزان ، على مثله حق لوطن الإيمان والحكمة أن يحزن ، إنّه يقع في صدارة الطليعة التي تستحق الإستشهاد بها على استمرارية الوصف النبوي لليمن فهو رجل الإيمان العميق والحكمة البالغة.
لقد عاش فيصل بن شملان عقلية فذة وشخصية مسربلة بالتواضع متدثرة بدثار السماحة والإباء والشمم، لايكاد يخلو له حديث جانبي من طُرفة أو مُلحة تُبدد الوجوم والسأم وتعطي للمعنى بُعداً إضافياً ، هو المنطق الفكري المدهش الذي لا يسعك كصحفي ومتابع مُنصف ومهتم أن تختصر منه أو تُعبّر عنه بعبارات أخرى موجزة ، يجتذبك حديثه مكتوباً أو مسموعاً ويأسرك لتعيش معه و به مستمتعاً بقوة الفصاحة وعبقرية المنطق ومنتهى الصراحة .
ولعل أبلغ وصف قيل عن هذا العظيم اليماني ، المتجذرة ذكراه العاطرة في قلوب محبيه ، ما ورد في دراسة لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن حول استشراف المستقبل السياسي لليمن حيث كتب احد معدي الدراسة : (( في عام 2006 كان من سوء الحظ أن لا يتمكن زعيم تقدمي ومستقل مثل فيصل بن شملان من الحصول على فرصة حقيقية لكي يصبح رئيساً )) ، إنني استطيع أن اجزم وبثقة تامة من أنّ بن شملان لو أتيحت له الفرصة أن يكون رئيساً لليمن حينها ـ أي قبل ثلاث سنوات من وفاته لاستطاع ـ و قد وعد في حوار مع المجلس اليمني أغسطس 2006 (( نحن نتوقع أن نخرجها ـ يقصد اليمن ـ من هذا النفق في غضون ثلاث سنوات على الأكثر )) ـ لاستطاع هذا القيادي المخضرم أن ينجز لليمن مالم يستطع علي عبدالله صالح أن ينجزه خلال الثلاثين سنة من حكمه ، إنّ السلطة لو كانت أتيحت لرجل القول والفعل ،الرجل الذي يدرك حجم تبعة المسئولية وخطورتها في الدنيا والآخرة ، وليست الدنيا فقط فيستعد لها بالحرس المدجج والأمن المشدد ، إنّ ذلك لو حصل لفيصل بن شملان بل للوطن لما تفجرّت القضية الجنوبية ، ولإندملت الجراح اليمنية النازفة في صعدة ، ولكان لدى اليمن دستور مفصّل على مقاس الشعب صاحب المصلحة في السلطة والثروة وليس على مقاس الأشخاص كما كان عام 2006 ولا يزال ، إنّ بن شملان بعقليته الاقتصادية الفذة وحرصه الشديد على المصلحة العامة أن تكون للشعب كان بمقدوره خلال الثلاث السنوات الماضية من وضع أسس متينة لاقتصاد يمني قوي ومشرق ، إقتصاد يقوم على أساس من القضاء العادل والأمن المقتدر والتشجيع المؤسسي الفعلي للاستثمار والمستثمرين أياّ كانوا وسواءً من الداخل أو الخارج مع إلغاء لحكاية أذونات الخزانة سيئة الصيت ، إنّ بن شملان لو كان حكم لكان لليمن كالعافية للجسد المثقل بالأمراض والمثخن بالعلل ، ولحقق أبو تمّام لليمن التمام ، ولكنّه الإستبداد دوماً يفعل ، يعيثُ في الأرض فساداً و إفساداً ومصائباً وآلاماً و شراً مستطيراً وثم يأتيك منتصباً شامخاً بأنفه خطيباً زاعماً انه هو الخير المحض وسواه الشر الخالص (( كُبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ))، يُعربد ويزيّف ويُسيطر ويعلن ما عنّ له أن يعلن ليواصل بغيه وتعديه و (( البغي مرتعه وخيم )) ، وكما يطلقها البعض مثلاً ((لا يرحم ولا يخلي رحمة ربي تنزل )) .
ويبقى السؤال مجلجلاً في مسامع الزمان وأرجاء المكان ، في رحاب الفضاء وفيافي المدى ،بعد أن وارى الثرى قائد التغيير الجسور : متى يثور المارد اليماني من جديد في وجه الفساد والاستبداد ليهنأ بعيش رغيد ويمن سعيد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق